المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هذا هو الوصف الأول لإبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة - زهرة التفاسير - جـ ٨

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(22)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(سُورَةُ الْحِجْرِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(27)

- ‌(30)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(53)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(65)

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(70)

- ‌(71)

- ‌(72)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(76)

- ‌(77)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(82)

- ‌(83)

- ‌(84)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(92)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(99)

- ‌(سُورَةُ النَّحْلِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(22)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(42)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(53)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(65)

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌(71)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(84)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(90)

- ‌(91)

- ‌(92)

- ‌(93)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(100)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(104)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌(109)

- ‌(110)

- ‌(111)

- ‌(112)

- ‌(113)

- ‌(115)

- ‌(116)

- ‌(117)

- ‌(118)

- ‌(121)

- ‌(122)

- ‌(125)

- ‌(126)

- ‌(127)

- ‌(128)

- ‌(سُورَةُ الْإِسْرَاءِ)

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(17)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(42)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌(71)

- ‌(72)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(76)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(84)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(92)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(104)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌(109)

- ‌(110)

- ‌(111)

الفصل: هذا هو الوصف الأول لإبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة

هذا هو الوصف الأول لإبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، والوصف الثاني: أنه قانت للَّه أي خاضع مطيع مسلم وجهه للَّه تعالى، والوصف الثالث: أنه كان (حَنِيفًا)، أي طاهرا نقيا في نفسه وقلبه مائلا للحق أي متجها بكل نفسه إلى الحق لَا ينحرف إلى الباطل، الوصف الرابع: وهو وصف سلبي ناف عنه الشرك؛ ولذا قال: (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، الوصف الخامس إيجابي، فقال:

ص: 4298

(شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‌

(121)

كان الذين يدَّعون الانتساب إليه في ملته ويقولون إنهم على دين إبراهيم وحنيفيته، يعرفون نعمة اللَّه ثم ينكرونها ويكفرون بها، أما إبراهيم عليه السلام فقد ذكر سبحانه أنه كان في حاله التي تحيط به، وتستغرق كل أفعاله (شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ) وأنعمُ جمع نعمة جمع قلة، وإذا كانت حال شكر دائم لأنعمه القليلة فهو بالأولى شاكر لأنعمه السابغة الكثيرة، وفي هذا دعوة إلى أن يكونوا كأبيهم في ملته وهديه وحنيفيته السمحة.

وإنه بهذه الصفات العليا من جمعه للفضائل الإنسانية التي كان بها أمة وحده، ومن أنه كان قانتا حنيفا، وشاكرا لأنعمه اصطفاه اللَّه تعالى خليلا، كما قال تعالى:(. . . وَاتَّخَذَ اللَّهَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)؛ ولذا قال تعالى:

(اجْتَبَاهُ)، أي اصطفاه نبيا مرسلا، وهداه إلى صراط مستقيم إلى طريق للحق مستقيم، وهو صراط اللَّه تعالى كما قال سبحانه:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِه. . .).

وإنه من ثمرة هذه الخصال الكريمة، وأنه هو الذي وفَّى، وأتى بكل الطاعات أتاه الله تعالى خير الدنيا والآخرة.

فقال تعالى:

ص: 4298

(وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ‌

(122)

الحسنة هي النعمة التي تحسن فيها أمور الدنيا من حياة فاضلة هي الخير كله، وقد أعطى الله تعالى إبراهيم تلك الحياة الحسنة الطيبة فرزقه الولد، بعد حرمان

ص: 4298

طويل، ولم يهبه إلا على الكبر، كما قال:(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ. . .)، وشكر النعمة، واختبر بالفداء بذبح ولده فقبل راضيا، ثم فداه رب العالمين بذبح عظيم ووفقه في بناء الكعبة وأمده بعمر طويل كله كان في الخير وعمل الصالحات، و " خير الناس من طال عمره وحسن عمله "(1)، وجعله أبا الأنبياء وشعر بذلك في حياته فقد كانوا من أولاده، وقد نالوا منزلة النبوة فكان إسماعيل من ذريته النبي الهاشمي الأُميّ، ومن ذرية إسحاق كان أنبياء بني إسرائيل، وجعل اللَّه له كما طلب (. . . لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)، فكان كل أهل الديانات يتولونه، ويعتزون بالنسب إليه وأنه مع النعم التي أنعمها سبحانه وتعالى عليه كان شاكرا لأنعمه.

ولذلك حسنت حياته فقال تعالى: (وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ذكر ذلك الكريم الحنان المنان على أنه خبر لَا إيتاء وكأنه نتيجة لما كان منه في الدنيا ولم يذكر أنه عطاء من اللَّه تعالى، وإن اللَّه له المَنُّ والفضل، ولم يذكر ذلك ليبين سبحانه وتعالى أن اللَّه تعالى يعطي الناس على قدر شكرهم:(. . . لَئِن شَكَرْتُم لأَزِيدَنَّكُمْ. . .)، وأن خير الآخرة ثمرة عمل الدنيا وكله بفضل اللَّه وعطائه (. . . وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).

وقد أكد أنه في الآخرة من الصالحين بالجملة الاسمية، وإن المؤكدة ولام التوكيد، وأنه في صف الصالحين، والصالحون في الآخرة هم المقربون الذين يفوزون بنعيم الجنة وينظر إليهم ويرضي عنهم ورضوان من اللَّه أكبر. وإن ما دعا إليه إبراهيم عليه السلام هو ما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذا قال تعالى:

(1) أخرجه الترمذي: الزهد - ما جاء في طول العمر للمؤمن (2252)، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، وأحمد: أول مسند البصربن (19519)، والدارمي: الرقاق: (2625).

(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)

ص: 4299

إن المشركين كانوا يفاخرون الناس بأنهم من ذرية إبراهيم، فالنبي يقرهم على هذا الشرف النسبي، واللَّه تعالى يدعوهم إلى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لأن الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الأُميّ هو ملة إبراهيم ودينه، والقرآن وحي اللَّه تعالى هو الذي يدعو إلى اتباع ملة إبراهيم، فأنتم إذ تشركون، وإذ تعاندون النبي صلى الله عليه وسلم تعاندون إبراهيم وتكفرون بشرف انتسابكم إليه عليه السلام، وتمسككم بإقامة نسكه، واعتزازكم ببيت الله الحرام الذي بناه، وجعله اللَّه مثابة للناس وأمنا، وقوله تعالى:(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) فيه ثلاثة أمور بيانية تجب الإشارة إليها:

الأمر الأول - في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) فيه أن ما يدعوكم إليه من عدم الشرك هو وحي من اللَّه باتباع إبراهيم الذي يعتزون به، فذلك الوحي هو مما تفخرون وتعتزون فلا تنافروا الداعي ولا تعادوه، وهو على ملة إبراهيم فسيروا في مفاخركم باتباعها، وهو مائل عن الشرك غير منحرف إليه.

الأمر الثاني - التعبير بـ (ثُمَّ) فإن مؤداها أن إيحاء اللَّه لنبيه صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم هو سمو بإبراهيم أعلى من كل ما سبق، لأن المؤدى في كلمة (ثُمَّ) التي تفيد التراخي أنه سما الأمر بإبراهيم أنه علا حتى صار محمد سيد الخلق تابعا له في ملته، فالتراخي هنا معنوي بالعلو بين مرتبة خاتم النبيين ومرتبة سيدنا إبراهيم، وإنه جده، ولكن محمد فخر نبي عدنان وفخر الإنسانية كلها، أشار إلى ذلك الزمخشري وقال في التعليق عليه الناصر أحمد:

و (إنما) تفيد ذلك لأن (ثُمَّ) في أصل وصفها التراخي المعطوف عليه في الزمان، ثم استعملت في تراخيه عنه في علو المرتبة بحيث يكون المعطوف أعلى مرتبة وأشمخ محلا مما عطف عليه، فكأنه بعد أن عدد مناقب الخليل عليه السلام قال تعالى وها هنا ما هو أعلى من ذلك كله قدرا وأرفع مرتبة، وأبعد رفعة، وهو أن النبي الأُميّ صلى الله عليه وسلم الذي هو سيد البشر متبع ملة إبراهيم مأمور باتباعه بالوحي

ص: 4300

متلو أمره بذلك في القرآن الكريم العظيم، ففي ذلك تعظيم لهما لكن نصيب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا التعظيم أوفر وأكبر.

الأمر الثالث - أن قوله تعالى: (أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ)(أن) هنا بيانية، أي تبين معنى الوحي، فقوله تعالى اتبع ملة إبراهيم تفسير لـ أوحينا، فهي أمر باتباع ملة إبراهيم.

وقد ختم اللَّه تعالى النص بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهذا تحريض للمشركين على منع الشرك؛ لأن إبراهيم لم يكن مشركا من وقت نشأته غلاما صبيا إلى أن توفي بعد عمر مبارك طويل مديد عليه السلام.

* * *

الإشارة إلى اليهود والدعوة بالحكمة

قال اللَّه تعالى:

(إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)

* * *

ص: 4301

بين اللَّه تعالى حال المشركين من كفرهم، وعنادهم وكفرهم بالنعمة يعرفون نعمة اللَّه ثم ينكرونها، أشار سبحانه إلى الذين يماثلونهم في الكفر وإنكار النعمة، وهم يكفرون، وهم اليهود فهم والمشركون أشد الناس بغضا للذين آمنوا، وقد أشار سبحانه إليهم بيوم السبت؛ لأنهم الذين اختصوا بتحريمه وإفراده للعبادة وتحريم الصيد فيه، وفي ذكر المشركين إشارة إلى هذه المماثلة وإلى بيان ما يستقبله النبي صلى الله عليه وسلم وأن له أياما منهم كأيام المشركين معه فلتصطبر لهم كما صبر من قبلك من الرسل حتى اليوم. يقول تعالى:

ص: 4302

(إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ).

أي صير السبت مانعا لهم من مزاولة شئون الحياة للذين اختلفوا فيه، أي لليهود الذين اختلفوا فيه، والاختلاف أمارة أن فيهم من لم يذعنوا للحق ويؤمنوا، فإنه حيث كان الاختلاف كان الذين يلوون ألسنتهم بالقول من غير إذعان للحق والإيمان، فإن الإيمان يجعل النفوس تقر وتطمئن ولا تنازع ولا تلاحى.

منعوا من الصيد في يوم السبت، وابتلاهم اللَّه بكثرة السمك فيه، فيوم يسبتون يأتيهم الصيد، ويوم لَا يسبتون لَا يأتيهم، كما قال تعالى:(وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)، فمن صبر على البلاء وهم قليلون، كما قال اللَّه تعالى فيهم:(. . . مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ منْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ)، وكثيرون تمردوا واختلفوا في تمردهم فمنهم من أعمل الحيلة وفتح قنوات يأوي إليها السمك في يوم سبتهم ليأخذوها يوم لَا يسبتون، ومنهم من تمرد كليا، ولم يطع من غير محاولة التحايل. هذا انخلافهم قى يوم السبت بين صابر لابتلاء اللَّه، ومتمرد عليه، ومتحايل كأنما يخدع اللَّه، وهو معقول في ذاته ومتفق مع طبائع اليهود المادية الذين يأخذون الأحكام بظاهر من القول والعمل، ويكفرون بالحق في لبابه وصميمه.

ص: 4302