الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول تعالى: (فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)، بتقديم الجار والمجرور على الفعل أي إليه وحده تجأرون ضارعين.
وإذا كان يقتضي عبادة اللَّه وحده في السراء، ولكن إذا كشف الضر كان من الناس من يشرك بربه، ولذا قال تعالى:
(ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
(54)
(ثُمَّ) هنا على موضعها اللغوي من التباعد بين ما قبلها وما بعدها؛ إذ إن ذلك كان يقتضي الإيمان، ولا يقتضي الكفر، لقد جاروا إلى اللَّه وحده، ولم يلتجئوا إلى غيره، ولكنهم بعد أن زالت كربتهم، وكشفت غمتهم أشركوا بربهم؛ ولذا قال:(إِذَا فَرِيقٌ منكُم بِرَبِّهِمْ يشْرِكونَ).
هذه (إذا) التي تسمى الفجائية، وهي التي يكون ما قبلها يدل على عدم توقع ما يجيء بعدها، إذ إن كشف الضر يوجب شكر المنعم والتضرع له وإفراده بالعبودية، فإذا كان الإشراك كاذا على مقتضى ما يتوقع، لقد ضرعوا إليه وحده في شدتهم، وفي رخائهم كفروا به وأشركوا مع غيره من أحجار أو ما يشبه الأحجار.
وعدل اللَّه في حكمه أن جعل ذلك الكفر بالنعمة في بعض منهم، وليس في كلهم، وهم أولئك المشركون بمحمد، وقد أشار إلى أن هؤلاء ليسوا بكثرة الناس، ولكن دون الكثرة.
(لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
(55)
اللام هنا لام الأمر، كاللام في قوله تعالى:(. . . لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ. . .)، والأمر هنا معناه التهديد، ووصف أفعالهم بأنها سيئة، ومن أشرك بربه بعد نعمته التي أنعمها عليه بأن يؤمر بالسير في غيه، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم " إذا لم تستح فاصنع ما شئت "(1)، فالأمر ليس للطلب، ولكن لبيان أنهم
(1) سبق تخريجه.