الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنسيم العليل، والمنظر البهيج، ومن أن ثمراتها دائمة لَا تنقطع، فتنعم بحياة دائمة، ونعيم مقيم، ومن أنها ظل دائم مستمر، وتلك مبتدأ خبره (عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا)، أي نهاية الذين اتقوا انتهوا إليها وذكر الموصول للإشارة إلى أن الصلة، وهي التقوى علة تلك العاقبة الحميدة في ذاتها.
ولقد ذكر في مقابل هذه النهاية الحلوة المرتبة عاقبة الكفر والأشرار، فقال:
(وَّعُقْبَى الكَافِرِينَ النَّارُ)، أي نهاية الكافرينِ الذين كفروا بالله وبآياته، وبنعمه النار يلقون فيها، وهي دائمة، (. . . كُلَّمَا نضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ خلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ. . .).
والتعبير بـ (عُقْبَى) في جزاء الأشرار والأبرار للإشارة إلى أنه جزاء أعقب عملا إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والله تعالى لَا يظلم العباد، وهم الذين يظلمون أنفسهم، وله إرادة مختارة، وعقل مدرك، وإذا كانت الأعمال غير مستوية، فالعقبى غير مستوية، فقال تعالى:(لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20).
ولقد بين سبحانه وتعالى مكانة القرآن بين أهل الكتاب، فقال تعالى:
(وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ
(36)
(وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ) ذكر الزمخشري، وغيره أن الذين يفرحون من أهل الكتاب هم اليهود الذين أسلموا كعبد الله بن سلام، والنصارى من نجران واليمن والحبشة، وعدهم ثمانين رجلا، أربعين من نجران، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثمانية من اليمن.
وأولئك (يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلُ إِلَيْكَ)، وهو القرآن؛ لأنهم وجدوه مطابقا لما عندهم في التوراة والإنجيل من تبشير بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا كانوا يعرفونه في التوراة والإنجيل، وما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن الكريم.
وعندي أرى أن الذين آتاهم الله الكتاب يعم من أسلم، ومن لم يسلم، بل يدخل في عمومه ابتداء من لم يسلم فقد كانوا يفرحون ببعث النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا في حرب مع المشركين في يثرب، ويستفتحون عليهم بأن نبيا قد آن أوانه سينصرهم عليهم قال تعالى:(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89).
وإن سياق هذا في هذا المقام يدل على أن الإيمان الصادق ليس مطلوبا من المشركين فقط، بل منهم ومن أهل الكتاب، وأن أهل الكتاب كان ينبغي أن يؤمنوا لمعرفتهم السابقة به؛ ولأنهم كانوا يفرحون به عندما توقعوا مجيئه قريبا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.
ويقول سبحانه: (وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ)، أي من الجماعات المتحزبة التي تفهم أن التدين تحزب وتعصب منهم من ينكر بعضه وهو ما يتعلق بالإيمان باللَّه واليوم الآخر، فالصدوقيون من اليهود أنكروا البعث وحسبوا الحياة مادة حتى النفس فسروها بالمادة، والنصارى حرفوا التوحيد وقالوا إن اللَّه ثالث ثلاثة وضلوا بذلك ضلالا بعيدا.
ولأنهم أنكر بعضهم اليوم الآخرة، وأنكر بعضهم الوحدانية، رد الله تعالى ذلك عليهم، وذلك بأمره للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه يستمسك بالوحدانية والإيمان باليوم الآخر، فقال تعالت حكمته:(قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَئَابِ) كان ما أمر الله تعالى به نبيه أمرين قد أنكراهما، وهما عبادة الله تعالى وحده، وذلك يتحقق في قوله تعالى:(أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ)، فهذا إثبات للوحدانية في الذات والصفات والخلق، والعبادة، ونفي لأي شريك في العبادة، والنصارى أثبتوا الشرك في العبادة بعبادة ثلاثة ابتداء، ثم لَا يزالون يأتون بعبادة آخرين كالعذراء كما يسمونها في الأوهام التي توهموها في أنهم رأوا خيالها نورًا، وكعبادة القديسين في نظرهم، وبذلك أنكروا أصل التوحيد الذي هو أصل الديانات السماوية كلها، وقد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى كلمة سواء بينه وبينهم، في