المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 395/ 3/ 75 - عن أسماء بنت أبي بكر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ١٠

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌74 - باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌75 - باب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث [الثامن]

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌76 - باب الصيد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌77 - باب الأضاحي

- ‌78 - باب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌79 - باب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌80 - باب الجهاد

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌كتاب العتق

- ‌81 - باب العتق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 395/ 3/ 75 - عن أسماء بنت أبي بكر

‌الحديث الثالث

395/ 3/ 75 - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: " [نحرنا فرسًا على عهد رسول الله - صلي الله عليه وسلم -] (1) فأكلناه".

وفي رواية: "ونحن بالمدينة"(2).

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: هذه الرواية: "ونحن بالمدينة"، وهي للبخاري وفي رواية له:"ذبحنا" بدل "نحرنا"، وفي أخرى:"نحرنا" لمسلم، وفي رواية لأحمد:"فأكلناه نحن وأهل بيته".

ثانيها: في التعريف براويه هي أسماء بنت الصديق شقيقة عبد الله أمهما أم العزى قيلة ويقال. قتيلة بنت عبد العزى. وهي زوج

(1) في متن إحكام الأحكام (نحرنا على عهد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فرسًا).

(2)

البخاري (5510)، ومسلم (1942)، والنسائي في الكبرى (4495، 4509، 6644)، والترمذي (1793)، وابن ماجه (3190)، والدارقطني (4/ 290)، وأحمد (6/ 345، 345، 353)، المنتقى (331/ 886)، والدارمي (2/ 87)، والبيهقي (9/ 549)، والبغوي (11/ 255)، وعبد الرزاق (4/ 526) ، ابن أبي شيبة (5/ 539).

ص: 80

الزُّبير بن العوام وأخت عائشة [لأبيها](1) وهي أسن من عائشة واختلف في إسلام أمها وأكثر الروايات على أن ماتت مشركة. أسلمت أسماء قديمًا بمكة. وقيل: كان إسلامها بعد سبعة عشر إنسانًا وهاجرت إلى المدينة، وهي حامل بعبد الله بن الزبير، فوضعته

بقباء، وولدت له غيره أيضًا. وكانت تسمى "ذات النطاقين" لأنها زودت رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وأباها حين أرادا الغار، فلم تجد ما توكي به السفرة، فقطعت نطاقها. وقيل: ذوائيها وربطتها به، فسماها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بذلك. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال لها:"أبدلك الله بنطاقك هذا بنطاقين في الجنة". روي لها عن النبي - صلي الله عليه وسلم - ستة وخمسون حديثًا، اتفقا منها على أربعة عشر وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بمثلها. وقال ابن الجوزي: اتفقا منها على ثلاثة عشر، وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بأربعة. ماتت بمكة بعد ابنها عبد الله بيسير، اختلف في مقداره في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وبلغت من العمر مائة سنة لم يسقط لها سن، ولم ينكر من عقلها شيء، وكان قد ذهب بصرها، وفي "العلم المشهور" لابن دحية أنه لم يفسد لها بصر، ولعل المراد منه أنه لم يفسد لها بصيرة، وهي آخر المهاجرات، وفاة، وترجمتها مبسوطة فيما أفردناه [من الكلام على الأسماء الواقعة في](2) هذا الكتاب فسارع إليه. ومن مناقبها الجليلة أنها وابنها وأباها وجدها أربعة صحابيون ولا يعرف هذا لغيرهم إلَّا لمحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن قحافة.

(1) في الأصل ون هـ (لأنها)، وما أثبت هو الصحيح.

(2)

في ن هـ (في أسماء رجال).

ص: 81

ثالثها: في ألفاظه، قولها:"نحرنا فرسًا"، وفي إحدى روايتي البخاري "ذبحنا" كما أسلفناه اختلف في الجمع بينهما، فمنهم من جعلها واقعتين مرة "نحرت"، ومرة "ذبحت" وهذا هو الصحيح المرجح عندهم، لأن حملها على الحقيقة فيها مع جواز نحر المذبوح وذبح المنحور، وهو مجمع عليه، وإن كان فاعله مخالفًا للأفضل، كما نقله النووي في "شرح مسلم"(1) وإن شوحح في نقل الإِجماع في ذلك. ومنهم من حمل النحر على [الذبح](2) جمعًا بين الحقيقة والمجاز.

"والفرس" يطلق على الذكر والأنثى. وقولها: "ونحن بالمدينة" ذكرته لتعرف أنه آخر الأمر، لا في أوله لئلا يتوهم نسخه.

رابعها: في فقهه، وهو أكل لحم الخيل، وفيه ثلاثة مذاهب:

أحدها: جوازه من غير كراهة، وهو مذهب الشافعي وأحمد، وجمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين وجماهير الفقهاء والمحدثين، منهم عبد الله بن الزبير وأنس بن مالك وفضالة بن عبيد وأسماء بنت أبي بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريح وسعيد بن جُبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وإسحاق وأبي يوسف ومحمد وداود وغيرهم.

المذهب الثاني: حله مع الكراهة، وهو قول ابن عباس والحكم وبعض أصحاب أبي حنيفة.

(1) شرح مسلم (13/ 96).

(2)

في هـ (المذهب) وهي خطأ.

ص: 82

[المذهب](1) الثالث: أنه حرام، وهو الصحيح عند أصحابه كما نقله عنهم الشيخ تقي الدين (2)، وعنه يأثم ولا يسمى حرامًا، وعليها اقتصر النووي في "شرحه"(3) في حكايتها عنه، وعند المالكية ثلاثة أقوال فيها: الكراهة، والتحريم، والإِباحة، قال الفاكهي:

والظاهر منها وأظنه المشهور الكراهة.

والصحيح عند المحققين: [التحريم](4) واقتصر النووي في "شرحه"، والقرطبي (5) في النقل عن مالك على الكراهة فقط، ولم يحك القرطبي التحريم إلَّا عن طائفة شذت، منهم الحكم بن عتيبة، ثم قال: وفيه بُعْدٌ، لأن الآية لا تدل عليه والأحاديث تخالفه.

واعتذر بعضهم: عن هذا الحديث بأن قال فعل الصحابة في زمنه عليه الصلاة والسلام لا يكون حجة إلَّا إذا علمه، وهذا مشكوك فيه، مع أنه معارض بحديث صالح بن يحيى بن المقدام، عن أبيه، عن جده المقدام بن معدي كرب، عن خالد بن الوليد أنه عليه الصلاة والسلام:"نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع"، وفي بعض رواياتهم:"إن ذلك يوم خيبر"(6)، رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

في إحكام الأحكام (4/ 455).

(3)

شرح مسلم (13/ 95).

(4)

في ن هـ ساقطة.

(5)

المفهم (5/ 228).

(6)

أبو داود (3068)، والنسائي (4331)، وابن ماجه (3198)، والبيهقي =

ص: 83

والجواب عن هذا الاعتذار: أنه يبعد فعل مل هذا في زمنه عليه الصلاة والسلام وهو ممنوع، ولم يعلم به إمَّا بإخبار الصحابة وإما بوحي مع أنهم توقفوا في أكل أشياء دون هذا هي حلال شرعًا حتى سألوه عنها، وأذن لهم فيها، وقد نزل الوحي في أشياء دون هذا بالمنع. والإِذن، بل حديث جابر الآتي بعد هذا يصرح بالإِذن في أكلها، وأنها أُكلت يوم خيبر. وحديث خالد المذكور في نهيه عن أكلها ضعيف منكر باتفاقهم، وبنقدير صحته يكون منسوخًا، قال الإِمام أحمد: هذا حديث منكر. وقال أبو داود في "سننه"(1): [إنه](2) منسوخ، قد [أكله](3) جماعة من [الصحابة (4)](5) بن الزبير، وفضالة بن عبيد، وأنس، وأسماء ابنة أبي بكر، وسويد بن غفلة،

وعلقعة، وكانت قريش في عهد النبي - صلي الله عليه وسلم - تذبحها، وقال النسائي: حديث جابر في الإِذن فيه أصح منه، ويشبه إن صح أن يكون منسوخًا، لأن قوله:، وأذن في لحوم الخيل". دليل على ذلك وقال أيضًا: لا أعلمه رواه غير بقية بن الوليد، قلت: قد تابعه (6) الواقدي،

= في معرفه فة السنن (14/ 96)، وقال: هذا حديث مضطرب، ومع اضطرابه مخالف لحديث الثقات. اهـ. السنن (9/ 328)، وقال: باب بيان ضعف الحديث الذي روى فيه ابن عن لحوم الخيل.

(1)

السنن (4/ 152).

(2)

في السنن (هذا).

(3)

في السنن (أكل).

(4)

في السنن (أصحاب).

(5)

في السنن (منهم).

(6)

ذكر هذه المتابعات البيهقي في السنن الكبرى (9/ 328).

ص: 84

ومحمد بن حمير، وعمر بن هارون البلخي، لكن الأول ضعيف، والثالث متروك، والثاني ثقة. وقال يعقوب الفسوي (1): ليس بالقوي.

وبقية: قد عنعن في بعض رواياته لهذا الحديث، إن كان قال في رواية أحمد وابن ماجه والنسائي (2)، حدثني ثور وهو مشهور بتدليس التسوية (3). وقال البخاري (4): صالح بن يحيى بن المقدام، عن أبيه فيه نظر، وقال الخطابي (5): حديث جابر إسناده جيد [قال، وأما](6) حديث خالد بن الوليد ففي إسناده نظر، وصالح بن يحيى بن المقدام، عن أبيه عن جده لا يعرف سماع بعضهم من بعض. وقال موسى بن هارون الحافظ: لا يعرف صالح ولا أبوه [ولا جده](7)، قلت: صالح ذكره ابن حبان في

(1) كتاب المعرفة والتاريخ (2/ 308، 309).

(2)

والدارقطني (4/ 287)، وفي التاريخ الكبير (4/ 292).

(3)

تدليس "التسوية"، وهو أن يسقط المحدت شيخ شيخه ويسمى "تجويد". انظر: المقنع في علوم الحديث لابن الملقن -رحمة الله عليه- (163)، وحاشية المحقق عليه.

(4)

تاريخ البخاري الكبير (4/ 292).

(5)

معالم السنن (5/ 307).

(6)

في ن هـ (ضرب عليها).

(7)

في السنن الكبرى (9/ 328)، وأيضًا كرره صاحب الجوهر وفي معرفة السنن (14/ 97)، وسنن الدارقطني (4/ 287)، فلعلّه الصواب، أي: إنما يعرف صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب، بجده المقدام لأنه صحابي وموسى بن هارون الحمال أبو عمران البزاز: ولد سنة أربع =

ص: 85

"ثقاته"(1) نعم، قال خ: فيه نظر. وقال ابن القطان: لم تتبين عدالته وأبوه يحيى وثق (2) أيضًا. وجده المقدام (3): صحابي كما نص عليه الأئمة ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر (4) فلا تسأل عن مثله.

وقال الدارقطني (5): هذا حديث ضعيف. قال: وإسناده أيضًا مضطرب. وقال الواقدي: لا يصح هذا، لأن خالدًا أسلم بعد فتح خيبر.

وقال خ (6): إنه لم يشهد خيبر. وكذا قاله أحمد أيضًا إنما أسلم بعد الفتح.

وقال ابن عبد البر (7): لا يصح لخالد مشهد مع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قبل الفتح.

[وقال البيهقي](8) إسناده مضطرب، ومع اضطرابه فهو مخالف لحديث الثقات.

= عشرة ومائتين وهو ثقة حافظ ومات في شهر شعبان سنة أربع وتسعين ومائتين وله ثمانون عامًا ترجمته في طبقات الحنابلة، (1/ 334)، وتاريخ بغداد (13/ 50، 51)، مستور (11/ 289).

(1)

الثقات (6/ 459)، وقال: يخطئ. تهذيب الكمال (31/ 570).

(2)

ذكره ابن حبان في ثقات (5/ 524)، وتهذيب التهذيب (11/ 289).

(3)

طبقات ابن سعد (7/ 415)، وتاريخ خليفة (301)، والطبقات له (72).

(4)

الاستيعاب (4/ 1482).

(5)

سنن الدارقطني (4/ 287، 288).

(6)

رمز للبخاري.

(7)

الاستيعاب (3/ 163).

(8)

في ن هـ ساقطة.

السنن الكبرى (9/ 328)، ومعرفة السنن (14/ 96).

ص: 86

وقال عبد الحق: لا تقوم به حجة لضعف إسناده.

وقال أبو محمَّد بن حزم في "محلاه"(1): حديث صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب هالك لأنهم مجهولون (2) ثم فيه دليل [على](3) الوضع، لأن فيه عن خالد قال: غزوت مع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - خيبر وهذا باطل، لأنه لم يسلم إلَّا بعد خيبر بلا خلاف.

قلت: بل فيه خلاف، حكاه أبو عمر، قيل: إنَّ إسلامه سنة خميس، وخيبر كانت سنة ست أو سبع على ما أسلفناه في ترجمة أبي هريرة. ثم إطلاقه الجهالة على المقدام خطأ فهو صحابي معروف كما مرَّ. واعتذر بعضهم عنه أيضًا أعني عن حديث أسماء وجابر أيضًا الآتي بأنهما في مقابلة دلالة النص، وهو قوله تعالى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (4)، فإنها خرجت مخرج

(1) المحلى (7/ 408).

(2)

في المرجع السابق زيادة (كلهم).

(3)

غير موجودة في المرجع السابق.

(4)

سورة النحل: آية 8.

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه - في الفتح (9/ 26، 653):

[وأما ما نقل عن ابن عباس ومالك وغيرهما من الاحتجاج للمنع بقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} ، فقد تمسك بها أكثر القائلين بالتحريم، وقرروا ذلك بأوجه:

أحدها: أن اللام للتعليل ندل على أنها لم تخلق لغير ذلك؛ لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر فإباحة أكلها تقتضي خلاف ظاهر الآية. =

ص: 87

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ثانيها: عطف البغال والحمير فدل على اشتراكها معها في حكم التحريم فيحتاج من أفرد حكمها عن حكم ما عطفت عليه إلى دليل.

ثالثها: أن الآية سيقت مساق الامتنان، فلو كانت ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم لأنه يتعلق به بقاء النية بغير واسطة، والحكيم لا يمتن بأدنى النعم ويترك أعلاها، ولا سيما وقد وقع الامتنان بالأكل في المذكورات قبلها.

رابعها: لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع به الامتنان من الركوب والزينة، هذا ملخص ما تمسكوا به من هذه الآية، والجواب على سبيل الإِجمال أن آية النحل مكية اتفاقًا والإِذن في أكل الخيل كان بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين، فلو فهم النبي - صلي الله عليه وسلم - من الآية المنع لما أذن في قال. وأيضًا فآية النحل ليست نصًّا في منع الأكل، والحديث صريح في جوازه. وأيضًا على سبيل التنزل فإنما يدل ما ذكر على ترك الأكل، والترك أعم من أن يكون للتحريم أو للتنزيه أو خلاف الأولى، وإذا لم

يتعين واحد منها بقي التمسك بالأدلة المصرحة بالجواز وعلى سبيل التفصيل.

أما أولًا: فلو سلمنا أن اللام للتعليل لم نسلم إفادة الحصر في الركوب والزينة، فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير قال اتفاقًا، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل، ونظيره حديث البقرة المذكور في الصحيحين حين خاطبت راكبها فقالت:"إنا لم نخلق بهذا إنما خلقنا للحرث" فإنه مع كونه أصرح في الحصر لم يقصد به الأغلب، وإلَّا فهي تؤكل وينتفع بها في أشياء غير الحرث اتفاقًا، وأيضًا فلو سلم الاستدلال للزم منع حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير، ولا قائل به.

وأما ثانيًا: فدلالة العطف إنما هي دلالة اقتران، وهي ضعيفة. =

ص: 88

الامتنان بذكر النعم على ما دل عليه سياق الآيات قبلها فذكر تعالى الامتنان بنعمة الركوب والزينة في الخيل والبغال والحمير وترك الامتنان بنعمة الأكل، كما ذكر في الأنعام ولو كان الأكل ثابتًا [لما ترك الامتنان به، لأن نعمة الأكل في جنسها فوق نعمة الركوب والزينة، فإنه لا يتعلق بها البقاء بغير واسطة ولا يحسن ترك الامتنان بأعلى النعمتين، وذكر الامتنان بأدناهما فدل ترك](1) الامتنان بالأكل على المنع منه، لا سيما وقد ذكرت نعمة الأكل في نظائرها الأنعام، وهذا وإن كان استدلالًا حسنًا إلَّا أنه يجاب عنه بوجهين، ذكرهما الشيخ تقي الدين (2).

أحدهما: ترجيح دلالة الحديث على الإِباحة على هذا الوجه من الاستدلال من حيث قوته بالنسبة إلى تلك الدلالة.

ثانيهما: أن يطالب بوجه الدلالة على غير التحريم، فإنها تشعر بترك الأكل وترك الأكل أعم من كونه متروكًا على سبيل التحريم أو التنزيه. وأجاب غيره بأنما خص الركوب والزينة بالذكر، لأنهما

= وأما ثالثًا: فالامتنان إنما قصد به غالبًا ما كان يقع به انتفاعهم بالخيل فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا، ولم يكونوا يعرفون أكل الخيل لعزتها في بلادهم، بخلاف الأنعام فإن أكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال وللأكل فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به، فلو لزم من ذلك الحصر في هذا الشق للزم مثله في الشق الآخر.

وأما رابعًا: فلو لزم من الإِذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في البقر وغيرها مما أبيح أكله ووقع الامتنان بمنفعة له أخرى، والله أعلم]. اهـ.

(1)

في ن هـ ساقطة.

(2)

إحكام الأحكام (4/ 457).

ص: 89

معظم المقصود من الخيل، كقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} (1)، فذكر اللحم لأنه معظم المقصود، وقد قام الإِجماع على تحريم شحمه ودمه وسائر أجزائه. ولهذا سكت عن ذر حمل الأثقال عليها مع قوله تعالى في الأنعام "وتحمل أثقالكم" ولا يلزم من هذا تحريم حمل الأثقال على الخيل. واعتذر من قال بالكراهة عن حديث جابر الآتي بأنه كان في حال مجاعة وشدة حاجة فأباحها لهم وكانت الخيل بالإِباحة أولى، فإنه من باب فعل الأخف واجتناب الأثقل، وهو اعتذار عجيب، فحديث أسماء راد عليه، فإنه أكل بالمدينة كما سلف.

تنبيه: لما ذكر الشيخ تقي الدين في"شرحه"(2) عن بعض الحنفية معارضة حديث جابر بحديث خالد بن الوليد [أنه عليه الصلاة والسلام حرمها أعترض فقال: إنما نعرفه بلفظ النهي لا بلفظ التحريم عن خالد وكأنه](3) رحمه الله رآه بهذا اللفظ في سنن أبي داود في باب أكل [لحوم الخيل](4) بلفظ النهي، لكن ذكره بعد هذا بورقة في باب النهي عن أكل السباع (5) بلفظ الحرمة، فتنبه لذلك، وقد سقت لك أقوال الأئمة في ضعفه.

(1) سورة المائدة: آية 3.

(2)

إحكام الأحكام (4/ 455).

(3)

زيادة من ن هـ.

(4)

في الأصل ون هـ (اللحم)، وما أثبت من السنن (4/ 149).

(5)

السنن (4/ 159)، رقم (3068).

ص: 90