الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
403/ 2/76 - عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله، إنى أُرسل الكلاب المعلمة، فيمسكن عليَّ، وأذكر اسم الله، فقال: "إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله، فكل ما أمسك عليك"، قلت: وإن قتلن؟ قال: "وإن قتلن، ما لم يشركها كلب ليس منها"، قلت: فإني أرمي بالمعراض الصيد، فأصيب، فقال: "إذا رميت بالمعراض فخرق، فكله، وإن أصابه بعرضه فلا تأكلها".
وحديث الشعبي عن عدي نحوه، وفيه:"إلَّا أن يأكل [الكلب] (1) فإن أكل [(2)] فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل، فإنما سميت على كلبك، ولم تسمِ على غيره".
وفيه: "إذا أرسلت كلبك المكلب فاذكر اسم الله عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حيًّا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، فإن أخذ الكلب ذكاته".
(1) زيادة من ن هـ ومتن عمدة الأحكام.
(2)
في الأصل زيادة (الكلب).
وفيه أيضًا: "إذا رميت بسهمك فاذكروا اسم الله [عليه](1).
وفيه: "وإن غاب عنك يومًا أو يومين".
وفي رواية: اليومين والثلاثة فلم تجد فيه إلَّا أثر سهمك فكل إن شئت، فإن وجدته فريقًا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري: الماء
قتله أو سهمك" (2)؟
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: قوله: "فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره"، هذه الزيادة ليست في هذه الرواية، وإنما ذكرها مسلم في رواية أخرى عقب هذه من هذا الوجه، وفي رواية أخرى بعد ذلك فكان ينبغى أن يقول وفيه:"فإنما سميت" إلى آخره.
وقوله: "إذا أرسلت كلبك [المكلب] (3) " لم يذكر مسلم في روايته "المكلب" وليس في روايته هذه: "فإن أخذ المكلب ذكاته"،
نعم في أخرى "فإن ذكاته أخذه".
(1) زيادة من متن عمدة الأحكام.
(2)
البخاري (175)، ومسلم (1929)، والنسائي (7/ 179، 180، 181، 182، 183، 184)، وفي الكبرى له (4774، 4775، 4776، 4778، 4779، 4780، 4781، 4782، 4783، 4784، 4785، 4786)، وابن ماجه (3208)، وأبو داود (2847، 2848، 2849، 2850، 2851)، والترمذي (1465)، والدارمي (2/ 89، 90)، وابن الجارود (340، 342)، والدارقطني (4/ 294)، والسنن الكبرى (9/ 236، 238)، عبد الرزاق (4/ 470، 471)، والبغوي (2768)، وأحمد (4/ 256، 257، 258).
(3)
في ن هـ (المعلم).
وقوله: "وإن غاب" إلى آخره لفظه عند مسلم.
و"إن رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يومًا فلم تجد فيه إلَّا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقًا في الماء
فلا تأكل".
وفي رواية له: "إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فكل، إلَّا أن تجده قد وقع في ماء، فإنك لا تدري الماء قتله
أو سهمك".
ولفظ البخاري: "وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلَّا أثر سهمك فكل، وإن وقع بالماء فلا تأكل"(1)، وفي
رواية له تعليقًا بصيغة جزم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يرمي الصيد فيفتقد أثره اليومين والثلاثة، ثم يجده ميتًا، وفيه سهمه، قال: يأكل إن شاء"(2)، قال عبد الحق: ولم يقل في شيء من طرقه "فأدركته حيًّا فاذبحه"، قال: ولم يذكر أيضًا قوله: "فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك".
قلت: فليتأمل رواية المصنف أعني قوله: "وإن غاب عنك" إلى آخره فلم أرها كذلك بطولها في واحد من الصحيحين، والذي فيهما ما ذكرته لك:
الوجه الثاني: في التعريف بالأسماء الواقعة فيه.
(1) البخاري (5484).
(2)
البخاري تعليقًا (5485)، وأبو داود (2853)، ووصله في تغليق التعليق (4/ 505).
أما همام: فهو ابن الحارث كوفي ثقة من فرسان الكتب الستة، عابد، تابعي، مات في أيام الحجاج.
وأما عدي فهو أبو طريف، ويقال: أبو وهب عدي بن حاتم بن عبد الله [عدي](1) بن حَشْرج بن امرئ القيس ابن عدي، [(2)] بن ربيعة بن جَرْوَل بن ثُقل بن عمرو بن الغوث بن طيّ بن أُدد بن [زيد](3)(4) بن كهلان [(5)] بن يشجب بن يعرب بن قحطان الطَّائيّ، الجواد بن الجواد، وفد في شعبان سنة سبع، وقيل: سنة عشر، ونزل الكوفة وسكنها، روى عن النبي - صلي الله عليه وسلم - ستة وستين حديثًا اتفقا منها على ثلاثة، وانفرد مسلم بحديثين، روى عنه الشعبي وجماعة، وكان شريفًا في قومه، خطيبًا حاضر الجواب، فاضلًا كريمًا، روي عنه أنه قال: ما دخل وقت صلاة قط إلَّا وأنا أشتاق إليها، وفي رواية: وأنا على وضوء، وقال: ما دخلت على النبي - صلي الله عليه وسلم - إلَّا وسّع لي أو تحرك، ودخلت عليه يومًا في بيته وقد امتلأ من أصحابه فوسع لي حتى جلست إلى جنبه، ومناقبه جمة، عاش مائة وعشرين سنة، وقيل: وثمانين ومات، زمن المختار سنة ثمان وستين، وقيل: سنة ست، وقيل: سنة سبع وشهد مع علي حروبه.
(1) في جمهرة أنساب العرب (402)، وتهذيب الكمال (19/ 524) سعد.
(2)
في المرجعين السابقين زيادة (بن أخزم بن أبي أخزم).
(3)
في الجمهرة (398)(يشجب)، وما أثبت يوافق تهذيب الكمال (19/ 525).
(4)
وبعدها كما في المرجعين (بن عريب بن زيد).
(5)
في تهذيب الكمال (19/ 525)، والجمهرة زيادة (بن سبأ).
وأما الشعبي: فبفتح الشين المعجمة وإسكان العين المهملة وباء موحدة، ثم ياء النسب نسبةً إلى شعب بطن من همدان، واسمه
عامر بن شراحيل، وقيل ابن عبد الله بن شراحيل، وقيل: ابن شراحيل ابن عبدٍ بن أخي فيس بن عبد، وكنيته [أبو عمرو](1) وهو تابعي كوفي ثقة جليل فقيه علَّامة زمانه حافظ. ولد لست سنين خلت من خلافة عمر على المشهور.
وأمه: من سبي جلولا، روي عن علي، وهو في صحيح (خ، م)، وعن ابن مسعود وعمر وطلحة وعبادة، ولم يسمع منهم، وروى عن جماعة من الصحابة، روي عنه أنه قال: أدركت خمسمائة منهم. وقال ابن حبان روى عنهم كلهم. وقال العجلي: سمع عن ثمانية وأربعين من الصحابة، ومرسله صحيح، لا يكاد يرسل إلَّا صحيحًا، وروى عنه خلق من التابعين وغيرهم، وولي قضاء الكوفة، ومن كلامه: إنما كان يطلب هذا العلم من جمع العقل والنسك، فإن انفرد بأحدهما قيل هذا لا يناله، واليوم يطلبه من لا عقل له ولا نسك. وقال الحسن البصري لما نعاه: كان والله كثير العلم قديم السلم من الإِسلام بمكان، مات بعد المائة ستة ثلاث أو أربع أو خمس أو ست [أو سبع](2) أو تسع عن اثنتين وثمانين سنة، قال ابن طاهر: عن سبع وسبعين.
الوجه الثالث: في بيان ألفاظه:
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
زيادة ن هـ.
"المِعراض": بكسر الميم وسكون العين المهملة وبالراء ثم ضاد معجمة بعد الألف: خشبة ثقيلة أو عصى محدد رأسها بحديدة.
وقد يكون بدونها هذا هو الصحيح المشهور في تفسيره، كما قاله النووي في "شرحه"(1)، وقال الهروي: هو سهم لا ريش له ولا
نصل، وقال ابن دريد هو سهم طويل له أربع قُذَذ رقاق. فإذا رمي به اعترض، وقال الخليل: كقول الهروي ونحوه عن الأصمعي، وقيل: هو عود رقيق الطرفين غليظ الوسط إذا رمى به ذهب مستويًا.
وقوله: "ليس منها"، أي: ليس من الكلاب المعلمة، أن يراد ليس من كلابك بل من كلاب غيرك؛ لأنه لو أرسل رجلان كلبين على صيدين فقتلاه جميعًا أكلا، وكان الصيد بينهما، إلَّا أن ينفذ الأول مقاتله فلا شيء للثاني.
وقوله: "فخزق" بالخاء المعجمة والزاي ومعناه نفذ. وعبارة القرطبي في "شرحه"(2)(خزق) معناه: خرق ونفذ. و (العرض): خلاف الطول.
وقوله: "فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" معناه إن الله تعالى قال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} ، فإنما أباحه بشرط أن يعلم أنه أمسك علينا، وإذا أكل منه لم يعلم أنه أمسك لنا أم لنفسه، فلم يوجد شرط المعية والأصل تحريمه.
وقوله: "فإن أخذ الكلب ذكاته"، أي: إن أخذ الكلب الصيد وقتله إياه ذكاة شرعية بمنزلة ذبح الحيوان الإِنسي، وهذا إجماع.
(1) شرح مسلم (13/ 75).
(2)
المفهم (5/ 209).
الوجه الرابع: في أحكامه.
الأول: اشتراط التسمية، كما أسلفنا في الحديث السابق، وقد سلف الخلاف فيه، وهو أقوى في الدلالة من الأول، لأن هذا مفهوم
شرط وذلك مفهوم صفة ومفهوم الشرط أقوى منه.
الثاني: أكل مصيد الكلب إذا قتل وهو صريح في هذا، مفهوم من الحديث الأول.
الثالث: أكل ما قتله الصيد بثقله، وهو أقوى من الأول.
الرابع: أنه لا يحل أكل ما شاركه كلب آخر في اصطياده إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس هو من [أهل الذكاة، أو شككنا، فإن تحققنا أنه إنما شاركه كلب أرسله من هو من](1) أهل الذكاة على ذلك الصيد [و](2) حل ذلك معلل في الرواية السالفة، "فإنما سميت على كلبك ولم تسمِ على غيره"، وهو ظاهر في اشتراط التسمية ولو غلب على الظن فقولان عند المالكية، ووقع في "شرح الشيخ تقي الدين"(3) أن هذه الرواية وردت في حديث آخر، وهو عجيب فإنها في الكتاب، وقد ذكرها هو أولًا.
الخامس: أنه إذا اصطاد بالمعراض فقتل الصيد بعده حل، لأنه كالسهم، وإن [قتله](4) بعرضه لم يحل، وقد جاء في بعض
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
إحكام الأحكام (4/ 472).
(4)
في الأصل (يعرضه)، وما أثبت من ن هـ.
روايات هذا الحديث في الصحيح (1)"فإنه وقيذ" وذلك لأنه ليس في معنى السهم، وهو في معنى الحجر وغيره من المثقلات، وهذا مذهب الأئمة الأربعة والجمهور. وقال الأوزاعي ومكحول وغيرهما من فقهاء الشام: يحل مطلقًا حتى قال: ابن أبي ليلى يحل ما قتله بالبندقية، وهو محكي عن سعيد بن المسيب وجمهور العلماء، كما نقله النووي في "شرحه لمسلم"(2) على أنه لا يحل صيد البندقية مطلقًا لحديث المعراض هذا، لأنه كله رض ووقذ، أي: مقتول بغير محدد والموقوذة المقتولة بالعصا ونحوها، وأصله من الكسر والرض، وأما حل الاصطياد به ففيه اضطراب عندنا أوضحته في "شرح المنهاج".
السادس: تحريم أكل الصيد الذي أكل الكلب المعلم منه لتصريح المنع منه في هذا الحديث وتعليله بخوف الإِمساك على نفسه
بأكله منه، وبهذا قال أكثر العلماء، كما حكاه النووي في "شرحه"(3) عنهم، ومنهم ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن البصري والشعبي والنخعي وعكرمة وقتادة وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وداود، وبه قال الشافعي في أصح قوليه، محتجبين بحديث عدي هذا، وبقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} وهذا لم يمسك علينا، وإنما أمسك على نفسه، وقال
(1) البخاري (5476)، مسلم (9129)، وأبو داود (2854)، والنسائي (4269)، وابن ماجه (3214).
(2)
(13/ 75).
(3)
شرح مسلم (13/ 75، 76).
سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن عمر ومالك: يحل. وهو قول ضعيف للشافعي، وفي "سنن أبي داود"(1) من حديث
أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل، وإن أكل منه" لم يضعفه أبو داود، وأما ابن حزم فضعفه (2)، وحملوا حديث عدي على كراهة التنزيه، وربما علل بأنه كان من المياسير فاختير له الحمل على الأولى بخلاف أبي ثعلبة، فإنه كان على عكس ذلك، فأخذ بالرخصة، وفيه نظر، لأنه علل عدم الأكل بخوف الإِمساك على نفسه، اللَّهم إلَّا أن يقال إنه علل بخوف الإِمساك لا بحقيقة الإِمساك.
فيجاب عن هذا: بأن الأصل التحريم في الميتة، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وتأولت حديث ثعلبة على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه ونارقه، ثم عاد فأكل منه، فهذا لا يضر، كما صرح به صاحب "البيان"(3) و"الشامل"(4)
(1) أبو داود (2852).
(2)
المحلى (7/ 475)، وقال ابن حجر في الفتح (2/ 609): أخرجه أبو داود ولا بأس بسنده. اهـ.
(3)
صاحب البيان هو يحيى بن أبي الخير بن سالم بن أسعد بن يحيى أبو الخير العمراني اليمانى، ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة وتوفي سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. ترجمته طبقات الشافعية لابن هداية (79)، وطبقات السبكي (4/ 324)، وطبقات ابن قاضي شهبة (1/ 327).
(4)
صاحب الشامل: هو أبو نصر بن الصباغ فقيه العراق مولده سنة أربعمائة =
و"التحرير"(1) والدارمي (2) من أصحابنا فقالوا: إن أكل عقب القتل ففيه القولان، وإلَّا فيحل قطعًا، وتمناه إمام الحرمين، فقال: وددت لو فصّل فاصل بين أن يكف زمانًا ثم يأكل، وبين أن يأكل بنفس الأخذ، لكن لم يتعرضوا له.
قلت: قد تعرض له الأئمة كما نقلناه عنهم، وجزم به النووي في "شرحه"(3).
وأما جوارح الطير: إذا أكلت مما صادته فالأصح عند أصحابنا
= وتوفي في جمادى الأولى وقيل: في شعبان سنة سبع وسبعين وأربعمائة، من مؤلفاته:"الشامل" و"الكامل" و"كتاب الطريق السالم" و"العمدة في أصول الفقه" ترجمه في طقات السبكي (3/ 230)، والبداية والنهاية (12/ 226).
(1)
صاحب التحرير هو أحمد بن حمد بن أحمد أبو العباس الجرجاني قاضي البصرة شيخ الشافعية، مات راجعًا من أصبهان إلى البصرة سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
ترجمة طبقات السبكي (3/ 31)، وطبقات ابن هداية (63)، وطبقات ابن شهبة (1/ 260).
(2)
الدارمي محمد بن عبد الواحد بن محمد بن عمر بن ميمون الإِمام أبو الفرج الدارمي، مولده سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وتوفي بدمشق في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، من مصنفاته "الاستذكار" و "جامع الجوامع ومودع البدائع"، وله كتاب "في الدرر الحكمي" و "مصنف في المتحيرة"، ترجمته في الأنساب للسمعاني (5/ 279)، طبقات السبكي (3/ 77).
(3)
شرح مسلم (13/ 77).
طرد القولين فيه كالكلب، ومنهم من قطع فيه بالحل دون الكلب، لإِمكان ضربه ليمتنع، ولما نقل النووي في "شرح مسلم"(1) عن الشافعي أن أرجح قوليه تحريمه، أعني في الجوارح. قال: وقال سائر العلماء بإباحته، لأنه لا يمكن تعليمها وذلك بخلاف السباع، وأصحابنا يمنعون هذا التأويل.
تنبيه: قوله تعالى: {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} ، قد أسلفنا أنه يحتج من منع من أكل ما أكل منه الصيد؛ لأنه لو أراد كل إمساك لقال:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} بدون زيادة {عَلَيْكُمْ} ، والقائل الآخر يجيب بأن فائدة {عَلَيْكُمْ} الإِشعار بأن ما أمسكه من غير إرسال لا يأكله.
السابع: أن أخذ الكلب الصيد وقتله إياه ذكاة شرعية بمنزلة ذبح الحيوان الإِنسي، وهذا إجماع ولو لم يقتله الكلب، ولكن تركه، ولم يبقَ فيه حياة مستقرة أو بقيت ولم يبقَ زمن يمكن صاحبه لحاقه وذبحه فمات حل لقوله:"فإن أخذ الكلب ذكاته"، قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب إمرار السكين على حلقه ليريحه.
الثامن: الحل فيما إذا جرحه بسهم وغاب عنه، ثم وجده ميتًا وليس فيه أثر غير سهمه لقوله:"وإن غاب عنك"، إلى قوله: "فكل
إن شئت"، وهو أحد أقوال الشافعي ومالك في الصيد والسهم، والأصح عند أصحابنا تحريمه.
والثالث: يحرم في الكلب دون السهم. قال النووي (2):
(1) شرح مسلم (13/ 77).
(2)
شرح مسلم (13/ 79).
والأول أقوى [وأقرب](1) إلى الأحاديث الصحيحة.
وأما الأحاديث المخالفة له فضعيفة ومحمولة على كراهة التنزيه، وكذا الأثر عن ابن عباس "كل ما أصميت ودع ما أنميت"(2)، أي: كل ما لم يغب عنك دون ما غاب.
التاسع: التنبيه على قاعدة عظيمة وهي أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل؛ لأن الأصل تحريمه، وهذا لا خلاف فيه، فإن قوله عليه الصلاة والسلام:"وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها" يدل على ذلك، وفي الصحيح زيادة أخرى على ذلك "وهي فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله"، وفي ذلك تنبيه أيضًا على أنه لو وجده حيّا ومه حياة مستقرة فذكاه حل، ولا يضر في كونه اشترك في إمساكه كلبه وكلب غيره، لأن الاعتماد حينئذٍ في الإِباحة على ما يذكيه الآدمي لا على إمساك الكلب، وإنما تقع الإِباحة وإمساك الكلب إذا قتله.
(1) زيادة من ن هـ والمرجع السابق.
(2)
السنن الكبرى (9/ 241)، والمعرفة (13/ 449) قال الشافعي -رحمنا الله وإياه-: ما أصميت ما قتلته الكلاب وأنت تراه، وما أنميت: ما غاب عنك مقتله .. ثم ساق الكلام إلى أن قال: ولا يجوز عندي فيه إلَّا هذا إلَّا أن يكون جاء عن النبي - صلي الله عليه وسلم - شيء فإني أتوهمه سقط كل شيء خالف أمر النبي - صلي الله عليه وسلم - ولا يقوم معه رأي ولا قياس، فإن الله تعالى قطع القدر بقوله صلى الله عليه وسلم. اهـ من معرفة السنن، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 611)، قال البيهقي: وقد ثبت الخبر بعني حديث الباب فينبغي أن يكون هو قول الشافعي. اهـ.
العاشر: حل لحوم الصيد وغيرها من اللحوم والأطعمة إذا بقيت يومًا أو يومين أو ثلاثة، وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي ثعلبة الخشني "فغاب عنك فأدركته فكله ما لم ينتن"، وفي روية له في الذي يدرك صيده بعد ثلاث "فكله ما لم ينتن"، فهذا النهي عن
أكله للمنتن للتنزيه لا للتحريم، وكذا الأطعمة المنتنة يكره أكلها ولا يحرم، إلَّا أن يخاف منها الضرر خوفًا معتمدًا، وقد أسلفنا في
الحديث السابع من الباب الماضي وفيها تحريم اللحم المنتن، وهو بعيد ضعيف.
الحادي عشر: إذا وجد الصيد غريقًا لا يحل، وهو إجماع، لأنه سبب للهلاك، ولا يعلم أنه مات بسب الصيد، وكذلك إذا تردى من جبل لهذه العلة، نعم يسامح في محيط الأرض إذا كان طائرًا، لأنه أمرٌ لا بدَّ منه. وقال مالك: إن مات بعدما وقع على الأرض لم يحل.
الثاني عشر: أنه إذا أدرك ذكاته وجب ذبحه ولم يحل إلَّا بذكاة عملًا بقوله "فأدركته حيًّا فاذبحه" وهذا إجماع، وما نقل عن الحسن البصري والنخعي خلافه فباطل لا يصح عنهما.