الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرض كثيرة المال وأخرى ضعيفة فإن صبرت القوية الرابية واستمسكت بالوفاء زادها اللَّه تعالى، وإن غلب عليها هواها، فاستهانت بالعهد لاستهانتها بمن عقدته معها، فإن مآلها الضعف والخذلان، واللَّه عليم بما يفعلون، هذا عقاب الدنيا، أما عقاب الآخرة، فقد ذكره سبحانه وتعالى بقوله:(وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتلِفُونَ)، وبيان اللَّه تعالى يوم القيامة يكون مقترنا بجزائه، إن خيرًا فخير، وإن شرا فشر، وقد أكد سبحانه وتعالى بيان ذلك الجزاء لهم أولا بلام القسم، وثانيا بنون التوكيد الثقيلة وبالقسم، وما كانوا يختلفون فيه هو الشرك والإيمان ثم الوفاء والنقض ثم احترام الإنسانية والاستهانة بها، فكل ذلك جزاؤه يوم القيامة، ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ولا الإيمان والكفر، ولا الوفاء بالعهد ونقضه.
وإن ذلك الاختلاف بين الحق والباطل هو إرادته سبحانه ليبلوكم أيكم أحسن عملا؛ ولذا قال سبحانه:
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
(93)
والمعنى لو أراد ذلك سبحانه وتعلقت مشيئته بأن أمة واحدة آخذة بالحق مهدية لجعلكم كذلك، ولكن خلقكم سبحانه، ولكم إرادات مختارة تسلك الحق أو الضلال، ويختبر أهل الباطل بأن يعطيهم قوة يهتدون بها، أو يضلون، ومعنى أمة واحدة أمة مهدية أو أمة شقية، وتكونون حينئذ على سواء في الهداية أو الشقاء، ولكن كانت لكم هذه الإرادات التي بها تضلون إن سرتم في طريق الضلال، وتهتدون إن سرتم في طريق الهداية.
ولكن إرادة اللَّه تعالى اتجهت إلى ذلك الاختلاف لتكون الحياة ولتكون المعاقبة بين الخير والشر، ويتنازع أهل الشر مع أهل الخير وليكون الخير بعمل أصحابه، والشر بعملِ أصحابه، ويكون الضلال وتكون الهداية؛ ولذا قال:(وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) إضلال الله هو كتابة العبد في أهل الضلال وهداية اللَّه كتابته في أهل الهدى، وذلك لأن العبد له إرادة يشعر بها،