الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع عشر
428/ 14/ 80 - " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أجرى النبي - صلي الله عليه وسلم - ما ضمر من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق"(1).
قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى.
قال سفيان: "من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل".
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: هذا الحديث ساقه البخاري كذلك في الجهاد (2)، وترجم عليه السبق بين الخيل، ثم ساقه بنحوه، وترجم عليه إضمار
(1) البخاري أطرافه (420)، ومسلم (1087)، والترمذي (1699)، وأبو داود (2575)، والنسائي (6/ 225)، وفي الكبرى (4424، 4425)، والدارمي (2/ 212)، وابن ماجه (2877)، والحميدي (2/ 301)، وأحمد (2/ 5، 11، 55)، ومالك (2/ 372)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 19)، وابن أبي شيبة (7/ 715)، وعبد الرزاق (5/ 304)، ومالك (2/ 467).
(2)
الفتح (6/ 71) ح (2868).
الخيل (1) للسبق، ثم ساقه بنحوه، وترجم عليه غاية السبق للخيل (2) المضمرة. وفيه قال موسى بن عقبة (3): أحد رواته من "الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة، ومنها إلى مسجد بني زريق ميل ونحوه".
ورواه مسلم: بنحوه ولم يذكر قول سفيان ولا موسى، وفي رواية له قال عبد الله:"فجئت سابقًا فطفف بي الفرس المسجد".
ثانيها: "سفيان" هذا هو ابن عيينة بن ميمون العلَاّمة الحافظ شيخ الإِسلام ومحدث الحرم، وترجمته موضحة فيما أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب، فليراجع منه، وترجمة الصعبي في رجال هذا الكتاب لسفيان هذا، ولسفيان الثوري، فكأنه توقف في المراد، وليس كما توهم، فإنه ابن عيينة لا الثوري، كما قررناه، فتنبه لذلك.
ثالثها: في ألفاظه:
معنى "أجرى" سابق كما جاء مبينًا في الصحيح أيضًا، وجاري في العلم ناظر.
(1) الفتح (6/ 71) ح (2869).
(2)
الفتح (6/ 71) ح (2870).
(3)
لفظه في الفتح (6/ 71) فقلت لموسى: فكم كان بين ذلك؟ قال: ستة أمال أو سبعة، وسابق بين الخليل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها مسجد بني زريق، قلت: فكم بين ذلك؟ قال: ميل أو نحوه، وكان ابن عمر ممن سابق.
و "تضمير الفرس" أن يقلل علفها، وتدخل بيتًا كنينًا، وتجلل فيه، لتعرق، ويجف عرقه، فيجف لحمها، وتقوى على الجري، قاله النووي في "شرحه"(1).
وعبارة الشيخ تقي الدين (2): نحوها فإنه قال: الإِضمار ضد التسمين، وهو تدريج لها في أقواتها إلى أن يحصل لها الضمر.
ونقل الفاكهي عن أهل اللغة أن التضحير أن تعلف حتى تسمن، ثم ترده إلى القوت، أي: فلا يعلف غيره، وذلك في أربعين يومًا، وهذه المدة تسمى "المضمار"، والموضع الذي تضمر فيه يسمى أيضًا "مضمارًا" وهو بيت لين تجلل فيه لتعرق ويجف عرقها، فيجف لحمها، ويقوى على الجري.
وذكر بعضهم (3) أنها تعلف الحب والقضيم حتى تسمن إلى آخره.
ومن العرب من يطعمها اللحم واللبن في أيام التضمير.
وعبارة بعضهم (4): أن التضمير أن تشد عليها سروجها، وتجلل بالأجلة حتى تعرق عنها، فيذهب رحلها، ويشتد لحمها.
ويقال: ضَمَّر بالتشديد، وأضمر بالهمز والتخفيف، [والضُّمْرُ] (5) بسكون الميم وضمها: خفة اللحم والهزال. وقد ضَمَرَ
(1) شرح مسلم (14/ 13).
(2)
إحكام الأحكام (4/ 530).
(3)
معالم السنن (3/ 398).
(4)
النهاية (3/ 99)، ذكره في النظم المستعذب (2/ 50).
(5)
في الأصل مكررة وهـ (المضمر).
الفرس بفتح الميم يَضْمرُ ضُمُورًا وضُمْر بالضم لغةً فيه، ويقال ضمرت الفرس وأضمرتها.
رابعها: في تبين أسماء الأماكن الواقعة فيه.
فأما "الحَفْيَاءُ" فبفتح الحاء المهملة وسكون الفاء تمد وتقصر والأشهر المد والحاء مفتوحة بلا خلاف وأخطأ من ضمها، كما نبَّه عليه صاحب "المطالع"، ويقال أيضًا:"بحيفاء"(1) بتقديم الياء عن الفاء، كما حكاه الحازمي (2)، والمشهور في كتب الحديث وغيرها تأخيرها عنها.
و"الثنية" بنشديد الياء الطريق في الجبل.
و"الوداع" بفتح الواو سميت بذلك لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة، يودعهم مشيعوهم بها.
وقيل: لأنه عليه الصلاة والسلام ودع بها بعض من خلفه على المدينة في أحد خرجاته.
(1) ذكرها رواية كما في المغانم المطابة في معالم طابة، للفيروزآبادي (117)، وأيضًا في المؤتلف والمختلف في أسماء البلدان.
انظر: معجم البلدان (2/ 276).
(2)
هو محمَّد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان الحازمي الهمداني، وُلد سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمسمائة، له مولفات منها الناسخ والمنسوخ، عجالة المبتدي وفضالة المنتهي في الأنساب، توفي في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمسمائة عن خمس وثلاثين سنة، ترجمته شذرات الذهب (4/ 282)، وطبقات ابن شهبة (2/ 46).
وقيل: بعض سراياه المبعوثة، والأول أصح، فإنه إسم قديم جاهلي لهذه الثنية، وقد قال نساء الأنصار حين قدم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - المدينة:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
…
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع (1)
وقول سفيان: إن بين الحفياء والثنية ستة أميال أو خمسة هو قول الأكثر، خلافا لقول موسى بن عقبة السالف.
و"زريق" بزاي مضمومة ثم راء مهملة بطن من الأنصار من الخزرج، ينسب إليه جماعة من الصحابة وغيرهم.
و"الميل"(2) حيث أطلق المراد به في المسافة ألف باع.
والباع: أربعة أذرع.
والذراع: أربعة وعشرون أصبعًا.
والأصبع: ست شعيرات بطن حبة إلى ظهر أخرى.
(1) أخرجها البيهقي في دلائل النبوة (2/ 506)، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- الفتح (8/ 129)، وقد روينا بسندٍ منقطع في الحلبيات قول النسوة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع". اهـ.
البيهقي في دلائل النبوة (2/ 506) ضعفه العراقي في تخريج إحياء علوم الدين (1997). قال: رواه البيهقي في الدلائل من حديث ابن عائشة معضلًا وليس فيه ذكر الدف والألحان. اهـ.
(2)
الميل (1848) م.
والشعير: ست شعيرات من شعر البغل أو ما قام مقامه. وقال ابن عبد البر (1): أصح ما قيل في الميل: أنه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع.
خامسهاة في فوائده:
الأول: جواز المسابقة بين الخيل.
الثاني: تضميرها وهو إجماع أيضًا وكذا فيما قبله، لكن اختلف العلماء في المسابقة بينهما هل هو سنة أو مباح، ومذهب الشافعية الأول.
الثالث: جواز تجويع البهائم على وجه الصلاح عند الحاجة إلى ذلك، وليس هو من باب تعذيبها، بل من باب تدريبها [للحرب](2) وإعدادها لحاجتها والكر والفر.
الرابع: بيان الغاية التي يتسابق إليها ومقدار أمدها.
الخامس: إطلاق الفعل على الآمر به والمسوغ له، وليس في الحديث دلالة على العوض فيها، ولا على جوازها على غير الخيل، ولا على غير ذلك من الشروط التي اشترطها الفقهاء في عقد المسابقة، فلا حاجة إلى الخوض فيها، فإنه تعرض لها بعض الشراح، وقد قام الإِجماع على جواز المسابقة بغير عوض بين جميع أنواع الخيل، سواء أكان معها ثالث أم لا فأما [المسابقة بعوض](3)
(1) الاستذكار (1/ 237).
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
ما أضيف من شرح مسلم للنووي (13/ 14).
فجائزة بالإِجماع، لكن يشترط أن يكون العوض من غير المتسابقين أو منهما، ويكون معهما محلل، وهو ثالث على فرس مكافىء لفرسيهما، ولا يخرج المحلل من عنده شيئًا، فيخرج هذا العقد عن صورة القمار، ومحل الخوض في ذلك كتب الفروع، وقد بسطناها فيها، ولله الحمد.
السادسة: جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها، وليس في ذلك تزكية لهم، وليس إضافة المسجد إلى بني رزيق إضافة تمليك، وإنما
هي إضافة تمييز، وقد ترجم البخاري (1) على هذه المسألة فقال: باب جواز قول مسجد بن فلان، وروي عن إبراهيم النخعي (2) أنه كان يكره أن يقال مسجد بني فلان، ولا يرى بأسًا أن يقال مصلى بني فلان.
…
(1) البخاري الفتح (1/ 515)، ح (420).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة (2/ 438).