الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع هذه العبر والأمثال استمروا في غيهم؛ ولذا قال تعالى:
(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ
(46)
الكلام في أخبار الذين سكنوا في مساكنهم، وقد تبين كيف فعل اللَّه بهم، وقد بين في هذه الآية أنهم كانوا يدبرون التدبيرات الخبيثة للكيد للحق وأهله، والتوحيد ومعتنقيه، أي دبروا كل ما يحاربون به عقيدة التوحيد، فاعتقدوا الباطل وناصروا الشرك، وحاربوا المؤمنين بكل أنواع الحرب من فتنة في الدين. . وإيذاء للمؤمنين وسخرية بهم (وَعندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ)، أي وعند اللَّه تعالى علم مكرهم، وأنه محيط بما كانوا يمكرونه (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ).
الجبال هنا المراد بها شرائع اللَّه تعالى التي جاء بها النبيون، فشبهت بالجبال لثباتها وشموخها وعلوها ورفعتها، و (إِن) هنا إما أن نقول: إنها مخففة من (إن) الثقيلة، والمعنى أن الحال والشأن أن ذلك المكر كان مهيأ ومعدا لتزول به الشريعة، ولكن تدبير اللَّه كان أحكم فنجت الشرائع التي بلغت في شموخها وعلوها وثباتها مبلغ الجبال.
وإما أن نقول: إنها نافية وتكون اللام لام الجحود، ويكون المعنى، وما كان مكرهم مهما يبلغ من القوة والتدبير والإحكام في زعمهم لتزول منه الشرائع المحكمة التي هي كالجبال في ثباتها وعظمتها، وإن اللَّه تعالى حافظ شرعه وأنبياءه والمؤمنين، ولو تضافر الشرك كله.
* * *
إن الله لَا يخلف الميعاد
قال اللَّه تعالى:
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ
وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)
* * *
كان النهي في الآيات السابقة عن أن يُحسب أن اللَّه تعالى تارك الظالمين، وما يفعلونه، غير منزل بهم ما يستحقون من عقاب، جزاء وفاقا لما يفعلون، وهنا في هذه الآيات يبين أن اللَّه تعالى أنه منزل هذا العقاب لأن جزاؤهم، ولأنه قد وعد رسله به، وإن اللَّه تعالى لَا يخلف رسله ما وعدهم به.
قوله تعالى:
(فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)، و (رُسُلَهُ) مفعول للوعد، أي لَا تحسبن اللَّه مخلف ما وعد الرسل، وقدم الوعد على الرسل للإشارة إلى أن إخلاف الميعاد ليس أمرا جائزا بالنسبة للَّه، سواء أكان من وعده رسولا أم كان غير رسول.
وقد وعد اللَّه رسله بالغلب، وأن يكون السلطان للحق، كما قال تعالى:
(. . . لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسلِي. . .)، وقد بين تعالى أن الغلب لهم في هذه الآية، فقال تعالت كلماته:(إِنَّ اللَّهَ عَزِير ذُو انتِقَام)، (عَزِيزٌ) معناه غالب قوي مسيطر يعز من يشاء ويذل من يشاء، وقوله تعالى:(ذُو انتِقَام)، أي صاحب انتقام للحق من الباطل، وللضعفاء من الأقوياء، والانتقام معناه مجازاة المسيء بما أساء وأن يقتص بالحق من القوي للضعيف، وأن تكون العقوبة على قدر الجريمة، فأساس العقاب في الشريعة أوفى، أي يكون العقاب على قدر الجريمة، وأن يكون جزاء وفاقا لها.