الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضع وهو رزق لأهله موضع آخر، فيقطع البقاع والبراري والقفار ويخترق الجبال والآكام فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله ".
وفى ذكر الأنهار بعد الجبال إشارة إلى أن الجبال كما أنها أوتاد الأرض تنزل من فوقها الأمطار، فتجري في الوديان والأنهار، كما ترى في نهر النيل ودجلة والفرات وغيرها.
(وَسُبُلًا)، أي طرقا يسير فيها السائرون كما قال تعالى:(. . . وَجَعَلْنا فيهَا فِجَاجًا سُبُلًا. . .)، وختم اللَّه تعالى الآية بقوله:(لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، أي رجاء أن تهتدوا وتدركوا الحق وتتركوا الباطل وتؤمنوا بمانح النعم، ومجريها وخالق الكون وكالئة، وحافظه.
ثم قال سبحانه:
(وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
(16)
أي أن الجبال والسبل والأنهار تكون علامات للأماكن وحدودا، وتعريفا بأماكن البلاد، وحدودها شرقا وغربا، وقوله:(وَعَلامَات)، معطوفة على جبال، أي جعل الجبال والأنهار علامات.
(وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)، أي أن النجوم ومواقعها في السماء، وتنقلاتها في مداراتها علامات للسائر فعلا، وكان العرب على علم واقعي بمواقع النجوم ينتفعون بها في أسفارهم، وقد أكد سبحانه اهتداءهم بالنجم بتقديم النجم، وإن ذلك أصل لعلم الفلك هدى اللَّه تعالى إليه.
والتفت سبحانه وتعالى من الخطاب إلى الغيبة؛ لأن اللَّه يخاطب الناس بالنعم عليهم، وقد ذكر هذه النعم، وهي تعم الجميع، وتثبت للجميع، أما النجوم فمع عموم نفعها وهديها لَا يهتدي بها إلا السائرون في ظلمة الليل البهيم.
وفى الخطاب تذكير بالإنعام الدائم المثمر، وفي الحديث بالغيبة تقرير للحقائق الثابتة المستقرة ولو كان النفع الحسي فيها لبعض دون بعض.
* * *
لا تشابه بين الخلق والخالق
قال تعالى:
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)
* * *
ذكر سبحانه وتعالى خلقه، وأن الوجود كله يتمتع بنعمة خلقه، ومع هذه النعمة، خلق نعما للإنسان إذ سخر له الشمس والقمر والليل والنهار، وأتى بني الإنسان من كل ما سألوه، فالنبات والزيتون، وغيره من الثمرات والبحر، والفلك، وما فيه من لحم طري إلى آخره.
كل هذا، ومع ذلك يشركون باللَّه في عبادته سبحانه ما لَا يملك شيئا، ولذلك نبه سبحانه وتعالى إلى ضلال العقل في هذا الأمر، ويذكرهم بذلك؛ لأن
فطرتهم تنفر منه؛ ولذا يستثير سبحانه هذه الفطرة بحمل الإنسان على التذكر فيقول سبحانه:
(أَفَمَن يَخلقُ كمَن لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
الاستفهام إنكاري بمعنى إنكار الواقع؛ لأنهم فعلا عبدوا الأحجار فجعلوا من خلق الوجود كمن لَا يخلق شيئا، وهو ذاته مخلوق ميت لَا حياة فيه إذ هو جماد من الجمادات وحجر من الأحجار، وإنكار الواقع توبيخ؛ لأنه يكون استفهامًا عن واقع غير معقول، فيكون الجواب منهم إقرارا بأنهم يفعلون أمرا غير معقول.
و (الفاء) في قوله: (أَفَمَن يَخْلُقُ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإنه يترتب على أن الله تعالى خالق الأشياء والنعم والأنفس، وبذلك يكون هو المعبود وحده، وإلا كان الأمر المستنكر عقلا، وواقعا، وهو أن يكون الخالق كالمخلوق، بل إن يكون الخالق كأصغر ما خلق، والفاء مؤخرة عن تقديم، فحق القول بيانيا أن يكون فأمن يخلق كمن لَا يخلق، ولكن الاستفهام له الصدارة في الجمل فأخرت الفاء، وكذلك في القرآن كل فاء جاءت بعد حرف الاستفهام، والواو العاطفة كذلك.
ويلاحظ في النص السامي ما يأتي:
أولا: أن الله تعالى عبر عن الأحجار التي كانوا يعبدونها بـ (مَن) الدالة على العقلاء، فقال سبحانه:(أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَا يَخْلُقُ) وكان ذلك لأنهم عدوها معبودة، فكأنَّهم يعاملونها معاملة العقلاء، فكان التعبير مساوقة لزعمهم، ولأن بعض الذين يعبدون غير اللَّه يعبدون عقلاء، كالثالوث المسيحي ففيه العقلاء، وقد أشركوا، وقد يكون ذلك للمشاكلة، والتسوية التي أرادوها بين الخالق والمخلوق، وذلك مثل قوله تعالى:(. . . فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَع يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ. . .)، وإن اللَّه سبحانه في أكثر من آية يعيد الضمير عليها كالعقلاء، كقوله تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ