المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(22)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(9)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(سُورَةُ الْحِجْرِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(27)

- ‌(30)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(36)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(53)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(65)

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(70)

- ‌(71)

- ‌(72)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(76)

- ‌(77)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(82)

- ‌(83)

- ‌(84)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(92)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(99)

- ‌(سُورَةُ النَّحْلِ)

- ‌(2)

- ‌(3)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(22)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(41)

- ‌(42)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(48)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(53)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(65)

- ‌(66)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌(71)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(84)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(90)

- ‌(91)

- ‌(92)

- ‌(93)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(100)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(104)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌(109)

- ‌(110)

- ‌(111)

- ‌(112)

- ‌(113)

- ‌(115)

- ‌(116)

- ‌(117)

- ‌(118)

- ‌(121)

- ‌(122)

- ‌(125)

- ‌(126)

- ‌(127)

- ‌(128)

- ‌(سُورَةُ الْإِسْرَاءِ)

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(11)

- ‌(12)

- ‌(13)

- ‌(14)

- ‌(15)

- ‌(16)

- ‌(17)

- ‌(18)

- ‌(19)

- ‌(20)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(24)

- ‌(25)

- ‌(26)

- ‌(27)

- ‌(28)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(34)

- ‌(35)

- ‌(37)

- ‌(38)

- ‌(39)

- ‌(40)

- ‌(42)

- ‌(43)

- ‌(44)

- ‌(45)

- ‌(46)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(51)

- ‌(52)

- ‌(54)

- ‌(55)

- ‌(56)

- ‌(57)

- ‌(58)

- ‌(59)

- ‌(60)

- ‌(62)

- ‌(63)

- ‌(64)

- ‌(67)

- ‌(68)

- ‌(69)

- ‌(71)

- ‌(72)

- ‌(73)

- ‌(74)

- ‌(75)

- ‌(76)

- ‌(78)

- ‌(79)

- ‌(80)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(84)

- ‌(85)

- ‌(86)

- ‌(87)

- ‌(88)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(92)

- ‌(94)

- ‌(95)

- ‌(96)

- ‌(97)

- ‌(98)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(103)

- ‌(104)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(107)

- ‌(108)

- ‌(109)

- ‌(110)

- ‌(111)

الفصل: قال تعالى:

قال تعالى:

ص: 4318

(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

(1)

(سبحان):

اسم في معنى المصدر، وهو غير متصرف فلا تجري عليه وجوه الإعراب وليس له فعل، وقد يعده بعض العلماء مصدرا من سبح يسبح تسبيحا وسبحانا، ومعنى هذه اللغة تنزيه اللَّه تعالى وتقديسه وبراءته من كل نقص لَا يليق بالذات العلية المكرمة، وقد روي أن طلحة بن عبيد اللَّه أحد العشرة المبشرين بالجنة سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما معنى سبحان اللَّه فقال:" تنزيه الله من كل سوء "، وصدرت الآية أو السورة بالتسبيح وتتزيه اللَّه تعالى عن كل عيب؛ لأنه سيكون فيها إسراء ومعراج، واتجاه إلى اللَّه واستشراف بالملأ الأعلى فكان لَا بد من الابتداء بما يدل على التنزيه عن التجسيم والأغراض التي لَا تليق بذاته الكريمة، و (سبحان) منصوبة على أنها مفعول مطلق؛ لأنه في معنى المصدر أو مصدر كما ذكر.

وأسرى: أي سار ليلا، فالإسراء لَا يكون إلا بالليل، وذكر (ليلا) للتبعيض فكان التنكير للدلالة على البعضية، فالإسراء كان في بعض الليل لَا في الليل كله، فما استغرق الليل كله، بل كان في بعض، وكان ذكر ليلا للإشارة إلى أنه حين يكون السير ليس سهلا، إذ إن الانتقال إلى مكان بعيد لَا يكون ليلا، بل يكون نهارا، ولا يكون بعض الليل بل يكون بعض النهار، فذكر " ليلا " اللدلالة على موضع الغرابة، أنه كان بأقصى السرعة، وكان ليلا.

وذكر " عبده " في قوله تعالى (أَسْرَى بِعَبْدِهِ)، للإشارة إلى قرب من نبيه فقد خلص له، ولم يكن بينه وبينه حجاب إلا العبودية، وأضافه إليه سبحانه لمعنى الاختصاص وأنه صار خالصا للَّه سبحانه وتعالى، وفي ذلك إشارة إلى معنى دعائه صلى الله عليه وسلم:" إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي " فقال له ربه: أنت عبدي، أي أنت لي خالصا.

وقد عين ابتداء السير، وانتاءه فقال سبحانه:(مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا) فالابتداء من المسجد الحرام لَا من مكة كلها، وصحت الرواية

ص: 4318

عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أسرى به من الحِجْر في المسجد (1)، وقيل إنه أسرى به من بيت أم هانئ بنت أبي طالب، ونحن نرى أن الأولى أن يكون ابتداء الإسراء من الحجر، لصحة الرواية ولأنها التي تتفق مع النص، لأن النص ذكر أنه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومكة وإن كانت حرما آمنا لأجل المسجد الحرام، فليست كلها الكعبة ولا المسجد الحرام.

والمسجد الأقصى هو بيت القدس، قيل إن الذي بناه يعقوب بن إسحاق عليهما السلام، ومهما يكن تاريخ بنائه فهو مسجد مقدس كما قال صلى الله عليه وسلم:" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: البيت الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا "(2).

وهو إحدى القبلتين - أولهما - اتجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، فقد كان في صلاته يصلي متجها إليه غير مستدبر الكعبة، ولما هاجر استمر يتجه إلى بيت المقدس وحده نحو ستة عشر شهرا (3).

وكان الإسراء قبل الهجرة بعام، وبعد موت أم المؤمنين خديجة، وعمه أبي طالب، وقد ذكرت في أول القول ما كان للإسراء من أثر نفسي في التسرية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد ذكر اللَّه تعالى بعد المسجد الأقصى وصفا كريما له فقال: (بَارَكنَا حَوْلَهُ)، ففيه آثار النبيين من أولاد إسحاق عليه السلام وفيه كانت الإمامة الكبرى بأرواحهم، وقد قال الزمخشري في قوله تعالى:(بَارَكْنَا حَوْلَهُ) يريد سبحانه بركات الدين والدنيا، لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى، ومهبط الوحي، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة، وكانت بركته أيضا في أنه إلى هذا الوقت كان قبلة المسلمين.

(1) عن أنَس بْنَ مَالِك يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَة أُسرِي بِالنبِي صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسجِدِ الْكَعْبَةِ. . الحديث. رواه البخاري: المناقب - تنام عينه (305)

(2)

متفق عليه، وقد سبق تخريجه، ورواه بهذا اللفظ البخاري: الصوم - صوم يوم النحر (1858) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

متفق عليه، سبق تخريجه.

ص: 4319

وقوله تعالى: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) أي يُرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى ومن إمامته لأرواح الأنبياء أو للأنبياء أنفسهم قد أحضرهم اللَّه تعالى له بأجسادهم، كما يبعثهم يوم البعث بأجسادهم، وتلك آيات من آيات اللَّه تعالى، وعرج به إلى السماوات العلا، كما قال تعالى في سورة النجم:(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18).

هذه آيات المعراج لَا نتعجل الكلام في ذكر معانيها، فنؤجل ذلك إلى الكلام في معاني هذه السورة التي تصور الرحلة النبوية إلى السماوات العلا سواء أكانت هذه الرحلة بالروح فقط أم بالروح والجسد، واللَّه على كل شيء قدير، بقي أن نتكلم في الإسراء والمعراج أكان بالروح أم بالجسد والروح؟.

اتفق علماء السلف على أن الإسراء كان بالروح والجسد، وأنه كان ليلا، والنبي صلى الله عليه وسلم مستيقظ يرى ويسمع، ولذا وصف عير قريش وذكر أنه يتقدمها جمل أورق.

ولم يخالف في ذلك إلا ما روي عن عائشة وعن معاوية من الذين لقوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ونقول: إن عائشة رضي الله عنها ما كانت زُفت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما كانت في سن تسمح لها بالرواية، إلا أن تكون قد روت ذلك عن غيرها، ولم تذكر من روت عنه، ومهما يكن فهي الصِّدِّيقة بنت الصَِّدِّيق، ولكنا لا نأخذ برأيها وقد كان رأيا لنا أن نخالفه، وأما معاوية فماله ولهذا وقد كان هو وأبوه ممن كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم في أصل الإسراء، فلم يكن وقت الإسراء إلا مشركا ككل المشركين.

ص: 4320

ونحن نرى أن الإسراء كان بالجسد في حال يقظة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن في منام:

أولا: لأن اللَّه تعالى قال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) والعبد جسد وروح.

وثانيا: أنه وصف لهم ما رأى وعاين.

وثالثا: أنهم ما كانوا يختلفون عليه لو كانت الرؤيا منامية.

وأما المعراج، فإن بعض العلماء قال: إنه بالروح دون الجسد، وقد قال في ذلك القرطبي:" قالت طائفة كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، واحتجوا بقوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِه لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا) فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء "(1)، وإننا نميل إلى هذا الرأي، واللَّه أعلم.

وختم اللَّه سبحانه وتعالى آية الإسراء بقوله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الضمير يعود إلى اللَّه تعالى، وذكر (السمِيعُ الْبَصِيرُ) في هذا المقام للإشارة إلى أن اللَّه تعالى عليم علم من يسمع بما قيل لك من مشركي قريش وأهل الطائف، والعليم علم من يبصر بما رد به سفهاء ثقيف وما أوذيت به من أذى رق له قلب بعض المشركين، وهو تعالى مؤنسك في وحشتك وناصرك في وحدتك، فإذا فقدت النصير من أهل الدنيا والمواسي منهم فاللَّه معك، وهو أعز نصير وأَرحم بك.

تنبيهان:

أولهما: أن المشركين عندما كانوا يطلبون آيات حسية كانوا يريدون الإعنات لا الإقناع، فهذه الآية الحسية قد جاءتهم فزادوا خسرانا، جاءتهم في الإسراء وشق القمر، فزادوا كفرا فقالوا: سحر مستمر.

(1) الجامع لأحكام القرآن: 10/ 204.

ص: 4321

ثانيهما: أن بعض الناس يذكرون الإسراء مع ما يقال الآن في الخروج إلى الفضاء والارتفاع إلى السماء وهذا تهجم على المعجزات، إن الارتفاع إلى الفضاء أو القمر أو المريخ بأسباب حسية مادية هي رافعة كروافع لأحمال لَا فرق بين صغيرها وكبيرها، أما معجزة الإسراء فهي انتقال من مكان إلى مكان في وقت كان الانتقال يستغرق أربعين يوما من غير سبب ظاهر، أو دفعة حسية بل بسبب آخر وهو قدرة اللَّه تعالى ولا شيء سوى قدرته ولا يوجد مثل هذا الآن ولا في أي زمان إلا أن يكون معجزة، فلا يستطيع ذلك أحد إلا اللَّه العلي القدير الحكيم العليم (1).

(1) الإسراء والمعراج: (من كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم للإمام محمد أبو زهرة - الجزء الأول، ص 596 - 610).

كان الإسراء في السنة التي كانت قبل الهجرة، وروى البيهقي عن ابن شهاب الزهري أنه كان في السنة التي قبل الهجرة، وروى الحاكم أن الإسراء كان قبل الهجرة بستة عشر شهرا.

واختلف على ذلك في الشهر الذي أسرى به فيه، فالسدي قال إنه في ذي القعدة، والزهري قال في ربيع الأول.

وروي عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات.

وفى رواية أن الإسراء كان في ليلة السابعة والعشرين من شهر رجب، ويقول ابن كثير: " وقد اختاره الحافظ ابن سرور المقدسي، وقد أورد حديثا لَا يصح سنده، كما ذكرناه في فضائل شهر رجب، وأن الإسراء كان في ليلة السابعة والعشرين من رجب والله أعلم. ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان في أول ليلة جمعة من شهر رجب، وهي ليلة الرغائب التي أحدثت فيها الصلاة المشهورة، ولا أصل لذلك، واللَّه أعلم.

وقد جاء في نهاية الأرب أن الإسراء كان في ليلة السبت، ليلة سبع عشرة من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عثر شهرا، وقد أُسرِي به صلى الله عليه وسلم وسنه إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر!! وننتهي من هذا إلى أن علماء السيرة النبوية مختلفون في تعيين اليوم الذي كان فيه الإسراء، ولكن الواقعة ثابتة. وقد اتفقوا على أنها كانت بعد ذهاب النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم إلى الطائف، وردهم له الرد المنكر، وأن كونها في ليلة السابع والعشرين من رجب ثبتت بخبر لم يصح سنده في نظر الحافظ المحدث ابن كثير، وقال من بعد ذكره: واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.

وقد وجدنا الناس قبلوا ذلك التاريخ، أو تلقوه بالقبول، وما يتلقاه الناس بالقبول ليس لنا أن نرده، بل نقبله ولكن من غير قطع ومن غير جزم ويقين.

واتفقت الروايات أيضا على أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة على الأقل، ويظهر أنها كانت في السنة التي قبل الهجرة في ثلثها الأول أو الأخير واللَّه سبحانه تعالى أعلم.

ص: 4322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ومن سياق التاريخ ومناسبات الحوادث نرى أن الإسراء كان بعد انشقاق القمر.

وهنا قد يسأل السائل ما المناسبة لمسألة الإسراء والمعراج، وتعيين الله تعالى لزمانها، والله سبحانه وتعالى حكيم عليم، يضع الأمور بموازينها وفي أوقاتها، وأجلها المعلوم، ولنا أن نتعرف حكمة الله تعالى من غير أن نقطع بأن هذا هو مراد الله تعالى، فهو العليم الخبير الذي لَا تخفى عليه صغيرة أو كبيرة في السماء أو في الأرض.

ونجيب عن هذا التساؤل بما قررنا، وهو أن الله سبحانه وتعالى استجاب لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم في ضراعته بالدعاء الذي دعا ربه عقب خروجه من الطائف، شكا ضعف قوته فأمده الله تعالى بالقوة، وقلة الحيلة فأمده بحسن التدبير لدخول مكة آمنا مطمئنا، وأيده بآية حسية من نوع ما يطلبون، وإذا كانوا لم يستجيبوا لداعي الله تعالى، فلأن المعاند لَا يقنعه الدليل، ولو كان حسيا، فقالوا سحرنا، مع أن انشقاق القمر رأته الركبان في أسفارها، ثم كان من بعد ذلك الأنس بلقاء الله تعالى في المعراج، سواء أقلنا إن لقاءه باللَّه تعالى، كان بالروح في الرؤيا، أم كان بما هو أكثر من الرؤيا (السيرة العطرة للأستاذ عبد العزيز خير الدين، ونهاية الأرب جـ 16، ص 283، 284).

لقد أحس النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالوحشة بعد وفاة الحبيبين خديجة العطوف، وأبي طالب الشفيق. فقال اللَّه تعالى له بالفعل أُنس اللَّه أكبر، ورحمته أعظم، وحياطته أكرم، وإن عنايته بك وبرسالتك هي التي ستبلغك أمرك، وتحقق لك شأوك، وتصل بك إلى غايتك، وهو المهيمن الرءوف الرحيم، لذلك كان الإسراء، ومن بعده عروجه إلى السماء.

والآن ننتقل إلى الآيات الكريمات التي صرحت بالإسراء، ثم كانت الإشارة الواضحة إلى المعراج قال اللَّه تعالى:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. ففي هذا النص الإسراء صريحا، وكانت الإشارة إلى المعراج بقوله تعالى: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا).

وقال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا)، فقد ذكر المفسرون أن الرؤيا هي المعراج.

وقال تعالىٍ في سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18).

ولقد قرر المفسرون أن هذه الآيات نزلت في المعراج، وإن ذلك لواضح، وإذا كانت العبارات السابقة لم تصرح بالعروج إلى السماوات العلا فإن الإشارات واضحة تكاد تكون تصريحا، والإشارات الواضحة في قوة الدلالة تكون كالألفاظ الصريحة.

وقد قال بعض علماء السيرة: إن الإسراء بالنبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم ابتدأ من شعب أبي طالب، وإن كان السند في ذلك صحيحا، فإنه يشير إلى أن أبا طالب قد مات، وأن مهمته قد انتهت، وأن اللَّه تعالى وهو الباقي الدائم. الأول والآخر والظاهر والباطن به تكون النصرة الدائمة المتجددة في الشدائد - ولكن الثابت في البخاري أنه ابتدأ من الحطيم بالمسجد الحرام (البداية والنهاية جـ 3، ص 110). =

ص: 4323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الإسراء بالجسم: إن ظاهر الآية القرآنية التي أثبت الإسراء وهي قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، أن الإسراء كان بالجسد والروح؛ وذلك لأنه سبحانه وتعالى قال:(أَسْرَى بِعَبْدِهِ)، والعبد هو الروح والجسد، وما دام الظاهر لَا دليل يناقضه من عقل أو نقل، فإنه يجب الأخذ به، فإنه من المقررات أن الألفاظ تفسر بظاهرها إلا إذا لم يمكن حملها على الظاهر لمعارض، ولا معارض.

وفوق ذلك فإن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم عندما أعلن خبر الإسراء بين قريش ففتن بعض الذين أسلموا وارتد من ارتد، ويقول في ذلك ابن كئير فيما رواه عن قتادة: " انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم إلى مكة، فأصبح يخبر قريشا بذلك؛ فذكر أنه كذبه أكثر الناس، وارتدت طائفة بعد إسلامها، وبادر الصديق إلى التصديق، وذكر أن الصديق سأله عن صفة بيت المقدس، وقال: إني لأصدقه في خبر السماء بكرة وعشيا، أفلا أصدقه في بيت المقدس، فيومئذ سمي أبو بكر الصديق.

وإنه روي أنه عند مروره صلى الله تعالى عليه وسلم على عير لقريش فَندَّ بعير لهم نافرا، فأرشدهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى مكانه، وقد أخبروا أهل مكة بذلك (الروض الأنف، جـ 1، ص 244).

وإنه روي أن أهل مكة الذين ردوا القول استوصفوه عيرا لهم فوصفها، وقد قال صلى اللَّه تعالى عليه وسلم في إخبارهم، والاستدلال على صدقه: " وآية ذلك أني مررت بعير بني فلان، بوادي كذا وكذا، فأنفرهم حسن الدابة (هى البراق التي سنذكر الروايات عنه من بعد) فندَّ لهم بعير، فدللتهم عليه، وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت، حتى إذا كنت بصحنان مررت بعير بني فلان، فوجدت القوم نياما، ولهم إناء فيه ماء، قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه، وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان، وآية ذلك أن عيرهم تصوب الآن من ثنية التنعيم (هو المكان) البيضاء يقدمهم جبل أورق عليه غرارتان، إحداهما سوداء، والأخرى برقاء، فابتدر القوم الثنية. . . وسألوهم عن الإناء وعن العير فأخبروه، كما ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم.

وإن هذا كله يدل على أن الإسراء كان بالروح والجسد، فإن تلاقى مع المارين بين مكة والشام وأخبر عن التلاقي، وصدق خبره صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت بعض هذه الروايات في إسنادها كلام، فإن بعضها يقوي الآخر، ونص القرآن ظاهر في تأييد الدعوى، بل لَا يدل على غيرها حتى يقوم الدليل.

ولو كان الإسراء بالروح أو الرؤيا الصادقة ما كانت ثمة غرابة تمنع التصديق، ولبادر النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم بإخبارهم إلى أن ذلك رؤيا في المنام، أو هذا وحي أوحى به إليه.

ولقد كان بجوار هذا القول الذي تنطق به الآية الكريمة قول آخر روي عن أم المؤمنين عاثشة رضي اللِّه تبارك وتعالى عنها وعن أبيها الصديق، وروى أيضا عن معاوية بن أبي سفيان، وقد كان إبان ذلك هو وأبوه من المكذبين الذين يناوئون الدعوة، ولكن لعله نقل عن غيره ممن شاهدوا، وعاينوا، كما نقلت عائشة عن غيرها، وما كانت في ذلك الإبان قد زفت إلى النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم.

وقد كان معاوية مسلما من بعد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها الصديق، واحتج بقول عائشة هذا، وقد أثر عن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم أنه أمر بأن يؤخذ الدين عن عائشة.

ولكن الخبر عنها يحمل في نفسه ما يوهم عدم صدقه عنها، ففيه أنها قالت:" لم تفقد بدنه " وإن ذلك يوهم أنها كانت معه في مبيت واحد، مع إجماع المؤرخين والمحدثين على أنه لم يبن بها إلا في المدينة. =

ص: 4324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقد استدل أصحاب هذا القول بما روى الحسن البصري عن أن قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) وقالوا إن الرؤيا هي ما يكون في المنام، كما حكي عن سيدنا يعقوب: أنه قال لابنه يوسف بعد أن قص عليه ما رآه في المنام: (. . . لَا تَقْصصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ. . .).

وجاء في كتاب البصائر للفيروزابادى: " الرؤيا ما رأيته في منامك، والجمع رؤى كهدى، وقد تخفف الهمزة من الرؤيا، فيقال بالواو "(بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ج 3، ص 177). وهذا وغيره نصوص صريحة في أن الرؤيا منامية. ولكن أهي كانت في الإسراء أم كانت في المعراج؛ إن رواية الحسن رضي الله عنه تقول: هي ما كان في ليلة المعراج، نعم إن الليلة كانت واحدة، ولكن النص على ليلة المعراج يدل على أن كلام الحسن ومن معه في المعراج لَا في الإسراء.

ويستدل أصحاب هذا القول، وهو أن الإسراء كان بالروح بحديث البخاري عن أنس بن مالك قال: ليلة أسرى رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام. فقال أولهم: أيهم هو، قال أوسطهم: هذا، وهو خيرهم، فقال آخرهم. خذوا خيرهم. . . فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم، ولم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند زمزم، فتولاه منهم جبريل. . . والحديث طويل وقال في آخره واستيقظ وهو في المسجد الحرام، ويرى صاحب الروض الأنف أنه نص لَا إشكال فيه.

ونرى أن فيه إشكالا؛ لأنه نص فيه على أنه كان قبل أن يوحى إليه، ونرى أنه لم يتعرض لذكر الإسراء والمعراج، ولعلها كانت إذا صحت الرواية في موضوع آخر.

ويرى صاحب الروض الأنف أن الأدلة قد تعارضت بالنسبة للإسراء، وأنه يوفق بينها بأن الإسراء كان مرتين: إحداهما بالروح والأخرى بالجسد والروح.

ونحن نرى أن الأدلة لم تتعارض، بل الأدلة على أن الإسراء كان بالجسد والروح هي التي لَا ريب فيها، ولا يمكن أن يعارض الضعيف القوي.

ولذا نرى أن الإسراء كان بالجسد والروح، ولا نجد فيما استدل به على ما يدل على أنه كان بالروح فقط، وإن الآية (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) لَا نرى أن موضعها هو الإسراء، بل إن موضوعها هو المعراج.

ولا غرابة في أن ينقل اللَّه تعالى نبيه من مكة إلى بيت المقدس وأن يعود به في ليلة واحدة، فإن هذا ليس ببعيد على اللَّه تعالى؛ لأن المسافات في الزمان والمكان، إنما هي بالنسبة للعبيد، ولا تكون قط بالنسبة للَّه سبحانه وهو القادر على كل شيء، وهو خالق الأماكن والأزمان.

المعراج بالروح: إن الاكثرين من العلماء على أن المعراج كالإسراء كان بالجسد والروح، وأخذوا ذلك من ظواهر الأحاديث الصحيحة التي روتها السنة، ففيها التصريح بأنه لقي آدم في سماء، وإبراهيم في مثلها وإدريس، وعيسى ويحيى وموسى، وهذه الظواهر آثروا الأخذ بها.

ولكن أولئك الأكثرين وقفوا عند رؤية اللَّه تعالى، فقال فريق منهم إنه رأى ربه وخاطبه، وكان ذلك تكريما له لمخاطبة اللَّه تعالى اختص به محمد صلى اللَّه تعالى عليه وسلم تعظيما وتقريبا له، وهو فوق =

ص: 4325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= المذكور في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا. .)

، وليس من هذه الثلاثة رؤية الله تعالى، وتلقي الرسول منه مباشرة من غير حجاب.

وقد رأى ذلك الرأي الإمام أحمد بن حنبل وقاله أيضا أبو الحسن الأشعري، وقالت طائفة أخرى لم يقع ذلك لحديث مسلم عن أبي ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه:" قلت يا رسول الله هل رأيت ربك فقال عليه الصلاة والسلام إنه نور أنى أراه، وفي رواية رأيت نورا ".

والذين قالوا إن الإسراء كان بالروح وفي رؤيا صادقة قالوا ذلك في المعراج، بل هو أولى، فالرحلة كلها كانت رؤيا صادقة، وقد بينا القول في أدلة هذا الرأي بالنسبة للإسراء من قول.

وقد انضم إليهم غيرهم ممن يرون أن الإسراء كان بالجسد والروح، فمنهم من قال إن المعراج كان بالروح وليس في الموضوع نص قرآني يدل بظاهره على أنه كان بالجسد والروح، حتى لَا يكون مناص من اتباعه أو تأويله، بل نجد الألفاظ تقبل أن يكون المعراج بالروح، وبالظاهر المتبادر، لَا بالتأويل المنتزع انتزاعا.

ولننظر في الآيات الكريمات الدالة على المعراج:

دلالة آية الإسراء على المعراج بالإشارة لَا بالعبارة، وذلك في قوله تعالى:(لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) فتلك الآيات التي أراها الله عبده هي المعراج، وإمامة الأنبياء السابقين.

والآيات الآخرى التي دلت على المعراج، كانت ألفاظها لَا تدل على المعراج إلا بالإشارات البيانية، ولننظر فيها عبارة عبارة، وكلها من السمو البياني في المكان الأعزل الذي لَا يصل إليه بيان قط.

(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)، فقد قالوا إنه جبريل عليه السلام، وإذا كان الله تعالى، فتعليمه لا يكون بالتلقين بل يكون بالإرشاد والإيحاء.

وقوله تعالى: (وَهُوَ بِالأفقِ الأَعْلَى)، يراد جبريل. عليه السلام، (ثمَ دَنَا فَتَدَلَّى)، أي نزل وقرب من النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى)، عن طريق جبريل، (وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرى)، وهو جبريل أيضا، وقوله تعالى:(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)، تومئ إلى أن الآيات الكبرى التي رآها كانت بفؤاده لَا ببصره، وقوله تعالى:(مَا زَاغَ الْبَصَر وَمَا طَغَى)، أي ما كلَّ وما تجاوز حده، والنفي فيه ما قد يكون لأنه لم تكن رؤية بالبصر، حتى يكل المبصر أو يتجاوز حده، وقد يكون لبيان أن البصر لم يتجاوز حده ليطغى، ويحاول أن يرى ما لا يمكن أن يراه، ويزيغ بأن يكل ويمل، ويلقى في النفس ما لم ير.

وإننا عند هذا النظر الفاحص ننتهي إلى أن الإسراء إذا كان بالجسد والروح، فإن المعراج كان بالروح فقط، وأنه كان رؤيا صادقة، وقد اتجهنا إلى ترجيح ذلك لما يأتي:

(1)

أنه ذكر في المعراج أنه التقى بالأنبياء آدم وإبراهيم وموسى ويحيى، وغيرهم، والباقي منهم هو أرواحهم، وأجسامهم سيبعثها اللَّه تعالى يوم البعث والنشور، وفرض أنه بعثها ثم أفناها فرض بعيد لم يذكر في حديث من الأحاديث، ولا خبر من الأخبار، ولو ضعيفا، وكل فرض في أمر غيبي لَا دليل عليه من المنقول فهو رد على قائله إلا أن يكون أمرا يؤدي إليه البرهان العقلي، ولا يوجد شيء لَا من المنقول ولا المعقول يقرر إعادة أجسام الأنبياء الكرام أحياء، ثم إعادتها إلى الفناء. =

ص: 4326

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (ب) إن العبارات القرآنية الواردة في المعراج تومئ بل تصرح بأن الأمر في هذه الرحلة السماوية كان روحيا وأن الإدراك لم يكن بالحس، بل كان بالقلب والفؤاد، فالله تعالى يقول:(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)، فالحديث القرآني كله كان في إثبات رؤية الفؤاد، وأنه لَا تجوز المماراة فيما رأى الفؤاد الذي لَا يكذب، وذلك لَا يتحقق إلا بأن تكون الرؤية روحية؛ لأنَّ روية القلب لَا تكون إلا روحية، وإنه عندما ذكرت حاسة البصر ذكرت بالنفي، لَا بالإيجاب، وقد بينا مؤدى النفي في هذا.

(جـ) أن أخبار المعراج تصرح بأنه رأى ربه، والرؤية القلبية باستحضار عظمته، وبالسبحات الروحية المتجهة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وأن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم قد قرر أنه لم ير ربه في حديث أبي ذر الغفاري، فقد قال عليه الصلاة والسلام في إجابة سؤال الصحابي الجليل أبي ذر:" إنه نور، فأنى أراه ".

إننا لَا نتعرض في ذلك لكون رؤية اللَّه تعالى يوم القيامة ممكنة، أو غير ممكنة، فذلك يوم القيامة بعد البعث والنشور، وذهاب أهل الجنة إليها، وإبقاء أهل النار فيها، فإن الكلام فيها غير الكلام في الدنيا، ونحن نحس ونرى، فإن كانت رؤية اللَّه الآن فهي بالعين الفانية، ورؤية أهل الجنة عند من يثبتونها تكون بالعين الباقية، والله أعلم كيف يرى.

وننتهي من هذا إلى تقرير حقيقتين نراهما:

الأولى: أن الإسراء كان بالجسد والروح بظواهر النصوص المثبتة، ولا معارض لها.

الثانية: أن المعراج كان بالروح فقط لعدم وجود الأدلة المثبتة أنه كان بالجسد والروح من القرآن، ولوجود المعارض من النقل والفعل.

والآن نعود إلى قصة الإسراء والمعراج كما هي في الصحاح على أن نفسر الألفاظ على ضوء هاتين الحقيقتين اللتين قررناهما.

الإسراء والمعراج في صحاح السنة: كان من الممكن أن نقف بالنسبة للإسراء والمعراج عند هذا الذي قررناه، ولكن يجب أن نستأنس بالمنقول عن الرسول صلى اللَّه تعالى عليه وسلم على أساس أن كل ما ذكر في المعراج أنه بالروح.

وقد رويت روايات مختلفة تتعلق بواقعة الإسراء ثم العروج، نختار منها رواية البخاري.

روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رضي الله عنهما، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ، - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ - مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ: قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ البَغْلِ، وَفَوْقَ الحِمَارِ أَبْيَضَ، - فَقَالَ لَهُ الجَارُودُ: هُوَ البُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ - يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ =

ص: 4327

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ: هِيَ الفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ =

ص: 4328

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ".

وفى رواية البخاري في كتاب التوحيد أنه بعد أن راجع به بمشورة موسى عليه السلام، وجاء في مراجعة الخامسة أنه قال لربه:" يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا، فَقَالَ الجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ "(البداية والنهاية جـ 3 والتفسير لابن كثير أول سورة الإسراء).

وإنه من المتفق عليه بين العلماء أن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم أَمَّ الأنبياء جميعا، وعلى مقتضى الذين قالوا إن الإسراء كان بالروح تكون الإمامة روحية ثبتت بالرؤيا الصالحة، وكذلك يرى الذين قالوا إن المعراج كان روحيا.

ولكن من الرواة ما يدل سياق روايته على أن صلاة النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم بالأنبياء إماما كان مقدمه إلى المسجد الأقصى، ومن الرواة ما يدل سياق الرواية على أن الإمامة كانت وهو يعرج إلى السماوات العلا.

واختار ابن كثير في تاريخه أن إمامته للأنبياء كانت بعد أن نزل من العروج، ويقول في ذلك:

" وهبط رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم إلى بيت المقدس، والظاهر أن الأنبياء هبطوا معه تكريما له وتعظيما، عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة، كما هي عادة الوافدين، لَا يجتمعون بأحد قبل الذين طلبوه إليه، ولهذا كان كلما سأل على واحد منهم يقول له جبريل: هذا فلان فسلم عليه، فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده ما احتاج إلى تعرفه بهم مرة ثانية، ومما يدل على ذلك أنه قال صلى الله عليه وسلم: " فلما حانت الصلاة أمَمْتُهم، ولم يجئ وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر، فتقدمهم إماما بهم عن أمر جبريل فيما يرويه عن ربه عز وجل (البداية والنهاية جـ 3، ص 13).

وإن هذا الكلام يدل على أن إمامة النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم للأنبياء كانت بعد أن تنزل من الأفق الأعلى، وإن المعراج كما انتهينا كان بالروح، وكانا رؤية صادقة.

هذه قصة الإسراء والمعراج، كما نص عليها في القرآن، وكما جاءت بها السنة الصحيحة، وقد ذكرناها بشيء من الإطناب، لكثرة الكلام حولها، ولاختلاف الروايات، فكان لَا بد من أن نصفي القول فيها.

وخصوصا أنها وانشقاق القمر أعظم خوارق للعادات الحسية التي كانت في حياة النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم ومع ذلك لم يتحد بها كما تحدى بالقرآن الكردم؛ لأن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم إنما تحدى بما يتناسب مع خلود شريعته، ودوام رسالته وهو ما يبقى مخاطبا الأجيال كلها إلى يوم الدين، وهو القرآن الكريم.

ص: 4329