الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث عشر
427/ 13/ 80 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال: كانت أموال بني النضير: مما أفاء الله على رسوله -[صلى الله عليه وسلم](1)، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح، عدة في سبيل الله عز وجل" (2).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: هذا الحديث، لما ذكره المصنف في "عمدته الكبرى" عزاه إلى الترمذي، ثم قال: ومتفق على معناه. هذا لفظه، وقد أخرجه مسلم في الجهاد، بلفظ: "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله [على رسوله](3) مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا
(1) زيادة من إحكام الأحكام.
(2)
البخاري (2901)، ومسلم (1757)، والترمذي (1719، 1610)، وأبو داود (2963، 2965)، والنسائي (7/ 132)، والسنن الكبرى له (4450، 6307، 6308، 6310)، والبيهقي (7/ 468، 6/ 296)، والبيهقي في الشعب (1390)، والحميدي (1/ 13)، والبغوي في السنة (2738) وعبد الرزاق (5/ 469)، وأحمد (1/ 25، 48)، وعبد الرزاق (5/ 469)، ودلائل النبوة للبيهقي (3/ 185).
(3)
زيادة من ن هـ وصحيح مسلم.
ركاب [فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة](1)، فكان ينفق على [أهله](2) أنفقة سنة وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله" [عز وجل](3) ثم ساقه بنحوه مطولًا بقصة.
وأخرجه بها البخاري في خمسة مواضع من صحيحه (4).
ثانيها: كانت غزوة بني النضير سنة أربع من الهجرة وقريظة والنضير قبيلتان من اليهود، وكان صاحب عهد بني قريظة كعب بن أسد، وكان حُيَيّ بن أخطب من سادات بني النضير، ونقض العهد مع
(1) زيادة من صحيح مسلم.
(2)
زيادة من ن هـ وصحيح سلم.
(3)
غير موجود في صحيح مسلم.
(4)
أطرافه في (2904):
الموضع الأول، باب: المجن ومن بترس يترس صاحبه ح (2904).
الموضع الثاني، كتاب: فرض الخمس، باب: فرض الخمس ح (3094).
الموضع الثالث، كتاب المغازي، باب: حديث بني النضير ح (4033).
الموضع الرابع، كتاب التفسير، باب قوله تعالى {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} ح (4885).
الموضع الخامس، كتاب النفقات، باب: حبس رجل قوت سنة ح (5357، 5358).
الموضع السادس، كتاب الفرائض، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورث" ح (6728).
الموضع السابع، كتاب: الاعتصام، باب: ما يكره من التعمق والتنازع (7305).
النبي صلى الله عليه وسلم فكبر رسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون وقال: حاربت اليهود في قصة طويلة.
ثالثها: في ألفاظه ومعانيه.
معى [أوجف](1) الإِيجاف الإِعمال. وقيل: الإِسراع والوَجيفُ ضرب من سير الخيل والإِبل يقال: وَجَفَ الفرس والبعير يَجِفُ [وجوفًا](2) أسرع وأَوْجَفَهُ صاحبه إذا حمله على السير.
و"الركاب" الإِبل خاصة، واحدته راحلة من غير لفظها. والجمع الركب مثل الكتب. وأما الركب فمن الأسماء المفردة الواقعة على الجمع، وليس بجمع تكسير لراكب، بدليل قولهم في تصغيره ركيب، وجمع التكسير: لا يصغر على لفظه.
وقوله "فكانت لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - خالصة". معناه أن أموال بني النضير كان معظمها له لا كلها، لأن له عليه الصلاة والسلام مما أفاء الله عليه أربعة أخماسها والخمس الباقي فيكون له أحد وعشرون سهمًا من خمسة وعشرين سهمًا والأربعة الباقية لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
قال الشيخ تقي الدين (3): ويحتمل أن يكون كلها كانت له أي كما هو مذهب مالك، وكان ما يفعله من الكراع والسلاح تبرعًا. وقوله:" [فكان] (4) عليه الصلاة والسلام يعزل نفقة أهله سنة" يعني
(1) في الأصل ون هـ (فأرجع).
(2)
في مختار الصحاح (296)(وجِيفًا). انظر: مادة (وج ف).
(3)
إحكام الأحكام (4/ 527).
(4)
في هـ ساقطة.
أنه لما كانت أموال بني النضير له خالصًا، واتسع عليه الحال ادخر لعياله نفقة سنة تطييبًا لقلوبهم. وكان قبل ذلك لا يدخر "لغدٍ شيئًا" أو "كان لا يدخر شيئًا لغد"(1) لأجل نفسه أو لأجل أهله، وإن كان مشاركًا لأهله فيما يدخر لهم.
"والسلاح" يذكر ويجوز تأنيثه، وهو ما أعد من السلاح للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به.
و"العدة" بضم العين كل ما يستعان به لحوادث الدهر من مال وسلاح.
الرابع: في فوائده.
الأولى: ما أكرم الله به نبيه من خصائص الدنيا والأخرى [(2)] وتقدمه بها على جميع المخلوقات.
الثانية: أن حكم أموال الفيء كانت خاصًّا به في حياته، يضعه حيث شاء، فكان ينفق منه على أهله نفقة سنتهم، ويجعل ما بقي مصرف أكثر مال الله تعالى إلى أن توفي، وهذا ما قاله أكثرُ الشافعية بالنسبة إلى أربعة أخماس الفيء وخمس خمسه.
وقال الغزالي وغيره: كان الفيء جميعه له إلى أن مات، وإنما يخمس بعد موته.
وقال الماوردي (3) وغيره: اختصاصه عليه الصلاة والسلام
(1) أخرجه الترمذي من رواية أن (2362)، وابن حبان (6378)، ودلائل النبوة للبيهقي (1/ 346).
(2)
الحاوي الكبير (10/ 428).
(3)
الحاوي الكبير (10/ 428).
بجميع الفيء كان في أول حياته، ونسخ في حياته.
واختلف العلماء في مصرف الفيء بعده.
فقيل: جميعه للمصالح ولا يخمس وهو قول أبي حنيفة وأحمد.
وقيل: إن الأخماس الأربعة للمرتزقة، وهم الأجناد المرصدون للجهاد، والخمس: لخمسة لمصالح المسلمين، ولبني هاشم والمطلب، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وهذا مذهب الشافعي. والأكثرون على أن لا يخمس حتى عد [القول](1) بنخميسه من أفراد الشافعي، ومحل الخوض في المسألة كتب الخلاف.
الثالث: جواز الادخار للنفس والعيال قوت سنة، وأن ذلك غير قادح في التوكل وفعله عليه الصلاة والسلام ذلك لم يكن لنفسه، بل كان للعيال تطييبًا لقلوبهم، وتسكينًا لهم، وجمعها على ما هم بصدده، وكان مع ذلك ينفقه قبل انقضاء العدة في وجوه الخير، ولا يتم جملة السنَّة، ولهذا توفي ودرعه مرهونة على شعيرٍ، استدان لأهله، ولم يثغ ثلاثة أيام تباعًا (2)، وقد تظاهرت الأحاديث
(1) زيادة من هـ.
(2)
في رواية أبي هريرة رضي الله عنه ولفظ: "ما شبع آل محمَّد من طعام واحدٍ ثلاثًا حتى قبض صلى الله عليه وسلم، إلَّا الأسودين: التمر، والماء"، أخرجه البخاري (5374)، دون قوله "إلَّا الأسودين" إلخ، البغوي (4076)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (ص 265).
وفي لفظ آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه: "ما أشبع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أهله ثلاثة أيام تباعًا من خبز البر حتى فارق الدنيا"، أخرجه مسلم (2976)، والترمذي (2358)، وابن ماجه (3343)، وأحمد (2/ 341). =
الصحيحة بكثرة جوعه وجوع عياله (1). وقام الإِجماع على جواز ادخار ما يستغله الإِنسان من أرضه وزراعته مما لم يشتره من السوق، كما فعل الشارع.
ووقع الخلاف في ادخار قوت سنة من السوق، فأجازه قوم واحتجوا بهذا الحديث: ولا حجة فيه؛ لأنه لم يكن من السوق. ومنعه الأكثرون على ما حكاه القاضي عياض (2) إلَّا على ما لا يضر بالسعر، ومحل هذا الاختلاف ما إذا كان وقت سعة. أما [إذا كان] (3) في وقت ضيق الطعام على المساكين [لم يصح] (4) بل يشتري ما لا يضيق: كقوت أيام أو شهر، والصوفية أو بعضهم: قد
يجعلون ما زاد على السنة خارجًا عن طريق التوكل.
= ومن رواية عائشة رضي الله عنها: "ما شبع آل محمَّد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليالٍ تباع حتى قبض" أخرجه البخاري (5416)، ومسلم (3/ 2281)، وأحمد (6/ 156)، وابن ماجه (3344)، وابن أبي شيبة (13/ 249)، والبيهقي في السنن (7/ 47)، والدلائل (1/ 340).
(1)
كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أخرجه مسلم (2977)، والترمذي (2372)، وحديث عمر من رواية النعمان رضي الله عنهما، أخرجه مسلم (2978)، وابن ماجه (4146)، وحديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه البخاري (2567)، ومسلم (2972)، وحديث أنس رضي الله عنه، أخرجه البخاري (2069)، والترمذي (1215).
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (5/ 73).
(3)
زيادة عن هـ.
(4)
زيادة من هـ هكذا رسمها قريبًا مما أثبت، وسياق الكلام يقتضيه.
الرابع: مراقبة الله تعالى في الأموال أخذًا وعطاءً وصرفًا ومنعًا.
الخامس: البداءة بالإِنفاق على العيال والتوسعة عليهم، وما فضل يصرف في الأهم من المصالح العامة. وأما الإِنفاق على [النفس](1) فيجوز تقديمها بالنفقة المتوسطة على العيال وغيرهم، ثم يصرف ما بقي على العيال وما سلف. لكن الأفضل إن كان ممن يصبر ويحتسب أن يؤثر، وإلَاّ فلا وأما حال الاضطرار المفضي إلى الهلاك فيتعين تقديم النفس.
السادس: إعداد [اللأمة](2) وكذا ثباتهم ومن يشرع له الغزو [و](3) آلات الجهاد والاعتناء بتقديمها على غيرهما، وهو من القوة المأمور بإعدادها في الآية (4).
السابع: التصون والتحرز في الغزو ونحوه، ولا يكون ذلك قادحًا في التوكل خلافًا لبعض من حكى عنه أنه كان إذا خرج لا يعلق ماءه، ويرى أن إعلاقه ليس من التوكل (5).
(1) في الأصل (البعض)، وما أثبت من هـ.
(2)
في الأصل (الأئمة)، وفي ن هـ (الأدلة)، وما أثبت يقتضيه السياق -اللأمة- الدروع، كما قاله أهل اللغة، وإطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض.
(3)
زيادة من هـ.
(4)
آية سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} .
(5)
ورد أن سبب نزول قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ، ما أخرجه البخاري في حديث رقم (1523) وغيره، عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون نحن المتوكلون، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ، قال البيهقي في الشعب (3/ 398) نقلًا عن الإِمام أحمد "وفي هذا أن الله تعالى أمر زوار بيته بالتزود، فقال: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}، يعني الله تعالى أعلم، فإن خير الزاد ما عاد على صاحبه بالتقوى". اهـ. قال البيهقي في الشعب (3/ 398) نقلًا عن الحليمي، وهو ألَّا يتوكل على أزواد الناس فيؤذيهم ويضيق عليهم، ومن دخل البادية بلا زاد متوكلًا فإنما يرجوا أن يقيض الله له من يواسيه في زاده، وهذا عين ما أشارت الآية إلى المنع منه. اهـ محل المقصود، وقد أكثر علماء السلف في الإِنكار على من يفعل ذلك.
فقد قال الإِمام أحمد لرجل أراد الخررج إلى مكة من غير زاد، حينما قال له: يا أبا عبد الله أنا متوكل، قال: فتدخل البادية وحدك أو مع الناس؟ قال: لا، مع الناس، قال: كذبت، لست بمتوكل، فادخل وحدك، وإلَّا فأنت متوكل على جرب الناس". اهـ. من الحث على التجارة.
وجاء في شعب الإِيمان (3/ 472) عن سهل أنه قال: "من طعن في الاكتساب فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإِيمان".
وفيه أيضًا: (3/ 459) عن الجنيد (ليس التوكل الكسب، ولا ترك الكسب، التوكل: شيءٌ في القلب، وقال أيضًا: إنما هو سكون القلب إلى موعود الله عز وجل.
قال البيهقي رحمه الله: وعلى هذا ينبغي أن لا يكون تجريد هذا السكون عن الكسب شرطًا في صحة التوكل، بل يكتسب بظاهر الحلم معتمدًا بقلبه على الله تعالى، كما قال بعضهم: أكتسب ظاهرًا وأتوكل باطنًا، فهو مع كسبه لا يكون معتمدًا على كسبه، وإنما يكون اعتماده في كفاية أمره على الله عز وجل. اهـ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
= وقال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس)(282): "لو قال رجل للصوفية: من أين أطعم عيالي؟! لقالوا: قد أشركت، ولو سئل عمن يخرج إلى التجارة لقالوا: ليس بمتوكل ولا موقن".
وقال أيضًا نقلًا عن ابن عقيل رحمهم الله تعالى (279): يظن أقوام أن الاحتياط والتحرز ينافي التوكل، وأن التوكل هو إهمال العواقب واطراح التحفظ، وذلك عند العلماء هو العجز. والتفريط الذي يقتضي من العلماء التوبيخ والتهجين، ولم يأمر الله بالتوكل إلَّا بعد التحرز واستفراغ الوسع في التحفظ، فقال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} ، فلو كان التعلق بالاحتياط قادحًا في التوكل لما خص الله به نبيه، حين قال له:{وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ} ، وهل المشاورة إلَّا استفادة الرأي الذي منه يؤخذ التحفظ والتحرز من العدو". اهـ.
وقال الحافط ابن رجب -رحمنا الله وإياه- جامع العلوم (409)، "واعلم أن نحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه، بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به". اهـ. وكلام أهل العلم في هذا طويل ومرتبط بعقدة التوحيد، كما ذكر شيع الإِسلام ابن تيمية -رحمنا الله وإياه- في الفتاوى (1/ 131)(10/ 35).
الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإِعراض عن الأسباب قدح في الشرع. اهـ.