الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
* * *
بعد أن نهاهم سبحانه وتعالى عن ضرب الأمثال التي شيدوا فيها الأحجار التي كانوا يعبدونها أخذ سبحانه وتعالى يبين لهم الأمثال التي تصور الحقيقة وتهدى إليها، فقال تعالت كلماته:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
(75)
العبد هو الفتى الملوك، وذكر وصف مملوك ليتميز عن الحر، الذي لَا مالك له، وكان التمييز ضروريا؛ لأن الجميع مملوك للَّه تعالى، يستوي في المالك، ومن يملكه من الرقيق، ومعنى (لَا يَقْدِرُ علَى شيْءٍ)، أي لَا يقدر على التصرف في شيء من الأشياء وفي ذلك بيان لأنه مقيد، قد وجد غل الرق في رقبته، وأثقله، فهو لا يقدر على شيء مادي، ولم تكن له إنابة من مالكه أو عقد مكاتبة، يستطيع به التصرف ليطلق نفسه، بل هو قن مقيد بالرق، ومقيد بأنه لَا سلطان له في التصرف، أي فيه العجز المطلق ".
(وَمَن رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا)، (من) هنا نكرة تدل على ما هو في مقابل المملوك، وهو إلى المالك لكل تصرفاته التي يقدر على كل شيء، ومع هذه القدرِة التي ثبتت له بمقتضى الحرية رزقه اللَّه تعالى رزقا حسنا؛ ولذا قال تعالى:(وَمن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا) والحسن هنا معناه الطيب في ذاته، في خبيثا في سببه فسببه طيب حلال لَا حرام فيه ولا شبهة حرام، وإضافته سبحانه وتعالى إليه لبيان أنه جاء إليه سهلا ميسرا من غير جهد، وإن كان حلالا، ولبيان أن كل الأرزاق من اللَّه وليست الأسباب مؤثرة بإيجاد الرزق إنما هي أسباب جعلية وليست بأسباب
حقيقية لأن كل شيء بيد اللَّه سبحانه وتعالى، فليس سبب الزرع والسقي والرعي والبذر وحدهما، بل السبب الأكبر هو رزق اللَّه العليم القدير، (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).
وقد جعل اللَّه تعالى الخير الذي يجيء من الرزق الحسن، فقال تعالى:
(فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا)، (الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، الإنفاق هو صرف المال في مصارفه التي لَا يكون الصرف فيه إسرافا، وأطلق في القرآن على الصرف في سبيل الخير، فإذا أطلقت كلمة الإنفاق لَا يكون إلا في الصدقات إلا إذا عنى الموضوع غيرها، مثل قوله تعالى:(لِيُنفِقْ ذُو سَعَة مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ. . .)، فالإنفاق هنا في نفقة الزوجية، وإن كان يومئ إلى أنها صلة وليست أجرا محضا، كما يقرر الفقهاء.
وقوله: (سِرًّا وَجَهْرًا)، يؤكد أنها للصدقات، وإن السرية لها موضعها، وخصوصا لأهل التجمل ذوي المروءات، والجهر في موضعه عندما تكون دعوة إلى البر فإن الجهر يدعو إلى المنافسة (. . . وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).
ثم قال تعالى مقررا النتيجة البديهية وهو أنهم لَا يستوون فقال: (هَلْ يَسْتَوُونَ) الاستفهام للإنكار، أي إنكار الواقع، وكان النفي بالاستفهام لتأكيد النفي كأن النفي مقرر بالبداهة، وعند المخاطب، فكانه قد جاء من عنده، (الْحَمْدُ لِلَّهِ) كان هذا تأكيدًا للنفي وهو عدم التساوي، أي أنه يحمد اللَّه تعالى للوصول إلى هذه النتيجة التي أخذت من إقرارهم، ثم قال تعالى:(بَلْ أَكثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)، (بَلْ) للإضراب، أي كان الإضراب عن علمهم البدهي الذي طمس فيه الهوى على مداخل الفكر والعلم، وكان القرآن الكريم منصفا لحكم على الأكثر لَا الجميع بأنهم لَا يعلمون أي طمس على قلوبهم بغشاء من الهوى المانع من إدراك الحقائق.
وكانت الموازنة بين اثنين في ظاهر اللفظ، وهما العبد المملوك، (ومَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا)، ولكن لأن (ما) يدخل في عموم ما تدل عليه كثيرون، كان الذين لَا يستوون كثيرين فعاد الضمير بالجمع.
وبعد ذلك يقول هذه هي معاني الألفاظ وما تدل عليه بمفرداتها، ولكن ما هو المثل؛ إن المثل تشبيه حال بحال فما موضع التشبيه، وما هو وجه التشبيه؟.
قال أكثر المفسرين: إنه تشبيه ففي حال عبادة الأوثان، والشرك باللَّه تعالى بحال من يسوي بين العبد المملوك، العاجز عن كل شيء والحر المالك الذي رزقه اللَّه رزقا حسنا، أنهم لَا يستوون بالبداهة، فكيف يسوي أولئك المشركون بين اللَّه خالق كل شيء وبين الأحجار التي يعبدونها.
واعترض على تخريج المثل هذا التخريج الرازي بأن العبد المملوك حي، والأحجار لَا حياة فيها، وقد أجيب عن ذلك بأن التشبيه ليس بين الأجزاء، إنما التشبيه بين حالين، لَا بين الأحجار والآدميين.
وقال ابن عباس: إن التشبيه بين الكافر والمؤمن، فالكافر كالمملوك الذي لا يقدر على شيء وهو عاجز، وبين من رزقه اللَّه تعالى رزقا حسنا، فهو كقوله تعالى:(. . . هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ. . .)، (. . . هَلْ يَسْتَوِي الَّذِين يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لَا يَعْلَمُونَ. . .)، وكذلك التشبيه في قوله تعالى في الآية الآتية:
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ. . .) وهو فيها أوضح وكلاهما واضح، واللَّه أعلم.
ولولا أننا مقيدون إلى حد ما بما قاله من قبلنا لقلنا: إن اللَّه تعالى قال من قبل ذلك بآيتين (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) وفي هذه الآية والتي تليها، يبين سبحانه كيف كان التفضيل في الرزق، وهو أن الفقير اختبره اللَّه تعالى بالعجز، وبتقدير منه سبحانه وتعالى، فضاقت أمامه السبل، وأن الغني آتاه الله تعالى قدرة على الكسب ومكن
له من أسباب الرزق، وبذلك ينتهي البيان القرآني في زعمنا إلى تقرير حقيقتين الحقيقة الأولى - أن العجز والكسب والكَيْس بتقدير من اللَّه وباختيار منه، فليس لأحد أن يستطيل أو يستكبر فاللَّه هو الرازق.
والحقيقة الثانية - أن الفقر والغنى حقيقتان ثابتتان؛ لأن اللَّه تعالى خلق القوي متفاوتة، والفرص متفاوتة، والأسباب في الحياة مختلفة فكان جهلا أن يدعي مغرور أنه يذيب الفوارق بين الغنى والفقر، وقد شاع هذا الغرور في هذه الأزمان كالذي جهل طبائع الإنسان فأفقر ناسا من ذوي الإنتاج، وأغنى العجزة، وكانت أسباب الرزق الحرام طاغية على الحلال المنتج.
قال تعالى في المثل الثاني، وهو في معنى الأول، وهو من تصريف اللَّه البيان في قرآنه المجيد.
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)
وهذا مثل آخر كالمثل الأول، وكان الأول موازنة بين عبد مملوك لَا يقدر على شيء، وآخر حر قد رزقه اللَّه وهو ينفع الناس بما رزقه اللَّه تعالى يعطيهم سرا وجهرا على حسب ما يرى، وعلى حسب نيته المحتسبة، والثاني كان موازنة بين رجلين آخرين؛ ولكن أحدهما عاجز لَا يقدر على شيء وهو في حياته كل على قريب له هو مولاه لَا نفع منه، وآخر قادر في عقله مستقيم في خلقه عادل في ذاته.
قال سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ)، أي بين حالا لرجلين موازنا بينهما (أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ)، أي أخرس لَا يستطيع أن ينطق فلا يجيب إذا دعاه الداعي، والأخرس في أكثر الأحوال ناقص في مداركه؛ لأنه قد سدت عليه
مسالك العلم ولا يحس بمعنى الأشياء، والأخرس عادة يفقد النطق لأن النطق بالمحاكاة فهو لَا يعلم ولا يستطيع أن يبين هواجسه وخواطره فلا يحس بما حوله، وقد فقد المجلس والأنس، ولا يجلب لنفسه نفعا -، (وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ)، أي حمل وثقل، والمولى هنا القريب أو ذو الصلة به من أي أنواع الصلات الإنسانية، ومن كانت هذه حاله لَا ينفع الناس، وقد أشار مع ذلك إلى أنه ناقص المواهب ليس متفتح النفس والإدراك، وعبر اللَّه تعالى عن هذه الحال (أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لا يَأتِ بِخَيْر)، وثاني الرجلين الموازن بينهما رِجل فيه حكمه جعلته يلى بعض الأمر، وقد عبر سبحانه عن ذلك بقوله:(هَلْ يسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مسْتَقِيم) الاستنهام هنا لإكار الوقوع أي للنفي المؤكد كأنه سئل السائل وأجيب بالنفي وكان الرجل الثاني الذي ينفي المقابلة بينه وبين الأول قد اتصف بصفتين جليلتين مما يعلو الرجال بهما في الأوساط الإنسانية:
الصفة الأولى - أنه يأمر بالعدل، ولا يأمر بالعدل إلا إذا كان هو عادلا في ذاته، والعدل صفة في النفس وهي الفضائل التي تدخل في تكوين المزاج الإنساني الكامل، فالعدالة في النفس تزكيها وتنميها وتتجه بها نحو الفضائل، فحيث كانت العدالة النفسية كان الصدق وكان الاعتدال وكانت القدرة على الصبر، فلا تحكمها الشهوات ويكون الانتصاف منها، ويكون تأديب النفس.
وربما يكنى بأنه يأمر بالعدل بتوليه أمور الناس أو بعضهم أو أن يكون الحكم، وهو يشير إلى أنه لَا يتولى أمور الناس إلا عدل يأمر بالعدل يأمر كل نوابه وحاشيته ويقوم بالقسطاس المستقيم بين الناس.
الصفة الثانية - من يكون مستقيم النفس مخلص القلب، وقد عبر سبحانه عن ذلك بقوله تعالت كلماته:(وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، أي مستقيم النفس ذو طريق حسن وهذه أعلى صفات الإنسان، فهو مخلص وإخلاصه يوجهه إلى السبيل المستقيم، والإدراك المستقيم، والكلام المستقيم، والعمل المستقيم والسلوك العام المستقيم، وعبر سبحانه وتعالى بعبارة تؤكد استقامته بعدة إشارات:
الإشارة الأولى - أنه عبر بالجملة الاسمية.
الإشارة الثانية - أنه جعله كراكب صراط الاستقامة الجالس عليه؛ ولذا عبر بـ (على) الدالة على التمكن من صراط الاستقامة.
الإشارة الثالثة - أنه عبر بالصراط، وهو في ذاته مستقيم، إذ إنه الخط المستقيم، ووصفه مع ذلك بالاستقامة فكان هذا تأكيدا لفظيا لمعنى الاستقامة في النفس والخلق والعمل.
وإن الأقوال التي ذكرناها في المثل الأول تقال هنا، فأكثر المفسرين على أنه سبحانه ضرب حال عبادة المشركين، بحال من يسوي بين رجلين بينهما تمام التباين، فيسوي بين اللَّه تعالى والأحجار، كمن يسوي بين رجل ناقص الإنسانية ورجل آخر كاملها.
وإن كلام ابن عباس ينطبق هنا أيضا، فيكون نفيا للتساوي بين الكافر المشرك، والمؤمن الموحد.
وما بدر إلينا من أنه بيان لاختلاف القوى والأحوال، وتوافر أسباب الرزق وعدم توافرها، وقدر الله سبحانه وتعالى، وأنه يرزق هذا ويحرم هذا، لعدم السير أو عجزه عن السير في أسباب الثروة، وأن الوجود الإنساني يشتمل على هذه الحقيقة، وأن الناس فيهم الغني والفقير ومن يقول إنه يعمل على إذابة الفوارق بين الغنى والفقر جاهل مغرور، وإن فرض ذلك بالقوة كان ظالما غشوما، وسلب الحقوق ممن ينتجون الحلال، وترك الباب مفتوحا، ليغني طائفة أخرى بالحرام الذي لا ينتج شيئا.
وإنه من بعد ضرب الأمثال، ومنها يتبين أن اللَّه سبحانه وتعالى يدير العالم بحكمته، وأنه وحده القادر على كل شيء وأن الحساب يجيء لَا محالة، ولذا قال تعالى:
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
أحسب أن هذه الآية تشير إلى ما قدره سبحانه وتعالى في علمه المكنون مما كتبه على الناس من غنى وفقر، وإن كل شيء بقدره، وفي غيبه حتى العجز والكيس، ومع ذلك فيها بيان لما يستعجله الناس من وعيد، ومن قيام الساعة مع أنه قريب وأنه ليس بعسير على اللَّه تعالى بل كلمح البصر أو هو أقرب، واللمح النظر السريع، يقال لمحه لمحًا ولمحانا إذا أدركه بطرف العين أو مجرد حركتها بحركة الرمش، وهو زمن لَا يتجاوز ثواني من دقيقة.
والمعنى وإن أمر الساعة وزمانها وإن استطلتم الزمن الذي يمضي هو عند اللَّه كلمح البصر، أي تحسبونه بعيدا، وهو عند اللَّه تعالى قريب كلمح البصر، فالأزمان تجري عليكم بالطول والقصر، أما عند اللَّه فإنه لَا زمان يحكمه، ولا ظرف يحيط إنما ذلك أعراض لَا تكون إلا عند الحوادث، وذلك كقوله تعالى:
(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)، وكقوله تعالى:(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمَا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ممَا تَعُدُّونَ)، أي إن الزمن لَا يحكم إرادة اللَّه، بل إرادة اللَّه تعالى هي الخالقة للأفلاك والأزمان ومعنى (أَمْرُ السَّاعَةِ) مهما طال زمنها في نظركم، هو عند اللَّه قريب (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)، (أو) للإضراب عن وصف أمرها بأنها كلمح البصر، بل هي أقرب من ذلك إن بالغْتُم في الاستغراب.
وإنه يراد مع استطالة الزمن أن الساعة إذا جاءت واضطربت السماوات والأرض وكورت الشمس وانفطرت الأرض والكواكب اندثرت، كل ذلك يتم في لمح البصر أقرب من ذلك، فاللَّه تعالى على كل شيء قدير؛ ولذا ختم الآية بقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ عَلَى كلِّ شَيْء قَدِيرٌ) وقد أكد سبحانه وتعالى قدرته بعدة مؤكدات أولها الجملة الاسمية، وثانيها:(إن) الدالة على تأكيد الخبر وهو قدرة الله تعالى، وتقديم (كل شَيْء) على (قَدِيرٌ)؛ لأنه يدل على الاهتمام ووصف (قَدِيرٌ)، واللَّه أعلم.