الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخليفة «1» عبد الرحمن في سنة ست وثلاثمائة، بعد مرض شمل النّفخ به جسده، حتى تشقّق جلده، وانتقل أمره إلى ولده جعفر، ثم إلى ولده سليمان، ثم إلى ولده حفص. وعلى حفص انقرض أمرهم.
عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي
«2»
بطليوسي، مكناسي الأصل، من مكناسة الجوف، الأمير بالثغر الغربي، الملقب من ألقاب السلطنة بالمتوكل على الله، المكنى بأبي محمد، المنبز بابن الأفطس.
أوليته: قال ابن حيان: كان «3» جدّهم عبد الله بن مسلمة، المعروف بابن الأفطس، أصله من فحص البلّوط «4» ، من قوم لا يدّعون نباهة، غير أنه كان من أهل المعرفة التامة، والعقل، والدهاء، والسياسة. ثم كان بهذا الصّقع الغربي، بطليوس وأعمالها، وشنترين والأشبونة، وجميع الثغر الجوفي في أمر الجماعة، رجل من عبيد الحكم المستنصر، يسمى سابور، فلمّا وقعت الفتنة، وانشقّت العصا «5» ، انتزى سابور على ما كان بيده. وكان عبد الله يدبّر أمره إلى أن هلك سابور، وترك ولدين لم يبلغا الحلم، فاشتمل عبد الله على الأمر، واستأثر به على ولديه، فحصل على ملك غرب الأندلس، واستقام أمره، إلى أن مضى بسبيله، وأعقبه ابنه المظفّر محمد بن عبد الله، وكان ملكا شهيرا عالما شجاعا أديبا، وهو مؤلف الكتاب الكبير المسمّى بالمظفّري، فاستقامت أموره إلى أن توفي «6» ، فقام بأمره ولده عمر هذا المترجم به.
حاله: قال ابن عبد الملك: كان «7» أديبا بارع الخطّ، حافظا للغة، جوادا، راعيا حقوق بلده، مواخيا «8» لهم، محبّبا فيهم، مرّت لهم معه أيام هدنة وتفضّل إلى حين القبض عليه.
وقال الفتح في قلائده «1» : ملك جنّد الكتائب والجنود، وعقد الألوية والبنود، وأمر الأيام فائتمرت، وطافت بكعبته الآمال واعتمرت، إلى لسن وفصاحة، ورحب جناب للوافدين «2» وساحة، ونظم يزري بالدّرّ النظيم، ونثر تسري رقّته سرى النسيم، وأيام كأنها من حسنها جمع، وليال كان فيها على الأنس حضور ومجتمع، راقت إشراقا وتبلّجا، وسالت مكارمه فيها «3» أنهارا وخلجا، إلى أن عادت الأيام عليه بمعهود العدوان، ودبّت إليه دبيبها لصاحب الإيوان، وانبرت إليه انبراءها لابن زهير وراء عمان.
شعره: بلغه أنه ذكر في مجلس المنصور يحيى أخيه بسوء، فكتب إليه بما نصّه «4» :[الطويل]
فما بالهم لا أنعم الله بالهم
…
ينيطون «5» بي ذمّا وقد علموا فضلي
يسيئون لي «6» في القول جهلا وضلّة
…
وإنّي لأرجو أن يسوءهم «7» فعلي
لئن كان حقّا ما أذاعوا فلا مشت «8»
…
إلى غاية العلياء من بعدها رجلي
ولم ألق أضيافي بوجه طلاقة
…
ولم أمنح «9» العافين في زمن المحل
وكيف وراحي درس كلّ غريبة «10»
…
وورد التّقى شمّي وحرب العدا نقلي؟
ولي خلق في السّخط كالشّري «11» طعمه
…
وعند الرّضى أحلى جنى من جنى النّحل
فيا أيها السّاقي أخاه على النّوى
…
كؤوس القلى مهلا «12» رويدك بالعلّ
لنطفئ «13» نارا أضرمت في صدورنا «14»
…
فمثلي لا يقلى ومثلك لا يقلي
وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكيا
…
فقل لي: لمن أشكو صنيعك بي؟ قل لي
فبادر إلى الأولى وإلّا فإنني
…
سأشكوك يوم الحشر للحكم «1» العدل
وكتب جوابا لأبي محمد بن عبدون مع مركوب عن أبيات ثبتت في القلائد «2» :
[المتقارب]
بعثت إليك جناحا فطر
…
على خفية من عيون البشر
على ذلل من نتاج البروق
…
وفي ظلل «3» من نسيج الشّجر
فحسبي ممّن «4» نأى من «5» دنا
…
فمن «6» غاب كان كمن «7» قد حضر
قال الفتح «8» : أخبرني الوزير «9» أبو أيوب بن أمية «10» أنه مرّ في بعض أيامه بروض مفتر المباسم، معطر الرياح النواسم، فارتاح إلى الكون به بقيّة نهاره، والتّنعّم ببنفسجه وبهاره، فلمّا حصل من أنسه في وسط المدى، عمد إلى ورقة كرنب قد بلّلها النّدى، وكتب فيها بطرف غصن، يستدعي الوزير أبا طالب بن غانم أحد ندمائه، ونجوم سمائه «11» :[مخلع البسيط]
أقبل «12» أبا طالب «13» إلينا
…
واسقط «14» سقوط النّدى علينا
فنحن عقد بغير «15» وسطى
…
ما لم تكن حاضرا لدينا
نثره: وهو أشفّ من شعره، وإنّه لطبقة تتقاصر عنها أفذاذ الكتاب، ونهاية من نهاية الآداب. قال «16» : كان ليلة مع خواصّه للأنس معاطيا، ولمجلس كالشمس
واطيا، قد تفرّغ للسّرور، وتفرغ «1» عيشا كالأمل المزرور، والمنى قد أفصحت ورقها، وأومض برقها، والسّعد تطلع مخايله، والملك يبدو زهوه وتخايله، إذ ورد عليه كتاب بدخول أشبونة في طاعته، وانتظامها في سلك جماعته، فزاد في مسرّته، وبسط من أسرّته وأقبل على «2» خدّامه، وأسبل نداه على جلسائه وندّامه، فقال له ابن خيرة، وكان يدلّ بالشباب، وينزل منه منزلة الأحباب: لمن تولّيها، ومن يكون واليها؟ فقال «3» له: أنت، فقال: فاكتب الآن بذلك، فاستدعى «4» الدواة والرّق، وكتب وما جفّ له قلم، ولا توقّف له كلم: لم يسوّغ أولياء النّعم مثل الذي سوّغتموه من التزام الطاعة، والدخول في نهج الجماعة، وذلك «5» لا آلوكم، ونفسي فيكم، نصحا فيمن أتخيّره للنيابة عني في تدبيركم، والقيام بالدّقيق والجليل من أموركم، وقد ولّيت عليكم من لم أوثر والله فيه دواعي التّقريب، على بواعث التّجريب، ولا فوات التّخصيص، على لوازم التّمحيص، وهو الوزير القائد أبو عبد الله بن خيرة، ابني «6» دربة، وبعضي صحبة، ونشأتي سكّة «7» وقرية، وقد رسمت له من وجوه الذّبّ والحماية، ومعالم الرّفق والرّعاية، ما التزم الاستيفاء بعهده، والوقوف بجدّه عند حدّه، والمسؤول في عونه من لا عون إلّا من عنده، ولن أعرّفكم من حميد خصاله، وسديد فعاله إلّا بما سيبدو للعيان، ويزكو «8» مع الامتحان، ويفشو من قبلكم إن شاء الله على كل لسان. وقد حدّدت له أن يكون لناشئكم أبا ولكهلكم أخا ولذي النفوس «9» والكبرة ابنا ما أعنتموه على هذا المراد، ولزوم الجواد، وركوب الانقياد. وأمّا من شقّ العصا، وبان عن الطاعة وعصى «10» ، وظهر منه المراد والهوى، فهو القصيّ منه، وإن متّ إليه بالرّحم الدّنيا، فكونوا خير رعيّة بالسمع والطاعة في جميع الأحوال، يكن لكم بالبرّ والموالاة خير وال، إن شاء الله عز وجل.
وصوله إلى غرناطة: وصلها صحبة حليفه ابن عباد، لمّا قبض يوسف بن تاشفين على صاحبها ونزل بالمشيجة من خارجها في رجب من عام ثلاثة وثمانين
وأربعمائة ورابهما الأمر، كما تقدّم في ذكر المعتمد بن عباد، فتعجّلا الرجوع إلى وطنهما بحيلة دبّراها.
نكبته ووفاته: ولمّا اشتدّ خوفة من أمير لمتونة، ورأى أنه أسوة ابن عباد في الخلع عن ملكه، وضيّقت الخيل على أطرافه وانتزعتها داخل طاغية الرّوم، وملّكه من مدينة الأشبونة رغبة في دفاعه عنه، فاستوحشت لذلك رعيته، وراسلت اللّمتونيين، واقتحمت عليه مدينة بطليوس، واعتصم بالقصبة، وخانه المحاربة، فدخلت عليه عنوة، وتقبّض عليه وعلى بنيه وعبيده، وتحصّلوا في ثقاف قائد الجيش اللّمتوني.
وبادر إعلام الأمير سير بن أبي بكر، فلحق بها. واستخرج ما كان عند المتوكل من المال والذّخيرة، وأزعجه إلى إشبيلية مع ابنين له، فلمّا تجاوز وبعد عن حضرته، أنزل وقيل له: تأهّب للموت، فسأل أن يقدّم ابناه يحتسبهما عند الله، فكان ذلك، وقتلا صبرا بين يديه، ثم ضرب عنقه، وذلك صدر سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وانقرضت دولة بني الأفطس.
وممن رثاهم، فبلغ الأمد وفاء وشهرة وإجادة، أبو محمد عبد المجيد بن عبدون بقصيدته الفريدة «1» :[البسيط]
الدّهر يفجع بعد العين بالأثر
…
فما البكاء على الأشباح والصّور؟
أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة «2»
…
عن نومة بين ناب اللّيث والظّفر
فالدّهر «3» حرب وإن أبدى مسالمة
…
والبيض والسّمر «4» مثل البيض والسّمر «5»
ولا هوادة بين الرأس تأخذه
…
يد الضّراب وبين الصّارم الذّكر
فلا تغرّنك «1» من دنياك نومتها
…
فما صناعة «2» عينيها سوى السّهر
ما للّيالي، أقال الله عثرتنا
…
من اللّيالي وخانتها «3» يد الغير
في كلّ حين لها في كل جارحة
…
منّا جراح وإن زاغت عن البصر «4»
تسرّ بالشيء لكن كي تغرّ به «5»
…
كالأيم «6» ثار إلى الجاني من الزّهر
كم دولة وليت بالنّصر خدمتها
…
لم تبق منها وسل ذكراك من خبر
هوت بدارا وفلّت غرب قاتله
…
وكان «7» عضبا على الأملاك ذا أثر «8»
واسترجعت من بني ساسان «9» ما وهبت
…
ولم تدع لبني يونان من أثر
وأتبعت «10» أختها طسما وعاد على
…
عاد وجرهم منها ناقض «11» المرر «12»
وما أقالت ذوي الهيئات من يمن
…
ولا أجارت ذوي الغايات من مضر
ومزّقت سبأ في كلّ قاصية
…
فما التقى رائح منهم بمبتكر
وأنفذت في كليب حكمها «1» ورمت
…
مهلهلا بين سمع الأرض والبصر «2»
ولم تردّ «3» على الضّلّيل صحّته
…
ولا ثنت أسدا عن ربّها حجر
ودوّخت آل ذبيان وإخواتهم «4»
…
عبسا «5» وعضّت «6» بني بدر على النهر «7»
وألحقت بعديّ بالعراق «8» على
…
يد ابنه أحمر «9» العينين والشّعر «10»
وأهلكت أبرويزا بابنه ورمت
…
بيزد جرد إلى مرو فلم يحر
وأشرفت بخبيب فوق فارعة «11»
…
وألصقت «12» طلحة الفيّاض بالعفر
ومزّقت «13» جعفرا بالبيض واختلست
…
من غيله حمزة الظّلام للجزر
وبلّغت يزدجرد الصّين واختزلت
…
عنه سوى الفرس جمع التّرك والخزر
ولم تردّ «1» مواضي رستم وقنا
…
ذي حاجب عنه سعدا «2» في ابنة الغير
وخضّبت «3» شيب عثمان دما وخطت
…
إلى الزبير ولم تستحي من عمر
وما «4» رعت لأبي اليقظان صحبته
…
ولم تزوّده إلّا الضّيح في الغمر
وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن
…
وأمكنت من حسين راحتي شمر
وليتها إذ فدت عمرا بخارجة
…
فدت عليّا بمن شاءت من البشر
وفي ابن «5» هند وفي ابن المصطفى حسن
…
أتت بمعضلة «6» الألباب والفكر
فبعضنا قائل: ما اغتاله أحد
…
وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر
وعمّمت «7» بالرّدى «8» فودي أبي أنس
…
ولم تردّ الرّدى عنه قنا زفر «9»
وأردت ابن زياد بالحسين فلم
…
يبؤ بشسع له قد طاح أو ظفر
وأنزلت مصعبا من رأس شاهقة
…
كانت بها مهجة المختار في وزر
ولم تراقب مكان ابن الزّبير ولا
…
راعت «1» عياذته بالبيت «2» والحجر
ولم تدع لأبي الذّبّان «3» قاضبه «4»
…
ليس اللّطيم «5» لها عمرو بمنتصر
وأظفرت بالوليد بن اليزيد ولم
…
تبق الخلافة بين الكأس والوتر
حبابة حبّ رمّان ألمّ بها «6»
…
وأحمر قطّرته نفحة القطر
ولم تعد قضب السّفّاح نابية
…
على رأس مروان أو أشياعه الفجر
وأسبلت دمعة الروح الأمين على
…
دم يثجّ «7» لآل المصطفى هدر
وأشرقت جعفرا والفضل ينظره
…
والشيخ يحيي بريق الصّارم الذّكر «8»
وأخفرت في الأمين العهد وانتدبت
…
لجعفر بابنه والأعبد «9» الغدر
وروّعت كلّ مأمون ومؤتمن
…
وأسلمت «1» كلّ منصور ومنتصر
وأعثرت آل عبّاس لعا لهم
…
بذيل زبّاء «2» من بيض ومن سمر
ولا «3» وفت بعهود المستعين ولا
…
بما تأكّد للمعتزّ من مرر
وأوثقت في عراها كلّ معتمد
…
وأشرقت بقذاها كلّ مقتدر
بني المظفر والأيام ما برحت «4»
…
مراحلا «5» والورى منها على سفر
سحقا ليومكم يوما وما «6» حملت
…
بمثله ليلة في سالف «7» العمر
من للأسرّة أو من للأعنّة أو
…
من للأسنّة يهديها إلى الثّغر
من لليراعة أو من للبراعة أو
…
من للسّماحة أو للنّفع والضّرر
من للظّبا وعوالي الخطّ قد عقدت
…
أطراف ألسنها بالعيّ والحصر
وطوّقت «8» بالمنايا السّود بيضهم
…
أعجب بذاك وما منها سوى ذكر «9»
أو رفع كارثة أو دفع حادثة
…
أو قمع آزفة تعيي على القدر «1»
ويح السّماح وويح الجود «2» لو سلما
…
وحسرة الدّين والدّنيا على عمر
سقت ثرى الفضل والعباس هامية
…
تعزى إليهم سماحا لا إلى المطر
ثلاثة ما ارتقى «3» النّسران حيث رقوا
…
وكلّ ما طار من نسر ولم يطر
ثلاثة كذوات الدهر منذ نأوا
…
عني مضى الدهر لم يربع ولم يحر
ومرّ من كلّ شيء فيه أطيبه
…
حتى التمتّع بالآصال والبكر
من للجلال «4» الذي عمّت مهابته
…
قلوبنا وعيون الأنجم الزّهر
أين الإباء الذي أرسوا قواعده
…
على دعائم من عزّ ومن ظفر
أين الوفاء «5» الذي أصفو شرائعه
…
فلم يرد أحد منهم «6» على كدر
كانوا رواسي أرض الله مذ نأوا «7»
…
عنها استطارت بمن فيها ولم تقر
كانوا مصابيحها دهرا فمذ خبوا
…
هذي الخليقة تالله في سدر «1»
كانوا شجى الدهر فاستهوتهم خدع
…
منه بأحلام عاد في خطا الخضر «2»
من لي «3» ولا من بهم إن أظلمت نوب
…
ولم يكن ليلها يفضي إلى سحر
من لي ولا من بهم إن طبّقت «4» محن
…
ولم يكن وردها «5» يفضي «6» إلى صدر
من لي «7» ولا من بهم إن عطّلت سنن
…
وأخفيت ألسن الآثار «8» والسّير
ويلمّه من طلوب الثأر مدركه
…
لو كان دينا على الأيام ذي عسر «9»
على الفضائل إلّا الصّبر بعدهم
…
تسليم «10» مرتقب للأجر منتظر
يرجو عسى وله في أختها طمع «11»
…
والدّهر ذو عقب شتّى وذو غير