الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنه ليس بمجبر فيها، وأنه يختار إما الضلالة ليشقى وإما الهداية فيسعد، وما يعمله مكتوب في اللوح المحفوظ، فهو في هذا اللوح، إما شقي وإما سعيد، وقد غيب عنه المكتوب ليفعل ما يفعل حرا مختارا، هذا أمر شعوري بدهي، لَا يحتاج إلى فلسفة أهل الجبر ولا أهل الاختيار.
والاستدراك في قوله تعالى: (وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ. . .) إنما هو عن خلقهم أمة واحدة بل هو للتفرقة بين الضلال والهدى فيما يكتبه اللَّه تعالى، ويقدره، ولقد قال سبحانه بعد ذلك (وَلَتُسْألُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، أي أن أعمالكم باختياركم وبقوتكم الذاتية وتسألون عنها: أهي خير فتثابوا أم هي شر فتعذبوا، وكل أعمالكم مكتوبة عليكم وبكتابتها يضلكم أو يهديكم.
وبعد أن بين سبحانه أن كون أمة أربى من أمة هو بمشيئة اللَّه وإرادته مع بقاء الاختيار للعباد أكد سبحانه وتعالى النهي عن نقض الوفاء بالعهد فقال:
(وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
(94)
كان النهي عن اتخاذ الأيمان دخلًا أي غشا وخديعة في العهود؛ لأن الكلام كان في العهود ونقضها، إذ ابتدأ القول:(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) أما النهي في هذه الآية عن اتخاذ الأيمان دخلًا، فهو نهي عن الحلف الكاذب خديعة وغشا ومكيدة بعهد كان يعتزم فعل أمر أو يظهر اعتزامه ويوثقه بيمين، ولا يتجه إلى المعاهدة عليه، فإن ذلك منهي عنه، أو يؤكد كلامه عن أمر سابق باليمين وهو كاذب في يمينه، فإن اليمين في هذه الحال غش وخديعة ويكون ممن لَا يطاع ولا يستمع إليه إذ يقول اللَّه تعالى:(وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11).
وعلى ذلك يكون النهي عن اتخاذ الأيمان للغش والخديعة يشمل العهود والبيعات ويشمل توثيق يمين منعقدة لَا ينوي التنفيذ فيها، أو يمين غموس هو فيها كاذب، كشهادات الزور، ونحوها مما تتخذ اليمين للغش والخديعة، وضياع الحقوق والدعاء الباطل وتأكيده بهذه الأيمان.