الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد أشار سبحانه بعد ذلك إلى ما جاء به الرسل والأنبياء،
(بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
(44)
بين هذه الجملة وما قبلها تمام الاتصال، لأنها في معنى البيان لها، (بِالْبَيِّنَاتِ)، متعلق بمحذوف دل عليه الكلام السابق، أي أرسلناهم بالبينات، وهي الآيات الدالة على رسالتهم، (وَالزُّبُرِ) الزبرِ جمع زبور، وهو الكتاب، يقولون زبرت الكتاب إذا كتبته، وقد قال تعالى:(وكُلُّ شيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ)، وكما قال تعالى:(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
والمعنى أن هؤلاء أرسلوا رجالا ولا يكونون إلا رجالا مصحوبين بالبينات أي المعجزات الدالة على أنهم مبعوثون من عند اللَّه، وجاءتهم منهم الكتب التي تبين فيها الشرائع التي أراد اللَّه تعالى أن يعلموها للناس، وقد جئتهم بذلك وبالحق فما لهم يستنكفون عن قبول ما تدعوهم إليه، ويعجبون من أن يجيئهم الحق من اللَّه على لسان رجل منهم.
ثم قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكرَ)، الذكر هو القرآن الكريم، وسمي القرآن هنا ذكرا، لأنه مذكر الأنبياء السابقين ورسائلهم، ما نسخ منها وما بقي، ولأنه الذكر الدائم إلى يوم القيامة، ولأن الذين نزل فيهم القرآن شهدوا على الناس بأن ما نزل إليهم من شرائع حق، واللَّه شهيد عليهم، ألم تر إلى الذين ادعوا أنهم أتباع عيسى وحرفوا العقيدة، وجعلوها وثنية مثلّثة صحح القرآن عقيدتهم وردها إلى أصلها، وشهد القرآن والمؤمنون بالصادق، وبطل ما صنعوا وحرفوا وثلثوا.
وقوله تعالى: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)، (اللام) هنا لام العاقبة، لتكون الثمرة والنتيجة والعاقبة أن تبين بالقرآن الذي نزل على قلبك للناس ما نزل إليهم من ربهم في الماضي والحاضر، وما هو شريعة ربهم الأزلية الخالدة الباقية، كما قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ. . .).
وقوله تعالى: (وَلَعَلَّهمْ يَتَفَكَّرُونَ)، أي رجاء منهم أن يتفكروا ويتدبروا ويبتعدوا عن الجحود والكفر، وكان العطف بالواو للدلالة على أن هذه غاية وثمرة للنزول كتبيين النبي صلى الله عليه وسلم.
* * *
تنبيه وإنذار
قال تعالى:
(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)
* * *
كان المشركون من وقت أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم بأمر ربه لَا يفكرون فيما اشتملت عليه من حق، ولا في ماضيه الذي يدل على الصدق والأمانة، وأنه كان الأمين فيهم حتى سمي بذلك، ولا في حقيقة ما يدعو إليه، ولا في حقيقة ما هم عليه من عبادة الأحجار التي لَا تضر ولا تنفع لَا يفكرون في شيء من ذلك، إنما يفكرون في مقاومة الدعوة وصدوا عن غير المقاومة صدودا، ودبروا لإيذاء