الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعظيم الغاية. وعاقه الخوف من أمير المدينة المعظمة النبوية، عن القدوم عليها، إلى أن توفي، فعظم عليه الحمل لأجل ذلك، وقبحت الأحدوثة.
شهرته «1» ومحلّه من الإدراك:
أما اضطلاعه، فمن وقف على «البدّ» من كتبه، رأى سعة ذرعه وانفساح مدى نظره، لما اضطلع به من الآراء والأوضاع والأسماء، والوقوف على الأقوال، والتعمق في الفلسفة، والقيام على مذاهب المتكلمين، بما «2» يقضي منه العجب «3» .
ولما وردت على سبتة المسائل الصّقلية، وكانت جملة من المسائل الحكمية، وجهها علماء الروم تبكيتا للمسلمين، انتدب إلى الجواب عنها، على فتيّ من سنّه، وبديهة من فكرته. وحدّثني شيخنا أبو البركات «4» ، قال «5» : حدّثني أشياخنا من أهل المشرق، أن الأمير أبا عبد الله بن هود، سالم طاغية النصارى، فنكث عهده «6» ، ولم يف بشرطه، فاضطرّه ذلك إلى مخاطبته «7» إلى القومس الأعظم برومة، فوكّل أبا طالب بن سبعين، أخا أبي محمد «8» ، المتكلم عنه، والاستظهار بالعقود بين يديه. قال: فلما «9» بلغ باب ذلك الشخص المذكور برومة، وهو بلد لا تصل إليه المسلمون، ونظر إلى ما بيده، وسئل عن نفسه، كلّم ذلك القسّ من دنا منه محلّه من علمائهم بكلام، ترجم لأبي طالب بما معناه: اعلموا أنّ أخا هذا ليس للمسلمين اليوم أعلم بالله منه.
دعواه وإزراؤه:
وقد شهر «10» عنه في هذا الباب كثير، والله أعلم باستحقاقه رتبة ما ادعاه أو غير ذلك. فقد ذكروا أنه قال: وقد مرّ ذكر الشيخ أبي مدين رحمه الله: «شعيب عبد عمل، ونحن عبيد حضرة» «11» . وقال لأبي الحسن الشّشتري عندما لقيه، وقد سأله عن وجهته، وأخبره بقصده الشيخ أبا أحمد، إن كنت تريد الجنة فشأنك ومن قصدت، وإن كنت تريد ربّ الجنة فهلم إلينا. وفي كتاب «البدّ» ما يتشوف إليه من
هذا الغرض عند ذكره حكماء الملة. وأما ما ينسب إليه من آثار السّيمياء والتصريف فكثير.
تواليفه: وتواليفه كثيرة تشذّ عن الإحصاء، منها كتابه المسمى بالبدّ «بدّ العارف» ، وكتاب الدّرج، وكتاب الصفر، والأجوبة اليمينة، والكلّ والإحاطة. وأما رسائله في الأذكار، كالنورية في ترتيب السلوك، وفي الوصايا والعقايد فكثير، يشتمل على ما يشهد بتعظيم النبوة، وإيثار الورع، كقوله من رسالة «1» :«سلام الله عليك ورحمته. سلام الله عليك ثم سلام مناجاتك. سلام الله ورحمته الممتدّة على عوالمك كلّها، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، وصلّى الله عليك كصلاة إبراهيم من حيث شريعتك، وكصلاة أعزّ ملائكته من حيث حقيقتك، وكصلاته من حيث حقه ورحمانيته. السلام عليك يا حبيبه «2» . السلام عليك يا قياس الكمال، ومقدّمة السعد «3» ، ونتيجة الحمد، وبرهان المحمود، ومن إذا نظر الذهن إليه قد أنعم العيد «4» ، السلام عليك يا من هو الشرط في كمال الأولياء، وأسرار مشروطات الأزكياء الأتقياء. السلام عليك يا من جاوز في السماء «5» مقام الرّسل والأنبياء، وزاد رفعة، واستولى على ذوات الملأ الأعلى، ولم يسعه في وجهته تلك إلّا ملاحظة الرّفيق الأعلى، وذلك قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)
«6» إلى الأخرى والأولى، لا إلى الآخرة والأولى، وبلغ الغاية والمطلوب، التي عجزت عنه قوة ماهيّة النّهى، وزاد بعد ذلك حتى نظر تحته من ينظر دونه سدرة المنتهى، إلى استغراق كثير، أفضى إلى حال من مقام» .
ومن وصاياه يخاطب تلاميذه وأتباعه: حفظكم الله، حافظوا على الصلوات، وجاهدوا النفس في اجتناب الشهوات، وكونوا أوّابين، توّابين، واستعينوا على الخيرات بمكارم الأخلاق، واعملوا على نيل الدّرجات السّنية، ولا تغفلوا عن الأعمال السّنيّة، وحصّلوا مخصص الأعمال الإلهية ومهملها، وذوقوا مفصّل الذات الرّوحانية ومحملها، ولازموا المودة في الله بينكم، وعليكم بالاستقامة على الطريقة، وقدموا فرض الشريعة على الحقيقة، ولا تفرقوا بينهما؛ لأنهما من الأسماء المترادفة،
واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا، وقولوا عليها وعلى أهلها لعنة الله؛ لأنها حقيقة كما سمّي اللّديغ سليما، وأهلها مهملون حدّ الحلال والحرام، مستخفّون بشهر الصوم والحج وعاشوراء والإحرام، قاتلهم الله أنّى يؤفكون.
ومنها: واعلموا أن القريب إليّ منكم، من لا يخالف سنّة أهل السّنّة ويوافق طاعة رب العزّة والمنّة، ويؤمن بالحشر والنار والجنّة، ويفضل الرّؤية على كل نعمة، ويعلم أن الرّضوان بعدها، أجلّ كل رحمة، ثم يطلب الذّات بعد الأدب مع الصفات والأفعال، ويغبط نفسه بالمشاهدة في النوم والبرزخ والأحوال، وكل مخالف سخيف، متّهم منه الفساد، وإن كان من إخوانكم، فاهجروه في الله، ولا تلتفتوا إليه، ولا تسلموا له في شيء، ولا تسلّموا عليه حتى يستغفر الله العظيم بمحضر الكل منهم، ويرضى عن نفسه وحاله وعنكم، ويخرج من صفاته المذمومة، ويترك نظام دعوته المحرومة. وأنا مذ أشهدت الله العظيم، أني قد خرجت من كل مخالف متخلّف العقل واللسان، ولا نسبة بيتي وبيته في الدنيا والآخرة، فمن زلّ قدمه يستغفر الله، ولا يخدعه قدمه، وأمثال هذا كثير.
دخوله غرناطة: أخبرني غير واحد من أصحابنا المعتنين بهذا، أنه دخل غرناطة في رحلته، وأظنّه يجتاز إلى سبتة، وأنه حلّ وسطه، على اصطلاح الفقراء، برابطة العقاب «1» من خارجها، في جملة من أتباعه.
شعره: وشعره كثير، مما حضرني منه الآن قوله «2» :[البسيط]
كم ذا تموّه بالشّعبين والعلم
…
والأمر أوضح من نار على علم «3»
وكم تعبّر على سلع وكاظمة
…
وعن زرود وجيران بذي سلم
ظللت تسأل «4» عن نجد وأنت بها
…
وعن تهامة، هذا فعل متّهم
في الحيّ حيّ سوى ليلى فتسأله «5»
…
عنها! سؤالك وهم جرّ للعدم