الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
394/ 2/ 75 - عن أن بن مالك رضي الله عنه قال: أَنْفَجْنَا أرنبًا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا، وأدركتها فأخذتها فأتيت أبا طلحة، فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركيها وفخذيها فقبله (1).
"لغبوا" أعيوا.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في التعريف براويه وقد سلف في باب الاستطابة.
وأما أبو طلحة: فاسمه زيد بن سهل أحد النقباء ليلة العقبة، وأحد فضلاء الأنصار، مات بالمدينة بعد الثلاثة، وقد أوضحت ترجمته فيما أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب فراجعه منه.
(1) البخاري (2572)، ومسلم (9153)، والترمذي (1789)، وأبو داود (3791)، وابن ماجه (3243)، والدارمي (2/ 92)، وابن الجارود (332/ 811)، وأبو عوانة في مسنده (5/ 182، 183)، والبغوي (2801)، وأحمد (3/ 118، 171، 232، 291)، والبيهقي (9/ 537، 538)، وابن أبي شيبة (5/ 535).
ثانيها: في بيان ما وقع فيه من الأمكنة: "مرَّ الظهران" بفتح الميم وتشديد الراء. و"الظهران" بفتح الظاء المعجمة قيل تثنية الظهر. ويقال له مر الظهران، ويقال الظهران من غير إضافة "مر" إليه، وهو اسم موضع على بريد من مكة. وقيل على أحد عشر ميلًا. وقيل على ستة عشر ميلًا.
ثالثها: "أنفجنا" بفتح الهمزة ثم نون ساكنة ثم فاء ثم جيم ثم نون ثم ألف يقال: أنفجت الأرنب فنفج، أي: أثرته فثار، كأنه يقول: أثرناه ودعوناه فعدا. وفي صحيح مسلم "استنفجنا" ومعناه أيضًا "أثرنا" و"نفرنا".
ووقع للمازري، "بعجنا" بالباء الموحدة ثم عين مهملة وفسره بشققنا من بعج بطنه [إذا شقه، وهذا لا يصح رواية ولا معنى، كما نبه عليه القاضي (1) ثم القرطبي (2)](3) وإنما هو تصحيف وكيف يشقون بطنها، ثم يسعون خلفها حتى لغبوا، ثم بعد ذلك يأخذونها
ويذبحونها.
و"الأرنب"، قال الجوهري هي واحدة الأرانب.
وقال صاحب "المحكم"(4) الأرنب معروف يكون للذكر والأنثى، وقيل: الأرنب الأنثى والخُزَزُ الذكر.
(1) مشارق الأنوار (1/ 97).
(2)
المفهم (4/ 239).
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
لسان العرب، مادة (خزز).
والجمع: أرانب وأراد عن اللحياني (1). فأما سيبويه (2) فلم [يجز](3) أران إلَّا في الشعر.
"ولغبوا" بفتح الغين المعجمة على الفصيح المشهور. وحكى الجوهري (4) وغيره كسرها وهي ضعيفة. ومعناه تعبوا وأعيوا، كما فسره المصنف و"السعي" الجري.
رابعها: في فقهه، وهو يشتمل على مسائل:
الأولى: جواز أكل الأرانب وحله فإنه ذبح وأهدى وهو مذهب [العلماء](5) الأربعة والعلماء كافة إلَّا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص (6) وابن أبي ليلى من كراهية. وحجة الجمهور هذا
(1) هو أبو الحسن علي بن حازم -وقيل ابن المبارك- المتوفي سنة (215)، له كتاب "النوادر"، وقال السيوطي في المزهر (2/ 446)، نقلًا عن الصحاح أنه لقب باللحياني: لعظم لحيته ترجمته في مراتب النحويين (142، 143)، والمزهر (2/ 410)، وبغية الوعاة:(2/ 185)، وفهرست ابن النديم (71).
(2)
الكتاب (2/ 273)، ومستشهدًا ببيت لأبي الكاهل اليشكري، لسان العرب، مادة (أر ن ب)، لها أشاريرُ من لَحْمٍ تُتَمِّرُهُ، من الثَّعالي ووَخْزٌ من أرانِيَها.
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
مختار الصحاح (251). لسان الرب، مادة (لغب).
(5)
زيادة من ن هـ.
(6)
في حاشية الأصل زيادة: حكى القرطبي (المفهم)(4/ 239) عنه تحريم وحكى ابن شداد في دلائله (دلائل الأحكام 2/ 509)، عن جماعة الكراهة لم يسمهم. انظر: إلى مصنف ابن أبي شيبة (8/ 249)، وعبد الرزاق (517)، للاطلاع على الآثار.
الحديث مع أحاديث مثله، ولم يثبت في النهي عنها شيء. قال القاضي عياض (1): وفي أبي داود (2)[وغيره](3) من المصنفات أنه عليه الصلاة والسلام "لم ينه عنها ولم يأمر يأكلها وزعم أنها
(1) إكمال إكمال المعلم (5/ 287).
(2)
أبو داود (3792).
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 662)، ووقع في "الهداية"(211)، للحنفية أن النبي - صلي الله عليه وسلم - أكل من الأرنب حين أهدى إليه مشويًا وأمر أصحابه بالأكل منه، وكأنه تلقاه من حديثين: فأوله من حديث الباب. وقد ظهر ما فيه، والآخر من حديث أخرجه النسائي (7/ 196، 197) من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة "جاء" أعرابي إلى النبي - صلي الله عليه وسلم - بأرنب قد شواها فوضحها بين يديه، فأمسك وأمر أصحابه أن يأكلوا" ورجاله ثقات، إلَّا أنه اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافًا كثيرًا، أقول: وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (4/ 516)، وابن أبي شيبة (8/ 247) البيهقي (9/ 321) إلى أن قال واحتج الحديث خزيمة بن جزء "قلت يا رسول الله، ما تقول في الأرنب قال لا آكله ولا أحرمه. قلت فإني آكل ما لا تحرمه. ولم يا رسول الله؟ قال: نبئت أنها تدمي". وسنده ضعيف. أقول: أخرجه ابن أبي شيبة (8/ 249) ابن ماجه (3245) من طريقه، قال: ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة كما سيأتي تقريره في الباب الذي بعده، وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بلفظ "جيء إلى النبي - صلي الله عليه وسلم - فلم يأكلها ولم ينه عنها: "زعم أنها تحيض"، أخرجه أبو داود، وله شواهد عن عمر عند إسحق بن راهويه في سنده، وحكى الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها، وغلطه النووي في النقل عن أبي حنيفة. اهـ. محل المقصود منه.
(3)
زيادة من ن هـ، ومثبته في المرجع السابق.
تحيض"، وهذا من نحو تقززه من أكل الضب (1). قلت: بل صح أنه عليه الصلاة والسلام "أكل منها"، ففي البخاري في كتاب الهبة (2) في هذا الحديث فبعث إلى رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بوركها أو فخذيها قال: فخذيها لا شك فيه، فقبله. قلت: وأكل منه؟ قال: وأكل منه، ثم قال بعد: قبله (3)، وصح أنه عليه الصلاة والسلام أمر بأكلها كما أخرجه البخاري من حديث كعب بن مالك (4)، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه من حديث محمَّد بن صفوان، وصححه ابن حبان، وقال الحاكم: صحيح الإِسناد.
واعلم أنه وقع في "شرح الرافعي" عن أبي حنيفة تحريمها، والذي حكاه النووي في "شرحه لمسلم"(5) عنه حلها وهو ما أسلفنا.
(1) من حديث عمر رضي الله عنهما قال: سأل رجل رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عن أكل العنب فقال: "لا آكله ولا أحرمه"، أخرجه البخاري (5536)، ومسلم (1943)، ومن حديث عد الله بن عباس قال: "دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بيت ميمونه بنت الحارث فأتى بضب
…
"، الحديث أخرجه البخاري (5537)، ومسلم (1946).
(2)
كتاب الهبة، باب قبول هة الصيد، وقبل النبي - صلي الله عليه وسلم - من أبي قتادة عضد الصيد (2572).
(3)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الموضع السابق: وهذا الترديد لهشام بن زيد وقف جده أنسًا على قوله "أكله" فكأنه توقف في الجزم به، وجزم بالقبول. اهـ.
(4)
هذا وهم من المؤلف رحمنا الله وإياه، فإن البخاري لم يخرج لكعب بن مالك رضي الله عنه حديثًا في أكله صلى الله عليه وسلم للأرنب.
(5)
شرح مسلم (13/ 105).
الثانية: جواز استثارة الصيد والعدو في طلبه.
الثالثة: أنه يملك بأخذه ووضع اليد عليه.
الرابعة: هدية الصيد وقبوله وكان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية ويثيب عليها، ولا يقاس عليه في هذا غيره من الحكام لانتقاء المعنى عنه دون غيره، وهو خوف الميل، والله الموفق للصواب.