المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر بعض ما صدر لي من التشريعات الملوكية أيام تأبشي بهذه الغرور - الإحاطة في أخبار غرناطة - جـ ٤

[لسان الدين بن الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌[تتمة قسم الثانى]

- ‌ومن الغرباء

- ‌عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد ابن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد الحضرمي

- ‌عبد المهيمن بن محمد الأشجعي البلّذوذي

- ‌عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد الملزوزي

- ‌ومن العمّال

- ‌عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز الأسدي العراقي

- ‌عبد القادر بن عبد الله ابن عبد الملك بن سوّار المحاربي

- ‌ومن الزهّاد والصلحاء وأولا الأصليون

- ‌عبد الأعلى بن معلا

- ‌عبد المنعم بن علي بن عبد المنعم بن إبراهيم ابن سدراي بن طفيل

- ‌ومن الطارئين وغيرهم

- ‌عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح ابن سبعين العكّي

- ‌دعواه وإزراؤه:

- ‌وفيما يسمى بإحدى عيون الإسلام من الأسماء العينية وهم عتيق وعمر وعثمان وعلي، وأولا الأمراء والملوك وهم ما بين طارىء وأصلي وغريب

- ‌دخوله غرناطة وإلبيرة:

- ‌عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي

- ‌ومن الغرباء

- ‌عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن

- ‌علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن عبيد الله ابن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي ابن أبي طالب

- ‌علي بن يوسف بن تاشفين بن ترجوت

- ‌ظهور الموحدين في أيامه:

- ‌الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌عتيق بن زكريا بن مول التجيبي

- ‌عمر بن يحيى بن محلّى البطّوي

- ‌عامر بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق

- ‌علي بن بدر الدين بن موسى بن رحّو بن عبد الله ابن عبد الحق

- ‌علي بن مسعود بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن مسعود المحاربي

- ‌علي بن لب بن محمد بن عبد الملك ابن سعيد العنسي

- ‌علي بن يوسف بن محمد بن كماشة

- ‌عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق بن محيو

- ‌القضاة الأصليون

- ‌عتيق بن أحمد بن محمد بن يحيى الغساني

- ‌علي بن محمد بن توبة

- ‌علي بن عمر بن محمد بن مشرف بن محمد بن أضحى ابن عبد اللطيف بن الغريب بن يزيد بن الشمر ابن عبد شمس بن الغريب الهمداني

- ‌ومن الطارئين والغرباء

- ‌عثمان بن يحيى بن محمد بن منظور القيسي

- ‌علي بن أحمد بن الحسن المذحجي

- ‌علي بن عبد الله بن الحسن الجذامي النّباهي المالقي

- ‌المقرئون والعلماء

- ‌علي بن أحمد بن خلف بن محمد بن الباذش الأنصاري

- ‌علي بن محمد بن دري

- ‌علي بن عمر بن إبراهيم ابن عبد الله الكناني القيجاطي

- ‌ومن الطارئين

- ‌عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي

- ‌عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموي

- ‌علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح ابن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد

- ‌علي بن إبراهيم بن علي الأنصاري المالقي

- ‌علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي

- ‌الكتاب والشعراء وأولا الأصليون منهم

- ‌علي بن محمد بن عبد الحق بن الصباغ العقيلي

- ‌علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان ابن حسن الأنصاري

- ‌علي بن عبد الرحمن بن موسى بن جودي القيسي

- ‌ومن الطارئين

- ‌عمر بن خلاف بن سليمان بن سلمة

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمر الغساني

- ‌علي بن محمد بن علي بن البنا

- ‌علي بن محمد بن علي العبدري

- ‌علي بن عبد العزيز ابن الإمام الأنصاري

- ‌أخباره في الجود والجلالة:

- ‌ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء

- ‌علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم الجذامي

- ‌علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفزاري

- ‌علي بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري

- ‌ومن الطارئين والغرباء

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن مروان بن عمر الغساني

- ‌علي بن صالح بن أبي الليث الأسعد بن الفرج بن يوسف

- ‌علي بن أبي جلّا المكناسي

- ‌علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن علي ابن سمحون الهلالي

- ‌علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي

- ‌علي بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن عبد الله ابن يحيى بن عبد الله بن يحيى الغافقي

- ‌محنته ودخوله غرناطة:

- ‌علي بن عبد الله بن محمد ابن يوسف بن أحمد الأنصاري

- ‌عمر بن علي بن غفرون الكلبي

- ‌علي بن يحيى الفزاري

- ‌الزهاد والصلحاء والصوفية والفقراء

- ‌عتيق بن معاذ بن عتيق بن معاذ بن سعيد بن مقدم بن سعيد بن يوسف بن مقدم اللخمي

- ‌علي بن علي بن عتيق بن أحمد بن محمد ابن عبد العزيز الهاشمي

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن عثمان الأشعري

- ‌ومن الطارئين

- ‌علي بن عبد الله النميري الششتري

- ‌الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌عامر بن محمد بن علي الهنتاني

- ‌ومن الطارئين في القضاة والغرباء

- ‌عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف بن رجا ابن حكم الأنصاري

- ‌عياض بن محمد بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي

- ‌عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى ابن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى ابن عياض اليحصبي

- ‌عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد ابن عطية القضاعي

- ‌ومن الكتّاب والشعراء

- ‌عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن عدي بن محمد التميمي ثم العبادي الجاهلي

- ‌ومن الأصليين من ترجمة المحدّثين الفقهاء والطلبة النجباء

- ‌عيسى بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي زمنين المرّي

- ‌عيسى بن محمد بن عيسى بن عمر بن سعادة الأموي

- ‌غالب بن أبي بكر الحضرمي

- ‌ومن المقربين

- ‌غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام ابن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن خفاف ابن أسلم بن مكتوم المحاربي، أبو بكر

- ‌غالب بن حسن بن غالب بن حسن بن أحمد بن يحيى ابن سيد بونه الخزاعي

- ‌غالب بن علي بن محمد اللخمي الشقوري

- ‌فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر

- ‌فرج بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر

- ‌فرج بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر

- ‌ومن الكتاب والشعراء

- ‌الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله الكاتب المشهور

- ‌ومن المقرئين والعلماء

- ‌فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي

- ‌ومن الصوفية والصلحاء

- ‌فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري

- ‌ومن العمال الأثرا

- ‌فلّوج العلج

- ‌ومن المقرئين والعلماء

- ‌قاسم بن عبد الله بن محمد الشّاط الأنصاري

- ‌قاسم بن عبد الكريم بن جابر الأنصاري

- ‌قاسم بن يحيى بن محمد الزّروالي

- ‌ومن الكتّاب والشعراء

- ‌قرشي بن حارث بن أسد بن بشر بن هندي بن المهلب ابن القاسم بن معاوية بن عبد الرحمن الهمداني

- ‌قاسم بن محمد بن الجد العمري

- ‌ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء

- ‌قاسم بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي

- ‌قاسم بن خضر بن محمد العامري

- ‌سوّار بن حمدون بن عبدة بن زهير بن ديسم بن قديدة ابن هنيدة

- ‌حاله وبعض آثاره وحروبه:

- ‌مبدأ أمره وحروبه وشعره:

- ‌سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الخليفة بقرطبة

- ‌سليمان بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان

- ‌سعيد بن سليمان بن جودي السّعدي

- ‌ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌سهل بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم ابن مالك الأزدي

- ‌سليمان بن موسى بن سالم بن حسان بن أحمد ابن عبد السلام الحميري الكلاعي

- ‌ومن القضاة في هذا الحرف

- ‌سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني

- ‌ومن المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء بين أصلي وغيره:

- ‌سعيد بن محمد بن إبراهيم بن عاصم بن سعيد الغساني

- ‌ومن الكتاب والشعراء

- ‌سهل بن طلحة

- ‌سالم بن صالح بن علي بن صالح بن محمد الهمداني

- ‌هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن محمد بن عبد الله

- ‌ومن ترجمة الأعيان والكبرا والأماثل والوزرا

- ‌هاشم بن أبي رجاء الإلبيري

- ‌يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي

- ‌رئيس الغزاة ويعسوب الجند الغربي:

- ‌من كان على عهده من الملوك:

- ‌يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة ابن نافع الفهري

- ‌ومن غير الأصليين

- ‌يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عزفة اللخمي

- ‌يحيى بن علي بن غانية الصحراوي، الأمير أبو زكريا

- ‌يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن توقورت بن وريابطن ابن منصور بن مصالة بن أمية بن وايامى الصنهاجي ثم اللمتوني

- ‌يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر

- ‌يوسف بن عبد المؤمن بن علي

- ‌يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو

- ‌يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن بكر بن حمامة ابن محمد بن رزين بن فقوس بن كرناطة بن مرين

- ‌الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي بن شريفين

- ‌يحيى بن طلحة بن محلّى البطوي، الوزير أبو زكريا

- ‌يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن الحكيم اللخمي

- ‌يحيى بن عمر بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق

- ‌يوسف بن هلال

- ‌ومن القضاة الأصليين وغيرهم

- ‌يحيى بن عبد الله بن يحيى بن كثير بن وسلاسن ابن سمال بن مهايا المصمودي

- ‌يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري

- ‌يحيى بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري

- ‌يوسف بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد ابن أبي الأحوص القرشي الفهري

- ‌يوسف بن موسى بن سليمان بن فتح بن أحمد ابن أحمد الجذامي المنتشاقري

- ‌ومن المقرئين

- ‌يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي

- ‌يحيى بن عبد الكريم الشنتوفي

- ‌يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن محمد بن قاسم ابن علي الفهري

- ‌ومن الكتّاب والشعراء بين أصلي وغيره:

- ‌يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري

- ‌ومن ترجمة الشعراء من السفر الأخير وهو الثاني عشر المفتتح بالترجمة بعد

- ‌يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد السلام التطيلي الهذلي

- ‌يحيى بن بقي

- ‌يوسف بن محمد بن محمد اليحصبي اللوشي، أبو عمر

- ‌يوسف بن علي الطرطوشي، يكنى أبا الحجاج

- ‌ومن ترجمة المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء:

- ‌يحيى بن محمد بن عبد العزيز بن علي الأنصاري

- ‌ومن العمال

- ‌يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان بن يوسف ابن رضوان بن يوسف بن رضوان بن محمد بن خير بن أسامة الأنصاري النّجاري

- ‌ومن ترجمة الزهاد والصلحاء

- ‌يحيى بن إبراهيم بن يحيى البرغواطي

- ‌[ترجمة ابن الخطيب]

- ‌ذكر بعض ما صدر لي من التشريعات الملوكية أيام تأبّشي بهذه الغرور

- ‌المقطوعات المشتملة على الأغراض العديدة

- ‌ومن المقطوعات أيضا:

- ‌ومن الأوصاف وما يرجع إليها

- ‌ومن أغراض الإشارات الصوفية وغيرها من الوعظ والجدّ والحكم، ولعلّ ذلك ماحيا لما تقدّمه بفضل الله

- ‌رسالة السياسة

- ‌فهارس الإحاطة

- ‌فهرس تراجم الأعلام

- ‌فهرس الكنى والألقاب

- ‌فهرس الكتب والمؤلّفات

- ‌فهرس الأماكن والبقاع

- ‌فهرس القوافي

- ‌فهرس الأرجاز

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌ذكر بعض ما صدر لي من التشريعات الملوكية أيام تأبشي بهذه الغرور

ورعاية سخطة أرزاق السماء، وقتلة الأنبياء، وعبدة الأهواء، ممّن لا يجعل لله إرادة نافذة، ولا مشيئة سابغة، ولا يقبل معذرة، ولا يجمل في الطلب، ولا يتلبّس مع الله بأدب. ربّنا لا تسلّط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، والحال إلى هذا العهد، وهو أول عام أحد وسبعين وسبعمائة «1» ، على ما ذكرته، أداله الله بحال السّلامة، وبفيأة العافية، والتمتّع بالعبادة، وربّك يخلق ما يشاء ويختار. وقال الشاعر «2» :[مجزوء الكامل]

وعليّ أن أسعى ولي

س عليّ إدراك النجاح

ولله فينا سرّ «3» غيب نحن صائرون إليه، ألحفنا الله بلباس التّقوى، وختم لنا بالسّعادة، وجعلنا في الآخرة من الفائزين. نفثت عن بثّ، وتأوّهت عن حمّى، ليعلم «4» بعد المنقلب قصدي، ويدلّ مكتتبي على عقدي.

‌ذكر بعض ما صدر لي من التشريعات الملوكية أيام تأبّشي بهذه الغرور

من ذلك ظهير من مولاي السلطان أبي عبد الله، عندما صار له أمر والده المقدّس أبي الحجاج، رحمة الله عليه، وقد ثبتّ في المحمدين، في اسم السلطان، أيّده الله، فلينظره هنالك من تشوّف لاحتفاله واحتفائه، وظاهر برّه واعتنائه.

وكتب إليّ مخبرا بما فتح الله عليه، قبل الوصول إليه:

«من أمير المسلمين أبي عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر، أيّد الله أوامرهم، ونصر أجنادهم المظفّرة وعساكرهم، وخلّد مفاخرهم الكريمة ومآثرهم.

«إلى وليّنا في الله تعالى، الذي نعلم ما له في الإخلاص لجانبنا من حسن المذاهب، ونعتدّ به اعتدادا يتكفّل بنجاح المقاصد والمآرب، وخلاصتنا، الذي نثني على مجده البعيد الغايات، في الشّاهد والغائب، الفقيه، الوزير الجليل، الصّدر الأوحد المثيل، العالم العلم الأوحد، الرّفيع الشهير، الحسيب الأصيل، الماجد الأثيل الخطير، الخطيب البليغ الكبير، الأوحد، الحافل الفاضل الكامل، إمام البلغاء، وصدر الخطباء، وعلم العلماء، وكبير الرؤساء، الحبيب المخلص، الأودّ الأصفى،

ص: 380

أبي عبد الله ابن الوزير الفقيه الجليل، الأعزّ الأرفع، الماجد الأسمى، الصّدر الحافل، الفاضل الكامل، الأعلى الكبير، الخطير الأثير، الأرضى، المعظّم الموقّر، المبرور المقدّس، المرحوم الشهيد، أبي محمد بن الخطيب، وصل الله سعده، وحرس مجده، سلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.

أما بعد حمد الله، وليّ الحمد وأهله، وناصر الحقّ، ومطلع أنواره، من آفاق رحمته وفضله، وقاهر كل باغ، وخاذله ومذلّه. والصلاة على سيّدنا ومولانا محمد، صفوة أنبيائه، وخاتم رسله، المبتعث بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدّين كلّه، نبي الرحمة، الذي ببركة محبّته نلنا الأمنية، في جمع الدّين ونظم شمله، وبفضيلة جاهه عدنا إلى أرفع رتبة ملكنا، وأعلى محلّه. والرضا على آله وصحبه، المقتدين بهديه في أمرهم كله. فكتبناه إليكم، كتب الله لكم، عزّا لا يبلى جديده، وسعدا لا ينقطع مزيده. من حمرائنا بغرناطة، حرسها الله ومهّدها، ولا متعرّف بفضل الله سبحانه إلّا ما عوّد من ألطافه الخفيّة، وأسدى من صنائعه السّنية، وعنايته التي كفلت ببلوغ الأمنية. والحمد لله كثيرا، كما ينبغي لجلاله، ويليق بصفات كماله، وعندنا من إجلالكم، ما يليق بكمالكم، ومن المعرفة بمقداركم، ما يعرب عن حسن اعتقادنا في كريم نجاركم، ومن قدر أحسابكم، ما يلزم بسببه تعظيم جنابكم. وإلى هذا وصل الله سعدكم، وحفظ مجدكم، فإننا بحسب الودّ الذي نصل لمعاليكم، والحب الذي نضاعفه فيكم، خاطبناكم بهذا المكتوب بشرح ما منّ الله علينا من الفتح العظيم الذي أشرقت به أقطار هذه البلاد، وما منّ به من العودة إلى ملكنا المتوارث عن كرام الآباء والأجداد، وما أنعم به من قهر ذوي الشّقاق والعناد. وذلك أنّا، أعزّكم الله، طال علينا المقام برندة، ولم نزل نوجه إلى أهل الحصون التي بغربي مالقة وغيرهم، نقصّ عليهم ما ألزمهم الله من الوفاء ببيعتنا، ونحذّرهم عار النّكث لطاعتنا، إلى أن آن آوان الفرج، ونفذ قضاء الله وقدره، بالعودة إلى ما كنا تغلّبنا عليه. فاقتضى نظرنا أن خرجنا إلى مالقة في مائتي فارس، فما وصلنا واديها، وعلم بنا أهلها، إلّا وخرج لنا جميعهم، ملبّين بالبيعة، فرحين بقدومنا. وفي الحين بادرنا لقتال القصبة حتى استخلصت وأنزل من فيها بنواحيها. وليوم آخر، وصلتنا بيعات أهل الجهات التي تواليها، من أنتقيرة، ولوشة، وبلّش، وصالحة، وقمارش، والحمّة، وسائر الحصون الغربية، فلمّا وصل الخبر إلى الغادر الخاسر، خاف وذعر، ورأى أن لا ملجأ له إلّا أن يفرّ، فجمع شرذمته، وألّف حاشيته، وخرج عن الحمراء ليلا في ليلة الخميس الماضي، قريبا من التاريخ، هاربا إلى أرض الكفّار. وفي صبيحة الليلة، وجّه إلينا أهل حضرتنا، وتوجّهت الأجناد إلى بيعتنا، وانصرفنا إلى دار ملكنا، وحللناها يوم

ص: 381

السبت الماضي، من غير حرب ولا قتال، بل بفضل الله تعالى، ذي العظمة والجلال. وعرّفناكم بذلك، لتأخذوا بحظّكم من هذه المسرّة الكبرى، إذ أنتم الحبيب الذي لا يشكّ فيه، والخلاصة، الذي نعلم صدق خلوصه وتصافيه، والله يصل سعودكم، ويحفظ وجودكم، والسلام الكريم عليكم، ورحمة الله وبركاته.

وكتب في يوم الأربعاء الرابع والعشرين لجمادى الثانية، من عام ثلاثة وستين وسبعمائة» .

وعند استقراري لديه، وقدومي عليه، أصدر لي هذا الظّهير الكريم، بما يظهر من فصوله:

«هذا ظهير كريم، أقام مراسم الوفاء، وأحيا معالم الحقّ الفسيحة الأرجاء، وقلص ظلال الجود المتكاثفة الأفياء، وجلى بأنوار الحق ظلم الظّلم والاعتداء، وأدّى الأمانة إلى أهلها إذ كانت متعيّنة الأداء. أمر بتسويغ إنعامه، وإبرام أحكامه، أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر، أعلى الله مقامه وشكر إنعامه، لوليّ مقامه، ومحلّ إجلاله وإعظامه، كبير دولته، وفخر مملكته، ومشيّد سلطانه، وعين زمانه، ظهيره الذي ببركاته أنجحت مقاصده، وحامل لواء وزارته الذي بيمن رأيه عذبت مصادره وموارده، الفقيه الأجلّ الوزير المثيل، الماجد الأثيل، الحسيب الأصيل، العالم العلم، الطّاهر الظّاهر، العظيم المفاخر، الكريم المآثر، إمام البلاغة، وفارس البراعة واليراعة، فخر الرئاسة، ومدبّر فلك السّياسة، الخطيب الحافل، الصّدر الفاضل الشّمائل، الحبيب الخالص، الأودّ الأصفى، أبي عبد الله محمد ابن الوزير الجليل الأوحد الأعلى، الصدر الكبير الخطير الشهير الأسنى، الحافل الفاضل، الظّاهر الطاهر، السّامي الأرقى، المعظّم الموقر، الشهيد المقدّس السعيد، أبي محمد بن الخطيب، وصل الله سعادته، وحرس مجادته، وحفظ رتبته الرّفيعة ومكانته، وبلّغه أمله الأرضى وإرادته. لما كان أبقاه الله مدبّر ملك المولى أبيه، وظهيره الذي لم يزل يدنيه ويصطفيه، وعماده الذي ألقى إليه مقاليد الملك، حين علم أنه صدر الأولياء وواسطة السّلك، ووزيره الذي اعتمده بإدارة أمره، وركن إلى مناصحته في سرّه وجهره، وقلّده نجاد الوزارتين، وحلّاه بحلى الرّئاستين، فاكتفى منه عن الأثر بالعين، ونشر له لواء الولايتين، فتلقّاه بيمينه، وقام مضطلعا بأمره قيام الأسد دون عرينه.

وحين انعقد هذا الأمر العلي، قام بسياسة ملكه أحسن قيام وأوفاه، وأداره فأصاب في إدارته مرمى السّداد الذي لم يوافقه إلّا إياه. واستولى في هذه الميادين على غاية الكمال، واضطلع بالرّئاسة والسّياسة اضطلاع أفذاذ الرجال. ولم يزل يدفع عن حماه،

ص: 382

ويذبّ عن حوزته بما يحبّه الله ويرضاه، حتى انتظمت بالسّعود أفلاكه المنيفة وأملاكه، ودارت بالتّأييد أفلاكه.

ولما كان الشّقي الغادر الذي اغتصب الحقّ، وطهر منه الطرق، قد جار على جانب المعتمد به في ماله، وتعدّى بالبغي على حاله، ظلما وعدوانا، وجورا وطغيانا، لم يقدّم، أيّده الله، عملا، عند العودة إلى ملكه المؤيد، وسلطانه الأسعد، وفخره المجدّد المؤيد، وأخذ الله تعالى له، من الظّالم أعظم الثّار، وأمدّه بإعلامه وإظهاره بأعظم الأنصار، على أن صرف عليه جميع أملاكه التي خلصت له بالشّرع موجباتها، ووضعت في سبيل الاستحقاق بيّناتها، مما كان الغادر قد غصبه له وانتهبه، وقطع بالباطل عنه سببه، ومكّنه، أيّده الله، منها باحتيازها، وتولّى لنفسه إحرازها، وعاد بهذا التّسويغ الملكي يوم عودتها إليه خيرا من أمسه، هنّأه الله الانتفاع بها في العمر الطويل، وحفظها عليه وعلى عقبه، يتملّكها الجيل منهم بعد الجيل. وهي كذا وكذا، بداخل الحضرة وخارجها، وكذا وكذا من البلاد. سوّغ إليه، أيّده الله، ذلك تسويغا شرعيّا، ورفع به عنه فيه الأغراض، رفعا كلّيّا أبديّا، وتبرّأ من حق يتعلّق به، أو شبهة تتطرّق بسببه. فليتصرف، أعزّه الله، في ذلك بما شاء من أنواع التصرفات، على ما توجبه السّنّة الواضحة الآيات، من غير حجر عليه، ولا تعقّب لما لديه. وشمل حكم هذا التّسويغ الجسيم، والإنعام العميم، جميع ما يستغلّ على الأرض والجنّات والكروم، والثّمرات من العوائد المستقبلة عليها، والغلّات، شمولا تاما، مطلقا عاما، وأن يكون هذا ثابتا صحيحا، ومن الشّكّ مزيحا، وحكمه على الأيام، واتصال الشهور والأعوام، متصل الدوام. كتبنا خطّ يدنا شاهدا بإمضائه، وسجّلنا الحكم باستقلاله واقتضائه. فليعلم ذلك من يقف عليه، ويعتبر ما لديه. وذلك في اليوم الثاني لرمضان المعظم من عام ثلاثة وستين وسبعمائة. صح هذا» .

ولمّا قضى الله بالانصراف إلى العدوة الغربية، صدرت عن سلطانها أمير المسلمين أبي سالم «1» منشورات رفيعة منها، وقد تشوّفت إلى مطالعة بلاده الغربية، وجهاتها المرّاكشيّة، بقصد لقاء أهل الصلاح والعبادة، وزيارة ملاحد السّادة، ما نصّه:

«هذا ظهير كريم أشاد بالتّنويه الفسيح المجال، والإكرام السّابغ الأذيال، وأعاد النعم بعد إبدائها عميمة النّوال، ووارفة الظّلال، وألقى في يد المعتمد به صحيفة الاعتناء حميدة المقال، مقتضبة ديوان الآمال، ورفع له لواء الفخر العزيز المنال، على

ص: 383

النّظراء والأمثال. حكم بإعماله، وإمضاء أمره الكريم وامتثاله، عبد الله المستعين بالله إبراهيم ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل الله رب العالمين، أبي الحسن ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي يوسف بن عبد الحق. أيّد الله أمره، وأعزّ نصره، للشيخ الفقيه الأجلّ، الأعزّ الأسنى، الوزير الأمجد الأنوه المحترم، الملحوظ، الأثير الأكمل، السّري الحظيّ الذكي الأخلص، أبي عبد الله ابن الشيخ، الوزير، الفقيه الأجلّ، الأعز الأسنى الأمجد، الحسيب الأصيل، الأنوه الأنزه، الأثير الأكمل، المبرور المرحوم أبي محمد بن الخطيب، وصل الله حظوته، ووالى عزّته.

جدّد له الحظوة التي يضفى لباسها، وصحح بنظر البرّ والإكرام قيامها وشيّد بمباني الحفاية التي مهّد أساسها، لما وفد على بابه الكريم عائذا بجواره، وملقيا في ساحة العزّ المشيد عصا تسيار ومجريا في ميدان الثّنا جياد أفكاره، ومعتمدا على نظرنا الجميل في بلوغ آماله وحصول أوطاره، فسحنا له في ميدان البرّ والتّرحيب فبلغ مداه، وأنس في حضرتنا الكريمة أنوار العناية التي كانت هداه، وأحللناه من بساطنا المحلّ الذي اشتمل به العزّ وارتداه، وكمل له الأمل ووفّاه. وأذنّا له تفنّنا في إسداء النّعم الثرة، وتلقّي وفادته بوجوه القبول والمبرّة، في زيارة التّربة المقدّسة بشالة «1» المعظمة، حيث ضريح مولانا المقدّس، ومن معه من أسلافنا الكرام، نوّر الله مثواهم، وجعل في الجنة مأواهم. وهذا الغرض الجميل، وإن عدّ من أنواع التكريم، والإحسان العميم، فهو السّعي الذي تصرف إليه وجوه القبول والرضا والاهتمام، والرغبة التي يصفى لها موارد الإسعاف عذوبة الحمام، والتقرّب الذي تؤثره مهاد البرّ المستدام، ولفاعله مزيّة الاعتناء والتّقديم، وجزاء القيام بخدمة سلفنا الكريم، وقد أذنّا له في مشاهدة تلك الجهات من حضرتنا العليّة إلى مرّاكش المحروسة للقاء الأعلام، واجتلاء المعاهد الكرام، والآثار الباقية على الأيام، كيف أحبّ وعلى ما شاء من إراحة أو إلمام، مصحبا بمن ينوّه به في طريقه من الخدّام تنويها للكرامة وتعديدا، وتجديدا للعناية وتأكيدا. فليعلم بذلك، ما له في بابنا الكريم من الاعتناء، وما اعتدنا لمحبي أسلافنا الكرام من الجزاء، ويجري في جميع مآربه وأحواله على النّهج السواء، مراعى حال إيابه إلى مقرّه من حضرتنا العليّة، ومحلّه من بساطنا الأشرف، وعرضه أعمال القائمين ببرّه، وأكرمنا بين أيدينا، فيجني المبادرة إلى توفية آماله، وثمرة أعماله، ويقابل القائم بمبرّته، والله المستعان. وكتب بالمدينة البيضاء، مهّدها الله، في الحادي

ص: 384

والعشرين لربيع الثاني عام أحد وستين وسبعمائة: وليعتمد لوزيرنا الشيخ الأجلّ الحظي الأكمل أبو الحسن علي بن العباس، أكرمه الله، على أن يدخله إلى المساكن العلية بقصبة مراكش، حرسها الله، ليشاهد الآثار السلطانية التي انتظمت في سلكنا، وعفّى عليها جديد ملكنا، فليعلم ذلك، وليعمل به، والله المستعان، وكتب في التاريخ المؤرخ به» .

وجرّ هذا الإنعام دنيا عريضة، تفتّقت فيها المواهب، ووضحت من اشتهارها المذاهب، شكر الله نعمته، ووالى على تربته رحمته.

وصدر لي عن المتصيّر إليه أمره ما نصّه، وهو بعض من جملة، ونوع من أجناس مبرّة:

«هذا ظهير كريم، نظم العناية ووصلها، وأجمل الرعاية وفصّلها، وأحرز مواهب السعادة وحصّلها، أمر بإبرامه، والوقوف عند أحكامه، عبد الله المتوكل على الله محمد، أمير المسلمين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، ابن مولانا الأمير عبد الرحمن ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين أبي الحسن، ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد، ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي يوسف بن عبد الحق، أيّده الله ونصره، وسنى له الفتح المبين ويسّره، للشيخ الفقيه الأجلّ، الأسنى الأعزّ، الأحظى والأرفع، الأمجد الأسنى، الأنوه الأرقى، العالم العلم، الرئيس الأعرف، المتفنّن الأبرع، المصنّف المفيد، الصّدر الأحفل، الأفضل الأكمل، أبي عبد الله، ابن الشيخ الفقيه الوزير الأجلّ، الأسنى الأغرّ، الأرفع الأمجد، الوجيه الأنوه، الأحفل، الأفضل، الحسيب الأصيل الأكمل، المبرور المرحوم أبي محمد بن الخطيب، أيّده الله بوجه القبول والإقبال، وأضفى عليه ملابس الإنعام والإفضال، ورعى له خدمة السّلف الرفيع الجلال، وما تقرّر من مقاصده الحسنة في خدمة أمرنا العال، وأمر في جملة ما سوّغ من الآلاء الوارفة الظّلال، الفسيحة المجال، بأن يجدّد له حكم ما بيده من الأوامر المتقدم تاريخها، المتضمنة تمشية خمسمائة من الفضّة العشرية في كل شهر، عن مرتّب له ولولده الذي لنظره، من مجبى مدينة سلا، حرسها الله، في كل شهر، من حيث جرت العادة أن يتمشى له، ورفع الاعتراض ببابها فيما يجلب من الأدم والأقوات على اختلافها، من حيوان وسواه، وفيما يستفيده خدّامه بخارجها وأحوازها من عنب وقطن وكتّان، وفاكهة وخضر وغير ذلك، فلا يطلب في شيء من ذلك بمغرم ولا وظيف، ولا يتوجّه فيه إليه بتكليف. يتّصل له حكم ما ذكر في كل عام، تجديدا تاما، واحتراما عاما، أعلن بتجديد الحظوة واتصالها، وإتمام النّعمة

ص: 385

وإكمالها، من تواريخ الأوامر المذكورة إلى الآن، ومن الآن إلى ما يأتي على الدوام، واتصال الأيام، وأن يحمل جانبه فيمن يشركه أو يخدمه محمل الرّعي، والمحاشاة من السّخرة متى عرضته، والوظائف إذا افترضت، حتى يتّصل له تالد العناية بالطّارف، وتتضاعف أسباب المنن والعوارف، بفضل الله، وتحرّر له الأزواج التي يحرثها، تبالغت من كل وجيبة، ويحاش من كل مغرم أو ضريبة، بالتحرير التّام، بحول الله وعونه. ومن وقف على هذا الظهير الكريم، فليعمل بمقتضاه، وليمض ما أمضاه، إن شاء الله. وكتب في العاشر لشهر ربيع الآخر من عام ثلاثة وستين وسبعمائة. وكتب في التاريخ» .

وهذا ومثله، لولا أنه أحظوظ ربما انتفع العقب بوضمها، ورمى غرض الإغفال بسهمها، لم يعن بها، من يرى أن لا جدوى إلّا في التقوى، وأنّ يد الله من هذه الأسباب الضّعيفة أقوى.

وأما «1» ما رفع إليّ من الموضوعات العلمية، والوسائل الأدبية، والرسائل الإخوانية، لمّا أقامني الملك صنما يعبد «2» ، وجبلا «3» إليه يستند، صادرة عن الأعلام، وحملة الأقلام، ورؤساء النّثار والنّظام «4» ، فجمّ يضيق عنه الإحصاء، ويعجز عن ضمّ نشره الاستقصاء. فربما «5» تضمّن هذا الكتاب- كتاب الإحاطة- هذا «6» منه كثيرا، منظوما «7» ونثيرا، جرى في أثناء الأسماء، وانتمى إلى الإجادة أكبر الانتماء.

غفر الله لي ولقائله، فما كان أولاني وإيّاه بستر وزره «8» ، وإغراء الإضراب بغروره، فأهون بما لا ينفع، وإن ارتفع الكلم الطّيّب لا يدفع «9» ، اللهمّ تجاوز عنّا بكرمك وفضلك «10» .

المشيخة: قرأت «11» كتاب الله، عز وجل، على المكتّب، نسيج وحده، في تحمّل المنزّل حقّ حمله، تقوى وصلاحا، وخصوصيّة وإتقانا، ونغمة، وعناية

ص: 386

وحفظا، وتبحّرا في هذا الفن، واضطلاعا بضرائبه «1» ، واستيعابا لسقطات الأعلام، الأستاذ الصالح أبي عبد الله بن عبد الولي العوّاد، كتبا»

ثم حفظا، ثم تجويدا، إلى «3» مقرئ أبي عمرو، رحمة الله عليهما. ثم نقلني إلى أستاذ الجماعة، ومطيّة الفنون، ومفيد الطلبة، الشيخ الخطيب «4» أبي الحسن «5» القيجاطي، فقرأت عليه القرآن والعربيّة، وهو أول من انتفعت به «6» . وقرأت على الحسيب «7» الصدر أبي القاسم بن جزي. ولازمت قراءة العربية والفقه والتفسير، على الشيخ الأستاذ الخطيب أبي عبد الله بن الفخّار البيري، الإمام المجمع على إمامته في فن العربية، المفتوح عليه من الله فيه «8» ، حفظا، واضطلاعا «9» ، ونقلا وتوجيها، بما لا مطمع فيه لسواه.

وقرأت على قاضي الجماعة الصدر المتفنّن أبي عبد الله بن بكر، رحمه الله. وتأدّبت بالشيخ الرئيس صاحب القلم الأعلى، الصالح الفاضل، أبي الحسن بن الجيّاب.

ورويت عن كثير «10» ممن جمعهم الزمان بهذا القطر من أهل الرّواية، كالمحدّث أبي عبد الله بن جابر، وأخيه أبي جعفر، والقاضي الشهير «11» بقيّة السلف، شيخنا أبي البركات ابن الحاج، والشيخ المحدّث الصالح أبي محمد بن سلمون، وأخيه القاضي أبي القاسم بن سلمون، وأبي عمرو ابن الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير، وله رواية عالية. والأستاذ اللغوي أبي عبد الله بن بيبش، والمحدّث الكاتب أبي الحسين «12» التّلمساني، والشيخ الحاج أبي القاسم بن البناء، والعدل أبي محمد الزرقون «13» ، يحمل «14» عن الإمام ابن دقيق العيد، والقائد الكاتب ابن ذي الوزارتين أبي عبد «15» الله بن الحكيم، والقاضي المحدّث الأديب، جملة الظّرف، أبي بكر بن شبرين، والشيخ أبي عبد الله بن عبد الملك، والخطيب أبي جعفر الطّنجالي، والقاضي أبي بكر بن منظور، والرّاوية أبي عبد الله بن حزب الله، كلّهم من مالقة، والقاضي أبي عبد الله المقري التّلمساني، والشّريف أبي علي حسن بن يوسف،

ص: 387

والخطيب الرئيس أبي عبد الله بن مرزوق، كلّهم من تلمسان. والمحدّث الفاضل الحسيب أبي «1» العباس بن يربوع السّبتي «2» ، والرئيس أبي محمد الحضرمي السّبتي «3» ، والشيخ المقرئ أبي محمد بن أيوب المالقي، آخر الرواة عن ابن أبي الأحوص، وأبي عثمان بن ليون من «4» ألمرية، والقاضي أبي الحجاج المنتشاقري «5» من أهل رندة، وطائفة كبيرة من المعاصرين، ومن أهل العدوة الغربية والمشرق «6» ، الكثير بالإجازة. وأخذت الطبّ والتّعاليم «7» وصناعة التعديل عن الإمام أبي زكريا بن هذيل «8» ، ولازمته. هذا على سبيل الإلمام «9» . ولو تفرّغت لذكرهم «10» ، لخرج هذا التّقييد «11» عمّا وضع له.

التواليف: من ذلك «12» : «اللمحة البدرية، في الدولة النّصرية» ، والحلل المرقومة، و «مثلى الطّريقة» ، و «السّحر والشّعر» ، و «ريحانة الكتّاب» في أسفار ثمانية، وكتاب «المحبّة» في سفرين، و «الصّيّب والجهام» مجموع شعري، و «معيار الاختيار» ، و «مفاضلة بين مالقة وسلا» . و «رسالة الطّاعون» ، و «المسائل الطبّية» ، سفر. و «الرّجز في عمل التّرياق» . و «اليوسفي في الطّب» ، في سفرين. و «التّاج المحلّى» ، في سفر. و «نفاضة الجراب» ، في أربعة أسفار. و «البيزرة» في سفر.

«والبيطرة» في سفر، جامع لما يرجع إليها من محاسن الخيل، وغير ذلك. ورسالة «تكوين «13» الجنين» . و «الوصول، لحفظ الصحة في الفصول» . و «رجز الطّب» .

و «رجز الأغذية» . و «رجز السّياسة» . وكتاب «الوزارة» ، و «مقامة السّياسة» . وكتاب «الإحاطة» هذا في خمسة عشر سفرا. إلى ما صدر مني في هذا العهد القريب، وهي «الغيرة، على أهل الحيرة» ، و «حمل الجمهور، على السّنن المشهور» .

و «الزّبدة الممخوضة» ، و «الرّميمة» . و «الرّد على أهل الإباحة» ، و «سدّ الذّريعة، في تفضيل الشّريعة» . و «تقرير الشّبه، وتحرير المشبّه «14» » . و «استنزال اللطف الموجود، في سر الوجود» .

ص: 388

ومن التواليف الصادرة قديما «1» : «بستان الدول» ، وهو موضوع غريب، ما سمع بمثله، قلّ أن شذّ عنه فنّ من الفنون، يشتمل على شجرات عشر: أولها شجرة السلطان، ثم شجرة الوزارة، ثم شجرة الكتابة، ثم شجرة القضاء والصلاة، ثم شجرة الشّرطة والحسبة، ثم شجرة العمل، ثم شجرة الجهاد، وهو فرعان، أسطول وخيول.

ثم شجرة ما يضطر باب الملك إليه من الأطبّاء، والمنجمين، والبيازرة «2» ، والبياطرة، والفلاحين، والندماء، والشّطرنجيين، والشعراء والمغنّين. ثم شجرة الرّعايا. وتقسيم هذا كله غريب، يرجع إلى شعب وأصول، وجراثيم وعمد، وقشر ولحاء، وغصون، وأوراق، وزهرات مثمرات «3» وغير مثمرات، مكتوب على كل جزء من هذه الأجزاء «4» اسم الفن المراد به. وبرنامجه صورة بستان، كمل منه نحو ثلاثين «5» جزءا تقارب الأسفار، ثم قطع عنه الحادث على الدولة. و «أبيات الأبيات» . و «فتات الخوان، ولقط الصّوان» في سفر، يتضمن المقطوعات. و «عائد الصلة» في سفرين، وصلت به «صلة» الأستاذ أبي جعفر بن الزبير. و «تخليص الذهب في اختيار عيون الكتب الأدبيات» . و «جيش التّوشيح» . و «طرفة العصر، في دولة بني نصر» ، ثلاثة أسفار. إلى غير ذلك، حتى في الموسيقا وسواها. هذر كثّف به الحجاب، ولعب بالنفس الإعجاب، وضاع الزمان ولا تسل بين الرّد والقبول والنفي والإيجاب. ولله درّ القائل «6» :[السريع]

والكون أشراك نفوس الورى

طوبى لنفس حرّة فازت

إن لم تحز معرفة الله قد

أورطها الشيء الذي حازت

وكلّ ميسّر لما خلق له، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

هذا «7» ، وقد ذكرت مؤلفات ابن الخطيب، التي أوردها في ختام ترجمته لنفسه، بصور مختلفة، وفقا لتواريخ كتابتها، وقد أورد لنا المقري منها صورة رتّبت على نمط آخر، وبها زيادات لم ترد في نسخة الإسكوريال مما يدلّ على أن نسخة الإحاطة التي وردت بها، قد كتبت في وقت لاحق. وقد رأينا أن ننقلها فيما يلي:

ص: 389

التواليف: «1»

«التّاج المحلّى، في مساجلة القدح المعلّى» . و «الكتيبة الكامنة، في أدباء المائة الثامنة» . و «الإكليل الزاهر، فيما فضل عند نظم التّاج من الجواهر» . ثم «النّفاية «2» ، بعد الكفاية» ، هذا في نحو «القلائد» و «المطمحين» لأبي نصر الفتح بن محمد. و «طرفة العصر، في دولة بني نصر» ، في أسفار ثلاثة. و «بستان الدول» موضوع غريب ما سمع بمثله

(الخ الأوصاف التي وردت في البيان السابق) .

وديوان شعري في سفرين، سمّيته الصّيّب والجهام، والماضي والكهام» . والنثر في غرض السّلطانيات كثير. والكتاب المسمّى ب «اليوسفي في صناعة الطّب» في سفرين كبيرين، كتاب ممتع، و «عائد الصّلة» ، وصلت به صلة الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير، في سفرين. وكتاب «الإحاطة بما تيسّر من تاريخ غرناطة» ، كتاب كبير في أسفار تسعة، هذا متّصل بآخرها. و «تخليص الذهب، في اختيار عيون الكتب الأدبيات الثلاثة» . و «جيش التّوشيح» في سفرين. ومن بعد الانتقال إلى الأندلس، وما وقع من كياد الدولة:«نفاضة الجراب في علالة الاغتراب» ، موضوع جليل في أربعة أسفار.

وكتاب «عمل من طبّ، لمن حبّ» ، ومنزلته في الصناعة الطبية، بمنزلة كتاب أبي عمرو بن الحاجب المختصر في الطريقة الفقهية، لا نظير له. ومن الأراجيز المسمّاة ب «رقم الحلل في نظم الدول» . والأرجوزة المسماة ب «الحلل المرقومة، في اللمع المنظومة» ، ألفيّة من ألف بيت في أصول الفقه. والأرجوزة المسمّاة ب «المعلومة» ، معارضة للمقدمة المسمّاة ب «المجهولة» ، في العلاج من الرأس إلى القدم، إذا أضيفت إلى رجز الرئيس أبي علي، كملت بها الصّناعة كمالا لا يشينه نقص. والأرجوزة المسماة ب «المعتمدة، في الأغذية المفردة» . والأرجوزة في «السياسة المدنية» . إلى ما يشذّ عن الوصف، كالرجز «في عمل الترياق الفاروقي» ، و «الكلام على الطاعون المعاصر» ، و «الإشارة» ، و «قطع السلوك» ، و «مثلى الطريقة، في ذمّ الوثيقة» . حتى في الموسيقى «3» والبيطرة والبيزرة. هذر «4» به كثف الحجاب، ولعب بالنفس الإعجاب «5» ، ولله درّ القائل: الشعر السابق ذكره.

الشعر: من ذلك قولي في الجناب الكريم النّبوي، شرفه الله، وهو من أوليات نظمي في ذلك الغرض «6» :[الكامل]

هل كنت تعلم في هبوب الريح

نفسا يؤجّج لاعج التّبريح؟

ص: 390

أهدتك من مشج «1» الحجاز تحيّة

غاضت «2» لها عرض الفجاج الفيح

بالله قل لي كيف نيران الهوى

ما بين ريح بالفلاة «3» وشيح؟

وخضيبة المنقار تحسب أنها

نهلت بمورد دمعي المسفوح

باحت بما تخفي وناحت في الدّجى

فرأيت في الآفاق دعوة نوح

نطقت، بما يخفيه قلبي، أدمعي

ولطالما صمتت عن التّصريح

عجبا لأجفاني حملن شهادة

عن خافت بين الضلوع جريح

ولقلّما كتبت رواة مدامعي

في طرّتيها «4» حلية التّجريح

جاد «5» الحمى بعدي وأجراع الحمى

جود تكلّ به متون الريح

هنّ المنازل ما فؤادي بعدها

سال، ولا وجدي بها بمريح

حسبي ولوعا أن أزور بفكرتي

زوّارها والجسم رهن نزوح

فأبثّ فيها من حديث صبابتي

وأحثّ فيها من جناح جنوحي

ودجنّة كادت تضلّ بني «6» الشّرى

لولا وميضا بارق وصفيح

رعشت «7» كواكب جوّها فكأنها

ورق تقلّبها بنان شحيح

صابرت منها لجّة مهما ارتمت

وطمت رميت عبابها بسبوح

حتى إذا الكفّ الخضيب بأفقها

مسحت بوجه للصباح صبيح

شمت المنى وحمدت إدلاج السّرى

وزجرت للآمال كلّ سنيح

فكأنما ليلي نسيب قصيدتي

والصّبح فيه تخلّص «8» لمديح

لمّا حططت لخير من وطئ الثّرى

بعنان كلّ مولّد وصريح

رحمى إله العرش بين عباده

وأمينه الأرضى على ما يوحي

والآية الكبرى التي أنوارها

ضاءت أشعّتها بصفحة يوح «9»

ربّ المقام «10» الصّدق والآي التي

راقت بها أوراق كلّ صحيح

كهف «11» الأنام إذا تفاقم معضل

مثلوا بساحة بابه المفتوح

يردون منه على مثابة راحم

جمّ الهبات عن الذنوب صفوح

ص: 391

لهفي على عمر مضى أنضيته

في ملعب للتّرّهات فسيح «1»

يا زاجر الوجناء يعتسف الفلا

والليل يعثر في فضول مسوح

يصل السّرى سبقا إلى خير الورى

والرّكب بين موسّد وطريح

لي في حمى ذاك الضّريح لبانة

إن أصبحت لبنى «2» أنا ابن ذريح

وبمهبط الرّوح الأمين أمانة

اليمن فيها والأمان لروحي

يا صفوة الله المكين مكانه

يا خير مؤتمن وخير نصيح

أقرضت فيك الله صدق محبّتي

أيكون تجري فيك غير ربيح؟

حاشا وكلّا أن «3» تخيب وسائلي

أو أن أرى مسعاي غير نجيح

إن عاق عنك قبيح ما كسبت يدي

يوما فوجه العفو غير قبيح

واخجلتا «4» من حلبة «5» الفكر التي

أغريتها بغرامي المشروح

قصرت خطاها بعد ما ضمّرتها

من كلّ موفور الجمام جموح

مدحتك آيات الكتاب فما عسى

يثني على علياك نظم مديحي «6»

وإذا كتاب الله أثنى مفصحا

كان القصور قصار كلّ فصيح

صلّى عليك الله «7» ما هبّت صبا

فهفت بغصن في الرّياض مروح

واستأثر الرحمن جل جلاله

عن خلقه بخفيّ سرّ الروح

وأنشدت السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الأعظم من عام ثلاثة وستين وسبعمائة هذه القصيدة «8» : [الطويل]

تألّق نجديّا فأذكرني نجدا

وهاج بي الشّوق المبرّح والوجدا

وميض رأى برد الغمامة معقلا «9»

فمدّ يدا بالتّبر أعلمت البردا

تبسّم في مجريّة «10» قد تجهّمت

فما بذلت وصلا ولا ضربت وعدا

وراود منها فاركا قد تنعّمت

فأهوى لها نصلا وهدّدها رعدا

ص: 392

فحلّتها «1» الحمراء من شفق الضّحى

نضاها وحلّ المزن من جيدها عقدا

لك الله من برق كأنّ وميضه

يد الساهر المقرور قد قدحت زندا

تعلّم من سكّانه شيم النّدى

فغادر أجراع الحمى روضة تندى

وتوّج من نوّارها قنن «2» الرّبا

وختّم من أزهارها القضب الملدا

لسرعان ما كانت مناسف للصّبا

فقد ضحكت زهرا وقد خجلت وردا

بلاد عهدنا في قرارتها الصّبا

يقلّ لذاك العهد أن يألف العهدا

إذا ما النّسيم اعتلّ في عرصاتها

تناول فيها البان والشّيح والرّندا

فكم في مجاني وردها من علاقة

إذا ما استثيرت أرضها أنبتت وجدا

إذا استشعرتها النّفس عاهدت الجوى

إذا ما التمحتها العين عاقدت السّهدا

ومن عاشق حرّ إذا ما استماله

حديث الهوى العذريّ صيّره عبدا

ومن ذابل يحكي المحبّين رقّة

فيثني إذا ما هبّ عرف الصّبا قدّا

سقى الله نجدا ما نضحت بذكرها

على كبدي إلّا وجدت لها بردا

وآنس قلبي فهو للعهد حافظ

وقلّ على الأيام من يحفظ العهدا

صبور وإن لم يبق إلّا ذبالة

إذا استقبلت مسرى الصّبا اشتعلت وقدا

صبور إذا الشّوق استجاد كتيبة

تجوس خلال الصّبر كان لها بندا

وقد كنت جلدا قبل أن يذهب النّوى

ذمائي وأن يستأصل العظم والجلدا

أأجحد حقّ الحبّ والدمع شاهد

وقد وقع التّسجيل من بعد ما أدّى؟

تناثر في إثر الحمول «3» فريده

فلله عينا من رأى الجوهر الفردا

جرى يققا في ملعب الخدّ «4» أشهبا

وأجهده ركض الأسى فجرى وردا

ومرتحل أجريت دمعي خلفه

ليرجعه فاستنّ في إثره قصدا

وقلت لقلبي: طر إليه برقعتي

فكان حماما في المسير بها هدّا

سرقت صواع العزم يوم فراقه

فلجّ ولم يرقب صواعا «5» ولا ودّا

وكحّلت عيني من غبار طريقه

فأعقبها دمعا وأورثها سهدا

إلى الله كم أهدى بنجد وحاجر

وأكنى بدعد في غرامي أو سعدى

ص: 393

وما هو إلّا الشّوق ثار كمينه

فأذهل نفسا لم تبن عنده قصدا

وما بي إلّا أن سرى الركب موهنا

وأعمل في رمل الحمى النّصّ والوخدا

وجاشت جنود الصّبر والبين والأسى

لديّ فكان الصّبر أضعفها جندا

ورمت نهوضا واعتزمت مودّعا

فصدّني المقدور عن وجهتي صدّا

رقيق بدت للمشترين عيوبه

ولم تلتفت دعواه فاستوجب الرّدّا

تخلّف عنّي ركب طيبة عانيا

أما آن للعاني المعنّى بأن يفدى؟

مخلّف سربي «1» قد أصيب جناحه

وطرن فلم يسطع مراحا ولا مغدى

نشدتك يا ركب الحجاز، تضاءلت

لك الأرض مهما استعرض السّهب وامتدّا

وجمّ لك المرعى وأذعنت الصّوى

ولم تفتقد ظلّا ظليلا ولا وردا

إذا أنت شافهت الدّيار بطيبة

وجئت بها القبر المقدّس واللّحدا

وآنست نورا من جناب محمد

يجلّي القلوب الغلف «2» والأعين الرّمدا

فنب عن بعيد الدار في ذلك الحمى

وأذر به دمعا وعفّر به خدّا

وقل يا رسول الله عبد تقاصرت

خطاه وأضحى من أحبّته فردا

ولم يستطع من بعد ما بعد المدى

سوى لوعة تعتاد أو مدحة تهدى

تداركه يا غوث العباد برحمة

فجودك ما أجدى وكفّك ما أندى

أجار بك الله العباد من الرّدى

وبوّأهم ظلّا من الأمن ممتدّا

حمى دينك الدّنيا وأقطعك الرّضا

وتوّجك العليا وألبسك الحمدا

وطهّر منك القلب لمّا استخصّه

فجلّله نورا وأوسعه رشدا

دعاه فما ولّى هداه فما غوى

سقاه فما يظما، جلاه فما يصدا

تقدّمت مختارا، تأخّرت مبعثا

فقد شملت علياؤك القبل والبعدا

وعلّة هذا الكون أنت، وكلّ ما

أعاد وأنت «3» القصد فيه وما أبدى

وهل هو إلّا مظهر أنت سرّه

ليمتاز في الخلق المكبّ من الأهدى

ففي عالم الأسرار ذاتك تجتلي

ملامح نور لاح للطّور فانهدّا

وفي عالم الحسن «4» اغتديت مبوّأ

لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى

فما كنت لولا أن ثبتّ «5» هداية

من الله مثل الخلق رسما ولا حدّا

ص: 394

فماذا «1» عسى يثني عليك مقصّر

ولم يأل فيك الله «2» شكرا ولا حمدا

بماذا عسى يجزيك هاو على شفا

من النار قد أسكنته «3» بعدها الخلدا

عليك صلاة الله يا خير مرسل

وأكرم هاد أوضح الحقّ والرّشدا «4»

عليك صلاة الله يا كاشف العمى

ومذهب ليل الشّرك «5» وهو قد اربدّا

إلى كم أراني في البطالة كانعا

وعمري قد ولّى، ووزري قد عدّا

تقضّى زماني في لعلّ وفي عسى

فلا عزمة تمضي ولا لوعة تهدا

حسام جبان كلّما شيم نصله

تراجع بعد العزم والتزم الغمدا

ألا ليت شعري هل أراني ناهدا

أقود القلاص البدن والضّامر النّهدا

رضيع لبان الصدق فوق شملّة «6»

مضمّرة وسّدت من كورها «7» مهدا

فتهدي بأشواقي السّراة إذا سرت

وتحدي بأشعاري «8» الرّكاب إذا تحدى

إلى أن أحطّ الرّحل في تربك الذي

تضوّع ندّا ما رأينا له ندّا

وأطفىء في تلك الموارد غلّتي

وأحسب قربا مهجة شكت البعدا

بمولدك «9» اهتزّ الوجود فأشرقت

قصور ببصرى ضاءت الهضب والوهدا

ومن رعبه الأوثان خرّت مهابة

ومن هوله إيوان كسرى قد انهدّا

وغاض له الوادي وصبّح عزّه

بيوتا لنار الفرس أعدمها الوقدا

رعى الله منها ليلة أطلع الهدى

على الأرض من آفاقها القمر السّعدا

وأقرض ملكا قام فينا بحقّها

لقد أحرز الفخر المؤثّل والمجدا

وحيّا على شطّ الخليج محلّة

يحالف من ينتابها العيشة الرّغدا

وجاد الغمام العدّ فيها خلائفا

مآثرهم لا تعرف الحصر والعدّا

عليّا وعثمان «10» ويعقوب، لا عدا

رضى الله ذاك النّجل والأب والجدّا

حموا وهم في حومة البأس والنّدى

فكانوا الغيوث المستهلّة والأسدا

ولله ما قد خلّفوا من خليفة

حوى الإرث عنهم والوصيّة والعهدا

ص: 395

إذا ما أراد الصّعب أغرى بنيله

صدور العوالي والمطهّمة الجردا

فكم معتد أردى وكم تائه هدى

وكم حكمة أخفى وكم نعمة أبدى

أبا سالم، دين الإله بك اعتلى

أبا سالم، ظلّ الإله بك امتدّا

فدم من دفاع الله تحت وقاية

كفاك بها أن تسحب الحلق السّردا

ودونكها منّي نتيجة فكرة

إذا استرشحت للنظم كانت صفا صلدا

ولو تركت منّي الليالي صبابة

لأجهدتها ركضا وأرهقتها شدّا

ولكنه جهد المقلّ على الثّوى «1»

وقد أوضح الأعذار من بلغ الجهدا

ومن ذلك قصيدة أنشدتها مولاي السلطان الغني بالله بمحضري بالمشور الحافل، المتّخذ بعد الرجوع إلى الأندلس، في بعض ليالي المولد الكريم، المنوّه بوليمتها، وهي خاتمة النّظم في هذا الغرض المقتضى الإلمام، بمدح السلطان، صرف الله وجوهنا إليه «2» :[الخفيف]

ما على القلب بعدكم «3» من جناح

أن يرى طائرا بغير جناح

وعلى الشّوق أن يشبّ إذا هبّ

بأنفاسكم نسيم الصباح

جيرة الحيّ، والحديث شجون «4»

والليالي تلين بعد الجماح

أترون السّلوّ خامر قلبي

بعدكم «5» لا وفالق الإصباح

ولو اني أعطى اقتراحي على ال

أيام ما كان بعدكم باقتراحي «6»

ضايقتني فيكم صروف الليالي

واستدارت عليّ دور الوشاح

وسقتني كأس الفراق دهاقا

في اغتباق مواصل باصطباح «7»

واستباحت من جدّتي وفتائي «8»

حرما لم أخله بالمستباح

قصفت صعدة انتصاري وفلّت

غرب عزمي المعدّ يوم كفاحي «9»

ص: 396

لم تدع لي من السلاح سوى مغ

فر شيب أهوى به من سلاح

عاجلتني به وفي الوقت فضل

لاهتزازي إلى الهوى وارتياح

فكأنّ الشباب طيف خيال

أو وميض قما عقيب التماح

ليل أنس دجى وأقصره ليل

جاذبت برده يمين صباح

صاح والوجد مشرب والورى صف

فان من منتش «1» وآخر صاح

يا ترى والنفوس أسرى الأماني «2»

ما لها عن وثاقها من سراح

هل يباح الورود بعد ذياد؟

أو يتاح اللقاء بعد انتزاح؟

وإذا أعوز الجسوم التّلاقي

ناب عنه تعارف الأرواح «3»

جاء عهد الهوى من السّحب هام

مستهلّ الوميض ضافي المناح

كلّما أخضل الرّبوع بكاء

ضحكت فوقها ثغور الأقاحي «4»

عادني من تذكّر العيد عيد

كان منّي للعين عيد الأضاحي «5»

سفحت فيه للدموع دما

فهي فوق الخدود ذات انسياح

وركاب سروا وقد شمل اللي

ل بمسح الدّجى جميع النّواحي «6»

وكأنّ الظّلام عسكر زنج

ونجوم الدّجى نصول الرّماح

حملت منهم ظهور المطايا

أيّ جدّ بحت وعزم صراح

ستروا الوجد وهو نار وكان ال

ستر يجدي لولا هبوب الرّياح

خلّفوني من بعدهم يائس الطّر

ف ثقيل الخطا مهيض الجناح

وجدوها مثل القسيّ ضمورا

قد برت منهم سهام قداحي

وطووا طوع باعث الوجد والشّو

ق إلى الأبطحيّ غير البطاح

مصطفى الكون من ظهور النّبيّي

ن هداة الأنام سبل الفلاح

حجّة الله حكمة الله سرّ ال

لّه في كل غاية وافتتاح

حاشر الخلق عاقب الرّسل المث

بت بالله بعدهم والماحي «7»

صاحب المعجزات لا يتمارى ال

عقل في آي للحسان صحاح

من جماد يقرا وقمر يشقّ

ومن الماء من بنان الرّاح

ص: 397

دعوة الأنبياء منتظر الكو

ن ودعوى البشير باستفتاح

مظهر الوحي مطلع الحقّ معنى ال

خلق فتح المهيمن الفتّاح

أيّ غيث من رحمة الله هام

وسراج بهديه وضّاح

ما الذي يشرح امرؤ في رسول

عاجل الله صدره بانشراح؟

شقّه الروح ثم طهّر منه ال

قلب من بعد بالبرود القراح

مدحتك الرّسل أيا «1» خاتم الرّس

ل فمن لي بعدّها بامتداح؟

ولعجز النفوس عن درك الحق

ق وإيقافها وقوف افتضاح

صلوات الإله يا نكتة الكو

ن على مجدك اللّباب القراح

عدد القطر والرّمال وما

عاقب دهر غدوه برواح

وجزاك الإله أفضل ما يج

زى كرام الأئمّة النّصّاح

أسفي كم أرى طريد ذنوب

أوبقتني فليس لي من براح

قد غزتني الخطوب غزو الأعادي

وبرتني الهموم بري القداح

سبق الحكم واستقلّ وهل يم

حى قضاء «2» قد خطّ في الألواح؟

لا لدنيا جنحت ألهو «3» فيها

لا لدين خلصت لا لصلاح

قاطعا في الغرور برهة عمري

خسرت صفقتي وخاب قداحي «4»

طمع الشّيب باللّجام المحلّى

حين أبديت أن يردّ جماحي «5»

فأبت نفسي اللّجوج وجدّت

في سموّ إلى الهوى وطماح

يا طبيب الذنوب تدبيرك النا

جع في علّتي ضمين النّجاح

يا مجلّي العمى وكافي الدّواهي

ومداوي المرضى وآسي الجراح

سدّ باب القبول دوني وما لي

يا غياثي سواك من مفتاح

خصّك الله بالكمال وزند ال

كون لم تقترن بكفّ اقتداح

قبل أن يوجد الوجود وأن يت

حف بالنّور ظلمة الأشباح

وأضاءت من بعد ميلادك الأر

ض وهزّت له اهتزاز ارتياح

فسرى الخصب في الجسوم الهزالى

وجرى الرّسل في الضّروع الشحاح

ولقد روعيت لديه حقوق

أقطعتها العدا جناب اطّراح

ص: 398

لمعالي محمد بن أبي الحج

جاج ليث العدا وغيث السّماح

ناصر الحقّ مرسل النّفع سحبا

بين سمر القنا وبيض الصّفاح

ومريد الجياد أرض الأعادي

وهي مختالة لفرط المراح

يتلاعبن بالظّلال عرابا

غذّيت في الفلا لبان اللّقاح

يا سراج النّادي وحتف الأعادي

وعماد الملك الكريم المنّاح

جمع الله من حلى آل عبّا

س لعلياك في سبيل امتداح

بين رأي موفّق واعتزام

مستعين وصارم سفّاح

وخفضت الجناح في الأرض حتى

لم تدع فوق ظهرها من جناح

أنت مصباحها ونور دجاها

دافع الله عنك من مصباح

محّص الله منك ياقوتة المل

ك وينبوع العدل والإصلاح

بخطوب أرت حديث سليم

ن وجاءت بالحادث المجتاح

بيدي فاقد الحجا هلهل النّس

ج أخي جرأة وربّ اجتراح

نال منها عقبى مسيلمة الكذ

ذاب إذ عاند الهوى وسجاح

ثم ردّ الأمور ردّا جميلا

لك «1» من بعد فرقة وانتزاح

فاجره في الورى الجميل وعامل

منه كنز الغنى ومثوى الرّياح

واشتر الحمد بالمواهب واعقد

عقدها في مطنّة الأرياح

بركات السّماء تبتدر الأر

ض إذا استودعت بدور السّماح

وتهنّأ منه «2» بدنيا سعيدا

جاء للمعلوات وفق اقتراح

وتمتّع منه بهالة ملك

أطلعت منك أيّ بدر لياح

مشور «3» الرّأي مجمع الحفل مثوى

كلّ ذمر «4» وسيّد جحجاح

ومقام السّلام في مدة السّل

م وغاب الأسود يوم الكفاح

ملتقى حكمة وملعب إلها

م ومغنى السّرور والأفراح

أين كسرى وأين إيوان كسرى؟

لا يغلّ «5» الخضمّ بالضّحضاح «6»

ص: 399

أين نور الأبدان من عنصر النا

ر إذا ما اعتبرته يا صاح

بنية كان فضلها لك مذخو

را كزهر الرّياض في الأدواح

حين طاب الزّمان واعتدل الفص

ل استجدّت وبادرت بافتتاح

هاكها قد تتوّجت بالمعاني

واكتست حلّة اللّغات الفصاح

حين غاض الشّباب وارتجع الفك

ر وضاق الخطو العريض السّاح

جهد قلب لفقت «1» بعد جهاد

نقطة من قليبه الممتاح

ومعاني البيان منّ عذاري

لا يبح «2» للشّيوخ عقد نكاح

مع شيخ «3» سوى الرجوع إلى اللّ

هـ ونجوى أهل التّقى والصّلاح

ولزوم الباب الذي يجبر الكس

ر ووصل السؤال والإلحاح

وعلى ذاك «4» فهي ساحرة الأح

داق تري بكلّ خود رداح

تنفث السّحر في الجفون وتهدي

طرر الحسن في الوجوه الملاح

دمت في عزّة ورفعة قدر

بين مغدى موفّق ومراح

ما تولّت دهم الدّجنّة غدوا

وجرت خلفهن شهب الصّباح

ومن غرض الأمداح قولي في امتداح سلطان المغرب أبي عنان، لما توجّهت إليه رسولا، محمّلا مصالح البلاد والعباد، واستدعى الشعر مني فقلت «5» :

[الكامل]

أبدى لداعي الفوز وجه منيب

وأفاق من عذل ومن تأنيب

كلف الجنان إذا جرى ذكر الحمى

والبان حنّ له حنين النّيب «6»

والنّفس لا تنفكّ تكلف بالهوى

والشّيب يلحظها بعين رقيب

رحل الصّبا فطرحت في أعقابه

ما كان من غزل ومن تشبيب

أترى التّغزّل بعد أن ظعن الصّبا

شأني الغداة أو النّسيب نسيبي «7» ؟

أنّى لمثلي بالهوى من بعد ما

للوخط في الفودين أيّ دبيب

لبس البياض وحلّ ذروة منبر

منّي ووالى الوعظ فعل خطيب

ص: 400

قد كان يسترني ظلام شبيبتي

والآن يفضحني صباح مشيبي «1»

وإذا الجديدان «2» استجدّا أبليا

من لبسة «3» الأعمار كلّ قشيب

سلني عن الدهر الخؤون وأهله

تسل المهلّب عن حروب شبيب «4»

متقلّب الحالات فاخبر تقله

مهما أعدت يدا إلى تقليب

فكل الأمور إذا اعترتك لربّها

ما ضاق لطف الرّبّ عن مربوب

قد يخبأ المحبوب في مكروهها

من يخبأ المكروه في المحبوب

واصبر على مضض الليالي إنها

لحوامل سيلدن كلّ عجيب

واقنع بحظّ لم تنله بحيلة

ما كلّ رام سهمه بمصيب

يقع الحريص على الرّدى ولكم غدا

ترك التّسبّب أنفع التّسبيب

من رام نيل الشيء قبل أوانه

رام انتقال يلملم «5» وعسيب

فإذا جعلت الصبر مفزع معضل

عاجلت علّته بطبّ طبيب

وإذا استعنت على الزمان بفارس «6»

لبّى نداءك منه خير مجيب

بخليفة الله الذي في كفّه

غيث يروّض ساح كلّ جديب

المنتقى من طينة المجد الذي

ما كان يوما صرفه بمشوب

يرمي الصّعاب بسعده «7» فيقودها

ذللا على حسب الهوى المرغوب

ويرى الحقائق من وراء حجابها

لا فرق بين شهادة ومغيب

من آل عبد الحقّ حيث توشّحت

شعب العلى وربت بأيّ كثيب

أسد الشّرى سرج الورى فمقامهم

لله بين محارب وحروب

إمّا دعا الداعي وثوّب صارخا

ثابوا وأمّوا حومة التّثويب

شهب ثواقب والسماء «8» عجاجة

مأثورها قد صحّ بالتّجريب

ما شئت في آفاقها من رامح

يبدو وكفّ بالنّجيع خضيب

عجبت سيوفهم لشدّة بأسهم

فتبسّمت والجوّ في تقطيب

ص: 401

نظموا بلبّات العلا واستوسقوا

كالرّمح أنبوبا على أنبوب

تروي العوالي في المعالي «1» عنهم

أثر النّدى المولود والمكسوب

عن «2» كلّ موثوق به إسناده

بالقطع أو بالوضع غير معيب

فأبو عنان عن عليّ نصّه

للنّقل عن عثمان عن يعقوب

جاءوا كما اتّسق الحساب أصالة

وغدوا فذالك «3» ذلك المكتوب

متجسّدا من جوهر النور الذي

لم ترم يوما شمسه بغروب

متألّقا من مطلع الحقّ الذي

هو نور أبصار وسرّ قلوب

قل للزمان وقد تبسّم ضاحكا

من بعد طول تجهّم وقطوب

هي دعوة الحقّ التي أوضاعها

جمعت من الآثار كلّ غريب

هي دعوة العدل الذي شمل الورى

فالشّاة لا تخشى اعتداء الذّيب

لو أنّ كسرى الفرس أدرك فارسا

ألقى إليه بتاجه المعصوب

لمّا حللت بأرضه متملّيا»

ما شئت من برّ ومن ترحيب

شمل الرّضا فكأنّ كلّ أقاحة

تومي بثغر للسلام شنيب

وأتيت في بحر القرى أمّ القرى

حتى حططت بمرفإ التقريب

فرأيت أمر «5» الله من ظلّ التّقى

والعدل تحت سرادق مضروب

ورأيت سيف الله مطرور الشّبا «6»

يمضي القضاء بحدّه المرهوب

وشهدت نور الحقّ ليس بآفل

والدّين والدّنيا على ترتيب

ووردت بحر العلم يقذف موجه

للناس من درر الهدى بضروب

لله من شيم كأزهار الرّبى

غبّ انثيال العارض المسكوب

وجمال مرأى في رداء مهابة

كالسيف مصقول الفرند مهيب

يا جنّة، فارقت من غرفاتها

دار القرار بما اقتضته ذنوبي «7»

ص: 402

أسفي على ما ضاع من حظّي بها

لا تنقضي ترحاته ونحيبي «1»

إن أشرقت شمس شرقت بعبرتي

وتفيض في وقت الغروب غروبي «2»

حتى لقد علّمت ساجعة الضّحى

شجوي وجانحة الأصيل شحوبي «3»

وشهادة الإخلاص توجب رجعتي

لنعيمها من غير مسّ لغوب

يا ناصر الدين الحنيف، وأهله

إنضاء مسغبة وفلّ خطوب

حقّق ظنون بنيه فيك فإنهم

يتعلّلون بوعدك المرقوب

ضاقت مذاهب نصرهم فتعلّقوا

بجناب عزّ من علاك رحيب

ودجا ظلام الكفر في آفاقهم

أو ليس صبحك منهم بقريب «4» ؟

فانظر بعين العزّ من ثغر غدا

حذر العدا يرنو بطرف مريب

نادتك أندلس ومجدك ضامن

أن لا تخيب لديك في مطلوب «5»

غصب العدوّ بلادها وحسامك

الماضي الشّبا مسترجع المغصوب

أرها «6» السّوابح في المجاز حقيقة

من كلّ قعدة محرب وجنيب

يتأوّد الأسل المثقّف فوقها

وتجيب صاهلة رغاء نجيب «7»

والنّصر يضحك كلّ مبسم غرّة

والفتح «8» معقود بكلّ سبيب

والرّوم فارم بكلّ نجم ثاقب

يذكي بأربعها شواظ لهيب

بذمايل «9» السّلب التي تركت بني

زيّان بين مجدّل وسليب

وأضف إلى لام الوغى ألف القنا

تظهر لديك علامة التّغليب

إن كنت تعجم بالعزائم عودها

عود الصّليب اليوم غير صليب

ولك الكتائب كالخمائل أطلعت

زهر الأسنّة فوق كلّ قضيب

فمرنّح العطفين لا من نشوة

ومورّد الخدّين غير مريب

يبدو سداد الرأي في راياتها

وأمورها تجري على تجريب

ص: 403

وترى الطّيور عصائبا من فوقها

لحلول يوم في الضّلال عصيب

هذّبتها بالعرض يذكر يومه

عرض الورى للموعد المكتوب

وهي الكتائب إن تنوسي عرضها

كانت مدوّنة بلا تهذيب «1»

حتى إذا فرض الجلاد جلاده «2»

ورأيت ريح النّصر ذات هبوب

قدّمت سالبة العدوّ وبعدها

أخرى بعزّ النّصر ذات وجوب «3»

وإذا توسّط نصل «4» سيفك عندها

جزأي قياسك فزت بالمطلوب

وتبرّأ الشّيطان لمّا أن علا

حزب الهدى من حزبه المغلوب

الأرض إرث والمطامع جمّة

كلّ يهشّ إلى التماس نصيب

وخلائف التّقوى هم ورّاثها

فإليكها «5» بالحظّ والتّعصيب

لكأنّني بك قد تركت ربوعها

قفرا بكرّ الغزو والتّعقيب «6»

وأقمت فيها مأتما لكنّه

عرس لنسر بالفلاة وذيب

وتركت مفلتها بقلب واجب

رهبا وخدّ بالأسى مندوب «7»

تبكي نوادبها وينقلن الخطا

من شلو طاغية لشلو صليب «8»

جعل الإله البيت منك مثابة

للعاكفين وأنت خير مثيب

فإذا ذكرت كأنّ هبّات الصّبا

قضت بمدرجها لطيمة «9» طيب

لولا ارتباط الكون بالمعنى الذي

قصر الحجا عن سرّه المحجوب

قلنا لعالمك الذي شرّفته

حسد البسيط مزيّة التركيب

ولأجل قطرك شمسها ونجومها

عدلت عن التّشريق للتّغريب

تبدو بمطلع أفقها فضّيّة

وتغيب عندك «10» وهي في تذهيب

مولاي، أشواقي إليك تهزّني

والنّار تفضح عرف عود الطّيب

ص: 404

بحلى علاك أطلتها وأطبتها

ولكم مطيل وهو غير مطيب

طالبت أفكاري بفرض بديهها

فوفت بشرط الفور والتّرتيب

متنبّئ «1» أنا في حلا تلك العلا

لكنّ شعري فيك شعر حبيب

الطّبع «2» فحل والقريحة حرّة

فاقبله بين نجيبة ونجيب

لكنّني سهّلتها وأدلتها

من كلّ وحشيّ بكلّ ربيب «3»

هابت مقامك فاطّبيت صعابها

حتى غدت ذللا على التّدريب

إن كنت قد قاربت في تعديلها

لا بدّ في التّعديل من تقريب «4»

عذري لتقصيري وعجزي ناسخ

ويجلّ منك العفو عن تثريب

من لم يدن لله فيك بقربة

هو من جناب الله غير قريب

والله ما أخفيت حبّك خيفة

إلّا وأنفاسي عليّ تشي بي «5»

وقولي في امتداح سلطاني لما احتفل لإعذار «6» ولده، واستركب الفرسان لمزاملة الهدف الخشبي المتّخذ في الجو المسمّى بالطّبلة، وأرسل جوارح الأكلب الضخام، المجتلبة من أرض ألان، خلف فحول البقر الطّاغية الشّرس، تمسكها من آذانها وأجنابها، حتى تتمكن منها الرّجال، وغير ذلك من أوضاع الإعذار وجزئيّاته.

وهي آخر الشّعر في هذا الغرض، لخجل السلطان من تنزّلي إلى ذلك، وترفيهي عنه تجلّة، أجلّه الله، وكرّمه لديه «7» :[الطويل]

شحطت وفود الليل بان به الوخط «8»

وعسكره الزّنجيّ همّ به القبط

أتاه وليد الصّبح من بعد كبرة

أيولد أجنى «9» ناحل الجسم مشمطّ؟

كأنّ النجوم الزّهر أعشار سورة

ومن خطرات الرّجم أثناءها مطّ

ص: 405

وقد وردت نهر المجرّة سحرة

غوائص فيه مثلما تفعل البطّ

وقد جعلت تفلي بأنملها الدّجى «1»

ويرسل «2» منها في غدائره مشط

يحفّ «3» عباب الليل عنها جواهر «4»

فيكثر فيها النّهب للحين واللّقط

فعادت «5» خيالا مثلها، غير أنّه

من البثّ والشكوى يبين له لغط

سرت سلخ شهر في تلفّت مقلة

على كثب «6» الأحلام تسمو وتنحطّ

لي الله من نفس شعاع ومهجة

إذا قدحت لم يخب من زندها سقط

ونقطة قلب أصبحت منشأ الهوى

وعن نقطة مفروضة ينشأ الخطّ «7»

فأقسم لولا زاجر الشّيب والنّهى

ونفس لغير الله ما خضعت قطّ

لريع لها الأحراس منّي بطارق

مفارقه شمط وأسيافه شمط

تناقله كوماء «8» سامية الذّرى

ويقذفه شهم من النّيق منحطّ

ولولا النّهى لم تستبن «9» سبل الهدى

وكاد وزان الحقّ يدركه الغمط

ولولا عوادي الشّيب لم يبرح الهوى

يهيّجه نوء على الرّمل مختطّ

ولولا أمير المسلمين محمد

لهالت بحار الرّوع واحتجب الشّطّ

ينوب عن الإصباح إن مطل الدّجى

ويضمن سقيا السّرح إن عظم القحط

تقرّ له الأملاك بالشيم العلا

إذا بذل المعروف أو نصب القسط

أرادوه فارتدّوا وجاروه فانثنوا

وساموه في مرقى الجلالة فانحطّوا «10»

تثرّ «11» على المدّاح غرّ خلاله

وما رسموا فوق الطّروس وما خطّوا «12»

تعلّم منه الدهر حاليه في الورى

فآونة يسخو وآونة يسطو «13»

ص: 406

ويجمع «1» بين القبض والبسط كفّه

بحكمة من في كفّه القبض والبسط

خلائق قد طابت مذاقا ونفحة

كما مزجت بالبارد العذب إسفنط «2»

أسبط الإمام الغالبيّ محمد

ويا فخر ملك كنت أنت له سبط

وقتك أواقي الله من كلّ غائل

فأيّ سلاح ما المجنّ وما اللّمط «3»

لقد زلزلت منك العزائم دولة

أناخت على الإسلام تجني وتشتطّ

إيالة غدر ضعضع «4» الله ركنها

ونادى بأهلها «5» التّبار فلم يبطوا «6»

على قدر جلّى بك الله بؤسها

ولا يكمل البحران أو ينضج الخلط

وكانوا نعيم الجنّتين تفيّأوا

ولمّا يقع منها النزول أو الهبط «7»

فقد عوّضوا بالأثل والخمط بعدها

وهيهات أين الأثل منهم «8» أو الخمط

فمن طائح فوق العراء مجدّل

ومن راسف في القيد أرهقه الضغط

أنمت على مهد الأمان عيونها

فيسمع من بعد السّهاد لها غطّ

وصمّ صدى الدنيا فلمّا رحمتها

تزاحم مرتاد عليها ومحتطّ «9»

وألحف «10» منك الله أمّة أحمد

أمانا كما يضفو على الغادة المرط

وأحكمت عقد السّلم لم تأل بعده

وجاء فصحّ العقد واستوثق الرّبط

وأيقن مرتاب وأصحب نافر

وأذعن معتاص وأقصر مشتطّ

ولله مبناك الذي معجزاته

أبت «11» أن توافيها الشّفاه أو الخطّ

وأنست غريب الدار مسقط رأسه

ومن دون فرخيه القتادة والخرط «12»

ص: 407

تناسبت الأوضاع فيه «1» وأحكمت

على قدر حتى الأرائك والبسط

فجاء على وفق العلا رائق الحلى

كما سمّط المنظوم أو نظم السّمط

ولله إعذار دعوت له الورى

فهبّوا لداعيه المهيب وإن شطّوا

تقودهم الزّلفى ويدعوهم الرّضا

ويحدوهم الخصب المضاعف والغبط

وأغريت بالبهم العلاج تحفّيا

فلم يدّخر الشيء الغريب ولا السّمط «2»

أتت صورا «3» معلولة عن مزاجها

وأصل اختلاف الصّورة المزج والخلط

قضيت بها دين الزمان ولم يزل

ألدّ «4» كذوب الوعد يلوي ويشتطّ

وأرسلت يوم السّبق كلّ طمرّة

كما ترسل «5» الملمومة النّار والنّفط

رنت عن كحيل كالغزال إذا رنا

وأوفت بهاد كالظّليم إذا يعطو «6»

وقامت على منحوتة من زبرجد

تخطّ على الصّم الصّلاب إذا تخطو

وكلّ عتيق من تماثيل «7» رومة

تأنّق في استخطاطه القسّ والقمط

وطاعته نحر السّكاك أعانها

على الكون عرق واشج ولحا سبط

تلقّف حيّات العصى إذا هوت

فثعبانها لا يستتم «8» له سرط

أزرت بها بحر الهواء سفينة

على الجود «9» لا الجوديّ كان لها حط

وطاردت مقدام الصّوار «10» بجارج

يصاب به منه الصّماخ أو الإبط

وجيء بشبل الملك ينجد عزمه

عليه الحفاظ الجعد والخلق السّبط

سمحت به لم ترع فرط ضنانة

وفي مثلها من سنّة يترك الفرط

فأقدم مختارا وحكّم عاذرا

ولم يشتمل مسك عليه ولا ضبط

ولو غير ذات الله رامته نضنضت «11»

قنا «12» كالأفاعي الرّقط أو دونها الرّقط

وأسد نزال من ذؤابة خزرج

بهاليل لا روم القديم ولا قبط

جلادهم مثنى إذا اشتجر الوغى

كأنّ رعاء بالعضاه لها خبط

ص: 408

كتائب أمثال الكتاب تتاليا

فمن بيضها شكل ومن سمرها نقط

دليلهم القرآن يا حبّذا الهدى

ورهطهم الأنصار يا حبّذا الرّهط

وبيض كأمثال البروق غمامها

إذا وشحت سحب القتام دم عبط

ولكنه حكم يطاع وسنّة

وأعمال برّ لا يليق بها الحبط

وربّة نقص للكمال مآله

ولا غرو فالأقلام يصلحها القطّ

فهنّيته صنعا ودمت مملّكا

عزيزا تشيد المعلوات وتختطّ

ودون الذي يهدي ثناؤك في الورى

من الطّيب ما تهدي الألوّة والقسط «1»

رضيت ومن لم يرض بالله حاكما

ضلالا فلله الرّضا وله السّخط

حياتك للإسلام شرط حياته

ولا يوجد المشروط إن عدم الشّرط

ومن أغراض النسيب قولي في الأوليات والله ولي المغفرة «2» : [الطويل]

تعلّقته من دوحة الجود والباس

قضيبا لعوبا بالرّجاء وبالياس

دروبا بتصريف «3» اليراعة والقنا

طروبا بحمل المشرفيّة والكاس «4»

يذكّر «5» فيه الصّبح عند انصداعه

جمال رواء في تأرّج أنفاس

ويبدو لعيني شعره وجبينه

إذا ما سفحت الحبر في صفح قرطاس

أجال من الشوق المبرّح غارة

على أربع من جني صبري أدراس

فظاهرت من سرد السّقام ملامة

وأوجفت من شفر الدموع بأمراس

لك الله من ربى طواك على الظّما

ومن أمل لم أجن منه سوى ياس

ومن قمر سعد عشوت لنوره

فسعّر أحشائي وصعّد أنفاسي «6»

إذا ما شرعت اللّحظ نحوي عابسا

أقول لقلبي «7» ضاع ما بين جلّاسي «8»

أيا عبد شمس الحسن هل لك قدرة

على سطوة السّفاح من آل عباس؟

سجمت على هول الغرام بمهجة

تعامت فلم تدر النّعيم من الياس

ص: 409

توهّج نار الخدّ نار جوانحي

ويعيث وسواس الحلى بوسواس

يا قلب، صبرا في الغرام وحسبة

لمن تشكّى بالدّاء والممرض الآس

ومطلولة الأعطاف جرّت ذيولها

على مسكة من مسكة الغاسق القاسي

يحدّق من أجفانه نرجس الرّبى

وهدّد من آذانه ورق الآس

لعمرك ما أرى وقد ثقّف النّهى

إذا التبس الحقّ المبيّن بالياس

أتلك شمال أم شمول مدارة

على كل غصن في الحديقة ميّاس؟

لقد ضعضعت حلمي ولم أر نسمة

تضعضع من هبّاتها جبل راس

رعى الله أجراع الحمى دار صبوتي

ومربع آلامي ومعهد إيناسي

فما كان فيه الوصل إلّا علالة

كنقبة مرتاح ونهبة خلّاس

وقالوا: أبعت العيش بعد فراقنا

فلفّفت أدراني حياء على الرّاس

ثقوا بوفائي ما استقلّت جوارحي

ورعي ذمامي ما تماسك إحساسي

ولا تعذروني إن نسيت عهودكم

وإن رفع الله الجناح عن الناس

فؤادي غنيّ بالوفاء وربما

تسجّل في صبري وثيقة إفلاس

لي الله من قلب خفوق معذّب

يرى أنّ ما بالموت في الحبّ من باس

تجول بنات الفكر حول خياله

كما حفّ جوّال الفراش بنبراس

أفوّض للرحمن أمري في الهوى

وأعلق كفّي من حماه بأمراس

وآمل لطف الله فيه فإنه

أبرّ بميثاق وأوفى بقسطاس

وقلت في النّسيب كذلك: [الطويل]

أما وخيال في المنام يزور

وإن كان عندي أنّ ذلك زور

لقد ضقت ذرعا بالشّوى «1» بعد بعدكم

على أنني للنائبات صبور

أدافع في شوقي ووجدي كتائبا

تزلزل رضوى عندها وثبير «2»

سرايا إذا ما الليل مدّ رواقه

على ساحة الصّبر الجميل ثغير

برى جسدي فيكم غرام ولوعة

إذا سكن الليل البهيم تثور

ولا أنني إذ «3» ما اهتدى نحو مضجعي

خيالكم بالليل حين يزور

ص: 410

ولو شئت في طيّ الكتاب لزرتكم

ولم تدر عنّي أحرف وسطور؟

تذكّرت عهدا طال بعد انصرامه

عليه الأسى وانجاب وهو قصير

وقد طلعت للرّاح في ظلماته

نجوم توالي حثّهن بدور

وتبنّيتم الوصل في روضة الرّضا

بليلا وأكواس السرور تدور

وعهدا بعين الدمع «1» للدمع بعده

موارد في آماقنا وبحور

عهود منى غصّ الزمان بحسنها

فغار عليها والزمان غيور

فها أنا أستقري الرياح إذا سرت

ليخبرني بالظّاعنين خبير

وإن خطّ وجدي من دموعي رسالة

على صفح خدّي فالنسيم سفير

أيا «2» رحلة الصيف التي بجوانحي

لها لهب لا ينقضي وسعير

أحوّل منك الشّهر حولا على الورى

وأصبحت الأيام وهي شهور؟

ويا قلب، لا تطرح سلاحك رهبة

فهل هي إلّا أنّة وزفير؟

جنيت النّوى لا عن ملال ولا قلى

فمثلي بموصول الملام جدير

وجردّت عنّي لبسة الوصل طائعا

وكم شرق بالماء وهو نمير؟

أأحمد إن جلّ الذي بي من الجوى

وأصبحت ما لي في هواك نصير

فلست من اللّطف الخفيّ بيائس

فكم من بكاء كان عنه سرور

أتاني كتاب منك لا بل حديقة

تفيّأتها والهجر منك هجير

وأرسلت دمع العين حين قرأته

فمنها أمامي روضة وغدير

تكلّفت فيك الصّبر والصبر معوز

وهوّنت فيك الخطب وهو عسير

ولذت إلى الآمال وهي سفاهة

وملت إلى الأطماع وهي غرور

سألقي إلى أيدي الزمان مقادتي

فيعدل في أحكامه ويجور

وإنّ الذي بالبعد أجرى قضاءه

على جمع شملي كيف شاء قدير

فتدرك آمال وتقضى مآرب

لدينا وتشفى باللقاء صدور

ص: 411

وقلت، وهي من القصائد التي تشتمل على أغراض غريبة «1» :[الطويل]

عسى خطرة بالرّكب يا حادي العيس

على الهضبة الشّمّاء من قصر باديس «2»

لنظفر من ذاك الزلال بعلّة «3»

وننعم في تلك الظّلال بتعريس

حبست بها ركبي فواقا، وإنما

عقدت على قلبي بها عقد تحبيس «4»

وقد «5» رسخت آي الجوى في جوانحي

كما رسخ الإنجيل في قلب قسّيس

بميدان جفني للسّهاد كتيبة

تغير على سرح الكرى في كراديس

وما بي إلّا نفحة حاجريّة «6»

سرت والدّجى ما بين وهن وتغليس

ألا نفس يا ريح من جانب اللّوى «7»

ينفّس «8» من نار الجوى بعض تنفيس

ويا قلب، لا تلق السّلاح فربما

تعذّر في الدّهر اطّراد المقاييس

وقد تعتب الأيام بعد عتابها

وقد يعقب الله النّعيم من البوس

ص: 412

ولا تخشي «1» لجّ الدمع، يا خطرة الكرى،

على «2» الجفن بل قيسي على صرح بلقيس «3»

تقول سليمى: ما لجسمك شاحبا

مقالة تأنيب يشاب بتأنيس

وقد كنت تعطو كلّما هبّت الصّبا

بريّان في ماء الشبيبة مغموس

ومن رابح «4» الأيام يا ابنة «5» عامر

يجوب «6» الفلا فلّت «7» يداه بتفليس

فلا تحسبي والصّدق خير سجيّة

ظهور النّوى إلّا بطون النواميس

ومنها:

وقفراء أمّا ركبها فمضلّل

ومربعها من آنس غير مأنوس

خبطنا «8» بها من هضبة لقرارة

ضلالا وملنا من كناس إلى خيس «9»

وقد غمر الآل الرّحال كأنما

تخبّط منه في ضباب الدّماميس «10»

إذا ما نهضنا من «11» مقيل غزالة

نزلنا فعرّسنا بساحة عرّيس «12»

أدرنا بها كأسا دهاقا «13» من السّرى

أملنا بها عند الصّباح من الرّوس

وحانة خمّار هدانا لقصدها

شميم الحميّا واصطكاك النّواقيس

تطلّع ربّانيّها «14» من جداره «15»

يهينم في جنح الظلام بتقديس

ص: 413

بكرنا «1» وقلنا إذ نزلنا بحانه «2»

عن الصّافنات الجرد والضّمّر العيس:

أيا عابد النّاسوت، إنّا عصابة

أتينا لتثليث، بلى، ولتسديس

وما قصدنا إلّا المقام بحانة

وكم ألبس الحقّ المبين بتلبيس

فأنزلنا قوراء في «3» جنباتها

محاريب شتّى لاختلاف النّواميس

بدرنا بها «4» طين الختام بسجدة

أردنا بها تجديد حسرة إبليس «5»

وطاف «6» العذارى بالمدام كأنها «7»

قطا تتهادى في رياش الطّواويس

وصارفنا «8» فيها نضارا بمثله

كأنّا ملأنا «9» الكاس ليلا من الكيس

وقمنا نشاوى عندما متع الضّحى «10»

كما نهضت غلب الأسود من الخيس

فقال: لبئس المسلمون ضيوفنا

أما وأبيك «11» الحبر ما نحن بالبيس

وهل في بني مثواك إلّا مبرّز

بحلبة شورى أو بحلقة تدريس؟

يحدّق «12» تحت النّقع مقلة ضاحك

إذا التقت «13» الأبطال عن مقل شوس «14»

إذا هزّ عسّال اليراعة فاتكا

أسال نجيع الحبر فوق القراطيس

سبينا عقار الرّوم في عقر حانها «15»

بحيلة «16» تمويه وخدعة تدليس

لئن أنكرت شكلي ففضلي واضح

وهل جائز في العقل إنكار محسوس؟

رسبت «17» بأقصى الغرب ثغر «18» مظنّة

وكم درّة علياء في قاع قاموس

ص: 414

وأغريت «1» سوسي بالعذيب وهاجر «2»

على وطن داني الجوار من السّوس «3»

وقلت في أسلوب مهيار، رحمه الله:[الخفيف]

جز على جرع للحمى «4» لا محاله

وتعرّض لرائد الرحّاله

وأفض «5» في تلال نجد وقد جم

م بها الحمض واذكرن «6» زابقا له

وأدر في قرارة الماء قد دا

رت على بدرها من الرّيع هاله

ربما يعجز القويّ عن الأم

ر فيرضي الضّعيف فيها احتياله

فإذا ما استجدت من خبر الح

مى يقينا أو التمحت جلاله

فاعقل الحرف في ظلال من البا

ن على الوحش في الهجير مماله

وادخل الحيّ عندما روّح الرّا

عي وضمّ المساء «7» فيه رعاله

لا تجاوز أطناب خيمة

ظمئا «8» فهاتيك القلوب حباله

ولتقل إن أتتك تسأل عن حا

لي تعوّضتها بحالك حاله

ليس إلّا امتعاضة لغريب

أثخنته جفونك القتّاله

سيّل «9» الماء والمزادة ملأى

ثم ما نال غير نفس مساله

كيف لو جاء سائلا منك رسلا

أو أتى يحتدي جواب رساله

قسما إنه أخي ضنّين

وهب البأس شأنه والبساله

بكت الورق شجوه حين ناجا

ها وأبدى له الأصيل اعتلاله

نازح زار من تبالة نجدا

أين ما بينه وبين تباله

أيها السّابق العنيف ترى المه

ر يسقّى يمينه وشماله

يرد الحوض حوله كل أشقى

كلّ حول «10» يلقي عليه مساله

فكراه إذا استحمّ غرار

وقراه إذا ألمّ عجاله

ص: 415

فإذا السّكنى «1» راحة والأماني

لليالي شرّابة أكّاله

لا تحلّوا دم الغريب المعنّى

وعلى الله في الجزاء الحواله

وكسا من نمارق السّندس المخ

ضرّ ذهنا يحيا به «2» ورساله

يا لقومي من ذكر تلك المغاني

ما لقلبي يهوى أنيني «3» ما له

علق البثّ والصبابة فيها

ويلي البحر عندها والملاله

كان لا يرتضي الحياض لورد

فهو اليوم قانع ببلاله «4»

همّة تزحم السّماك وقلب

آثر اللّبث في حضيض الإقاله

كان أولى له الإباية والعز

ز، فيا بئس ما ارتضى لو إياله «5»

والهوى مركب الهوان إذا هم

لج في ملعب الصّبا والجهاله

ما الذي يجلب العذول لسمعي

من حديث خبا إليّ خباله

لا أبالي بما يقول فهلّا

أقصر العذل جاهدا لا أبا له

أنا ما بي سوى لحاظ فتاة

ختلتني وأدبرت مختاله

بسمت أقحوانة وتثنّت

بانة ثمّ لا حظتني غزاله

ورمتني فقل لعرّاف نجد

إن تخلّصت إذ «6» فدونك ماله

أخبر الخابط المدوّم نشكو

أظهر العيس جملة وفصاله

إنني قد نزعت عن نتن الغي

ي ويا طالما انتحلت محاله

ومن الفخر والتأبين، قلت متشبّعا، علم الله بألّا أملك، وإنما هي أغراض الشعراء يتفنّن فيها، والله وليّ التجاوز عن التجاوز:[الوافر]

لنا في الفخر سيمات «7» مطلّة

تقوم على دعاويها الأدلّة

وشمس الحقّ منظور سناها

على الشبه المخيلة المخلّه

بني سلمان سل عنهم ستدري

على الأجيال منهم كلّ جلّه

ص: 416

يمانية المناسي «1» والمواضي

مفاخرها رسوم مستقلّه

فمن نار الوغى في كلّ واد

ومن نار القرى في كل حلّه

ومن وصل الخطاب بكل ناد

ومن فضل الثّناء بكل ملّه

تهشّ لنا البدور بكل خدر

وتهوانا الشّموس بكل كلّه

ويمرضنا العفاف فكم عليل

وما غير الهوى والكتم علّه

تحجّ بيوتنا القصّاد دأبا

فلا تنفكّ طائفة مهلّه

بحيث البيض ضامنة المساعي

وحيث السّمر مثمرة مغلّه

فعند السلم محرمة عكوف

وعند الحرب فاتكة محلّه

وحيث الجرد للغارات تردي

فتتركها «2» جواسر مشمعلّه

ولم أر مثلنا في الدهر قوما

رياح الجو تلحف بالأجلّه

وتضطبن الصواعق في غمود

وتقتنص البوارق بالأهلّه

فتطعمنا المجاني والرّواسي

وتسقينا الغيوث المستهلّه

وتفترش البطاح لنا الحشايا

وللرّايات أروقة مظلّه

وتعرف من أغرّتنا الدّياجي

لعزّ الله خاضعة أذلّه

أبا عبد الإله «3» ، فدتك نفس

على ما حزت من فضل مدلّه

دعوتك مستجدّا عهد أنس

أبلّته الليالي المستملّه

وقد ظعن الصّبا إلّا ادّكار

وقد ذهب الهوى إلّا تعلّه

فساعدني عليه من اغتراب

له في مهجتي وخز الأخلّه

وما حلني «4» بفخرك في صريح

فكم تاج هناك وكم تجلّه

ودمت مجمّعا شمل المعالي

ومقتادا، أم الدّنيا «5» شملّه؟

وقلت أرثي ثلاثة من الإخوان تقاربت وفياتهم، جمع الله الشّمل بهم في دار الرضوان والمغفرة بمنّه:[الطويل]

أسائلكم، هل من خبير وسلوان «6»

ففي ليل همّي ضاع أو سيل أجفاني؟

ص: 417

وهل عندكم علم بصبري إنّني

فقدت جميل الصّبر أوجع فقدان؟

يقولون: خفّض بعض ما بك من جوى

يهون «1» على المرتاح ما لقي العاني

تضيق عليّ الأرض وهي فسيحة

كما حال «2» فوق الخصر معقد هيمان

وما يفتأ الشّوق المقيم بأضلعي

إذا مرّ «3» عن طوق الصّبابة أفناني

وليس مشيبا ما ترون بمفرقي

ولكن خطوب جمّة ذات ألوان

وأرّق عينيّ الأسى يبعث الأسى

مطوّقة نامت على غصن البان

لمن دمن يشكو العفاء رسومها

كحظّ زبور في مصاحف رهبان

وقفت بها أذري النّجيع كأنما

تقرّي وشكّ البين منّي بقربان

ديار الألى كانوا إذا أفق دجا

كواكب يجلو نورها ليل أشجاني

هوت من سمائي بعد ما كنّ زينة

ولهفي عليها من ثلاثة شهبان

رماني بيعقوب الزمان وبعده

رماني بدرهام «4» يا لك سهمان

وإن كان ما بين الخطوب تفاضل

فلا نال فقدي أحمد «5» بن سليمان

كفاني أن أدرجت محض مسرّتي

وجملة أنسي بين لحد وأكفان

وو الله ما أنساني الدّهر أوّلا

بثأر ولا أنسيت بالثّالث الشّان

تخوّنهم صرف الرّدى فتحرّموا

كما انتثرت يوما قلادة عقيان

فمن سابق ولّى على إثر سابق

كما استبقت غرّ الجياد بميدان

بنفسي من حيّيته فاستخفّ بي

ولو أنه ردّ التحية أحياني

وعهدي به مهما دعوت وبينه

وبيني العلى والنّيل والخيل لبّان

دنا منزلا منّي وشطّ مزاره

فيا من لقلبي منه بالسّاخط الدّاني

ألا ليت عمري لم يفدني زمانه

مودّة خلّ سار عنّي وخلّان

فلو شعرت نفسي فإنّي «6» لشاعر

به يوم أرداني لشمّرت أرداني

هو الموت يختار الخيار وينتقي

جنى لبني الدّنيا كما يفعل الجاني

ص: 418

فلا تقن ما يفنى تعش وادع للحشا «1»

أبى الدهر أن يلقى على الدهر ألفان

صديق الفتى إن خفّق الحق روحه

فكم نسبة ما بين روح وجثمان

وما حال زند لم يؤيد بساعد

وما حال طرف قد أصيب بإنسان

وهبني أمنت الحادثات ولم يرع

جناني وخلّاني الزمان وخلّائي

أليس إلى التّحليل كلّ مركّب

مقدّمة لم يختلف عندها اثنان؟

يدبّر لي الدهر المكيدة في المنى

فإن قلت قضّاني الخفوق تقاضاني

وليل بقبّابي محلّة قلعة

أهدرته في ترضّ على مان

أيعقوب، ما حزني عليك بمنقض

ولا أنس إنسان مصابك أنساني

ولا حالي الحالي على البعد غرّني

ولا عيشي الهاني على النّأي ألهاني

فمن لي بدمع في المحاجر مهتد

عليك وقلب في الحناجر حيران

نسبت إلى ماء السماء مدامعي

فأورت ولي «2» فيها شقائق نعمان

إذا ما حدت ريح الزّفير سحابها

ثقالا سقى منها المعاهد عهدان

وقد دان قبل اليوم دمعي خالصا

ولكن أملّني «3» على الدّمع إدماني

لقد كنت لي ركنا شديدا وساعدا

مديدا ومذخورا لسرّي وإعلاني

كسا لحدك الرّيحان والرّوح والرّحا

فقد كنت روحي في الحياة وريحاني

وجادت على مثواك مزنة رحمة

يحيّيك منها كلّ أوطف هتّان

وما كان إبراهيم إلّا حديقة

من الفضل تؤتي أكلها كلّ إنسان

أمين على السّرّ المصون محافظ

على كتمه إن شاق صدر بكتمان

لئن بليت تلك المحاسن في الثّرى

فحزني جديد ما استمرّ الجديدان

قراه عليها من نعيم ونضرة

ولهفي عليه من شباب وريعان

ذكتك وللأيام «4» سلم وشملنا

جميع وطرف الدهر ليس بيقظان

وللنّرجس المطلول تحديق أعين

وللآسة التي بها «5» ربذ آذان

وللشمس ميل للغروب مرنّح

ترى راجح «6» الدّنير في كفّ ميزان

ص: 419

بساط طواه الدهر إلّا تذكّرا

كما تنقع الرّمضاء غلّة ظنّان

وإن ذكر الإخوان، من مثل أحمد؟

ألا كلّ مرعى تعده غير سعدان «1»

ذخيرة أيامي ووسطى قلادتي

ونكتة إخلاصي وحكمة ديواني

وثرّان ضلت «2» الفضل يوم استفادة

هداني إلى نهج السّبيل وهاداني

شهيد ذرت عيني عليه نجيعها

كأنّهم واروه ما بين أجفان

أخلّاء كانوا في الشّدائد عدّة

إذا أثمرت هوج الخطوب بخطبان

وقد «3» شلّهم شوى الرّدى فتجمّلوا

وحلّوا جوار الله أكرم ضيفان

يحقّ لهم أن يغبطوا إذ تنقلوا

إلى العالم الباقي وللعالم «4» الفاني

وما أكتب اللّقيا «5» وإن بعد المدى

ويا قرب ما بين المعجّل والواني

سكنتم فحرّكتم جحيم جوانحي

وغبتم فأحضرتم لواعج أحزاني

ويمّمتم دار النّعيم وإنّني

لأشقى، فيا بؤسي بسكّان نعمان

ولو أنّني أعطيت نفسي حقّها

فما أنا للعهد الكريم بخوّان

ولا عار في ورد الحمام فإنه

سبيل الورى ما بين شيب وشبّان

لعمرك ما يصفو الزمان لوارد

وإن طال ما أحمى لظى الحرب صفّان

وقس آتيا من أمره بالذي مضى

فربّ قياس كان أجلى «6» لبرهان

أما تركت كسرى كسيرا صروفه

ولان على صولاته ملك اللان؟

ومدّ إلى سيف أكفّ اعتدائه

فأخرجه بالرّغم من غمد غمدان «7» ؟

وهل دافعت خطبا توابع تبّع

وهل درأت كربا سياسة ساسان؟

وكان قياد الصّعب صعبا ممنّعا

فألقى إلى الدّنيا مقادة إذعان

جلت لبني العباس وجه عبوسها

وقبل أمدّت سرب أبناء مروان

وكم أخلفت شتّى المنى من خليفة

وأذوت رياح الدهر إذواء تيجان

وغادرت القصر المشيد بناؤه

بسنداد قفرا بلقعا بعد عمران

ص: 420

ولم تبق يوما للخورنق رونقا

ولا شعّبت بالقتل من شعب بوّان

وكم من أبيّ سامه العسر دهره

فأبدى له بعد الرّضا وجه غضبان

ومحتقر ماضي الذّبابين في الوغى

سطا منه بالأنف الحميّ ذبابان

وأيّ سرور لم يعد بمساءة

وأيّ كمال لم يعاقب بنقصان

ومن باع ما يبقى بفان فإنما

تعجّل في دنياه صفقة خسران

خذوها على بعد النّوى من مسهّد

حليف أسى ما في الجوانح لهفان

وو الله ما وفّيت حقّ مودة

ولكنه وسعي ومبلغ إمكاني

ومهما تساوى طيّب ومقصّر

بحال فحكم النّطق والصّمت سيّان

ولا لوم لي في العجز عن نيل فائت

فإنّ الذي أعيا البريّة أعياني

ومن الاسترجاع والاعتبار، والتحزّن لورطة الغفلة، وما توفيقي إلّا بالله، قلت من الشعر المتقدم عن هذا الوقت:[الطويل]

جهاد هوى لكن بغير ثواب

وشكوى جوى لكن بغير جواب

وعمر تولّى في لعلّ وفي عسى

ودهر تقضّى في نوى وعتاب

أما آن للمنبتّ في سبل الهوى

بأن يهتدي يوما سبيل صواب؟

تأمّلتها خلفي مراحل جبتها

يناهز فيها الأربعين حسابي

جرى بي طرف اللهو حتى شكا الوجى «1»

وأقفر من زاد النشاط جرابي

وما حصلت نفسي عليها بكامل

ولا ظفرت كفّي ببعض طلاب

نصيبي منها حسرة كونها مضت

بغير زكاة وهي مثل نصاب

ص: 421

وما راعني والدهر ربّ وقائع

سجال على أبنائه وغلاب

سوى شعرات لحن من فوق مفرقي

قذفن لشيطان الصّبا بشهاب

أبحن ذماري وانتهبن شبيبتي

أهنّ نصول أم نصول خطاب؟

وقد كنت يهدى الروض «1» طيب شمائلي

ويمرح غصن البان بين ثيابي

فمذ كتب الوخط الملمّ بعارضي

حروفا أتى منها بمحض عتاب

نسخت بما قد خطّه مسند الهوى

وكم سنّة منسوخة بكتاب

سلامي على تلك المعاهد إنها

مرابع ألّافي وعهد صحابي

ويا آلة العهد انعمي فلطالما

سكبت على مثواك ماء شبابي

كأنّي بذات الضّال هاتيك «2» من فتى

تذكّر فيها اللهو بعد ذهاب

تقول اذكريني «3» بعد ما بان حيرتي

وصوّح روضي واقشعرّ جنابي

وأصبحت من بعد الأوانس كالدّمى

يهول حداة العيس جوب يباب

تغار الرياح السّاجيات بطارقي

فما أن تديم الرّكض حول هضابي

ص: 422

فإن سجّع الركبان فيّ بمدحة

حثى «1» في وجوه المادحين ترابي

ألم تعلموا أنّ الوفاء سجيّتي

إذا شحطت داري وشطّ ركابي؟

سقاك كدمع «2» أو لحودي وابل

يقلّد نحر الحوض درّ حباب

ولا برحت تهفو لعهدك للصّبا «3»

ويسحب فيه المزن فضل سحاب

سواي يعادي «4» الدّهر أو يستفزّه

بيوم فراق أو بيوم إياب

وغيري يثنّي الحوض ثني عنانه

إلى نيل رفد والتماس ثواب

تملّأت بالدّنيا الدنيّة خبرة

فأعظم ما بالنّاس أيسر ما بي

وأيقنت أنّ الله يمنع جاهدا

ويرزق أقواما بغير حساب

فيا ذلّ أذن ضمّها أذن حاجب

ويا هون وجه خلف سدّة باب

وقد كان همّي أن تعاني مطيّتي

ببعض نبات الليل خوض عبابي

وأضحي ومحراب الدّجى متهجّدي

وأمسي وماء الرّافدين شرابي

وتضحك من بغداد بيض قبابها

إذا ما تراءت بالسّواد قبابي

ص: 423

ولكن قضاء يغلب العزم حكمه

ويضرب من دون الحجا بحجاب

يقولون لي: حتى م تندب فاسا

فقلت، وحسن العهد ليس يعابي:

إذا أنا لم آسف على زمن مضى

وعهد تقضّى في صبا وتصاب

فلا نظمت درّ القريض قريحتي

ولا كانت الآداب أكبر دابي «1»

وقلت أبياتا تبرز بها يد من طاق خشبي، لتمام ساعة من الليل، في نهاية الإحكام وحسن الشكل، ينصب مكانها بين يدي السلطان ليلة اتخاذ المولد الكريم، فكان منها عند تمام الساعة الرابعة قولي:[الكامل]

سبق القضاء وأبرم المحتوم

والغيب عنّا سرّه مكتوم

حال الزمان إذا اعتبرت غريبة

والحال في التحقيق ليس تدوم

والليل سلك درّة ساعاته

إن حلّ معقده هوى المنظوم

أكرم برابعة تولّت بعدما

ثبتت لها في الصّالحات رسوم

ولقد سهرت مفكّرا والبدر في

بحر السماء مع النجوم يعوم

فحسبت شكل البدر أبيض هائما

فوقي يحلّق طيره ويحوم

ومنها:

حجر رماه المنجنيق فشأنه

متطأطئ متدافع ملموم

ومن النجوم أسنّة لجيوشها

من كلّ مطّلع عليّ هجوم

رجعت إلى حربي وعمري معقل

ومخلّصي من نابها معدوم

بدرت لها شرفات أسناني تهي

وقواي تفقد رجعة وتقوم

فصرخت: يا ويلي أصيبت غرّتي

ماذا عسى هذا البناء يدوم

وإذا رمى فلك البروج مدينة

بالمنجنيق فسورها المهدوم

ما دون وجه الحقّ إن حقّقته

يفنى ويبقى الواحد القيّوم

ص: 424