الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
419/ 4/ 80 - وعنه قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "ما من مكلوم يكلم [في سبيل الله، إلَّا جاء يوم القيامة وكلْمُهُ يَدْمَى: اللون لون [الدم] (1) والريح: ريح المسك"] (2).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: هذا الحديث ذكره البخاري في صحيحه في هذا الباب، وترجم عليه: باب من يجرح في سبيل الله [عز وجل](3) ثم ذكره بلفظ "والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله -والله أعلم بمن يُكلم في سبيله- إلَّا جاء يوم القيامة واللون لون الدم، والريح ريح المسك".
وذكره "مسلم" في أثناء الحديث الذي قبل هذا، عقب قوله
(1) في الأصل (دم)، وما أثبته من مصدر الحديث.
(2)
في ن هـ ساقطة. والحديث أخرجه البخاري (237)، ومسلم (1876) ، والترمذي (1656)، والنسائي في الكبرى (4355)، والنسائي (6/ 28)، عبد الرزاق (9528)، والحميدي (1092)، وأبو عوانة (5/ 24).
(3)
زيادة من الفتح (6/ 20).
"من أجرٍ أو غنيمةٍ، والذي نفس محمَّد بيده! ما من كذا يكلم في سبيل الله، إلَّا جاء يوم القيامة كهيئة حين كلم، لونه لون دم، وريحه ريح مسك".
ثم ذكره من وجه عن أبي هريرة بلفظ: "كل كذا يُكلمهُ المسلم في سبيل الله، ثم يكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت تفجَّرُ دمًا. اللون لون دم والعَرف عَرْفُ المسك".
ثانيها: "المكلوم" المجروح و"الكلم" بفتح الكاف وإسكان اللام الجرح، و"يكلم" بإسكان الكاف، أي: يجرح.
ثالثها: مجيئه يوم القيامة، وهو يدمي لفوائد.
الأولى: ليشهد على ظالمه بالقتل شهادة ظاهرة، والدم في الفصل شاهد عجيب.
الثانية: ليظهر شرفه لأهل الموقف بانتشار رائحة المسك من جرحه، الشاهد له ببذل نفسه في ذات الله تعالى.
الثالثة: أن هذا الدم (خصلة) خلقها الله [تعالى](1) عليه في الحقيقة أكرمه بها ليس الدنيا، فناسب أن يأتي بها يوم القيامة.
رابعها: في فوائده وأحكامه.
الأول: فضل الجراحة في سبيل الله.
الثاني: أن الشهيد لا يزال عنه الدم بغسل ولا غيره للحكمة التي ذكرناها.
(1) زيادة من ن هـ.
الثالث: أن أحكام الآخرة وصفاتها غير أحكام الدنيا وذواتها، فإن الدم في الآخرة يتغير حكمه من النجاسة والرائحة الخبيثة التي في الدنيا إلى الطهارة والرائحة الطيبة يوم القيامة، وبذلك يقع الإِكرام له والتشريف، ويلزم من [قوله عليه الصلاة والسلام:"اللون لون دم" أن يكون دمًا نجسًا حقيقة، كما] (1) يلزم من كون رائحته ريح مسك أن يكون مسكًا حقيقة، بل يجعله الله تعالى شيئًا، يشبه هذا، ويشبه هذا بأشياء عما فارق الدنيا عليه كما أن إعادة الأجسام مما كانت عليه في الدنيا، وإن اتصفت بصفات أُخر من البقاء والدوام بعد أن كانت غير دائمة ولا باقية، ولهذا يكونون في طول واحد وسن واحد جردًا مردًا غير مختونين [(2)] فعلمنا أن الإِعادة حق مما انتقلت عليه، وإن اكتسبن أوصافًا لم تكن [(3)]، ليس حكمه حكمها، ولا فضله فضلها، وكذلك أهل الوضوء يبعثون يوم القيامة غرًّا محجلين من أثاره إكرامًا لهم وشهادة لهم بسبب عملهم في الدنيا ليتميزوا به.
[الرابع](4): أن الشهيد يبعث على حاله التي جرح عليها من الدنيا.
[الخامس](5): ذكروا في الاستنباط من هذا الحديث أشياء
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
في الأصل (الرابع)، وما أثبته من ن هـ.
(3)
في ن هـ زيادة (وكذلك دم الشهيد يعاد للحكمة الذي ذكرناها وإن اكتسبت أوصافًا لم تكن).
(4)
في الأصل (الخامس)، وما أثبت من ن هـ.
(5)
في الأصل (السادس)، وما أثبت من ن هـ إلى آخر الفوائد.
متكلفة غير [صائرة على](1) التحقيق، بل هي ضعيفة.
منها: أن المراعى في الماء تغير لونه، دون تغير رائحته، لأنه عليه الصلاة والسلام سمى هذا الخارج من جُرح الشهيد "دمًا" وإن كان ريحه ريح المسك، ولم [يقل](2) مسكًا، فغلَّب الاسمَ للونه على رائحته، فكذلك الماء ما لم يتغير (طعمه)(3) لم يلتفت إلى تغير رائحته، قال الشيخ تقي الدين: وفي هذا نظر يحتاج إلى تأمل، وهو كما قال: فإن فيه ذكر وصفين من غير تغليب لأحدهما على الآخر.
قال القاضي عياض: وهذا قولنا فيما تغيرت رائحته بالمجاورة وما تغير بالمخالطة.
فعند مالك: يقول لا عبرة بالرائحة، وإنما الاعتبار باللون والطعم، ويحكمون بنغيره بالرائحة بالإِضافة والنجاسة، ومنها ما ترجم [عليه](4) البخاري (5) فيما يقع من النجاسات في الماء والسمن، قال القاضي: وقد يحتمل أن حجته فيه الرخصة في الرائحة كما تقدم، أو التغليظ بعكس الاستدلال الأول، فإن الدم لما انتقل بطيب رائحته من حكم النجاسة إلى الطهارة، ومن حكم القذارة إلى الطيب بتغيير رائحته، وحكم له حكم المسك والطيب للشهيد،
(1) في الأصل (جائزة في)، وما أثبت من ن هـ وإحكام الأحكام.
(2)
في إحام الأحكام (يكن)(4/ 515).
(3)
في المرجع السابق (لونه).
(4)
زيادة من ن هـ.
(5)
الفتح (1/ 342) ح (237).
فكذلك الماء ينتقل إلى العكس بخبث الرائحة وتغير أحد أوصافه من الطهارة إلى النجاسة.
ومنها قال القاضي: إن أبا حنيقة يحتج بهذا الحديث على جواز استعمال الماء المضاف، المتغيرة أوصافه بإطلاق اسم الماء [عليه، كما يطلق](1) على هذا اسم الدم، وإن تغيرت أوصافه إلى الطيب، قال: وحجته بذلك ضعيفة (2).
(1) في ن هـ ساقطة، وفي إحكام الأحكام (عليه، كما انطلق).
(2)
قال في إحكام الأحكام (4/ 516): (وأقول: الكل: ضعيف).