الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
414/ 5/ 79 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - اصطنع خاتمًا من ذهب، فكان يجعل فصَّهُ في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس كذلك، ثم إنه جلس [على المنبر] (1) فنزعه، فقال: إني كنت ألبسُ هذا الخاتم، وأجعل فصه من داخلٍ، فرمى به، ثم قال: والله لا ألبسُهُ أبدًا. فنبذ الناس خواتيمهم"(2).
وفي لفظ "جعله في يده اليمنى".
الكلام عليه من وجوه:
الأول: الأصل في "اصطنع""اصتنع" بالتاء أبدلت بها، لأنها من مخرجها.
الثاني: الخاتم فيه لغات، وقد سبقت في الحديث قبله.
الثالث: "الفَص" بفتح الفاء أفصح من كسرها.
(1) زيادة من متن إحكام الأحكام والبخاري.
(2)
البخاري (5865)، ومسلم (2091)، وأبو داود (4218)، والنسائي (8/ 165، 178)، والترمذي (1741)، وفي الشمائل له برقم (83، 89)، والبغوي (3133، 3134)، والحمدي (675)، وعبد الرزاق (19474)، وأحمد (2/ 146)، والحميدي (675)، والموطأ (936).
و"الكف" مؤنثة، وقيل: مذكر وهو غير معروف، سميت بذلك لأنها تكف عن البدن، أي: تدفع، وقيل: لأن بها تضم وتجمع.
الرابع: "نزعه" بفتح الزاي ومضارعه ينزع بكسرها.
و"نبذ" طرح، وقد روي عن ابن شهاب أن هذا الخاتم كان من الورق وهو وَهْمٌ، والمعروف من رواياته الأول (1).
(1) قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (10/ 319، 321) معلقًا على هذا الوهم:
قوله: "إنه رأى في يد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - خاتمًا من ورق يومًا واحدًا؛ وأن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق فلبسوها، فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح الناس خواتيمهم، هكذا روى الحديث الزهري عن أنس، واتفق الشيخان على تخريجه من طريقه ونسب فيه إلى الغلط لأن المعروف أن الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب اتخاذ الناس مثله إنما هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر، قال النووي تبعًا لعياض: قال جميع أهل الحديث هذا وهم من ابن شهاب لأن المطروح ما كان إلا خاتم الذهب، ومنهم من تأوله كما سيأتي. قلت: وحاصل الأجوبة ثلاثة:
أحدها: قاله الإِسماعيلي فإنه قال بعد أن ساقه، إن كان هذا الخبر محفوظًا فينبغي أن يكون تأويله أنه اتخذ خاتمًا من ورق على لون من الألوان وكره أن يتخذ غيره مثله، فلما اتخذوه رمى به حتى رموا به ثم اتخذ بعد ذلك ما اتخذه ونقش عليه ما نقش ليختم به.
ثانيها: أشار إليه الإِسماعيلي أيضًا أنه اتخذه زينة فلما تبعه الناس فيه رمى به، فلما احتاج إلى الختم اتخذه ليختم به، وبهذا جزم المحب الطبري بعد أن حكى قول المهلب، وذكر أنه متكلف، قال: والظاهر من حالهم أنهم اتخذوها للزينة فطرح خاتمه ليطرحوا، ثم لبسه بعد ذلك للحاجة إلى =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الختم به واستمر ذلك، وسيأتي جواب البيهقي عن ذلك في "باب اتخاذ الخاتم".
ثالثها: قال ابن بطال: خالف ابن شهاب رواية قتادة وثابت وعبد العزيز بن صهيب في كون الخاتم الفضة استقر في يد النبي - صلي الله عليه وسلم - يختم به الخلفاء بعده، فوجب الحكم للجماعة، وإن وهم الزهري فيه، لكن قال المهلب: قد يمكن أن يتأول لابن شهاب ما ينفي عنه الوهم وإن كان الوهم أظهر، وذلك أنه يحتمل أن يكون لما عزم على إطراح خاتم الذهب اصطنع خاتم الفضة بدليل أنه كان لا يستغني عن الختم على الكتب إلى الملوك وغيرهم من أمراء السرايا والعمال، فلما لبس خاتم الفضة أراد الناس أن يصطنعوا مثله فطرح عند ذلك خاتم الذهب فطرح الناس خواتيم الذهب، قلت: ولا يخفى وهي هذا الجواب، والذي قاله الإِسماعيلي أقرب مع أنه يخدش فيه أنه يستلزم اتخاذ خاتم الورق مرتين. وقد نقل عياض نحوًا من قول ابن بطال قائلًا: قال بعضهم: يمكن الجمع بأنه لما عزم على تحريم خاتم الذهب اتَّخذ خاتم فضة فلما لبسه أراه الناس في ذلك اليوم ليعلموا إباحته ثم طرح خاتم الذهب وأعلمهم تحريمه فطرح الناس خواتيمهم من الذهب، فيكون قوله:"فطرح خاتمه وطرحوا خواتيمهم" أي التي من الذهب. وحاصله أنه جعل الموصوف في قوله: "فطرح خاتمه فطرحوا خواتيمهم"، خاتم الذهب وإن لم يجرِ له ذكر. قال عياض: وهذا يسوغ أن لو جاءت الرواية مجملة. ثم أشار إلى أن رواية ابن شهاب لا تحتمل هذا التأويل، فأما النووي فارتضى هذا التأويل وقال: هذا هو التأويل الصحيح، وليس في الحديث ما يمنعه. قال: وأما قوله: "فصنع الناس الخواتيم من الورق فلبسوها"، ثم قال:"فطرح خاتمه فطرحوا خواتيمهم"، فيحتمل أنهم لما علموا أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يصطنع لنفسه خاتم فضة اصطنعوا لأنفسهم خواتيم الفضة وبقيت معهم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= خواتيم الذهب كما بقي معه خاتمه إلى أن استبدل خاتم الفضة وطرح خاتم الذهب فاستبدلوا وطرحوا. اهـ. وأيَّده الكرماني بأنه ليس في الحديث أن الخاتم المطروح كان من ورق بل هو مطلق، فيحمل على خاتم الذهب أو على ما نقش عليه نقش خاتمه، قال: ومهما أمكن الجمع لا يجوز توهيم الراوي. قلت: ويحتمل وجهًا.
رابعها: ليس فيه تغيير ولا زيادة اتخاذ وهو أنه اتخذ خاتم الذهب للزينة فلما تتابع الناس فيه وافق وقوع تحريمه فطرحه، ولذلك قال:"لا ألبسه أبدًا"، وطرح الناس خواتيمهم تبعًا له، وصرَّح بالنهي عن لبس خاتم الذهب كما تقدم في الباب قبله، ثم احتاج إلى الخاتم لأجل الختم به فاتخذه من فضة ونقش فيه اسمه الكريم فتبعه الناس أيضًا في ذلك فرمى به حتى رمى الناس تلك الخواتيم المنقوشة على اسمه لئلا تفوت مصلحة نقش اسمه بوقوع الاشتراك، فلما عدمت خواتيمهم برميها رجع إلى خاتمه الخاص به فضار يختم به، ويشير إلى ذلك قوله في رواية عد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي قريبًا في باب الخاتم في الخنصر "إنا اتخذنا خاتمًا ونقشنا فيه نقشًا فلا ينقش عليه أحد"، فلعل بعض من لم يبلغه النهي أو بعض من بلغه ممن لم يرسخ في قلبه الإِيمان من منافق ونحوه اتخذوا ونقشوا فوقع ما وقع ويكون طرحه له غضبًا ممن تشبه به في ذلك النقش، وقد أشار إلى ذلك الكرماني مختصرًا جدًا، والله أعلم. وقول الزهري في روايته إنه رآه في يده يومًا لا ينافي ذلك، ولا يعارضه قوله في الباب الذي بعده في رواية حمد "سئل إن هل اتخذ النبي - صلي الله عليه وسلم - خاتمًا؟ قال: أخر ليلة صلاة العشاء -إلى أن قال- فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه"، فإنه يحمل على أنه رآه كذلك في تلك الليلة واستمرَّ في يده بقية يومها ثم طرحه في آخر ذلك اليوم، والله أعلم. وأما ما أخرجه النسائي من طريق المغيرة بن زياد عن نافع عن ابن عمر: "اتخذ النبي -صلي الله عليه وسلم - خاتمًا =
الخامس: إنما جعل فصه فيما يلي كفه، لأنه أسلم له، وأصون، وأبعد من الزهو والإِعجاب.
السادس: الحديث دال على منع لباس خاتم الذهب، وأن لبسه كان أولًا، وتجنبه كان آخرًا. وعلى إطلاق [لفظ](1)"اللبس" على التختم.
وقد قام الإِجماع على إباحة خاتم الذهب للنساء، وعلى تحريمه للرجال، إلَّا ما روي عن أبي بكر بن محمَّد بن محمَّد بن عمرو بن حزم أنه أباحه للرجال، وعن بعضهم أنه مكروه لا حرام. وهذا باطل منهما، وهي محجوجان بالنصوص والإِجماع (2).
= من ذهب فلبسه ثلاثة أيام" فيجمع بينه وبين حديث أنس بأحد أمرين: إن قلنا إن قول الزهري في حديث أنس: "خاتم من ورق" سهو وإن الصواب خاتم من ذهب، فقوله يومًا واحدًا ظرف لرؤية أنس لا لمدة اللبس، وقول ابن عمر ثلاثة أيام، ظرف لمدة اللبس. وإن قلنا أن لا وهم فيها وجمعنا بما تقدم فمدة لبس خاتم الذهب ثلاثة أيام كما في حديث ابن عمر هذا، ومدة لبس خاتم الورق الأول كانت يومًا واحدًا كما في حديث أيضًا ثم لما رمى الناس الخواتيم التي نقشوها على نقشه، ثم عاد فلبس خاتم الفضة واستمر إلى أن مات.
(1)
في ن هـ (لبس)، وما أثبت من ن هـ.
(2)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (10/ 317):
قال عياض: وما نقل عن أبي بكر بن حمد بن عمرو بن حزم من تختمه بالذهب فشذوذ، والأشبه أنه لم تبلغه السنَّة فيه فالناس بعده مجمعون على خلافه، وكذا ما روى فيه عن خباب، وقد قال له ابن مسعود:"أما آن لهذا الخاتم أن يلقى؟ فقال: إنك لن تراه عليَّ بعد اليوم" فكأنه ما كان =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بلغه النهي، فلما بلغه رجع. قال: وقد ذهب بعضهم إلى أن لبس للرجال مكروه وكراهة تنزيه لا تحريم كما قال مثل ذلك في الحرير، قال ابن دقيق العيد: هذا يقتضي إثبات الخلاف في التحريم، وهو يناقض القول بالإِجماع على التحريم، ولا بدَّ من اعتبار وصف كونه خاتمًا.
قلت: التوفيق بين الكلامين ممكن بأن يكون القائل بكراهة التنزيه انقرض واستقر الإِجماع بعده على التحريم، وقد جاء عن جماعة من الصحابة لبس خاتم الذهب، من ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق محمَّد بن أبي إسماعيل أنه رأى ذلك على سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عُبيد الله وصهيب وذكر ستة أو سبعة، وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا عن حذيفة وعن جابر بن سمرة وعن عبد الله بن يزيد الخطمي نحوه، ومن طريق حمزة بن أبي أسيد "نزعنا من يدي أبي أسيد خاتمًا من ذهب" وأغرب ما ورد من ذلك ما جاء عن البراء الذي روى النهي، فأخرج ابن أبي شيبة: بسند صحيح عن أبي السفر قال: "رأيت على البراء خاتمًا من ذهب" وعن شيبة عن أبي إسحاق نحوه. أخرجه البغوي في"الجعديات"، وأخرج أحمد من طريق محمَّد بن مالك قال:"رأيت على البراء خاتمًا من ذهب فقال: قسم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قسمًا فألبسنيه فقال: إلبس ما كساك الله ورسوله، قال الحازمي: إسناده ليس بذاك، ولو صح فهو منسوخ. قلت: لو ثبت النسخ عند البراء ما لبسه بعد النبي - صلي الله عليه وسلم -، وقد روى حديث النهي المتفق على صحته عنه، فالجمع بين روايته وفعله إما بأن يكون حمله على التنزيه أو فهم الخصوصية له من قوله: إلبس ما كساك الله ورسوله، وهذا أولى من قول الحازمي: لعلَّ البراء لم يبلغه النهي. ويؤيد الاحتمال الثاني أنه وقع في رواية أحمد: "كان الناس يقولون للبراء لم تتختم بالذهب، وقد نهى عنه رسول الله - صلي الله عليه وسلم -؟ فيذكر لهم هذا الحديث ثم يقول: =
وخالف في التختم بالفضة، بعض أهل الشام، فكرهه لغير ذي سلطان (1)، وروى فيه أثرًا وهو
= كيف تأمرونني أن أضع ما قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: إلبس ما كساك الله ورسوله"، ومن أدلة النهي أيضًا ما رواه يونس عن الزهري عن أبي أدريس عن رجل له صحبه قال: "جلس رجل إلى رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وفي يده خاتم من ذهب فقرع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يده بقضيب فقال: ألقِ هذا، وعموم الأحاديث المقدم ذكرها في "باب لبس الحرير"، حيث قال في الذهب والحرير:"هذان حرامان على رجال أمتي حل لإِناثها" وحديث عبد الله بن عمرو رفعه: "من مات من أمتي وهو يلبس الذهب حرَّم الله عليه ذهب الجنَّة". اهـ.
(1)
قال ابن حجر -رحمنا إلَّا وإياه- في الفتح (10/ 325):
وقد قال الطحاوي بعد أن أخرج الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي ريحانة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الخاتم إلَّا لذي سلطان" ذهب قوم إلى كراهة لبس الخاتم إلَّا لذي سلطان، وخالفهم آخرون فأباحوه، ومن حجتهم حديث أنس المتقدم:"إنَّ النبي - صلي الله عليه وسلم - لما ألقى خاتمه ألقى الناس خواتيمهم"، فإنه يدل على أنه كان يلبس الخاتم في العهد النبوي من ليس ذا سلطان، فإن قيل هو منسوخ قلنا الذي نسخ منه لبس خاتم الذهب، قلت: أو لبس خاتم المنقوش عليه نقش خاتم النبي - صلي الله عليه وسلم - كما تقدَّم تقريره. ثم أورد عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يلبسون الخواتم ممن ليس له سلطان انتهى. ولم يجب عن حديث أبي ريحانة. والذي يظهر أنه لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى، لأنه ضرب من التزيُّن، واللائق بالرجال خلافه، وتكون الأدلة الدالة على الجواز هي الصارفة للنهي عن التحريم، ويؤيده أن في بعض طرف نهي عن الزينة والخاتم الحديث، ويمكن أن يكون المراد بالسلطان =
شاذ (1).
وخالف الخطابي في التختم للنساء بالفضة. وقال: يكره
= من له سلطنة على شيء ما يحتاج إلى الختم عليه لا السطان الأكبر، خاصة والمراد بالخاتم ما يختم به فيكون لبسه عبثًا. وأما من لبس الخاتم الذي لا يختم به وكان من الفضة للزينة فلا يدخل في النهي، وعلى ذلك يحمل حال من لبسه، ويؤيده ما ورد من صفة نقش خواتم بعض من كان يلبس الخواتم مما يدل على أنها لم تكن بصفة ما يختم به، وقد سئل مالك عن حديث أبي ريحانة فضحفه وقال سأل صدقة بن يسار سعيد بن المسيب فقال: البس الخاتم، وأخبر الناس أبي قد أفتيتك، والله أعلم]. اهـ.
تكملة: جزم أبو الفتح اليعمري أن اتخاذ الخاتم كان في السنة السابعة، وجزم غيره بأنه كان في السادسة ويجمع بأنه كان في أواخر السادسة وأوائل السابعة لأنه إنما اتخذه عند أرادته مكاتبة الملوك كما تقدم، وكان إرساله إلى الملرك في مدة الهدنة، وكان في ذي القعدة سنة ست، ورجع إلى المدينة في ذي الحجة، ووجه الرسل في المحرم من السابعة وكان اتخاذه الخاتم قبل إرساله الرسل إلى الملوك، والله أعلم.
(1)
لفظه من حديث أبي ريحانة رضي الله عنه سمع النبي - صلي الله عليه وسلم - "أنه نهى عن عشر: عن الوشر، والوسم، والنتف، وعن مكامعة الرجل الرجل، وعن مكامعة المرأة المراة بغير شعار، وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرًا مثل الأعاجم، أو يجعل على منكبيه حريرًا مثل الأعاجم، وعن النهبي، وركوب النمور، ولبوس الخاتم إلَّا لذي سلطان"، قال أبو داود: الذي تفرد به من هذا ذكر الخاتم. أخرجه أبو داود (5049)، والنسائي (5094، 5113)، وأحمد، وهذا لفظ أبو داود وضعفه ابن عبد البر في الاستذكار (26/ 358).
لها إن وجدت الذهب، فإن لم تجده فلتصفره بزعفران وشبهه لما فيه من تشبه النساء بالرجال، وهو حرام، وهو باطل، لا أصل له.
السابع: واستحباب جعل فص الخاتم في باطن الكف للاتباع، وقد عمل السلف به وبالظاهر أيضًا، ومنهم ابن عباس (1)، لكن الباطن أفضل للاتباع.
الثامن: الحلف من غير إستحلاف عند إرادة تقرير الأحكام وتأكيدها.
التاسع: استدل بهذا الحديث الأصوليون على مسألة التأسي بأفعاله عليه الصلاة والسلام، فإن الناس نبذوا خواتيمهم، لما رأوه نبذ خاتمه، قال الشيخ تقي الدين (2): وهذا لا يقوى عندي في جميع الصور التي تمكن في هذه المسألة، فإن الأفعال التي تطلب التأسي فيها على قسمين:
أحدهما: ما كان الأصل أن يمتنع لولا التأسي لقيام المانع منه، فهذا يقوي الاستدلال به في محله.
(1) من رواية محمَّد بن إسحاق، قال: رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتمًا في خنصره اليمنى، فقلت: ما هذا؟ قال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا، وجعل فصه على ظهرها، قال؟ ولا يخال ابن عباس إلَّا قد كان يذكر أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - كان يلبس خاتمه كذلك". أخرجه أبو داود (4229).
(2)
إحكام الأحكام (4/ 497).
والثاني: ما [لا](1)[يمنع](2) فعله، لولا التأسي، كما نحن فيه، فإن أقصى ما في الباب أن يكون لبسه حرام على الشارع، دون الأمة، ولا يمتنع حينئذٍ، أن يطرحه من أُبيح له لبسه، فمن أرإد أن يستدل بمثل هذا على التأسي فيما الأصل منعه -لولا التأسي- فلم يفعل جيدًا، [(3)]، لما ذكرته من الفرق الواقع.
[العاشر](4): التختم في اليد اليمنى ولا يقال: إنه منسوخ لكونه رمى به؛ لأن الرمي نسخ بجواز لبسه لكونه ذهبًا، لا لكون التختم في اليمين بغير الذهب لا يسوغ، فالمنسوخ الحكم، لا وصف الحكم، وقد ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام تختم في اليمين (5) واليسار (6) في الخنصر، ونهى عن التختم في
(1) زيادة من ن هـ وإحكام الأحكام.
(2)
في ن هـ (يمتنع)، وما أثبت من الأصل وإحكام الأحكام.
(3)
في الأصل (العاشر)، وما أثبت من ن هـ. وما أثبت يوافق إحكام الأحكام.
(4)
في الأصل (الحادي عشر) ، وما أثبت من ن هـ إلى آخر الأوجه.
(5)
من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن أن النبي - صلي الله عليه وسلم - "كان يتختم في يمينة".
أخرجه أبو داود (4226)، والترمذي في الشمائل (90)، والترمذي (1742)، قال محمد بن إسماعيل: حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد الله بن نوفل: حديث حسن [وفي نسخة] حسن صحيح. اهـ النسائي (5206).
(6)
من رواية أن بن مالك رضي الله عنه قال: "كان خاتم النبي - صلي الله عليه وسلم - في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى" مسلم (2095)، والترمذي (1743).
الوسطى والتي تليها يعني السبابة، كما جاء في رواية أخرى (1).
وأجمع المسلمون: على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر [وأما المرأة فإنها تتخذ خواتيم في أصابع.
والحكمة في كونه في الخنصر:] (2) أنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد كونه طرفًا، ولكونه لا يشغل اليد على تناوله من اشتغالها بخلاف غير الخنصر، ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها كراهة تنزيه للنهي السالف ولا يبعد القول بالتحريم إذا جرت عادة النساء بذلك، وقد حكى الخوارزمي (3) من الشافعية في "كافيه" وجهين في تحريم ذلك، حكاهما فيما إذا لبسه في غير المختصر، وقال القرطبي (4) في "شرحه" لو تختم في البنصر لم يكن ممنوعًا،
(1) من حديث علي رضي الله عنه قال: "ونهاني أن أضع الخاتم في هذه أو في هذه للسبابة والوسطى" شك عاصم، لفظ أبو داود والبخاري معلقًا في باب لبس القسي. الفتح (10/ 292)، والتغليق (5/ 62)، ومسلم (2078)، والنسائي (5378)، والترمذي (7187)، وابن ماجه (3648)، يعني: الخنصر والإِبهام، ولعله وهم لأن رواية مسلم لم تنص على الخنصر.
(2)
زيادة من ن هـ وشرح مسلم (14/ 71).
(3)
هو محمود بن محمَّد بن العباس بن رسلان الخوارزمي أبو محمَّد ولد بخوارزم في رمضان سنة اثنتين وتسعين -بتقديم التاء- وأربعمائة، من مؤلفاته الكافي، تاريخ خوارزم، توفي في رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة ترجمته في طبقات ابن شهبة (2/ 19)، وهدية العارفين (2/ 403)، وطبقات السبكي (7/ 289).
(4)
المفهم (5/ 414).
قال: المنهي عنه الوسطى والسبابة وهذه ظاهرية منه. وجاء فيهما حديثان صحيحان. قال البخاري (1): والأصح في اليمين، وهو الأصح عند الشافعية أيضًا، لأنه زينة واليمين أشرف وأحق بالزينة والإِكرام وتختم كثيرون من السلف فيه وكثيرون في اليسار، واستحبه مالك، وكره اليمين صيانةً له، وادعى البغوي في "شرحه"(2) أنه كان آخر الأمرين من رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، ولا ينبغي أن يحمل ذلك على النسخ، وإنما هو أمر اتفاقي ويعارض هذا ما روي عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يتختم في يمينه وقُبِضَ والخاتم في يمينه، وذكر الزمخشري (3) في "ربيع الأبرار"(4) أنه عليه الصلاة والسلام كان يتختم في يمينه والخلفاء بعده، فنقله معاوية إلى اليسار، فأخذ المروانية بذلك، ثم نقله السفاح إلى اليمين فبقي إلى أيام الرشيد فنقله إلى اليسار، فأخذ الناس بذلك.
(1) ذكره الترمذي في جامعه (1174)، كتاب اللباس، باب: ما جاء في لبس الخاتم في اليمين.
(2)
شرح السنة (12/ 58).
(3)
هو الإِمام أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي الملقب بجار الله، وُلد سنة سبع وستين وأربعمائة المتوفي سنة ثمان وثلاثون وخمسائة "بجرجانية" ليلة عرفة، له مصنفات منها: أساس البلاغة، الكشاف، ربيع الأبرار.
ترجمته في: إنباء الرواة على أنباء النحاة للقفطي (3/ 265، 272)، والعقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (7/ 137، 150).
(4)
ربيع الأبرار ونصوص الأخبار (4/ 24).