الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابه إلى هرقل، والنجاشي، والمقوقس، وهذا بعض ما جاء فيه:(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا. . .).
والأمر الثاني الذي أنكره اليهود، وهو اليوم الآخر؛ ولذا قال فيه:(وَإِلَيْهِ مَئَابِ)، أي إليه وحده مآب أي مرجعي، لَا إلى غيره من مسيح ونحوه، فإنه يوم القيامة عبد، كما كان في الدنيا عبد من عباده الصالحين الأبرار وإن كانت له منزلة الرسل كإخوانه من أولي العزم من الرسل.
وحض الله تعالى بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:(إِلَيهِ أَدْعُو)، أي أدعو إليه وحده، فتقديم الجار والمجرور يدل على أنه لَا يدعو إليه غيره، فلا يدعو ابنا، ولا أما لهذا الابن، ولا روح قدس وغير ذلك مما توهمته الأفلاطونية الحديثة، وأخذوه منها كما يؤخذ الباطل من سلسلة الباطل.
وقد بين الله تعالى معنى الرسالة المحمدية فقال عز من قائل:
(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ
(37)
كذلك، التشبيه بين ما هو كائن، وما قدره الله تعالى، وأحكمه، أي كهذا الذي تراه من نزول القرآن بلسان عربي مبين قدرناه وأحكمناه حكما عربيا، ووصف الحكم الإسلامي بأنه عربي؛ لأن القرآن الذي هو حجته عربي؛ ولأن الرسول الذي بعث به عربي؛ ولأنه من سلالة إبراهيم أبي العرب، ولم يكن من سلالة إسحاق، بل من سلالة إسماعيل ضئضئي العرب.
وليس معنى ذلك أنه مقصور حكمه على العرب فتلك فرية، إنما معناه في الحدود التي ذكرناها؛ لأن القرآن شريعته عامة للناس كافة، لَا فرق بين عربي وأعجمي.
ويصح أن يراد من كلمة (حُكْمًا) قرآن، أي أنزلناه قرآنا عربيا، وعبر عنه بحكم؛ لأن ما اشتمل عليه هو الحكم القائم إلى يوم القيامة.
والعربية صفة الشريعة وإن كانت عامة في تطبيقها؛ وذلك لأن الشريعة نزلت، واختار الله تعالى نبيه من بينهم، (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ. . .)؛ وذلك لأن العرب من بين الأمم كانوا أعرف الناس بالله فهم كما ذكرنا في عدة من كتاباتنا كانوا يؤمنون بأن الله خالق السماوات والأرض ومن فيهن، ويؤمنون بأنه واحد في ذاته وصفاته، ولكنهم كانوا في العبادة يشركون معه الأوثان، وغيرهم من الأمم التي عاصرت مبدأ الإسلام ما كانت فيها معرفة الله تعالى تلك المعرفة فكانت جديرة بأن تكون أرض الدين الذي يدعو إلى التوحيد المطلق، إذ كانت فيه بذوره، فكان عمل محمد صلى الله عليه وسلم تقويم سوقه.
وإن ذلك يقتضي ألا يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أهواء المشركين، ولا أهواء أهل الكتاب؛ ولذا قال تعالى:(وَلَئِنِ اتَّبعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) الضمير في (أَهْوَاءَهُم) يعود إلى المشركين وأهل الكتاب، وقد وصف بأن ما هو عليه هوى الأنفس، وشهوة العقل الفاسد، فهو الخاضع للأوهام الذي لَا يسيطر عليه عقل مدرك، ولا جاء من العلم للنبي صلى الله عليه وسلم هو علم التوحيد، وعلم التكليف، وكل ما عداه انبعث من الهوى وضلال الفكر، وفساد الاعتقاد، واللام في قوله تعالى:(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) هي لام مؤكدة ممهدة للقسم، وما جاء بعد ذلك جواب القسم لا جواب الشرط؛ لأنه إذا اجتمع الشرط والقسم يكون جواب القسم أولى وأجدر، ويكون دالا على جواب الشرط، فالكلام فيه قسم مطوي، وهو تأكيد للحكم، وهو العذاب الذي ينزله الله تعالى، ولا وقاية منه، أيا كان الواقي، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس هناك احتمال لأن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أهواءهم فما اتبعها قبل أن يبعثه الله رسولا، فكيف يتبعها بعد أن شرفه الله تعالى بالرسالة العامة الخالدة، وإنما الخطاب له ابتداء، لتقتدي به أمته، وتتبعه، أو يكون الخطاب لكل قارئ للقرآن مخاطب بأحكامه وبيانه، وجواب القسم (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ) من الله متعلق بـ (وَاقٍ)، ومن الثانية لاستغراق النفي، أي ليسى لك واقٍ من عذاب الله تعالى أي واقٍ كان، كقوله
تعالى: (. . . مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نصِيرٍ).
اللهم قنا شر غضبك، واجعلنا في وقاية من معصيتك، فإنها الوقاية من النار.
* * *
الرسل من البشر
قال اللَّه تعالى:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)
* * *
كان المشركون يقولون: إنه لَا يكون رسولا لله تعالى إلا ملك يجيء إليهم، ولا يكون بشرًا، وقد رد الله تعالى في كلامهم في أكثر من آية في ثنايا كتابه الكرم:(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ)، وكانوا يقولون:(. . . مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَاكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ. . .).
وفى هذه الآية بين سبحانه وتعالى أنه قد سبق الرسل والأنبياء مثل إبراهيم وإسماعيل، وأولاد إبراهيم من إسحاق فكل أولئك كانوا رسلا وأنبياء وكانوا بشرا، فقال تعالى:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)، ومما
كان لهم مشركين أو أهل كتاب أن ينكروا رسالة رسل كانت لهم أزواج وذرية، وأبو الأنبياء إبراهيم الذي كان شرف العرب، ومجدهم الذي يتفاخرون به كان رسولا، وهم لَا يزال عندهم بعض شريعته في الحج، وهو باني البيت الحرام بأمر ربه، فقد كان رسولا نبيا، وكان زوجا كريما، ومن ذريته إسماعيل وإسحاق وقال:(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ. . .)، والزوجية لازمة من لوازم البشرية، والملائكة لَا يتزاوجون ولا يتناكحون ولا يتناسلون.
ولقد أكد سبحانه رسالة هؤلاء الرسل من البشر، بـ قَدْ، وباللام، وقوله تعالى:(مِّن قَبْلِكَ) رسالتك، فلست بدعا، وكان حقا عليهم ألا يعترضوا بذلك الاعتراض.
هذا الاعتراض الأول الذي كانوا يعترضون به على النبي صلى الله عليه وسلم، فهم يحسبون أن الرسول لَا يكون إلا ملكا وذلك يناقض ما هو معلوم عندهم من رسالة موسى، ونبوة إسماعيل، ورسالة إسحاق، ونبوة يعقوب عليهم السلام.
الأمر الثاني الذي اعترضوا به المعجزة، فهم يريدون آية غير القرآن تدل على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقولون لولا أنزل عليه، كأنهم لَا يعتدون بالقرآن أية معجزة، وقد تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا.
وقد رد الله سبحانه كلامهم بقوله سبحانه: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّ)، إن ما كان من شأن الرسول أن يأتي بآية يثبت بها رسالته عن الله إلا بإذنه، فالآية من شأن من أرسله لَا من شأنه، فالله هو الذي يرسل، وهو الذي يعطي لرسوله المعجزة التي تثبت أنه يتحدث عن الله، ومثل المعجزة بالنسبة للرسول كمثل الأمارة التي تكون شاهدة بصدق الرسالة عن الله تعالى، فهو سبحانه وتعالى الذي يختارها.
وقد اختار القرآن دليلا على الرسالة، ولكل زمن المعجزة التي تناسبه، ولذا قال تعالى:(لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)، أي لكل زمن أمر قد كتبه الله تعالى في قدره،