الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاته: ولما أراد الله إنفاذ حكمه فيه، قيّض له عبدا خصيّا حبشيّا، أسفه بقتل أخ له أو نسيب، في باب خيانة عثر له عليها، فاقتحم عليه دار الملك على حين غفلة، فدجّاه بسكين أعدّه لذلك، وضجّ القصر، وخرج وبالسلطان رمق، ثم توفي من الغد، أو قريبا منه، في أوائل ذي قعدة من عام ستة وسبعمائة، فكانت دولته إحدى وعشرين سنة وأشهرا، وانتقل إلى مدفن سلفه بسلا، وقبره بها. وركب قاتله فرسا أزعجها ركضا، يروم النجاة واللّحاق بالبلد المحصور، وسبقه الصّياح، فسدّ بعض الأبواب التي أمل النجاة منها، وقتل وألحق به كثير من جنسه.
وجرى ذكره في الرّجز المتضمن دول الملوك «1» من تأليفنا، بما نصّه:
[الرجز]
حتى إذا الله إليه قيّضه
…
قام ابنه يوسف فيها عوّضه
وهو الهمام الملك الكبير
…
فابتهج المنبر والسّرير
وضخم الملك وذاع الصّيت
…
بملكه وانتظم الشّتيت
وساعد السّعد وأغضى الدّهر
…
وخلص السّرّ له والجهر
وأمل الجود وخيف الباس
…
واستشعر الخشية منه الناس
ثم تقضّى معظم الزمان
…
مواصلا حصر بني زيّان
حتى أهلّ تلمسان للفرج
…
ونشقوا من جانب اللطف الفرج
لما توفي درج السعد درج
…
فانفرج ضيق الحصر عنها وانفرج
ونزل بظاهر غرناطة وببعض مروجها بقرية أشقطمر، في بعض غزوات أبيه إلى قرطبة، وتقدّم السلطان إليهم من البرّ والقرى، ما كثر الإخبار به والتعجب منه، ووجّه إليهم ولده وولي عهده.
يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن بكر بن حمامة ابن محمد بن رزين بن فقوس بن كرناطة بن مرين
«2»
من قبيلة زناتة، أمير المسلمين، المكنى بأبي يوسف، الملقّب بالمنصور، رحمه الله.
أوليته: ظهر بالمغرب أبوه الأمير عبد الحق، وقد اضطربت دولة الموحّدين، والتأث أمرهم، ومرجت عرب رياح؛ لعجز الدولة عن كفّ عدوانهم، فخرج الأمير عبد الحق في بحبوحة قومه من الصحراء، ودعا إلى نفسه، واستخلص الملك بسيفه، عام عشرة وستمائة، وكان على ما يكون عليه مثله، ممن جعله الله جرثومة ملك وخدم دولة، من الصّدق والدّهاء والشجاعة. ورأى في نومه كأنّ شعلا أربع من نار، خرجن منه، فعلون في جوّ المغرب، ثم احتوين على جميع أقطاره، فكان تأويلها تملّك بنيه الأربعة بعده، والله يؤتي ملكه من يشاء. وكان له من الولد إدريس، وعثمان، وعبد الله، ومحمد، وأبو يحيى، وأبو يوسف، ويعقوب هذا. ولمّا هلك هو وابنه إدريس في وقيعة رياح، ولي أمره عثمان ولده، ثم ولي بعده أخوه محمد، ثم ولي بعده أبو يحيى أخوهما. وفي أيامه اتّسق الملك، وضخم الأمر، وافتتحت البلاد. ولمّا هلك حتف أنفه بفاس في رجب من عام ستة وخمسين وستمائة، قام بالملك أخوه يعقوب المترجم به، وأرّث الملك بنيه.
حاله: كان ديّنا فاضلا حييّا، جوادا سمحا، شجاعا، محبّا في الصالحين، منقادا إلى الخير، حريصا على الجهاد. أجاز ولده في أوائل عام اثنين وسبعين وستمائة إلى الأندلس، ثم عبر بنفسه في سرار صفر من العام بعده، فاحتلّ بظاهر إشبيلية، وكسر جيش الرّوم المنعقد على زعيمهم المسمّى ذنونه، بظاهر إستجة في ربيع الآخر من العام. ثم عبر ثانيا، مغتنما ما نشأ بين الروم من الفرقة، فغزا مدينة قرطبة، وصار أمر العدو في أطواق الفرنتيرة، بحيث لا يوجد في بطن القتيل منها إلّا العشب أزلا ومسغبة، لانتشار الغارات، وانتساف الأقوات، وحديث الفتنة.
وسببها ما كان من تصيّر مالقة إليه، من أيدي المنتزين عليها من بني إشقيلولة، ثم عودتها إلى سلطان الأندلس، من أيدي رجاله، شيوخ بني محلّى، ثم تدارك الله المسلمين بصلاح ذات البين، واحتلّ بظاهر غرناطة، في بعض هذه الغزوات، فنزل بقرية إسقطمر من مرجها، واحتفل السلطان، رحمه الله، في برّه، وأجزل نزله، وتوجيه ولده إليه. وذكر سيرته شاعرهم أبو فارس عزّوز في أرجوزته، فقال:
[الرجز]
سيرة يعقوب بن عبد الحقّ
…
قد حاز فيها قصبات السّبق
بغيتان، يقرأ الكتاب
…
وتذكّر العلوم والآداب
يقوم للكتاب ثلث الليل
…
وما له عن ورده من سبيل
حتى إذا الصباح لاح وارتفع
…
قام وصلّى للإله وركع
وضجّ بالتّسبيح والتّقديس
…
حتى يتمّ الحزب في التّغليس
يقرأ أولا كتاب السّير
…
والقصص الآتي بكلّ خبر
ثم فتوح الشّام باجتهاد
…
وبعده المشهور بالإنجاد
سؤاله تعجز عنه الطّلبه
…
ومن لديه من أجلّ الكتبه
يعقد الكتب إلى وقت الضّحى
…
ثم يصلّيها كفعل الصّلحا
ويأمر الكتّاب بالأوامر
…
في باطن من سرّه وظاهر
ويدخل الأشياخ من مرين
…
للرأي والتدبير والتّزيين
مجلسه ليس به فجور
…
ولا فتى في قوله يجور
كأنهم مثل النجوم الزّهر
…
وبينهم يعقوب مثل البدر
قد أسبر الوقار والسكينه
…
وحلّ في مكانة مكينه
حتى إذا ما جاز وقت الظهر
…
قام إلى بيت للنّدى والفخر
يبقى إلى وقت صلاة العصر
…
يأتي إلى بيت العلى والأمر
وينصف المظلوم ممن ظلمه
…
ولم يزل إلى صلاة العتمه
ثم يؤمّ بيتة الكريما
…
ويترك الوزير والخديما
ثم ينام تارة، وتارة
…
يدبّر الأمور بالإداره
ما إن ينام الليل إلّا ساهرا
…
ينوي الجهاد باطنا وظاهرا
فهل سمعتم مثل هذه السّيره
…
وهذه المآثر الأثيره
لملك كان من الملوك
…
أو مالك في الدهر أو مملوك
كذاك كان فعله قديما
…
بذاك نال الملك والتّعظيما
ومن الرّجز المسمى بقطع السّلوك «1» من تأليفنا، في ذكره، قولي:[الرجز]
تبوّا «2» هذا الأمر عبد الحقّ
…
أكرم من نال العلى بحقّ
واستخلص الملك بحدّ المرهف
…
لسن مجد عظيم الشرف
وكان سلطانا عظيم الجود
…
وصدقت رؤياه في الوجود
فأعلى الأيام نور سعده
…
ونالها أبناؤه من بعده
عثمان ثم بعده محمد
…
ثم أبو يحيى الحمام الأسعد
تمهّد الملك له لما هلك
…
وسلك السّعد به حيث سلك