الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
413/ 4/ 79 - عن البراء بن عازب أيضًا قال: "أمرنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بسبع ونهانا عن سبع؛ [أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار القسم أو المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتيم أو تختم الذهب وعن شرب بالفضة وعن المياثر وعن القسي ولبس الحرير والإِستبرق والديباج"(1)] (2).
الكلام عليه من وجوه:
وهو حديث عظيم الموقع، يشتمل على جمل من القرب المطلوبة أمرًا ونهيًا.
وفي رواية في الصحيح مكان "إبرار القسم أو المقسم""إنشاد الضالة"، وفي أخرى:"وابرار القسم" من غير شك، وفي أخرى
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
البخاري (1239)، ومسلم (2066)، النسائي (8/ 201)، والترمذي (2809)، والبيهقي (1/ 27)، والبغوي (1406)، وابن أبي شيبة (8/ 210، 211)، وأحمد (4/ 284، 287، 299).
"وعن الشراب في الفضة فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة". وفي أخرى: "ورد السلام" بدل "وإفشاء السلام"، وفي أخرى:"نهانا عن خاتم الذهب أو عن حلقة الذهب". وفي أخرى: "وعن حلقة الذهب" من غير شك. وفي أخرى في البخاري: "ونصر الضعيف وعون المظلوم". وفي أخرى له: "وعن آنية الفضة". وفي أخرى له: "وعن الحرير والمياثر والسندس"، وفي أخرى له:"وعن المياثر الحمر"، و [قال] (1) في كتاب الأدب (2):"الاستبرق ما غلظ من الديباج وخشن منه" ونقلها عبد الحق عن مسلم أيضًا، ولم أرها فيه وقد ذكره مسلم ها والبخاري في مواضع من "صحيحه" في الجنائز (3)، والملازمة (4)، واللباس (5)، والطب (6)، الأدب (7)،
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
بعثت عنه في كتاب الأدب من صحيح البخاري فلم أرها ذكره هنا وفي الأدب المفرد.
(3)
في كتاب الجنائز: باب الأمر باتباع الجنائز برقم (1239).
(4)
هذا وهم أو تصحيف من المؤلف أو الناسخ -رحم الله الجميع- حيث لا يوجد في صحيح البخاري، كتاب أو باب: بهذا العنوان.
(5)
كتاب اللباس: باب لبس القسي (5838)، وأيضًا في باب الميثرة الحمراء (5849)، وفي باب خواتيم الذهب برقم (5863).
(6)
في بعض النسخ كتاب الطب وبعضها كتاب المرضى ثم ثنى بكتاب الطب. انظر: الفتح (10/ 104) ، باب وجوب عيادة المريض (5650).
وأغفل المؤلف -رحمنا الله وإياه- ذكره في كتاب المظالم، باب نصر المظلوم (2445).
(7)
كتاب الأدب في باب تشميت العاطس إذا حمد الله برقم (6222).
والنذور (1)، والنكاح (2)، والأشربة (3)، والاستئذان (4).
الوجه الأول: في التعريف براويه، وقد سلف قريبًا الإِشارة في موطنه.
ثانيها: في شيء من مفردات ألفاظه.
الوجه الثاني: العيادة أصلها العوادة، لأنه من عاده يعوده، فقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها وهي من مادة العود من الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إمَّا انصرافًا بالذات أو بالقول والعزيمة. وقد يطلق العود على الطريق القديم، تعود إليه السفر، فإن أُخذ من الأول فقد يشعر بتكرار العادة، وإن أخذ من الثاني يعد نقله نقلًا عرفيًا إلى الطريق لم يدل على ذلك قاله الشيخ تقي الدين في "شرح الإِلمام".
[الثالث](5): المرض الخروج عن الاعتدال الخامس بالإِنسان. قال الراغب (6) وهو ضربان: مرض جسمي وهو [الحقيقة](7)
(1) في كتاب الأيمان والنذور. باب قول الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (6654).
(2)
في كتاب النكاح: باب حق إجابة الدعوة والوليمة برقم (5175).
(3)
كتاب الأشربة: باب آنية الفضة (5635).
(4)
كتاب الاستئذان، باب: إفشاء السلام (6235).
(5)
في ن هـ (الثاني).
(6)
مفردات غريب القرآن (466).
(7)
غير موجودة في المرجع السابق، ويدل لها وهي المذكورة في قوله:"ولا على المريض حرج".
و (1) عبارة عن الرذائل كالجهل والجبن والبخل والنفاق [ونحوها](2) من الرذائل الخلقية (3)[وهو مجاز التشبيه](4) ويُشَبَّه النفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض إما [لكونها](5) مانعة [من](6) إدراك الفضائل كالمرض المانع للبدن عن التصرف الكامل. وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية المذكورة في قوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (7)، وأما لميل النفس [بها إلى] (8) الاعتتادات الرديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء المضرة. قال: ولكون هذه الأشباء مُتَصَّورَةً بصورة المرض قيل دَوِيَ صدر فلان، ونَغِلَ قلبه، قال عليه الصلاة والسلام:"وأي داء أدوى من البخل"(9)، ويقال: شمس مريضةٌ إذا لم تكن مضيئةٌ
(1)(الثاني): زيادة علامة للتقسيم.
(2)
في المرجع السابق: "وغيرها".
(3)
في المرجع السابق زيادة نحو قوله: "في قلوبهم مرض".
(4)
في ن هـ (وهو مجاز من مجاز التشبيه)، أما في المرجع السابق غير مذكورة.
(5)
في الأصل (كونها)، وما أثبت من ن هـ والمفردات.
(6)
في المفردات (عن).
(7)
سورة العنكبوت: آية 64.
(8)
في النسخ (عن)، وما أثبت من المفردات.
(9)
الحاكم (3/ 219)(4/ 163)، والخطيب في تاريخه (4/ 217)، والطبراني في الكبير (19/ 81، 82)، وابن سعد في طبقاته (3/ 2/ 112)، وعبد الرزاق (20705)، وذكره في مجمع الزوائد (9/ 315)، وقال: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير شيخي الطبراني ولم أر من ضعفهما.
لعارض [عرض](1) لها قال الشيخ تقي الدين: يجوز في هذا أن يكون من مجاز التشبيه الصوري، وأن يكون من مجاز التشبيه
المعنوي.
الثالث: قال الراغب (2): يقال: تَبِعَهُ واتَّبَعَهُ قَفَا أثَرَهُ وذلك [(3)] وتارة بالارتسام والائتمار وعلى ذلك قوله: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} (4)، وقال:{يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (20)} (5)، قال الشيخ تقي الدين: الحقيقة الاتباع بالجسم والمجاز كنه شايع ومن المحتمل لهما قوله تعالى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (6)، والمجاز وهو التزام إتباعك واقتفاء أثرك أقرب. ومن المحتمل أيضًا ما في هذا الحديث من اتباع الجنازة وعلى هذا ينبني ما الأفضل هل المشي خلفها أو أمامها؟ أو يمكن أن يجعل حقيقة في القدر المشترك دفعًا للاشتراك والحجاز، إلَّا أن الأولى عندي إذا كثر الاستعمال في أحد الخاصين وتبادر الذهن إليه عند الإِطلاق أن يجعل حقيقة اللفظ وتقدمه على الأصل المذكور أعني عدم الاشتراك والمجاز، لأن الأصل يترك بالدليل الدال على خلافه ومبادرة الذهن وكثرة
(1) في النسخ (يعرض)، وما أثبت من المفردات.
(2)
مفردات غريب القرآن (72).
(3)
في النسخ زيادة (تارة بالجسم)، وهي غير مذكورة في المرجع السابق.
(4)
سورة البقرة: آية 38.
(5)
سورة يس: الآيتان 20 و 21.
(6)
سورة الكهف: آية 66.
الاستعمال دليل على الحقيقة. نعم حيث يقرب الحال أو يشكل فلا بأس باستعمال الأصل، وإذا قلنا إنه محمول على الإِتباع بالجسم، فيحتمل أن يكون معبرًا به عن الصلاة، وذلك من فروض الكفاية عند الجمهور، ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب؛ لأنه ليس في الغالب أن يصلي على الميت، ويدفن في محل موته، ويحتمل أن يراد بالاتباع الرواح إلى محل الدفن لمواراته، والمواراة أيضًا من فروض الكفاية لا تسقط إلَّا بمن يتأدى به.
الرابع: الجنازة تقدم ضبطها في بابها [فليراجع منه](1).
الخامس: التشميت بالشين المعجمة والمهملة. قال الجوهري (2). تشميت العاطس أن يقال: له يرحمك [الله](3) بالشين والسين، قال ثعلب: الاختيار بالسين؛ لأنه مأخوذ من الشمت وهو القصد والمحجة. وقال أبو عبيد (4): الشين أعلى في حاجتهم وأكثر، لأن فعله يتعدَّى إلى المفعول بنفسه وبحرف الجر. قال ابن الأنباري (5) فيما حكاه عنه القاضي (6) وغيره يقال: شمت فلانًا وسمت عليه، وكل داع بالخير مشمت ومسمت. وقال الأزهري:
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
مختار الصحاح، مادة (س م ت).
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
غريب الحديث (2/ 183 - 184)، المفهم (5/ 389).
(5)
الزهر (1/ 161، 162).
(6)
ذكره النووي في شرحه (14/ 302).
قال الليث: معناه ذكر الله على كل شيء، ومنه قولك: للعاطس: يرحمك الله. وقال الزبيدي في، "مختصر العين": وشمت العاطس إذا دعوت له. ويقال: بالسين يعني المهملة، وقال ابن سيده في "المحكم" (1) تشميت العاطس معناه هداك الله إلى السمت. قال:
وذلك لما في العطاس من الانزعاج والقلق، وكل داع بالخير مسمت.
وقال الخطابي (2): شَمَّت وسَمَّت بِمَعْنىً، وهو أن يدعوَ للعاطس بالرحمة. وقال القزاز في "جامعه"(3) وقيل التشميت الرجاء والتبريك، والعرب تقول: شمته إذا دعا له بالبركة. وفي الحديث المرفوع "سمت عليهما"(4) يعني عليًّا وفاطمة أي دعا لهما وبرّك عليهما. وقيل: إنه مأخوذ من الشماتة، التي [(5)] فرح الرجل ببلاء عدوه وسوء ينزل به. يقال: شمت بعدوه شماتة وشماتًا وأشمته الله به وبات بليلة سوء من ليالي الشوامت أي من الليالي التي يسر بها الشوامت.
قال الشيخ تقي الدين: وفي توجيه هذا المعنى وجهان:
أحدهما: قال أبو علي: فيما ذكره عنه ابن سيده معناه: دعاء له أن لا يكون في حال يشمت به فيها.
(1) ذكره في لسان العرب، مادة (سمت).
(2)
معالم السنن (7/ 311).
(3)
سبق التعريف به وبمؤلفه.
(4)
ذكره في غريب الحديث لأبي عبيد (2/ 184).
(5)
يحسن هنا زيادة (هي).
وثانيهما: أنك إذا قلت: يرحمك الله. فقد أدخلت على الشيطان ما يسخطه فيسر العاطس بذلك، وقيل: إنه مأخوذ من التشمت الذي هو اجتماع الإِبل في المرعى. قال صاحب "الجامع" فيكون شمته، سألت الله أن يجمع شمله وأمره، وعن ابن العربي (1) أنه قال إن كان بالمعجمة فهو مأخوذ من الشوامت وهو القوائم، وإن كان بالمهملة فهو من السمت وهو قصد الشيء وناحيته. كأن
العطاس يحل [معاقد] البدن ويفصّل معاقدة، فيدعو له بأن يرد الله شوامته على حالها وسمته على صفته. قال الشيخ [وهذا] (2): يقتضي أن السوامت تنطلق على قوائم الإِنسان، لأن العاطس المشمت إنسان لا غير. وقد قال ابن سيده: والشوامت قوائم الدابة، وهذا أخص مما ذكر عن ابن العربي. وفي "الصحاح" (3) كما قال ابن سيده ثم قال: وهو اسم. قال أبو عمر (4): ويقال لا ترك الله سامته، أي: قائمة، وقيل: معنى شمته وأشمته دعوت له بالهدى والاستقامة على سمت الطريق والعرب تجعل الشين والسين في لفظ. بمعنى كقولهم: جاحَشْتُه وجاحَفْتُه إذا زاحمته (5). وما أسلفناه [عن ابن العربي](6) في المهملة أنه أخذه من السمت الذي هو قصد الشيء
(1) القبس (1145، 1146)، وما بين القوسين فيه (مرابط).
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
مختار الصحاح (423) مادة (ش م ت).
(4)
التمهيد (17/ 325).
(5)
تم ضبطها من الأمالي للقالي (2/ 125).
(6)
زيادة من ن هـ.
وناحيته. قال الشيخ تقي الدين: أحسن منه عندي أن يكون مأخوذًا من السمت، الذي هو الهيئة الموصوفة بالحسن والوقار، ومنه ما جاء في الحديث:"إن الهدي الصالح والسمت والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة"(1).
السادس: "إبرار القسم" الوفاء بمقتضاه وعدم الحنث فيه. قال الزبيدي: وبرت يمينه صدقت وأبرها أمضاها صدقًا. وقال ابن طريف (2) في في "أفعاله"(3) بر الرجل يمينه برًّا وبرورا وأبرها رباعيًّا كذا استعملا أبر رباعيًا، فيكون المصدر إبرارا. والحديث ماش عليه واستعمله غيرهما ثلاثيًا. قال الشيخ تقي الدين: ويحتمل أن يكون إبرار القسم جعله ذا بر والمراد بالبر ما يقابل الإِثم فيكون الإِبرار بها أن يحلف بها على أمر جائز فقط. فإن حملنا اللفظ على الأول وكان متعلقًا بالقسم فلا حاجة إلى إضمار، ثم يحتمل أن يكون
المراد إبرار الإِنسان قسم نفسه بأن يفي بمقتضى اليمين وإبراءه لقسم غيره عليه، وهو أن لا يحنثه، ويوقعه في مخالفة اليمين. وإن كان الإِبرار متعلقًا بالمقسم فلا بد فيه من إضمار، وهو أن يقدروا إبرار يمين المقسم أو ما يقارب ذلك.
السابع: القسم بفتح القاف والسين الحلف. قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (4)، قيل: وأصله من القسامة، وهي
(1) أبو داود (4776).
(2)
أبو مروان عبد الملك بن طريف الأندلسي المتوفى سنة 400 هـ بالتقريب.
(3)
راجع كتاب معجم المعاجم (258).
(4)
سورة الأنعام: آية 109.
أيمان تقسم على أولياء المقتول ثم سار اسمًا لكل حالف. قال الشيخ تقي الدين. وفي هذا نظر، ولو قيل إن القسامة من القسم كان أولى، أي لأنها أحد أنواعه. ولو قيل أيضًا: إنه مأخوذ من القسامة التي هي بمعنى الحسن. يقال: وجه قسيم أي: حسن لكان له وجه، كان الحالف حسن ما حكم به بتأكيده. باسم الله تعالى.
الثامن: قوله: "أو المقسم" الظاهر أن "أو" هنا للشك من الراوي، لا للإِباحة، لأن في الرواية السالفة:"إبرار المقسم" من غير شك. والمقسم هو الحالف نفسه. قال الشيخ في "شرحه"(1) في قوله: "إبرار القسم""أو المقسم" وجهان:
أحدهما: أن يكون المقسم مضموم الميم مكسور السين (2)، التقدير يمين المقسم.
والثاني. فتح الميم والسين على أن يكون [هو](3) المقسم، وإبراره هو الوفاء بمقتضاه، وعدم التحنيث فيه. وإن كان ذلك على سبيل اليمين، -كما إذا قال: والله لتفعلن كذا-، فهو آكد مما إذا كان على سبيل التحليف، كقوله: بالله أفعل كذا. لأن في الأول إيجاب الكفارة على الحالف، وفيه تغريم للمال، وذلك إضرارٌ به.
التاسع: "النَّصْرُ والنُّصْرَةُ" العون (4)[قال الراغب](5)، ونصرة
(1) إحكام الأحكام (4/ 493).
(2)
في المراجع السابق (ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره:
…
).
(3)
في المراجع السابق (بمعنى).
(4)
في مفردات غريب القرآن (495)، ثم ساقط بعدها آيات.
(5)
زيادة من ن هـ. وفي المرجع السابق زيادة (ونصرة الله للعبد ظاهرة).
العبد [(1)] هي نصرته لعباده، والقيام يحفظ حدوده ورعاية عهده [واعتبار](2) أحكامه واجتنابه نواهيه.
[الثامن](3): "الظلم"(4) وضع الشيء في غير موضعه المختص به: إما بِنُقْصانٍ أو بزيَادَةٍ أو بعدول عن وقته ومكانه. ومن هذا يقال: ظَلَمْتُ السِّقَاءَ إذا تنَاوَلْتَهُ في غير وَقْتِهِ، وظلمت البعير إذا نحرته من غير داء، والمظلوم أيضًا اللبن المشروب قبل أن يبلغ الرؤوب (5).
[التاسع](6): الإِجابة تنطلق على القول والفعل. يقال: أجاب الله دعاك. أي: فعل ما سألته إياه وقول الشاعر:
[وادع](7) دعي يا من يجيب إلى الندى
…
فلم يستجيبه عند ذلك مجيب
يحتمل الإِجابة بالقول لتقدم النداء، ويحتمل الإِجابة بالفعل ببذل العطاء، نبه عليه الشيخ تقي الدين في "شرح الإِلمام" قال: ويستعمل استعمال التسمية نحو: دعوت ابني زيدًا
(1) في المرجع السابق زيادة (الله).
(2)
في المرجع السابق (واعتناق).
(3)
في ن هـ الغاشي.
(4)
قال ابن فارس -رحمنا الله وإياه- في مقاييس اللغة (3/ 468): "الظاء واللام والميم أصلان صحيحان، أحدهما خلاف الضياء والنور، والآخر وضع الشيء في غير موضعه تعديًا". اهـ.
(5)
انظر: لسان العرب (8/ 263 - 265، 266)، مادة (ظ ل م).
(6)
في ن هـ (الحادي عشر) إلى آخر الأوجه.
(7)
في ن هـ (وداع).
[أي](1) سميته، قال تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (2)، حثًّا على تعظيمه، وذلك مُخَاطَبة من يقول: يا محمَّد ودعوته [إذا](3) سألته واستعنت به. قال تعالى. {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} (4)، أي: سَلْهُ، والدعاء إلى الشيء أيضًا الحثُّ إلى قصده. قال: الراغب (5): والدعاء كالنداء، لكن النداء قد يقال إذا قيل بيا أو أيا، ونحو ذلك من غير أن يضم إليه الاسم، والدعاء لا يكاد يقال إلَّا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر. قال تعالى:{كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} (6)، والمراد بإجابة الدعوة هنا: وليمة العرس، وإن كان يعمها [و](7) غيرها.
الثاني عشر: مادة الإِفشاء تدل على الظهور والانتشار، فشت المقالة إذا انتشرف وذاعت، وليفشوا العلم أي يظهروه وينشروه وأفشى السر أظهره ونشره، فإفشاء السلام إظهاره وعدم إخفائه بخفض الصوت، وأما نشره فتداوله بين الناس وأن يحيوا سنته ولا يميتوها.
(1) في ن هـ (لو).
(2)
سورة النور: آية 63.
(3)
في الأصل (إلى)، وما أثبت من ن هـ.
(4)
سورة البقرة: آية 68.
(5)
مفردات غريب القرآن (170) وما قبله منه. مع تصرف.
(6)
سورة البقرة: آية 171.
(7)
في ن هـ ساقطة.
الثالث عشر: "السلام" اسم للمصدر مثل كلام، والاسم التسليم ويطلق بإزاء أمور:
أحدها: كقوله تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} (1).
ثانيها: بمعنى "السلامة"، لقوله تعالى {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (2)، أي: دار السلامة، وفيه قول الشاعر:
تجيء بالسلامة أم عمرو
…
وهل لك بعد قومك من سلام
ثالثها: أن يكون بمعنى التسليم والتحية، كقوله تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} (3)، أي: يقولون سلام عليكم.
رابعها: شجر العضاة، ويقال فيه: سلْمُ أيضًا (4).
وأما قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} (5)، فيحمل أن يراد به السلام على أن يكون سلام بدلًا مما يدعون، كأنه قيل ولهم سلام أي سلامة ويحتمل أن يراد التحية أي من الملائكة أو من الله مبالغة في تعظيمهم:{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} (6)، وقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى
(1) سورة الحشر: آية 23.
(2)
سورة الأنعام: آية 127.
(3)
سورة الرعد. الآيتان 23 - 24.
(4)
أي: يقال فيه (السَّلامُ).
(5)
سورة يس: الآيتان 57 - 58.
(6)
سورة الرعد: آيتان 23 - 24.
إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} (1)، مختلف في معناه.
الرابع عشر: والخواتيم جمع: خاتم بفتح التاء وكسرها وختام وختم كما سلف في الحديث الرابع من باب صلاة العيدين (2)، قال
(1) سورة النساء: آية 94.
(2)
انظر: (4/ 243) من هذا الكتاب المبارك.
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (10/ 315): باب: خواتيم الذهب: جمع خاتم، ويجمع أيضًا على خواتم بلا ياء، وعلى خياتيم بياء بدل الواو، وبلا ياء أيضًا، وفي الخاتم ثمان لغات: فتح التاء وكسرها وهي واضحتان وبتقديمها على الألف مع كسر الخاء (ختام) وبفتحها وسكون التحتانية وضم المثناة بعدها واو (خيتوم) وبحذف الياء والواو مع سكون المثناة (ختم) وبألف بعد الخاء وأخرى بعد التاء (خاتام) وبزيادة تحتانية بعد المثناة المكسورة (خاتيام) وبحذف الألف الأولى وتقديم التحتانية (خيتام) وقد جمعتها في بيت وهو:
خاتام خاتم ختم خاتم وختا
…
م خاتيام وخيوم وختام
وقبله:
خذ نظم عد لغات الخاتم انتظمت
…
ثمانيًا ما حواها قبل نظام
ثم زدت ثالثًا:
وهمز مفتوح تاء تاسع وإذا
…
ساغ القياس أتم العشر خاتام
أما الأول: فذكر أبو البقاء في: (إعراب الشواذ في الكلام) على من قرأ العالمين بالهمز قال: ومثله الخأتم.
وأما الثاني: فهو على الاحتمال، واقتصر كثيرون منهم النووي على أربعة، والحق أن الختم والختام مختص بما يختم به فتكمل الثمان فيه، وأما ما يتزين به فليس فيه إلَّا ستة وأنشدوا في الخاتيام وهو أعربها:
أخذت من سعداك خاتياما
…
لموعد تكتسب الآثاما
أبو عمر الجرمي (1): كل ما كان على فاعل يريد مفتوح العين.
نحو فاعل: فإن جمعه على فواعيل نحو طوابيق وقوابيل وخواتيم.
الخامس عشر: في اللفظ تردد بين الخواتيم وتختم فعلى الأول لا بد من حذف مضاف أي لبس خواتيم. وعلى الثاني لا حاجة إلى
الحذف، لأن الإِضافة في الأول إلى الذات فلا بد، وأن تصرف إلى فعل يتعلق بها، وفي الثاني أضيف إلى المصدر فلا حاجة إلى غيره، فإن النهي يصح تعلقه [به بنفسه](2).
السادس عشر: الذهب لفظ مشترك في كلام العرب، ويراد به هنا ما غلب استعماله فيه، وهو أحد النقدين ويذكر ويؤنث. قال الجوهري (3): والقطعة منه ذهبة، وتجمع على الأذهاب والذهوب [و] (4) قال نفطويه: سمي بذلك لأنه يذهب ولا يبقى والذَّهَب: أيضًا مكيال لأهل اليمن معروف والجمع أذهاب وجمع الجمع: أذاهِبُ عن أبي عبيدة.
و"الباء" في قوله: "عن شرب بالفضة" للاستعانة، ويحتمل أن تكون للمصاحبة.
(1) هو أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي المتوفى سنة (225) له مصنفان منها: كتاب الأبنية، وكتاب الجمع والتثنية.
انظر: كتاب طبقات النحويين واللغويين (74) للزيدي.
(2)
في الأصل كأنها (به وبنفسه)، ولكن ارتبطت الهاء والواو مع الرطوبة وفي ن هـ هذا الموضع فيه رطوبة.
(3)
الصحاح. فصل الذال ذهب (1/ 129).
(4)
زيادة من ن هـ.
السابع عشر: "المياثر" جمع مئثرة بكسر الميم وثاؤه مثلثة ولا همز فيها. قال الشيخ تقي الدين: وقال النووي (1) في مهموزه
ويجمع أيضًا بالواو.
[الثامن عشر](2): واختلفت عبارتهم في تعريفها، قال الزبيدي: الميثرة مِرفَقةٍ كصفَّة السَّرْج.
وقال الطبري: المياثر قطائف كانت النساء تضعهن لأزواجهن من الأرجوان الأحمر ومن الديباج على سروجهم وكانت مراكب العجم.
وقيل: هي أغشية السروج من الحرير.
وقيل: هي سروج من الديباج.
وقيل: هي شيء كالفراش الصغير يتخذ من الحرير تحشى بقطن أو صوت ويجعلها الراكب تحته فوق الرحل.
وفي "صحيح البخاري"(3) عن يزيد بن رومان: أن المراد بها
(1) انظر: شرح مسلم (14/ 33)، أي:(وثر).
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
البخاري فتح (10/ 292) باب لُبس القَسِّي.
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (10/ 293): وقوله: (وقال ابن جرير عن يزيد في حديثه: القسية
…
إلخ)، هو طرف أيضًا من حديث وصله إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" له عن عثمان بن أبي شيبة المصنف (8/ 182)، عن جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن الحسن بن سهيل قال: "القسية ثياب مضلعة
…
" =
جلود السباع (1). وهو ضعيف بعيد. قال أبو عبيد (2): وأما المياثر الحمر التي جاء فيها النص، فإنها كانت من مراكب العجم من ديباج أو حرير. أي وكأن الأصل "ونهانا عن افتراش المياثر"، قال الشيخ تقي الدين: وأصل اللفظ من "الوثارة""والوثرة" يكسر الواو وسكون
= الحديث ووهم الدمياطي فضبط يزيد في حاشية نسخته بالموحدة والراء مصغر، فكأنه لما رأى التعليق الأول من رواية أبي بردة بن أبي موسى ظن أن التعليق الثاني من رواية حفيدة بريد بن عبد الله بن أبي بردة وزعم الكرماني -وتبعه بعض من لقيناه-، أقول: والنووي في شرحه (14/ 33) أن يزيد هو ابن رومان، قال وجرير هو ابن حازم وليس كما قال، والفيصل في ذلك رواية، إبراهيم الحربى، وقد أخرج ابن ماجه أصل هذا الحديث من طريق علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهل عن ابن عمر
…
إلخ.
(1)
قال النوري رحمه الله شرح مسلم (14/ 33) وهذا قول باطل مخالف للمشهور الذي أطبق عليه أهل اللغه والحديث وسائر العلماء. اهـ. قال ابن حجر في الفتح (10/ 293)، وليس هو بباطل، بل يمكن توجيهه، وهوا إذا كانت الميثرة وطاء صنعت من جلد ثم حشيت، والنهي حينئذٍ عنها إما لأنها من زي الكفار، وإما لأنها لا تعمل فيها الذكاة أو لأنها لا تذكى غالبًا فيكون فيه حجة لمن منع لبس ذلك ولو دبغ، لكن الجمهور على خلافه، وأن الجلد يطهر بالدباغ، وقد اختلف أيضًا في الشعر هل يطهر بالدباخ؟ لكن الغالب على المياثر أن لا يكون فيها شعر، وقد ثبت النهي عن الركوب على جلود النمور. أخرجه النسائي من حديث المقدام بن معدي كرب. وهو مما يؤيد التفسير المذكور، ولأبي داود "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر". اهـ.
(2)
غريب الحديث (1/ 228).
الثاء "والوثير" هو الفراش الوطيء، يقال ما تحته "وثر" و"وثار" وامرأة "وثيرة" كثيرة اللحم و"وثر" الشيء "وُثارة" بالضم أي وطيء، فأصلها الواو لكن قلبت ياء لسكونها وإنكسار ما قبله، أي كما في ميزان، وميقات، وميعاد.
[التاسع عشر](1): "القسط" بفتح القاف وتشديد السين المهملة. وذكر أبو عبيد أن أصحاب الحديث يقولون بكسر القاف وأهل مصر يفتحونها ينسب إلى بلاد يقال لها القس، وقال أهل اللغة والعربية القسي قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس وقال ابن وهب وابن بكير فيما حكاه القاضي (2) هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقَس من بلاد مصر مما يلي الفرماء. وقال الجوهري (3) هو ثوب يحمل من مصر يخالطه الحرير، وقال مسلم (4): هي ثياب مضلعة يؤتى بها من مصر والشام فيها شية، وصوبه النووي (5)، وقال البخاري (6): فيها حرير [وفيها](7) أمثال [الأترنج](8)، وفي "سنن
(1) في ن هـ (الثامن عشر).
(2)
مشارق الأنوار (2/ 193).
(3)
انظر: ختار الصحاح، مادة (ق س س).
(4)
مسلم نووي (14/ 72).
(5)
شرح مسلم (14/ 34).
(6)
البخاري فتح (10/ 292)، تغليق (5/ 64).
(7)
زيادة من المرجع السابق.
(8)
في المخطوط (الأترج)، وما أثبت من المرجع السابق مع موافقة لما ذكر. انظر: الفتح (10/ 293)، وتغليق (5/ 65).
أبي داود" (1) عن علي رضي الله عنه أنها ثياب من الشام أو من مصر مضلعة فيها أمثال الأترج.
ومنهم من جعل السين مبدلة من الزاي وتكون بمعنى القزي المنسوب إلى القز، وهو رديء الحرير.
وقيل: إنها ثياب كتان مخلوط بحرير.
التاسع عشر: اللبس بضم اللام مصدر لبست الثوب ألبس بكسر الباء في الماضي وفتحها في المستقبل، وأما "اللبس" بكسر اللام فهو ما يلبس ولِبس الكعبة والهودج هو ما عليهما من لباس.
وأما "اللبس": بالفتح فمصدر لبست الأمر ألبَسَ بفتح الماضي وكسر المستقبل.
[الثامن عشر:](2) الحرير، والديباج تقدم الكلام عليهما في الباب.
و"الإستبرق" بكسر الهمزة غليظ الديباج فارسي معرب، قاله الجواليقي (3) قال وأصله إسْتَفْرَهْ. قال ابن دريد (4): وإسْتَرْوَهْ ونقل
من العجمية إلى العربية، ويصغر على أُبَيْرِق، وبكسر على أَبَارِق
(1) سنن أبي داود (4225)، وأيضًا في مسلم (2078)، ولكنها مبهمة "فيها شيبة كذا"، ووصل ما علقه البخاري في التغليق (5/ 65).
(2)
في ن هـ (العشرون).
(3)
المعرب (108).
(4)
المحكم (3/ 502)، قال المعلق على المعرب وليد، وأنه تصحيف، والصواب (إستوره)، كما في الفهلوية، والقاف في الكلمة المعربة تمثل الكاف الفهلوية. اهـ.
بحذف السين والتاء معًا، وقال بعضم "الباء" في استبرق ليست باء خالصة وإنما هي بين الباء والفاء.
وذكر الديباج بعد الاستبراق، إما من باب ذكر العام بعد الخامس ليستفاد بذكر الخاص فائدة التنصيص. ومن ذكر [العام](1) زيادة إثبات الحكم في النوع الآخر أو من باب التعبير بالعام عند الخاص، ويراد به ما رق من الديباج ليقابل ما غلظ منه.
الوجه الثالث في فوائده وأحكامه:
الأول: شرعية عيادة المريض، وهي سنة عند الجمهور، وسواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه والقريب والأجنبي. واختلف العلماء في الآكد والأفضل منها، وقد تجب حيث يحتاج المريض إلى من يتعهده، وإن لم يعد ضاع، وأوجبها الظاهرية من غير هذا القيد لظاهر الأمر، والمحققون من أهل الأصول لا يعبؤن بقول داود خلافًا ووفاقًا، لإِخلاله بالقياس، وهو أحد شروط الاجتهاد.
الثاني: شرعية اتباع الجنازة، وهو سنة بالإِجماع، وسواء فيه من يعرفه وقريبه وغيرهما. وقد أسلفنا في الوجه الثالث أنه إذا حملنا الاتباع على الأتباع بالجسم. فيحتمل أن يكون معبرًا به عن الصلاة، وأن يكون معبرًا به عن الرواح إلى محل الدفن لموارته.
الثالث: [استدل](2) بعضهم. بهذا الحديث على المشي خلف الجنازة، لأنه لا يقال لمن تقدمها تبعها، إنما المتبع التالي
(1) في ن هـ (العادة).
(2)
في ن هـ ساقطة.
خلفها، وقد سلف ما في هذا في الوجه الثالث من الكلام على ألفاظه.
الرابع: شرعية تشميت العاطس، وهو قول سامعه: يرحمك الله بعد حمد العاطس الله تعالى، وإسماعه المشمت حمده، وكونه مسلمًا وهو سنة كفاية عند الشافعية، وفرض عين عند ابن مزين (1) من المالكية، واختاره ابن العربي (2)، وهو ظاهر الحديث الصحيح كان حقًّا على كل سلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله. وفروع التشميت كثيرة، محل الخوض فيها كتب الفروع، وكذا كل فرد من الأفراد المذكورة في الحديث.
الخامس: شرعية إبرار القسم والمقسم، وهو سنة مؤكدة إذا لم يكن على المقسم عليه ضرر ولا مفسدة في دين ولا دنيا، فإن كان شيء من ذلك لم يبر قسمه كما ثبت أن الصدِّيق رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة النبي - صلي الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلي الله عليه وسلم -:"أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا"، فقال: أقسمت عليك يا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لتخبرني. قال: "لا تقسم"(3) ولم يخبره.
(1) هو يحيى بن إبراهيم بن مُزَين الزيني مولى عثمان بن عفان، روى عن مطرف والقعنبي توفي سنة ستين ومئتين. انظر ترجمته: توضيح المشتبه (8/ 129)، والمؤتلف والمختلف للدارقطني (2163).
(2)
تحفة الأحوذي (10/ 200).
(3)
البخاري (7000)، ومسلم (2269)، وأبو داود (4632، 4633)، والترمذي (2294)، وابن ماجه (3918)، والبيهقي في السنن (10/ 38)، الدارمي (2/ 128)، والحميدي (536)، وأحمد =
السادس: شرعية نصر المظلوم وهو من الفروض اللازمة لمن علم ظلم المظلوم وقدر على نصره، ولم يخف ضررًا لما فيه من فعل المعروف معه وإزالة المنكر عن ظالمه. وقد قال عليه الصلاة والسلام:"أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، قيل يا رسول الله: أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: "تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه"(1)، أي: فإن به يندفع الضرر الدنيوي عن المظلوم والأخروي عن الظالم، ويكفي في التحذير من الظلم قوله تعالى:
= (1/ 219، 236)، من رواية ابن عباس.
قال النووي في شرح مسلم (5/ 127)، إن هذا الحديث دليل لما قاله العلماء: إن إبرار القسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإِبرار مفسدة، ولا مشقة ظاهرة، فإن كان، لم يؤمر بالإِبرار، لأن النبي - صلي الله عليه وسلم - لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة، اهـ. وانظر أيضًا (14/ 32).
(1)
البخاري (2443)، والترمذي (2256)، وشرح السنة للبغوي (13/ 96)، وأحمد (3/ 99، 201). من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه. وعن جابر عند مسلم (2584)، وأحمد (3/ 323)، والدارمي (2/ 311).
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (5/ 98) لطيفة: ذكر المفضل الضبي في كتابه "الفاخر" إن أول من قال "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، وأراد بذلك ظاهره وهو ما اعتادوه من حمية الجاهلية، لا على ما فسره النبي - صلي الله عليه وسلم - وفي ذلك يقول شاعرهم:
إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم
…
على القوم لم أنصر أخي حين يظلم
عَلَى الظَّالِمِينَ} (1)، وقوله عليه الصلاة والسلام:"إن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"، وتلا قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (2)، الآية.
تنبيه: علينا أيضًا أن نمنع المظالم بين أهل الذمة، ولا نمكن بعضهم من ظلم بعض، كما بين المسلمين.
السابع: شرعية إجابة الداعي وهي عامة، والاستحباب شامل ما لم يقم مانع، وقد توسع الفقهاء من أصحابنا وغيرهم في الأعذار المرخصة لتركها وعدم الإِجابة، وجعل بعضها مخصصًا لهذا العموم في إجابة الداعي، كقولهم: لا تجب إجابة من لا يليق بالمدعو
مجالسته لما فيه من نقص مرتبنه وتبدله بإجابته لبعضه ولا يخلو عن نظر. وقد أسلفنا في وجوب وليمة العرس وعدد الولائم في باب
الصداق، فراجع ذلك منه، وشرائط الإِجابة محل الخوض فيها كتب الفروع [فإنه أليق به](3).
الثامن: شرعية إفشاء السلام، وهو مشروع لمن عرفت ومن لم تعرف، كما نص عليه في الحديث الصحيح (4)، وهو يورث المحبة،
(1) سورة هود: آية 18.
(2)
زيادة من البخاري، والسورة من هودة آية 102. والحديث أخرجه البخاري (4686)، ومسلم (2583)، وابن ماجه (4018) والترمذي (3110)، شرح السنَّة (4162)، ومعالم التنزيل (2/ 401)، والبيهقي (6/ 94)، والطبري (18559)، والأسماء والصفات (1/ 82).
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
ولفظه عن عبد الله بن عمرو، أن رجلًا سأل رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أي الإِسلام =
كما نص عليه في الحديث الصحيح أيضًا، والإِفشاء يكون في الابتداء به ورده فابتداؤه سنة بالإِجماع، وكذا رده، فإن كان المسَلِّمُ عليه واحدًا تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة فإنه فرض كفاية. وفروع السلام كثيرة يحتمل إفرادها بالتأليف.
[التاسع:](1) تحريم التختم بالذهب على الرجال، وهو إجماع، وكذا لو كان بعضه ذهبًا وبعضه فضة، فإنه حرام، [ثم](2)[يحرم عند الشافعية سنُّ الخاتم على الصحيح](3).
[العاشر](4): تحريم الشرب في إناء الفضة، ومثله الأكل وسائر وجوه الاستعمالات، كما سلف في الحديث.
الحادي عشر: تحريم مياثر الحرير على الرجال، سواء كانت على رَحْلٍ أو سرج أو غيرهما، وإن كانت من غير الحرير فليست بحرام، ومذهب الشافعي أنها لا تكره أيضًا، فإن الثوب الأحمر
= خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن تعرف".
البخاري (12)، ومسلم (39)، وابن ماجه (3253)، والنسائي (8/ 107)، وأبو داود (5194)، وشرح السنة (3302)، وأحمد (2/ 169).
(1)
في ن هـ (الثامن).
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
العبارة هكذا في شرح مسلم (14/ 32) حتى قال أصحابنا لو كانت (فص) وهنا (سن) الخاتم ذهبًا أو كان مموهًا بذهب يسير فهو حرام، لعموم الحديث الآخر في الحرير والذهب. اهـ. محل المقصود منه.
(4)
في ن هـ (التاسع)، إلى آخر الأحكام.
لا كراهة فيه عندنا. وحكى القاضي (1) عن بعض العلماء كراهتها، لئلا يظنها الرائي من بعيد حريرًا، وقد أسلفنا عن يزيد بن رومان أنها جلود السباع.
الثاني عشر: تحريم استعمال القسّي في حريرًا أو أكثره حريرًا، وإلَاّ كان مكروهًا كراهة تنزيه.
الثالث عشر: تحريم الإِستبرق والديباج وسائر أنواع ثياب الحرير على الرجال.
تنبيهات:
أحدها: هذه المنهيات كلها للتحريم على ما قررناه. وأما الأوامر فبعضها للوجوب، وبعضها للندب، كما قررناه. وحقيقة الأمر لم يجاب، ففيه إذن جمع بين الحقيقة والمجاز في اللفظ الواحد، وفيه خلاف الأصوليين. ومن قال: بالمنع قد تكون الصيغة موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو مطلق الطلب ولا يكون دالًا على أحد الخاصين الذي هو الوجوب أو الندب، فتكون اللفظة استعملت في معنى واحد.
ثانيها: إخبار الصحابي عن الأمر والنهي على مراتب:
أولاها: أن يحكي صيغة لفظ الشارع.
وثانيها: كما في هذا الحديث، وهو مثل المرتبة الأولى على المختار في العمل به أمرًا ونهيًا، وإنما نزل عن الأولى لاحتمال أن
(1) ذكره في شرح مسلم (14/ 33).
يكون ظن ما ليس بأمر أمرًا، إلَّا أن هذا الاحتمال مرجوح للعلم بعدالته ومعرفته بمدلولات الألفاظ لغة.
ثالثها: "أُمرنا" و"نُهينا" كالمرتبة الثانية على المختار عند الجمهور، وإنما نزلت عنها لاحتمال آخر يخصها، وهو أن يكون الآمر غير الشارع وهر مرجوح أيضًا، وقد أسلفنا الكلام على هذه المرتبة في باب الآذان أيضًا.
ثالثها: يجب أن نفرق بين الجمع في الخبر وبين الخبر عن الجمع، كما نبه عليه الشيخ تقي الدين في "شرح الإِلمام" فإن الخبر قد يقع عن أمور متعددة في أوقات مختلفة، يجمعها الراوي في أخبار، كما لو رأى رجلًا يأكل ويشرب ويتكلم ويصلي في أوقات مختلفة، فأخبر عن الجميع، فقد جمع في خبره بين هذه الأمور وإن كانت متفرقة غير مجتمعة بالنسبة إلى وقت الفعل.
وأما الخبر عن الجمع: كان يكون الفاعل قد فعل أشياء في وقت واحد أو حال واحدة، فقد أخبر عن الجمع، والجمع في الخبر أعم من الخبر عن الجمع، لأنه متى ثبت الخبر عن الجمع ثبت الجمع في الخبر، ولا ينعكس، ويترتب على هذا فوائد حكمية في غير ما موضع مثل قول الراوي: مسح على ناصيته وعلى عمامته وفرضنا أنه لم يدل دليل على الجمع بينهما في وضوء واحد، فإذا أردنا أن نستدل به على أن من مسح بعض رأسه كمل على العمامة، أو أردنا أن نجعله قرينة دالة على وجوب التعميم، كما فعله المالكية لم يتم ذلك لجواز أن يكون ذلك جمعًا في الخبر لا خبرًا عن
الجمع، ويكون الشارع فعل ذلك في وقتين مختلفين، وحينئذٍ لا يدل على التكميل، ولا تتم القرينة، وكذلك لو أراد من يجيز المسح على العمامة من غير مسح الشعر أو بعضه أن يستدل بمثل هذه الصيغة.
[قوله](1): "وعلى عمامته" لا اعتراض عليه [بأنه](2) يجوز أن يكون خبرًا عن الجمع أي جمع بينهما في وقت واحد، فلا يكون دليلًا على جواز الاكتفاء بالمسح على العمامة، وإنما قلنا مثل قول الراوي على ناصيته وعمامته، وفرضنا أنه لم يدل دليل على الجمع بينهما في وضوء واحد، لأن الظاهر من رواية المغيرة أنه في وضوء واحد، وإنَّا قصدنا بها بيان الطريق بضرب من المثال، وما يترتب على هذه القاعدة في هذا الحديث، أنه هل استعمل اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه أم لا من جهة الراوي؟ فإنه لما قال: أمرنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم -. احتمل أن يكون جمعًا في الخبر، لا خبرًا عن الجمع، واحتمل أن يكون جمعًا في خبر الشارع. قد تعددت صيغة الأمر في لفظة من جهة إلى بعض هذه الأمور دون بعض، فأمر ببعضها بصيغة مفردة له، وأمر بآخر بصيغة مفردة، وأراد بإحداها الوجوب، وبالأخرى الندب، فلا يلزم [أن يكون](3) لفظ واحد استعمل حقيقته ومجازه. وأما لفظ الراوي وهو قوله "أمرنا" فهل يكون مستعملًا فيها؟ فيه نظر دقيق، فيلمح هذا ما قيل في علم الأصول: أن مدلول اللفظ قد يكون لفظًا وتأمله.
و
(1) في الأصل (رابعها)، وما أثبت من ن هـ.
(2)
في ن هـ (أنه).
(3)
زيادة من ن هـ.
[مما](1) يترتب على ذلك أيضًا أنه قال: "وعن الحرير والاستبرق والديباج".
ولقائل أن يقول: ما الفائدة من التكرار وكله حرير.
فيقال: فيه إنما يكون تكرارًا لو كان إخبارًا عن الجمع بمعنى أنه أخبر عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن هذه الثلاثة في وقت واحد، فحينئذٍ يحتاج إلى الجواب، وإظهار الفائدة في الجمع بين النهي عنها مع إمكان الاكتفاء بذكر الحرير، أما إذا كان جمعًا في الإِخبار بأن يكون سمع النهي عن الحرير في وقت، وعن الاستبرق في وقت، وعن الديباج في وقت. فلا يلزم طلب الفائدة، لأن السؤال إنما يقرب إذا كان النهي عن الجمع في وقت واحد.
رابعها: هذا الذي ذكره الصحابي في جانب الأمر يتعلق النظر فيه بالأمر والمأمور [والمأمور](2) لأجله، لأنها كلها حقوق المسلم على أخيه على رواية المقسم.
فأما الأمر: فينظر فيه هل هو على الوجوب أو الندب؟
وأما المأمور به: فهم المخاطبون فينظر هل تناولهم الأمر على الأعيان أو على الكفاية؟
وأما المأمور من أجله: فينظر في عمومه وخصوصه وينشأ من هذا الإِنظار أقسام متعددة بعضها يتعذر الحمل عليه وبعضها ممكن ويتوقف على الدليل.
(1) في ن هـ (وما).
(2)
في ن هـ ساقطة.
الأول: أن يكون الأمر للوجوب على الأعيان [والعموم](1) بالنسبة إلى المأمور من الجملة.
ثانيها: أن يكون الوجوب على الأعيان لا على العموم بالنسبة إلى [أفراد](2) المأمور من أجله.
[ثالثها](3): أن تجب على الكفاية لا على العموم بالنسبة إلى أفراد المأمور من أجله.
[رابعها](4): أن يكون الأمر للندب وتكون فيه هذه الأقسام كلها، وهذه الأقسام كلها تجري في كل نوع من هذه السبعة المذكورة في الحديث فتزيد الأقسام فترتقى إلى ستة وخمسين قسمًا من ضرب ثمانية في سبعه، نبه على ذلك الشيخ تقي الدين في الشرح المذكور وبسطه بسطًا بليغًا فوصل وجوه الكلام عليه فوق الأربعمائة فليراجع منه.
(1) في ن هـ (لا على العموم).
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
في الأصل (رابعها)، وما أثبت من ن هـ.
(4)
في ن هـ (خامسها)، وما أثبت من الأصل.