المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الرابع 405/ 4/ 76 - عن رافع بن خديج رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ١٠

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌74 - باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌75 - باب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث [الثامن]

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌76 - باب الصيد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌77 - باب الأضاحي

- ‌78 - باب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌79 - باب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌80 - باب الجهاد

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌كتاب العتق

- ‌81 - باب العتق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الرابع 405/ 4/ 76 - عن رافع بن خديج رضي

‌الحديث الرابع

405/ 4/ 76 - عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا مع النبي - صلي الله عليه وسلم - بذي الحليفة من تهامة، فأصاب الناس جوع، فأصابوا إبلًا وغنمًا، وكان النبي - صلي الله عليه وسلم - في أخريات القوم، فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور، فأمر النبي - صلي الله عليه وسلم - بالقدور، فأكفئت ثم قسم، فعدل عشرة من الغنم ببعير، فند منها بعير، فطلبوه، فأعياهم، وكان في خيل يسيرة، فأهوى رجل منهم بسهم، فحبسه [الله تعالى](1)، فقال:"إن لهذه البهائم أوابد كأوابد [الوحش] (2)، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا. قال: قلت: يا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إنَّا لاقوا العدو غدًا، وليس معنا مدىً، أفنذبح بالقصب؟ قال: ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكلوا ليس [السن] (3) والظفر وسأحدثكم عن ذلك. أما السن: فعظم، وأما الظفر: فمدى الحبشة"(4).

(1) في ن هـ (الله تعالى).

(2)

في الأصل (الخيل)، وما أثبت من ن هـ.

(3)

زيادة من ن هـ.

(4)

البخاري (2507)، ومسلم (1968)، وأبو داود (2821)، والنسائي (7/ 191، 192)، وفي السنن الكبرى (4492، 4493، 4498، =

ص: 161

الأوابد: التي قد توحشت ونفرت من الإِنس. يقال: أبدت بأوبد أبودًا.

[الكلام](1) عليه من وجوه:

[أحدها](2): هذه السياقة للبخاري مع تفاوت ألفاظه فيه ذكره في باب التسمية على الذبيحة (3)، ومن ترك متعمدًا. ولفظه:"فأصبنا" بدل "فأصابوا"، وقال:"إنا لنرجوا -أو نخاف- أن نلقى العدو غدًا" بدل ما ذكر. وقال: "فكل" بدل قوله: "فكلوا"، وقال:"سأخبرك عنه"، بدل ما ذكر، وذكره البخاري (4) مختصرًا في عدة

= 4499)، والترمذي (1472)، والدارمي في (2/ 84)، والحميدي (410)، والطبراني في الكبير (40/ 269، 270، 271، 272، 473)، وابن الجارود (895)، والبيهقي في السنن (9/ 247، 281)، والبغوي (11/ 214)، وعبد الرزاق (4/ 465، 466)(496)، وأحمد (3/ 140).

(1)

في الأصل بياض.

(2)

لفظ الحديث عند البخاري.

(3)

الفتح (9/ 633)(5498).

(4)

(أ) كتاب: الشركة باب قسمة الغنائم (2488)، والفتح (5/ 131).

(ب) باب: من عدل عشرة من الغنم بجزور في القسم الفتح (5/ 139) ح (2507).

(ج) كتاب: الجهاد والسير، ب: ما يكره من ذبح الإِبل والغنم في المغانم الفتح (6/ 218) ح (3075).

(د) كتاب الذبائح والصيد، باب: التسمية على الذبيحة.

(هـ) وفيه أيضًا، باب: ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد، الفتح =

ص: 162

مواضع من هذا الباب، وذكره سلم بألفاظ نحوها.

ثانيها: في التعريف براويه، وقد سلف عن آخر باب ما نهى عنه من البيوع، فراجعه.

ثالثها: في التعريف بالأماكن الواقعة فيه:

"ذو الحليفة" هذه مكان من تهامة بين جادّة وذات عِرْقٍ، وليست المهل الذي [بقرب](1) المدينة، كذا نص عليه العلماء منهم الحازمي في "المؤتلف والمختلف" (2) في أسماء الأماكن لكنه قال: الحليفة من غير لفظة "ذي" والذي في الصحيحين إثباتها، فكأنه يقال بالوجهين.

"وتهامة" بكسر التاء اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، سميت بذلك من التهم، وهو شدة الحر وركود الريح، قاله ابن فارس (3)، وقال صاحب "المطالع" لتغير هوائها،

= (9/ 630) ح (5503)، وفيه أيضًا، باب: لا يذكي بالسن والعظم (9/ 633) ح (5560).

(ز) وفيه أيضًا، باب: وإن من البهائم

إلخ (9/ 638) ح (5509).

(ح) وفيه أيضًا، باب: إذا أصاب قوم غنيمة

إلخ (9/ 673) ح (5543).

(ك) وفيه أيضًا، باب: إذا ند بعير لقوم، فرماه بعضهم بسهم فقتله، فأراد إصلاحهم، فهو جائز الفتح (9/ 673) ح (5544).

(1)

في ن هـ (بالقرب).

(2)

انظر: المشترك وضعًا والمفترق صقاعًا (144).

(3)

مجمل اللغة، باب: التاء والهاء وما يثلثهما (1/ 151).

ص: 163

رابعها: في ألفاظه ولغاته ومعانيه:

"الإِبل" يكسر وتسكن للتخفيف ولا واحد لها من لفظها.

"والغنم": اسم جنس "وأخريات القوم" أواخرهم.

"وأكفيت" قلبت وأريق ما فيها.

واختلف في سبب الأمر بإكفاء القدور، فالصواب: لأنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإِسلام، والمحل الذي لا يجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة، فإن الأكل من الغنائم قبل القسمة إنما يباح في دار الحرب، وأبعد المهلب بن أبي صفرة، فقال: إن ذلك عقوبة لهم لاستعجالهم في السير وتركهم الشارع في أخريات القوم، متعرضًا لمن يقصده من عدو ونحوه.

قال القاضي (1): وقد يكون لأنهم انتهبوها، ولم يأخذوها باعتدال وعلى قدر الحاجة، ولذلك شرّك فيها ووقع في غير مسلم فانتهبناها فأمرهم عليه الصلاة والسلام بإكفاء القدور وما فيها. وقال:"لا تحل النهبة"(2). قال النووي في "شرح مسلم"(3)، واعلم أن المأمور به من إراقة القدور إنما هو إتلاف لنفس المرق عقوبة لهم.

وأما اللحم: فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع، ورد إلى المغنم، ولا يظن أنه عليه الصلاة والسلام أمر بإتلافه، لأنه مال للغانمين، وقد نهى عن إضاعة المال مع أن الجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة، إذ من جملتهم أصحاب الخمس، ومن

(1) إكمال المعلم (6/ 421).

(2)

ابن ماجه (3938).إسناده صحيح.

(3)

(13/ 127).

ص: 164

الغانمين من لم يطبخ. ثم قال: فإن قيل: فلم ينقل أنهم حملوه إلى المغنم. قلنا: ولم ينقل أيضًا أنهم أحرقوه وأتلفوه وإذا لم يأت فيه نقل صريح، وجب تأويله على وفق القواعد الشرعية، وهو ما ذكرناه. وهذا بخلاف إكفاء لحم الحمر الأهلية يوم خيبر، فإنه أتلف ما فيها من لحم ومرق؛ لأنها صارت نجسة. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام فيها:"إنها رجس"، أو "نجس"، وأما هذه اللحوم فكانت طاهرة منتفعًا بها بلا شك فلا يظن إتلافها هذا آخر كلامه.

وفي "سنن أبي داود" بإسناد جيد من حديث عاصم بن كليب، وهو من رجال مسلم عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: أصاب الناس حاجة شديدة وجهد، فأصابوا غنمًا فانتهبوها، وإن قدورنا لتغلي بها، إذ جاء رسول الله - صلي الله عليه وسلم - على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب، ثم قال:"إن النهبة ليست بأحل من الميتة"، وإن "الميتة ليست بأحل من النهبة" شك هناد أحد رواته. وهذا هو الحديث الذي أشار إليه القاضي عياض فيما تقدم، وهو صريح في إلقاء اللحم خلاف ما ذكره النووي، وقد يجيب بأنه لا يلزم من ترميله إتلافه لإِمكان تداركه بالغسل، لكن فيه بعد، وإنما أمر عليه الصلاة والسلام بذلك؛ لأنه أبلغ في الزجر، ولو ردها إلى المغنم لم يكن فيه كبير زجر إذ ما ينوب الواحد منهم نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم وشهواتهم بها أبلغ في الزجر.

ومعنى "ند" هرب وشرد نافرًا، وهو بفتح النون وتشديد الدال.

و"الأوابد" النفور والتوحش كما فسره المصنف، وهو جمع

ص: 165

آبده بالمد وكسر الباء المخففة، يقال: فيه أبدت بفتح الباء يآبد بضمها وتأبد بكسرها أبودا وتأبدت، أي: يهرب من الإِنس وتوحشت. ويقال: جاء فلان بآبدة، أي: بكلم غريبة أو بخصلة منفرة للنفوس عنها الكلمة لازمة إلَّا أن يجعل فاعله بمعنى مفعوله.

و"المدى" بضم الميم جمع مُدية بضم الميم [(1)] وكسرها وفتحها ساكنة الدال، وهي السكين، لأنها تقطع مدى حياة الحيوان.

وقوله "أفنذبح بالقصب" جاء في رواية أخرى في الصحيح: "أفنذكى بالليط"، وهو باللام المكسورة ثم مثناة تحت ثم طاء مهملة، وهي قشور القصب "وليط" كل شيء قشوره والواحدة ليطة وهي معنى "أفنذبح بالقصب" على تقدير حذف مضاف. وادعى النووي في "شرح مسلم" (2) والقرطبي (3) إن في رواية أبي داود وغيره "أفنذبح بالمروة"؟ ولم أر ذلك في "سننه" (4) هنا. نعم أدخله في باب الذبح بها. قال: وهذه الروايات محمولة على أنهم قالوا هذا وهذا. فأجابهم عليه الصلاة والسلام بجواب جامع لما سألوه كله ولغيره نفيًا وإثباتًا. فقال: "ما أنهر الدم" إلى آخره.

وقوله: "أنهر" معناه أسال وصب بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر. يقال: نص الدم وأنهرته. قال القاضي عياض: وذكره الخشني

(1) في الأصل (تكرير) بضم الميم.

(2)

شرح مسلم (13/ 127).

(3)

المفهم (5/ 368).

(4)

سنن أبي داود (2821).

ص: 166

بالزاي "والنهز" بمعنى [الدفع](1) وهو غريب "وما" موصولة في موضع رفع بالابتداء وخبرها "فكلوا"(2)، ودخلت الفاء في الخبر هنا كما دخلت في قوله تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (3).

[وقوله: "ليس السنن والظفر" هما منصوبان بالاستثناء بليس ويجوز الرفع على أن يكون اسم "ليس" و"الخبر" محذوفًا تقديره: ليس السنن والظفر وذكه، قال ابن القطان في "علله". وقع شك في إدراج "أما السن فعظم" إلى آخره ثم بين ذلك واضحًا](4)، وقوله:"أما السنن فعظم"، قال ابن الصلاح: في "مشكل الوسيط" في ذلك دلالة واضحة على أنه كان متقررٌ كون الذكاة لا تحصل بالعظام قال: لم أجد بعد البحث أحدًا ذكر لذلك معنى يعقل. قال: كأنه عندهم تعبدي، وكذا نقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه قال للشرع علل تعبد بها، كما أن له أحكامًا تعبد بها. يشير إلى أن هذا من ذاك، وقال النووي في "شرحه [لمسلم] (5) " (6) معنى الحديث:

(1) إكمال إكمال المعلم (5/ 298)، وذكره النووي في شرحه أيضًا (13/ 133)، أما في الفتح (9/ 628)، فقال:(الرفع).

(2)

والتقدير: ما أنهر الدم فهو حلال فكلوا، ويحتمل أن تكون "ما" شرطية ووقع في رواية أبي إسحق عن الثوري "كل ما أنهر الدم ذكاة" و"ما" في هذه موصوفة. اهـ. من الفتح (9/ 628).

(3)

سورة النحل: آية 53.

(4)

زيادة من ن هـ.

(5)

في ن هـ ساقطة.

(6)

شرح مسلم (13/ 125).

ص: 167

لا تذبحوا بالعظام لأنها تنجس بالدم وقد نهيتهم عن تنجيس العظام في الاستنجاء، لكونها زاد إخوانكم من الجن، وهو طاهر. وفي "مشكل الصحيحين"(1) لابن الجوزي أن اجتاب الذبح بالعظم كان معهودًا عند العرب، أي: فأشار عليه الصلاة والسلام بذلك إليه.

وقوله: "وأما الظفر فمدى الحبشة": معناه أنهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم. قاله ابن الصلاح (2) ثم النووي (3).

وقال بعضهم: نهى عن السنن والظفر، لأنه تعذيب وخنق ليس على صورة الذبح.

والحبشة، والحبش. جنس من السودان. والجمع الحُبشانٌ مثل حمل وحُمْلانٍ.

الوجه الخامس: في بيان المبهم الواقع فيه. وهو قوله: فأهوى [رجل](4) منهم بسهم وقد تطلبته في مظانه فلم أعثر عليه.

الوجه السادس: في [بيان](5) أحكامه:.

الأول: تحريم التصرف في الأموال المشتركة كالغنيمة وغيرها من غير إذن أربابها، وإن قَلَّتْ ووقع الاحتياج إليها.

(1) كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 184).

(2)

فتاوى ابن الصلاح (2/ 473).

(3)

شرح مسلم (13/ 125).

(4)

زيادة من ن هـ.

(5)

زيادة من ن هـ.

ص: 168

الثاني: بيان مرتبة. الصحابة وما كانوا عليه من الرجوع إلى الشارع، وتعبدهم بأمره، وقبوله في كل حالة حتى في ترك مصالحهم، تقربًا إلى الله تعالى.

الثالث: أن للإِمام عقوبة الرعية بما فيه مضرتهم من إتلاف صنفعة ونحوها، إذا كان فيه مصلحة شرعية.

الرابع: أن قسمة الغنيمة لا يشترط فيها قسمة كل نوع على حده.

الخامس: مقابلة كل عشرة من الغنم ببعير، في قسمة الغنيمة وغيرها، تعديلًا بالقيمة، فإن هذا الحديث محمول على أن هذه كانت قيمة هذه الغنم والإِبل، فكانت الإِبل نفيسة دون الغنم بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه، ولا يكون هذا مخالفًا لقاعدة الشرع في

الأضاحي، في إقامة البعير مقام سبع شياه، لأن هذا هو الغالب في قيمة الشياه والإِبل المعتدلة. وأما هذه القسمة فكانت قصة عين اتفق فيها ما ذكرناه عن نفاسة الإِبل دون الغنم.

قلت: لكن في "سنن ابن ماجه" و"جامع الترمذي" من حديث ابن عباس كنا مع النبي - صلي الله عليه وسلم - في سفر، فحضر الأضحى [فاشتركنا](1) في البقر سبعة، وفي البدنة عشرة" حسنه الترمذي وصححه ابن حبان (2)

(1) في الأصل ساقطة، وما أثبت يوافق المصادر، ون هـ.

(2)

ابن ماجه (3131)، والترمذي (905)، والنسائي (7/ 222)، وأحمد (1/ 275)، وصححه الحاكم على شرط البخاري (23014)، ووافقه =

ص: 169

لكن لفظه "سبعة أو عشرة". ثم قال (1): وفي حديث رافع ابن خديج يعني حديثنا هذا كان عليه الصلاة والسلام يعدل في قسم الغنائم عشرًا من الشياه ببعير، دليل على أن البدنة تقوم عن عشرة إذا ذبحت.

قلت: كأنه أخذ بظاهره ولم يؤوله كما أسلفناه، لكن حديث ابن عباس يقويه.

نعم يعارضه حديث جابر الثابت في مسلم: "أمرنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أن نشترك في الإِبل والبقر كل سبعة منا في بدنة"(2) ووقع في "شرح التنبيه" لابن يونس (3) أن أبا إسحاق المروزي قال: إن البدنة تجزئ عن عشرة. والظاهر أنه أخطأ في هذه

= الذهبي، والبيهقي (5/ 235، 236)، وقال البيهقي وحديث أبي الزبير عن جابر -سيأتي- أصح من ذلك، وقد شهد الحديبية، وشهد الحج والعمرة، وأخبرنا أن النبي - صلي الله عليه وسلم - أمرهم باشتراك سبعة في بدنة، فهو أولى بالقبول. اهـ. ابن حبان (7/ 400).

(1)

أي: ابن حبان (13/ 204).

(2)

مسلم (1318)، وأبو داود (2807، 8280، والنسائي (7/ 222)، والبغوي (1311)، وأحمد (3/ 292، 304، 318، 366)، والبيهقي (5/ 234، 6/ 78)(9/ 295)، والطيالسي (1795)، والدارمي (2/ 78).

(3)

هو أحمد بن موسى بن يونس أبو الفضل ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة له مصنفات منها "شرح التنبيه" و"مختصر الأحياء" توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة في ربيع الآخر ترجمته: في وفيات الأعيان (1/ 90)، وطبقات ابن قاضي شهبة (2/ 72).

ص: 170

[الحكاية](1)[فإن](2) الذي في "تعليق" القاضي حسين أن ذلك قول إسحاق، وأنه روى خبرًا أن أصحاب الحديبية كانوا سبعمائة فنحروا سبعين بدنة، وهذا لا يثبته أهل الحديث.

ووقع في "شرح هذا الكتاب" للصعبي بخطه عزو هذه المقالة إلى الشيخ أبي إسحق والمتبادر من هذا الإِطلاق هو الشيرازي لا المروزي فهذا وهم آخر.

السادس: أن ما توحش من المستأنس يكون حكمه حكم الوحشي، كما أن ما يأنس من الوحشي حكم المستأنس.

السابع: جواز الذبح بكل ما يحصل به المقصود من غير توقف على كونه حديدًا بعد أن يكون محددًا إلَّا ما يسثنى فيشمل السيف والسكين والسنان والحجر والخشب والزجاج والخزف والنحاس.

[الثامن](3): اشتراط التسمية، لأنه علق الإِذن بمجموع أمرين: إنهار الدم والتسمية، والمعلق على سببين ينتفى بانتفاء أحدهما.

[التاسع](4): جواز عقر الحيوان الناد إذا عجز عن ذبحه ونحره. قال أصحابنا وغيرهم: الحيوان المأكول الذي

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

زيادة من ن هـ.

(3)

في الأصل (السابع)، وما أثبت من ن هـ.

(4)

في الأصل (الثامن)، وما أثبت من ن هـ.

ص: 171

لا تحل ميتته ضربان، مقدور على ذبحه ومتوحش. فالأول لا يحل إلَّا بالذبح في الحلق واللبة، وهذا مجمع عليه، وسواء فيه الإِنسي والوحشي إذا قدر على ذبحه بأن أمسك الصيد أو كان متأنسًا.

أما الثاني: كالصيود والناد من الإِنسي فجميع أجزائها تذبح ما دامت متوحشة، فإذا رماها بسهم أو أرسل عليها جارحة فأصاب شيئًا

منها وماتت حلت بالإِجماع.

وأما إذا توحش إنسي: بأن ند بعير أو بقرة أو فرس أو شردت شاة أو غيرها فهو كالصيد فيحل بالرمي إلى غير مذبحه وبإرسال الكلب وغيره من الجوارح عليه، وكذا لو تردى منها شيء في بئر، ولم يمكن قطع حلقومه ومريئه، فهو كالنادّ في حله بالرمي.

وفي حله بإرسال الكلب وجهان.

أصحهما: المنع. قال أصحابنا وليس المراد بالتوحش مجرد الإِفلات، بل متى تيسر لحوقه بعدوٍ أو استعانة بمن يمسكه أو نحو

ذلك فليس متوحشًا، ولا يحل حينئذٍ إلَّا بالذبح في المذبح، وإن تحقق العجز في الحال جاز رميه، ولا يكلف الصبر إلى القدرة عليه، وسواء كانت الجراحة في فخذه أو خاصرته أو أي موضع كان من بدنه.

وممن قال بجواز عقر الناد: علي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وطاووس، وعطاء، والشعبي، والحسن البصري،

ص: 172

والأسود بن يزيد، والحكم، وحماد، والنخعي، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والمزني، وداود، والجمهور.

وقال سعيد بن المسيب، وربيعة، والليث، ومالك: لا يحل إلَّا بذكاته في حلقه كغيره، وحديث رافع حجة عليهم (1).

وقال الفاكهي، والقرطبي (2): قبله يحتمل أن يكون المراد: فاصنعوا به هكذا. أي: ليمسك، ثم هو باقٍ على أصله لا يؤكل إلَّا بتذكية كغيره.

قلت: يرده ما رواه الحميدي (3) بعد قوله: "فاصنعوا به [ذلك] (4) وكلوه".

[العاشر](5): جواز ذبح المنحور ونحر المذبوح، وقد منعه داود، وعن مالك ثلاث روايات: يكره، يحرم، يجوز ذبح المنحور دون عكسه. وأجمع العلماء على أن السنة في الإِبل النحر وفي الغنم الذبح والبقر كالغنم عندنا وعند الجمهور. وقيل: يتخير بين ذبحها ونحرها.

العاشر: التنبيه على أن تحريم الميتة إنما هو لبقاء دمها. قال

(1) ما سبق ساقه من شرح مسلم لنووي (13/ 126).

(2)

المفهم (5/ 373).

(3)

الحميدي (1/ 200) رقم (411).

(4)

في الأصل ون هـ (هكذا)، وما أثبت من مسند الحميدي.

(5)

في الأصل (التاسع)، وما أثبت من ن هـ، ويلاحظ بقية الأوجه.

ص: 173

بعض العلماء: الحكمة في اشتراط الذبح وإنهار الدم تمييز حلال اللحم والشحم من حرامها، وتنبيه على أن تحريم الميتة لبقاء

دمها.

الحادي عشر: التصريح بمنع الذبح بالسن والظفر مطلقًا، سواء ظفر الآدمي وغيره متصلًا كان أو منفصلًا، طاهرًا كان أو نجسًا، وبهذا قال جمهور العلماء وفقهاء الحديث، منهم الشافعي وأصحابه وأحمد، وهو قول النخعي والحسن بن صالح والليث وإسحاق وأبي ثور وداود. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يجوز بالسن والعظم المتصلين، ويجوز بالمنفصلين، وإليه يميل كلام الشيخ تقي الدين فإنه قال في "الشرح" (1) فيه دليل على منع الذبح بالسن والظفر وهو محمول على المتصلين ثم قال: واستدل به قوم على منع الذبح بالعظم مطلقًا، لقوله: "أما السن [فعظم](2) علل منع الذبح بالسن، [لأنه](3) عظم، والحكم يعم بعموم علته.

وعن مالك روايات أشهرها. جوازه بالعظم دون السنن كيفما كانا.

والثانية. كمذهب الجمهور.

والثالثة: كمذهب أبي حنيفة.

والرابعة: حكاها عنه ابن المنذر يجوز بكل شيء حتى بهما.

(1) إحكام الأحكام (4/ 479).

(2)

زيادة من ن هـ.

(3)

في إحكام الأحكام (بأنه).

ص: 174

وعن ابن جريح جواز الذكاة بعظم الحمار دون القرد، وكل هذا منابذ للسنة.

واعلم أن الذكاة في المقدور عليه لا تحصل إلَّا بقطع الحلقوم والمريء بكمالهما، ويستحب قطع الودجين، ولا يشترط. وهذا أصح الروايتين عن أحمد.

قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه إذا قطع الحلقوم والمريء والودجين، وأسأل الدم حصلت الذكاة.

قال: واختلفوا في بعض هذا.

فقال الشافعي: يشترط قطع الحلقوم والمريء، ويستحب الودجان.

وقال الليث، وأبو ثور، وأبو داود، وابن المنذر: يشترط الجميع.

وقال أبو حنيفة: إذا قطع ثلاثة من هذه الأربعة أجزأه.

وقال مالك: يجب قطع الحلقوم والودجين، ولا يشترط المريء، وهذه رواية عن الليث أيضًا.

وعن مالك: رواية أنه يكفي قطع الودجين.

وعنه اشتراط قطع الأربعة، كما قال الليث وأبو ثور.

وعن أبي يوسف ثلاث روايات:

إحداها: كأبي حنيفة.

ص: 175

وثانيها: إن قطع الحلقوم واثنين من الثلاثة الباقية حلت، وإلَّا فلا.

وثالثها: يشترط قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين.

وقال محمَّد بن الحسن: إن قطع من كل واحد من الأربعة أكثره حل، وإلَاّ فلا.

[الثالث عشر](1): [التصريح بأنه يشترط في الذكاة ما يقطع ويجري الدم، ولا يكفي رضها ودفعها بما لا يجري الدم](2).

[الرابع عشر](3): دفع أعظم المفسدتين بأخفها كما أسلفناه.

[الخامس عشر](4): استدل له مالك على القول لسد الذرائع، لأنه إنما أكفأ القدور، لما يخشى من المسارعة إلى مثل ذلك في جميع الغنيمة.

تنبيهات:

أحدها: قال القاضي (5): لم يذكر في هذه القسمة قرعة، ولا خلاف أن ما اختلفت أجناسه ولم يدخله قرعة؛ أنه يجوز فيه التفاضل

والتساوي في القسمة؛ لأنها مراضاة، ولا تجوز القرعة إلَّا في التساوي واتحاد الجنس، وقد أسلفنا فيما مضى تأويل هذه القسمة.

(1) في الأصل (الثاني عثر)، وما أثبت من ن هـ إلى آخر الأحكام.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

في الأصل (الثاني عشر)، وما أثبت من ن هـ إلى آخر الأحكام.

(4)

في الأصل (الثاني عشر)، وما أثبت من ن هـ إلى آخر الأحكام.

(5)

ذكره وما بعده في إكمال إكمال المعلم (5/ 302).

ص: 176

ثانيها. قال أيضًا عن القاضي في تعديل النبي - صلي الله عليه وسلم - البعير بعشرة من الغنم حجة لجمع بهيمة الأنعام كلها في القسمة. قال: وقد اختلف المذهب عندنا في ذلك والأظهر والأكثر جوازه.

ثالثها: قال أيضًا: فيه حجة لتعويض البعير بعشرة من الغنم في الهدايا. والمعروف في باب الهدايا إنما بسبع لا عشر، فمن قال بظاهر هذا الحديث قال: إذا فقدت البدنة في الهدي ينتقل إلى صوم سبعين يومًا عشرة عن كل شاه، ويخير بين الصوم وبين إطعام سبعين مسكينًا. وعند المالكية في ذلك قولان، وقد سلف الجواب عن هذا الحديث.

رابعها: استنبط منه بعضهم سوق الإِمام رعيته حفظًا لهم وحياطة عليهم من عدو يكون وراءهم ونحو ذلك. وكذا قيل إنه كان يفعل ذلك في الحضر أيضًا، وهذا بخلاف ما يفعله بعض من يدعي المشيخة من الجهال، وربما ركب وأصحابه مشاة زهوًا وتكبرًا.

[سادسها](1): يستنبط منه أيضًا أن الغنيمة لا تملك إلَّا بعد قسمها وتخميسها على الوجه الشرعي.

سابعها: استنبط منه بعضهم أن للإِمام أن يبيع مال المغنم ويقسم ثمنه من حيث إنه اعتبر فيه القيمة، وهي أعم أن يكون ثمنًا أو غيره. وقد قال بعضهم: إن المسألة ليست منقوله عند الشافعية، ثم حكى عن الظهير (2) التزمنتي، والجمال

(1) في ن هـ (خامسها)، إلى آخر التنبيهات.

(2)

هو جعفر بن يحيى بن جعفر المخزومي، الإِمام ظهر الدين التزمنتي =

ص: 177

يحيى (1) التصريح بجواز ذلك، وسيأتي في الحديث التاسع (2) حكاية ثلاثة أقوال عند المالكية في ذلك.

[ثامنها: أن المفتي يذكر دليل الحكم في فتواه](3).

= وتزمنت -بفتح التاء المثناة من فوقها ثم زاي معجمة - بلدة من صعيد مصر من عمل البهنسا. له مصنفات منها "شرح مشكل الوسيط"، مات سنة اثنتين وثمانين وستمائة.

ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي (8/ 139)، وطبقات ابن شهبة (2/ 171).

(1)

هو يحيى بن عبد المنعم بن حسن جمال الدين والمعروف عند أهل مصر بالجمال يحيى توفي في رجب سنة ثمانين وستمائة وقد قارب الثمانين ترجمته في طبقات ابن شهبة (2/ 158)، وطبقات السبكي (8/ 355).

(2)

من كتاب الجهاد يسر الله الوصول إليه وإتمامه على خير وبركة.

(3)

في ن هـ ساقطة.

ص: 178