الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
423/ 9/ 80 - " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله [- صلي الله عليه وسلم - سرية إلى نجد، فخرجت فيها، فأصبنا إبلًا وغنمًا، فبلغت سُهمَانُنَا: اثنى عشر بعيرًا، ونفلنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بعيرًا [بعيرًا] (1)] (2) "(3).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: ذكر "الغنم" من أفراد مسلم، كما نبه عليه عبد الحق في "جمعه".
ثانيها: قوله: "قبل نجد" كذا هو في الصحيحين، وفي رواية لمسلم "إلى نجد".
(1) في الأصل ساقطة ومثبته في متن عمدة الأحكام، وفي مصدر الحديث البخاري (3134) وغيره.
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
البخاري (3134)، ومسلم (1749)، وأبو داود (2711، 2744، 2745)، والموطأ (943)، وابن الجارود (1074)، والحميدي في المسند (694)، والدارمي (2/ 228)، وعبد الرزاق (9335، 9336)، والبيهقي في السنن (6/ 312)، وفي المعرفة (9/ 229)، وفي دلائل النبوة:(4/ 356)، وأحمد (2/ 10، 55، 80، 156).
ونجد: ما بين جرش إلى سواد الكوفة وحده، مما يلي المغرب الحجاز، وعن يسار الكعبة اليمن، ونجد: كلها من عمل اليمامة قال صاحب المطالع. وقال ابن الأثير (1): النجد: ما ارتفع من الأرض، وهو اسم خاص لما دون الحجاز، مما يلي العراق.
ثالثها: "السرية": قطعة من الجيش أربعمائة ونحوها ودونها. وفي الحديث "خير السرايا أربعمائة"، سميت: لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها، وهي فعيلة بمعنى فاعلة. يقال: أسري وسرى إذا ذهب ليلًا.
رابعها: قوله "فبلغت سهماننا اثنا عثر بعيرًا". قال النووي: هو في بعض النسخ يعني نسخ مسلم هكذا، وهو ظاهر، وفي أكثرها "اثنى عشر"(2) وهو صحيح على لغة من يجعل المثنى بالألف مطلقًا، وهو لغة أربع قبائل من العرب. وقد كثرت في كلامهم. ومنها قوله تعالى:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (3).
خامسها: قوله "ونفلنا" قد تقدم الكلام على النفل في الحديث قبله.
سادسا: قوله: ["فكانت](4) سهماننا اثنى عشر بعيرًا"، أي سهم كل واحد منهم. وقيل: معناه سهمان جميع الغانمين اثنى عشر، وهو غلط، فقد جاء في رواية لأبي داود وغيره أن الاثنى عشر بعيرًا
(1) النهاية (5/ 19).
(2)
وهو هكذا في متن الحديث.
(3)
سورة طه: آية 63.
(4)
هكذا هنا (فكانت) أها متن الحديث (فبلغت).
كانت سهمان كل واحد من الجيش والسرية، ونفَّل السرية سوى هذا بعيرًا بعيرًا. وهذا لفظه "بعثنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في جيش قبل نجد، وانبعثت سرية من الجيش، فكان سهمان الجيش اثنى عشر بعيرًا اثنى عشر بعيرًا، ونفّل أهل السرية بعيرًا بعيرًا، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر ثلاثة عشر".
سابعها: في أحكامه:
الأول: استحباب بعث السرايا للجهاد.
الثاني: إثبات النفل، وهو مجمع عليه كما سلف، واختلف في محله، هل هو من أصل الغنيمة أو من أربعة أخماسها أو من خمس الخمس [وهي ثلاثة أقوال للشافعي، وبكل منها قال جماعة من العلماء.
والأصح عندنا: أنه من خمس الخمس] (1).
وبه قال سعيد بن المسيب (2) ومالك وأبو حنيفة وآخرون.
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
انظر الاستذكار (14/ 98، 99).
قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (105/ 106).
وقول سعيد بن المسيب: كان الناس يعطون النفل من الخمس كما قال.
والذي أراه أن يكون من خمس الخمس سهم النبي - صلي الله عليه وسلم -.
قال أبو عمر: كان أعدل الأقاويل عندي، والله أعلم، في هذا الباب: أن يكون النفل من خمس الخمس سهم النبي - صلي الله عليه وسلم -، لولا أن في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أنه لا يكون ذلك من خمس الخمس، وذلك أن تنزل تلك السرية على أنهم كانوا كرة مثالًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومعلوم أنه إذا عرفت ما للعشرة علمت ما للمئة وللألف، فمثال ذلك: أن تكون السريَّة عشرةً أصابوا في غنيمتهم مئة وخمسين بعيرًا، خرج منها خمسها بثلاثين، وصار لهم مئة وعشرين، قسمت على عشرةٍ، وجب لكلِّ واحدٍ اثنا عشر بعيرًا، ثم أعطي القوم من الخمس بعيرًا بعيرًا.
فهذا صحيح على من جعل النقل من جملة الخمس، لا من خمس الخمس؛ لأن خمس ثلاثين لا يكون في عشرة أبعرة.
وقد يحتجُّ أن يكون محتمل أن يكون من خُمس الخُمس، بأن يكون هناك ثياب وخرثي متاع غير الإِبل، فأعطى من لم يبلغه البعير قيمة البعير من غير ذلك من العروض". اهـ.
وقال أيضًا (14/ 164، 165)، قال الإِمام مالك رحمنا الله وإياه في الموطأ (456) ذكر فيه مالك، عن أبي الزناد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: كان الناس يعطون النفل من الخُمس.
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت إليَّ في ذلك.
قال أبو عمر: قول مالك رحمه الله: "وذلك أحسن ما سمعت"، يدلُّ على أنه قد سمع غير ذلك.
وقد أوردنا في باب "جامع النفل في الغزو" مذاهب العلماء من السلف والخلف في هذه المسألة، واستوفينا القول فيها في باب السلب من النفل قبل هذا.
والآثار كلها المرفوعة وغيرها تدل على صحة ما ذهب إليه من قال: إنَّ النفل لا يكون إلَّا من الخُمس، لأن الله تعالى قد ملَّك الغانمين أربعة أخماس الغنيمة بعدما استثناه على لسان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - من السلب للقاتل، فقال عز وجل:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} ، فأعطى الغانمين الأربعة الأخماس بإضافة الغنيمة إليهم، ولم يخرج منها =
وممن قال إنه من أصل الغنيمة (1): الحسن البصري والأوزاعي وأحمد، وأبو ثور وآخرون، والذي يقرب من هذا الحديث أن هذا
التنفيل كان من الخمس، لأنه أضاف الاثنى عشر إلى سهمانهم. فقد يقال: إنه إشارة إلى ما تقرر لهم استحقاقه، وهو الأخماس الأربعة الموزعة عليهم، فيبقى النفل من الخمس، واللفظ يحتمل لغير ذلك احتمالًا قريبًا، وإن استبعد بعضهم أن يكون هذا النفل إلَّا من الخمس من جهة اللفظ، فليس بالواضح الكبير نبه على ذلك الشيخ تقي الدين (2). وقد قيل: إنه تبين أن كون هذا النفل من الخمس من مواضع أخر. أن تنفل السرية جميع ما غنمت دون باقي الجيش، وهو خلاف ما عليه العلماء كافة قال أصحابنا: ولو نفلهم الإِمام من أموال بيت المال العتيدة دون الغنيمة جاز.
= عنهم إلَّا الخُمس، فدلَّ على تمليكهم، كما قال جل وعز:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} فدلَّ على أن للأب الثلثين بقوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} ، ثم جعل للأم الليث، يدل على أن الثُّلثين للأب، كذلك الغنيمة لما أضافها إلى الغانمين، وجعل الخُمس لغيرهم، وبالله التوفيق.
ويخرج أيضًا من الغيمة: الأرض، لما فعله عمر بن الخطاب في جماعة الصحابة رضي الله عنهم وفيهم فقهاء، وتأوَّلوا في ذلك أنَّه الفيءُ، وقد اختلف في ذلك كُلِّه على حسبِ ما قَدْ ذكرناه، والحمدُ لله.
قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} ، فما كان للرسول ومن ذكر معه جرى مجرى الفيء، وكان له في قسمته الاجتهاد على ما وردت في ذلك السنَّة عنه صلى الله عليه وسلم. اهـ.
(1)
المرجع السابق (14/ 106).
(2)
إحكام الأحكام (4/ 522).
ثم التنفيل يكون لمن فعل جميلًا في الحرب انفرد به.
الثالث: إثبات التنفيل للترغيب [في تحصيل](1) مصالح القتال، ثم الجمهور على أن التنفيل يكون في كل غنيمة، سواء الأولى وغيرها، وسواء غنيمة الذهب والفضة وغيرهما. وقال الأوزاعي وجماعة من التابعين: لا ينفل في أول [غنيمة](2) ولا ينفل ذهبًا ولا فضة (3) واستحبه مالك مما يظهر كالعمامة والسيف والقوس.
الرابع: وجوب القسمة في الغنائم، وهو إجماع.
الخامس: استدل به الباجي (4) على قسمة أعيان الغنيمة لا أثمانها، وعند المالكية فيها ثلاثة أقوال حكاها صاحب "الذخيرة".
ثالثها: التخيير، قالوا: فلعل الحديث إنما دل على التخيير فأوقع أحد المخبرين لها على قسمة الأعيان ولا بد.
السادس: جاء في رواية لمسلم "ونفلوا بعيرًا بعيرًا" فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم والجمع (5) بين هذه ورواية الكتاب أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي - صلي الله عليه وسلم - فيجوز نسبته إلى كل واحد منهما، ونسبته منه أن أمير الجيش إذا فعل شيئًا من المصالح المتعلقة بالجيش من
(1) في الأصل (في ترغيب)، وما أثبت من ن هـ، وشرح مسلم (12/ 56).
(2)
زيادة من شرح مسلم.
(3)
انظر: الاستذكار (14/ 167).
(4)
المنتقى (3/ 178).
(5)
ذكر هذا الجمع النووي في شرحه لمسلم (12/ 55)، والبيهقي في دلائل النبوة:(4/ 356).
نفل وغيره، لا ينقضه الإِمام بل يقره.
السابع: أن السرية إذا انفصلت من الجيش فجاءت بغنيمة، فإنها تكون مشتركة بينها وبين الجيش، لأنهم ردًا لهم، أما إذا كان
الجيش في البلد فتختص الغنيمة بالسرية، ولا يشارك فيها.
الثامن: قال الشيخ تقي الدين: قد يستدل على أن المنقطع منها عن جيش الإِمام ينفرد بما يغنمه، من حيث إنه يقتضي أن السُّهمان كانت لهم. ولا يقتضي أن غيرهم شاركهم فيها. وإنما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبًا [منهم](1)، يلحقهم عونه وغوثه
[إذا](2) احتاجوا. قلت: حديث أبي داود صريح في التشريك بينهم، وما ذكره آخرًا هو مذهب مالك.
التاسع: قال القاضي: اختلف في هذا النفل: هل كان بعد القسمة أو قبلها؟ وفي "مسلم" ما يدل على أنه بعد القسمة من الخمس أيضًا، ولأن قوله:"ونفلنا بعيرًا بعيرًا" لو كان من المغنم لم يكن له فائدة، لأن ذلك يكون حالهم لو لم ينفلوا، وقسمت بينهم الأخماس الأربعة.
خاتمة: قال ابن عبد البر (3): النفل على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يريد الإِمام تفضيل بعض الجيش لقتاله وبلائه، فينفله من الخمس، واستحبه بعضهم من خمس الخمس المختص به عليه الصلاة والسلام.
(1) في إحكام الأحكام (4/ 522)(منه).
(2)
في المرجع السابق (إن).
(3)
الاستذكار (14/ 101، 102)، وقد ساقها المصنف بتصرف.
ثانيها: أن يبعث الإِمام سرية من العسكر فينفلها ما غنمت دون العسكر، فحقه أن يخمس ما غنمت، ثم يعطى السرية مما بقي بعد
الخمس ما شاء أو لا يزيد على الثلث، لأنه أقصى ما روي في النفل عليه الصلاة والسلام.
ثالثها: أن يحرض الإِمام أهل العسكر على القتال قبل لقاء العدو، وينفل ما شاء منهم أو جميعهم مما يفتح الله عليه الربع أو الثلث. وكره مالك هذا لخبث النية لسببه وأجازه بعض السلف.