الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع عشر
431/ 17/ 80 - " وعنه أيضًا أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - كان ينفل بعض من يبعث في السرايا لأنفسهم خاصة، سوى قسم عامة الجيش"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: هذا اللفظ اللبخاري ولفظ مسلم زيادة "قد" قبل، "كان" وزاد في آخره "والخمس في ذلك واجب كله".
ثانيها: هذا هو التنفيل بالمعنى الآخر الذي أسلفناه في معنى النفل، وهو أن يعطي الإِمام لسرية أو لبعض أهل الجيش خارجًا عن السهمان. والحديث مصرح بأنه خارج عن قسم عامة الجيش إلَّا أنه ليس معينًا لكونه من رأس الغنيمة أو من الخمس، فإن اللفظ يحمل لهما جميعًا، وقد بينا اختلاف الناس في ذلك في الحديث التاسع من هذا الباب، وروى مالك (2) عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن
(1) البخاري (3135)، ومسلم (1750)، وأبو داود (2746)، والبغوي في شرح السنة (2727).
(2)
الموطأ (456).
المسيب يقول: "كان الناس يعطون النفل من الخمس"، وروى ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال:" [بعث] (1) رسول الله - صلي الله عليه وسلم - سرية إلى نجد، فخرجت فيها فأصبنا نعمًا فأصاب كل رجل منا اثني عشر بعيرًا بعد الخمس، وما حاسبنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بالذي أعطانا ولا عاب عليه ما صنع، فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرًا بنفله"(2) وهذا [يدل](3) على أن النفل من رأس الغنيمة. وروى زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة قال: "شهدت النبي - صلي الله عليه وسلم - نفل الربع في البداءة، والثلث في الرجعة"(4). وهذا أيضًا يدل على أن التنفيل من أصل الغنيمة ظاهرًا مع احتماله، وروى في حديث حبيب هذا أنه عليه الصلاة والسلام "كان ينفل بعد إخراج الخمس"(5) ، أي ينفله من أربعة أخماس ما يأتون به إذا بعثهم إلى موضع في البدأة أو الرجعة، وهذا ظاهر، وترجم أبو داود عليه (6)، باب: فيمن قال الخمس قبل النفل وأبدى بعضهم فيه احتمالًا آخر، وهو أن يكون قوله:"بعد الخمس"، أي بعد أن يفرد الخمس، فعلى هذا بقي محتملًا لأن ينفّل
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
أبو داود (2743)، التمهيد (14/ 35، 36)، وقد أطال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- التمهيد في رد هذه الرواية. انظر الاستذكار (14/ 98، 99).
(3)
زيادة هـ.
(4)
أبو داود (2750)، وابن ماجه (2853).
(5)
أبو داود (2748، 2749).
(6)
السنن (3/ 183).
ذلك من الخمس، أو من غيره، فحمله على أن ينفل من الخمس احتمالًا وحديث ابن إسحاق صريح أو كالصريح.
ثالثها: للحديث تعلق بمسائل الإِخلاص في الأعمال، وما يضر من المقاصد الداخلة فيها، وما لا يضر وهو موضع دقيق المأخذ ووجه تعلقه به أن التنفيل للترغيب في زيادة العمل والمخاطرة والمجاهدة، وفي ذلك مداخلة لقصد الجهاد لله تعالى، إلَّا أن ذلك لم يضرهم قطعًا، لفعل رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ذلك لهم، ففي ذلك دلالة لا شك فيها على أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا يقدح في الإِخلاص، وإنما الإِشكال في ضبط قانونها، [وتمييزها من](1) يضر مداخلته فيه من المقاصد، وتقتضي الشركة فيه المنافاة للإِخلاص، وما لا تقتضيه، ويكون تبعًا لا أثر له، ويتفرع [عليه](2) غير ما مسألة نبه عليه (3) الشيخ تقي الدين.
رابعها: الحديث دال أيضًا على أن لنظر الإِمام مدخلًا في المصالح المتعلقة بالمال أصلًا وتقديرًا على حسب المصلحة على ما [اقتضى](4) حبيب بن مسلمة في الربع والثلث، فإن "الرجعة" لما كانت أشق على الراجعين، وأشد لخوفهم، لأن العدو قد كان نَذر بهم [لقربهم](5) فهو على يقظة من أمرهم، اقتضى زيادة التنفيل،
(1) في إحكام الأحكام (وتمييزها).
(2)
في المرجع السابق (عنه).
(3)
في المرجع السابق (4/ 538).
(4)
في المرجع السابق (ما اقتضاه حديث).
(5)
زيادة من المرجع السابق.
"والبدأة" لما لم يكن فيه هذا المعنى: اقتضى [نفعهم](1) ونظر الإِمام متقيد بالمصلحة لا على أن يكون بحسب التشهي، وحيث يقال إن النظر للإِمام (2) فهذا هو المراد.
خامسها: الحديث دال أيضًا كما تقدم على أنه يجوز للإِمام أن ينفل بعض من ينصب من السرايا أي يعطيهم زيادة على ما يحصل
لهم من قسم عامة الجيش، واختلف العلماء في حد النفل على قولين:
أحدهما: أنه لا حد له وإنما هو لاجتهاد الإِمام وهذا قول الشافعي (3).
والثاني: أنه لا يتجاوز به الثلث، لحديث حبيب السالف، وهو قول مكحول والأوزاعي (4).
ثم اعلم أن الأنفال لله ورسوله، فإنه عليه الصلاة والسلام سئل عن شيء منها، فأنزل الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (5)، ثم أنزل الله تعالى حكم الغنائم فقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ
…
} (6) الآية.
(1) في المرجع السابق (نقصه).
(2)
في المرجع السابق زيادة.
(3)
الأم للشافعي (4/ 145).
(4)
الاستذكار (14/ 107).
(5)
سورة الأنفال: آية 1.
(6)
سورة الأنفال: آية 41.
واختلف العلماء في آية الأنفال (1) على قولين.
أحدهما: أنها منسوخة بآية الغنائم، وأنها كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة كلها، ثم جعل أربعة أخماسها للغانمين، كالآية الأخرى، وهذا قول ابن عباس وجماعة.
والثاني: أنها محكمة، وأن النفل من الخمس وقيل محكمة، وأن للإِمام أن ينفل ما شاء لمن يشاء بحسب ما يراه. وقيل محكمة مخصوصة، والمراد أنفال السرايا ، ولعل هذا الحديث يدل عليه.
(1) انظر: الاستذكار (14/ 103 - 151)، والناسخ والمنسوخ (2/ 366)، لابن النحاس نواسخ القرآن لابن الجوزي (148).