الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
404/ 3/ 76 - عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنهم، قال: سمعت رسول الله يقول: "من اقتنى كلبًا -إلَّا كلب صيد أو ماشية- فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان، قال سالم: وكان أبو هريرة يقول: أو كلب حرثٍ، وكان صاحب حرث"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها. هذا الحديث رواه مسلم باللفظ المذكور، بدون زيادة سالم، ثم رواه [بلفظ] (2):"من اقتنى كلبًا إلَّا كلب ماشية أو كلب صيد ينقص من عمله كل يوم قيراط. قال عبد الله: وقال أبو هريرة: أو كلب حرث".
(1) البخاري (5481)، ومسلم (1570)، والنسائي في الكبرى (4791، 4802)، وابن ماجه (3203)، والحميدي (632، 633)، والبغوي (2775)، ومعاني الآثار (4/ 55)، وابن أبي شيبة (4/ 641)، وأحمد (2/ 4، 8، 37، 47، 60، 113، 156)، ومالك (2/ 738).
عند أبي داود (2844) من رواية أبي هريرة.
عند ابن ماجه (3205)، من رواية عبد الله بن مغفل.
(2)
زيادة من هـ.
ثم رواه بلفظ: "من اقتني كلبًا إلَّا كلب ضارٍ أو ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان. قال سالم: وكان أبو هريرة يقول: أو كلب حرث وكان صاحب حرث".
ولفظ البخاري في هذا الباب: "من اقتني كلبًا إلَّا كلبًا ضاريًا لصيد أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان".
الوجه [الثاني](1): في التعريف براويه، وقد سلف في باب الاستطابة.
وأما ابنه سالم: فكنيته أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو المنذر حكاه ابن طاهر. مدني تابعي جليل أحد الأئمة الفقهاء بالمدينة، واتفقوا على ثقته وعلمه وصلاحه، وزهده وفضله وورعه، روى عن أبيه وأبي هريرة وغيرهما، وعنه مولى أبيه نافع وابنه أبو بكر بن سالم وغيرهما، وكان أشبه ولد عبد الله به، وكان يخضب بالحناء، ويلبس الصوف تواضعًا، وكان شديد الأدمة، لأن أمه أم
[ولد](2) ولأبيه فيه [يقول](3):
يلومونني في سالم وألومهم
…
وجلدة بين العين والأنف سالم
قال مالك: لم يكن أحدٌ في زمانه أشبه منه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش، كان يلبس الثوب بدرهمين.
وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث عاليًا من الرجال ورع. وقال
(1) في ن هـ (الأصل) ثانيها، وما أثبت من ن هـ.
(2)
في ن هـ زيد.
(3)
زيادة من ن هـ.
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أصح الأسانيد كلها [](1) الزهري. عن سالم عن أبيه. مات سنة ست ومائة في عقب ذي الحجة،
وقيل: سنة خمس، وقيل: ثمان وقد شاخ وصلَّى عليه [(2)] هشام [بن](3) عبد الملك في حجته التي حج، ولم يحج في ولايته غيرها.
فائدة: سالم بن عبد الله في الرواة ثمانية، كما أوضحتهم في رجال هذا الكتاب، فسارع إليه.
الوجه الثالث: في ألفاظه:
قوله: "قال سالم وكان أبو هريرة [يقول](4): أو كلب حرث: وكان صاحب حرث. قال: العلماء ليس هذا توهينًا لرواية أبي هريرة ولا شكًّا فيها، [بل](5) معناه. أنه لما كان صاحب زرع وحرث اعتنى بذلك وحفظه وأتقته. والعادة أن المبتلى بشيء يتقنه ما
لا يتقنه غيره، ويعرف من أحكامه ما لا يعرفه غيره. وقد ذكر مسلم هذه الزيادة وهي اتخاذه للزرع من رواية جماعة، من الصحابة ابن المغفل وسفيان بن أبي زهير وأبي الحكم واسمه عبد الرحمن بن أبي أنعم البجلي عن ابن عمر فلم يتفرد بها أبو هريرة إذن، ولو
انفرد بها لكانت مقبرلة مرضية مكرمة.
(1) في هـ زيادة (عن).
(2)
في الأصل زيادة بن.
(3)
ساقطة من الأصل.
(4)
زيادة ن هـ.
(5)
زيادة من ن هـ.
"والاقتناء" الاتخاذ.
"والقيراط" عبارة عن جزء معلوم عند الرب تعالى. فقيل: ينقص من ماضي عمله وقيل: من مستقبله. حكاه الروياني من الشافعية في "بحره".
قال: واختلفوا في محل نقصان القيراطين، فقيل: قيراط من عمل النهار وآخر من الليل.
وقيل: قيراط من عمل الفرض والآخر من النفل.
وقوله: "نقص من أجره كل يوم قيراطان"، كذا جاء في روايات، وجاء في آخر "قيراط"، وفي الجمع بينهما أوجه.
أحدهما: أن ذلك النوعين من الكلاب أحدها أشد ضررًا.
ثانيها: في زمنين فذكر القيراط، ثم زاد التغليظ، فذكر قيراطين.
ثالثها: أن ذلك يختلف باختلاف المواضع، فالقيراطان في المدينة خاصة لزيادة فضلها، والقيراط في غيرها. أو الأول في القرى والثاني في البراري.
وظاهر الحديث بل صريحه أن النقصان في الآخرة خاصة، فلا ينبغي [إذن أن يستدل به على أن السيئات تحبط الحسنات، وهو قول خلاف أهل السنة، لا في](1) نفس العمل، فإنه قد وجد واستقر، ويحتمل أن تكون العقوبة بعدم التوفيق للعمل، بمقدار قيراط ما كان
(1) زيادة من ن هـ.
يعمل من الخير، فيكون النقص من الحمل على حقيقتة، ويلزم من تركه ترك الأجر المرتب عليه.
وسبب النقص عقوبة مقتنيها: إما لارتكابه النهي، وإما لما ييتلي به من [ولوغها](1) في غفلة صاحبها وعدم غسل ما ولغت فيه
بالماء والتراب.
وسبب المنع من اقتناء غير ما ذكرنا فيها من الترويع وإيذاء المَارِّ ومجانبة الملائكة لمحلها، وهو شديد لما في مخالطتهم من البركة، ولهذا حذَّر الشارع من كل حالة يلابسها الشيطان من مكان وزمان وفعل وقول لهذا المعنى.
الوجه الرابع: في أحكامه:
الأول: تحريم [اقتناء الكلب لغير حاجة، وأبعد بعضهم، فاستدل به على الكراهة، إذ ليس من الوعيد المحرم نقص الأجر، حكاه القاضي، وهو غريب ثم (2)] الكلاب في أصل الشرع ممنوعة الاقتناء، ولهذا أمر بقتلها أولًا كلها، ثم نسخ ذلك، ونهى عن قتلها، إلَّا الأسود البهيم. ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب، التي لا ضرر فيها، سواء الأسود وغيره. قاله إمام الحرمين من أصحابنا. والإِجماع قائم على قتل الكلب العقور.
واختلفوا فيما عداها، فقال القاضي عياض: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتلها، إلَّا ما استثنى من كلب الصيد
وغيره. قال: وهذا مذهب مالك وأصحابه.
(1) زيادة من هـ.
(2)
في ن هـ ساقطة.
قال: واختلف القائلون بهذا في كلب الصيد ونحوه: هل [هو](1) منسوخ من العموم الأول في الحكم بقتل الكلاب، وأن القتل كان عامًا في الجميع أم كان مخصوصًا بما سوى ذلك. قال: وذهب آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها، ونُسخ الأمر بقتلها والنهي
عن اقتنائها إلَّا الأسود البهيم. قال القاضي: وعندي أن النهي أولًا كان عامًا عن اقتناء جميعها، وأنه أمر بقتلها، ثم نهي عن قتل ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها، إلَّا كلب الصيد أو الزرع أو الماشية. وهذا الذي ذكره القاضي هو ظاهر الأحاديث الصحيحة.
وخص حديث ابن المغفل الثابت في الصحيح (2)"أمر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم" ما سوى الأسود، فإنه عام، فيخص منه الأسود بالحديث الآخر:"عليكم بالأسود البهيم، ذي النقطتين، فإنه شيطان"(3).
الثاني: جواز اقتنائه للصيد والزرع والماشية، وهل يقاس عليها غرض حراسة الدروب ونحوها، فيه وجهان لأصحابنا.
حدهما: لا. يقتصر بالرخصة على ما ورد.
وأصحهما: نعم؛ لأن العلة في الرخصة مقبولة، وهي الحاجة فيتعدى، ولهذا قال العلماء: الرخصة إذا عرفت عمت. وإذا وقعت
(1) زيادة من هـ.
(2)
مسلم (1573)، وأحمد (5/ 56، 57).
(3)
من حديث جابر أخرجه مسلم (1572)، وأبو داود (2846).
عمت، فعمومها يكون في حكحها ومعناها. قال العجلي (1): ومحل الخلاف في حفظ الدروب في غير أهل البوادي وسكان الخيام في الفلوات. فأما هؤلاء فيجوز لهم اقتناؤه حول بيوتهم قطعًا، لتحرسهم من الطُّرَّاق والوحش، وحكاه الروياني في "بحره" عن "الحاوي".
وسئل مالك: عن اتخاذه للحراسة، فقال: لا أرى ذلك، ولا يعجبني، وعلله بعض أصحابه بترويعها لمن ليس بسارق مثلًا.
الثالث: جواز اقتناء الجرو المذكررات وتربيته لها، ويكون القصد لذلك قائمًا مقام وجود المنفعة بها: كبيع ما لا ينتفع به في الحال للانتفاع به مآلًا، وهو أصح الوجهين عندنا، لدخوله تحت اسم الكلب، وإن كان مخصوصًا باسم الجرو، ثم هذا إذا كان من قبيل المعلم، وإلَاّ فلا. قاله في "التهذيب"(2) وأراد -والله أعلم- ما إذا كان من كلاب معلم ذلك وإلَاّ فلا.
(1) هو أسعد بن محمود بن خلف بن أحمد، منتخب الدين، أبو الفتوح، العجلي، الأصبهاني، مصنف التعليق على الوسيط والوجز -وهو جزعان- وتتمة التتمة، ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة توفي في صفر سنة ستمائة بأصبهان.
ترجمته: في طبقات ابن شهبة (2/ 25)، وشذرات الذهب (4/ 334).
(2)
مؤلفه الحسين بن مسعود بن محمَّد محيي السنَّة أبو محمَّد البغوي توفي بمرو الروذ في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة، وقد جاوز الثمانين من تصانيفه "التهذيب""شرح المختصر""شرح السنة""معالم التنزيل".
ترجمته: في الأعلام (2/ 284)، وفيات الأعيان (1/ 402)، وطبقات ابن قاضي شهبة (1/ 281).
الرابع: استدل المالكية بجواز اتخاذه للأمور المذكورة على طهارته. قالوا: فإن ملابسته مع الاحتراز منه أو عن مس شيء منه شاق. فالإِذن في الشيء إذن في مكملاته مقصودة، كما أن المنع من لوازمه مناسب للمنع منه. ولك أن تقول الأذن في الملامسة لا يدل
على الطهارة بدليل ملابسة القصاب ثوبه وثوب المرضع وصاحب السلس مثلًا، والضرورة هنا في الملابسة داعيةً جدًّا بخلاف تلك.
الخامس: في إطلاق لفظ الكلب يشمل الأسود وغيره، وبه قال مالك والشافعي وجمهور العلماء. قالوا: لأنه غير خارج عن جنس الكلاب، ولأنه يغسل من ولوغه كغيره.
وقال أحمد، وأبو بكر الفارسي (1): لا يحل صيد الكلب الأسود البهيم، للأمر بقتله، ولأنه شيطان [رجيم](2) وأجاب الجمهور عنه، بحمل الأمر على العقور.
السادس: الحث على تكثير الأعمال والتحذير من تنقيصها والتنبيه على أسباب الزيادة والنقص لتجتنب أو ترتكب لأجل زيادتها.
السابع: بيان لطف الله تعالى بخلقه في ترخيصه لهم ما ينفعم منه لحاجتهم إليه في أموالهم ومواشيهم ومنافعهم.
(1) أحمد بن الحسين بن سهل أبو بكر الفارسي له مؤلفات منها "عيون المسائل"، وكتاب "الانتقاد على المزني" مات سنة خمسين وثلاثمائة.
ترجمته: الأعلام (1/ 110)، وطبقات ابن شهبة (1/ 123).
(2)
زيادة: هـ.