الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يجاب عن الرأي الأول بأن الكتاب سمي بذلك، لأنه حجة عليه لا يستطيع معه إنكارا، (فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) الفاء تشير إلى أن هناك من يعطى بيمينه، ومن يعطى بشماله، أو هي تفصح عن كلام مقدر، (أُوتِيَ)، أي أعطي كتابه بيمينه وإعطاء الكتاب بيمينه يشير إلى أنه من أهل اليمين وهم أهل الجنة كما قال الله تعالى:(وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)، ويقول سبحانه عن أصحاب الشمال:(وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44).
وقوله تعالى: (فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ)، أي أنهم يقرءون كتابهم مستمتعين بهذه القراءة مدركين جزاءهم متوقعين له، (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا)، أي مقدار فتيل، وهو ما يكون بين جزأي النواة وهو ضئيل، كما قال تعالى:(. . . وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)، وكما قال تعالى:(. . . فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا).
وقد ذكر سبحانه أن أهل اليمين يقرءون كتابهم ولم يذكر أهل الشمال أنهم يقرءون كتابهم، لأنهم لَا يقرءونه استخزاء من أفعالهم وهو كتاب لَا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
وإن هذه حال أهل اليمين، أما حال أهل الشمال فقد أشار سبحانه وتعالى إليها بقوله تعالى:
(وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا
(72)
العمى هنا هو عدم إدراك النعمة أو عدم شكرها والكفر بها، ففي الكلام استعارة حيث شبه عمى القلب بعمى البصر بجامع عدمِ الإدراك في كُلٍّ، فمن عمى في الدنيا لَا يدرك النعم أو يدركها ولا يشكرها (فَهُو فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا)، أي فهو في الآخرة أكثر عمىً وأضل سبيلا، أي أبعد عن إدراك الطريق المستقيم؛ لأنه في الآخرة قد انتهى وقت العمل وفيها الجزاء، أو لأن عمى الدنيا
قد يعوض بجارحة أخرى كالسمع واللمس، أما عمى الآخرة فلا يوجد فيه معوض عن البصر، ولأن عمى الدنيا قد تدركه التوبة ففي الزمان متسع لها، أما الآخرة فالعمى فيها لَا يستدرك بتوبة، إنما زمن الاستدراك في الحياة الدنيا، وإن التعبير بالعمى في الدنيا مجازي كما أشرنا وفي الآخرة هو مجازي أيضا، وقيل:
إن كلمة (أَعْمَى) الثانية هي أفعل تفضيل ويجوز ذلك في عمى القلب، ولعل ذلك أخذوه من العطف عليها بـ أضل وهي أفعل تفضيل.
ولقد روي أنه جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسألوه عن هذه الآية، فقال اقرأ ما قبلها (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ) إلى قوله تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) قال ابن عباس: من كان في هذه النعم والآيات التي رأى أعمى، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.
* * *
محمد يحاول هدايتهم وهم يريدون تحويله
قال اللَّه تعالى:
(وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)
* * *