المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌80 - باب الجهاد - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ١٠

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌74 - باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌75 - باب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث [الثامن]

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌76 - باب الصيد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌77 - باب الأضاحي

- ‌78 - باب الأشربة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌79 - باب اللباس

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌80 - باب الجهاد

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌كتاب العتق

- ‌81 - باب العتق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌80 - باب الجهاد

‌80 - باب الجهاد

هو مأخوذ من الجَهد -بفتح الجيم- وهو التعب والمشقة -وبضمها- الطاقة بلغ جُهده -أي طاقته-، فالمجاهد في سبيل [الله](1) هو البالغ في إتعاب نفسه في ذات الله وإعلاء كلمته التي جعلها طريقًا إلى الجنة وسبيلًا إليها، ووراء جهاد النفس والسيف

جهاد القلب، وهو دفع الشيطان، ونهى النفس عن الهوى وشهواته المحرمة، وجهاد اليد واللسان، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر. ومن جملته جهاد القلب، وهو من أفضل الأعمال، لما فيه من بذل النفس في ذات الله تعالى. لا جرم جوزي بأنه حي عند ربه، إلى آخر ما جاء في التنزيل.

وذكر المصنف في الباب تسعة عشر حديثًا، وبعضها في الفيء، وبعضها في النفل، وبعضها في المسابقة:

(1) زيادة من ن هـ.

ص: 267

أولها

416/ 1/ 80 - عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما "أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم -في بعض أيامه [التي لقى فيها العدو- انتظر، حتى إذا [زالت] (1) الشمس قام فيهم، فقال: "أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". ثم قال النبي - صلي الله عليه وسلم -:"اللَّهم منزِّل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم، وانصرنا عليهم"] (2).

الكلام عليه من وجوه، والتعريف براويه سلف في الأطعمة:

وتقدم عليها أن أول غزوة غزاها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ذات العسير أو العشير بالسين المعجمة والمهملة، وهي من أرض [مدلج](3)،

(1) في إحكام الأحكام (مالت).

(2)

في ن هـ ساقطة. والحديث أخرجه البخاري (1600)، ومسلم (1742)، والترمذي (1659)، وأبو داود (2631)، والبيهقي (9/ 152)، وأحمد (4/ 353، 354، 355، 381) ، أبو عوانة (4/ 88، 89)، والنسائي في الكبرى (8632)، عبد الرزاق (5/ 249)، وابن أبي شيبة (7/ 647، 695).

(3)

في المخطوط (مذحج)، وما أثبت من طبقات ابن سعد.

ص: 268

وقال ابن سعد (1): كان قبلها ثلاث غزوات ، يعني غزاها بنفسه، وقال ابن عبد البر في كتاب "الدرر في المغازي والسير"(2) أول غزاة غزاها وَدّان غزاها بنفسه في صفر سنة اثنتين من الهجرة، واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ وَدَّانَ وادع بني ضمرة، ثم رجع، ولم يلق [حربًا](3)، وهي المسماة بغزوة الأبواء وغزواته، دون الثلاثين، وسرياه فوق الأربعين، وموضع الخوض فيها كتب السير.

الوجه الأول: قوله: "انتظر حتى إذا مالت الشمس"، أي: مالت، وجاء في رواية في غير هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام "كان لا يقاتل حتى تزول الشمس"(4)، والحكمة في ذلك أنه أمكن للقتال، فإنه وقت هبوب الرياح ونشاط النفوس، وكلما طال ازدادوا نشاطًا وإقدامًا على عدوهم. قاله النووي في "شرح مسلم"(5)، قال: قد جاء في البخاري (6): "أخّر حتى تهب الرياح،

(1) طبقات ابن سعد (2/ 8، 9).

(2)

الدرر في المغازي والسير (95)، وطبقات ابن سعد (2/ 8).

(3)

في طبقات ابن سعد (كيد).

(4)

من حديث النعمان بن مقرن رضي الله عنه ولفظه: "كان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر"، هذا لفظ الترمذي، البخاري (3159)(1612 - 1613)، وأحمد (5/ 444)، وأبو داود (2655)، والبيهقي (9/ 153) ، وابن أبي شيبة (12/ 368)، والحاكم (2/ 116).

(5)

شرح مسلم (12/ 46).

(6)

البخاري (3159).

ص: 269

وتحضر الصلوات"، وسببه ففيلة أوقات الصلاة والدعاء عندها (1).

وعبارة القاضي في "إكماله" الحكمة في ذلك أنه وقت هبوب الرياح المنشطة لهم، بخلاف قتالهم قبل ذلك، فإنه قد يغشاهم وقت

النص الهاجرة، وهم في الحرب وشدته فيشتد عليهم الأمر، فيثبطهم فيؤدي إلى استيلاء العدو عليهم.

وقيل: الحكمة أن الزوال وقت هبوب الصبا التي اختص بالنصر بها، قال عليه الصلاة والسلام "نصرت بالصبا"(2).

الثاني: فيه استحباب المصافة بعد الزوال، كما قررناه.

الثالث: إنما نهى عن لقاء العدو، لما فيه من صورة الإِعجاب والاتكال على النفس والوثوق للقوة، وهو نوع بغيٍ، وقد ضمن الله

(1) وقد جاء مبينًا في سنن الترمذي بقوله قال: "وكان يقال عند ذلك تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم".

(2)

البخاري (1035)، ومسلم (900)، والبيهقي (3/ 364)، والبغوي (1149)، وأحمد (1/ 223، 373).

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (2/ 521): الصَبا بفتح المهملة بعدها موحدة مقصورة يقال القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس، وضدها الدبور وهي التي أهلكت بها قوم عاد، ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول، وكون الدبور أهلكت أهل الإِدبار، وأن الدبور أشد من لصبا، -إلى أن قال- ولما علم الله رأفة نبيه بقومه رجاء أن يسلموا سلط عليهم الصبا

إلخ.

والصبا هي الرياح الشرقية. الدبور: الرياح الغربية. اهـ من الفتح (7/ 402).

ص: 270

تعالى لمن بغي عليه أن ينصره، ولأنه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو واحتقاره، وهذا يخالف الاحتياط والحزم وتأوله بعضهم على النهي عن التمني في صورة خاصة، وهي إذا شك في الصحة فيه وحصول ضرر وإلَاّ فالقتال كله فضيلة وطاعة، والصحيح الأول، ولهذا نَبَّهَ عليه الصلاة والسلام عقب نهيه بقوله:"واسألوا الله العافية"، أي: فإنه لا يعدلها شيء، وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤالها، وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات، [دينًا](1) ودنيا وأخرى، أدامها الله علينا [بمنه وكرمه](2).

رابعها: فيه كراهة تمني لقاء العدو، كما قررناه، قال الشيخ تقي الدين (3): لما كان لقاء الموت من أشق الأشياء وأصعبها على النفوس من وجوه كثيرة، وكانت الأمور المقدرة عند النفس ليست كالأمور المحققة لها، خُشي أن لا تكون عند التحقيق كما ينبغي، فكره [تمنيه](4) لذلك، ولما فيه -إن وقع- من احتمال المخالفة لما وعد الإِنسان من نفسه، ثم إمر بالصبر عند وقوع الحقيقة، وقد أصح، (5) النهي عن تمني الموت مطلقًا لضُرٍّ نزل به. وفي الحديث [الآخر] (6): "لا تتمنوا الموت، فإن هول المطلع

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

إحكام الأحكام (4/ 500).

(4)

في المرجع السابق (تمني لقاء العدو).

(5)

في المرجع السابق (ورد).

(6)

غير موجودة في المرجع السابق.

ص: 271

شديد (1)، وفي الجهاد زيادة "على مطلق الموت". هذا آخر كلامه.

قال ابن عباس: ولم يتمن [نبي](2) الموت غير يوسف عليه الصلاة والسلام (3)، وقال غيره: إنما تمنَّى الوفاة على الإِسلام

(1) أحمد (3/ 331) من حديث جابر بن عبد الله وأخرجه البزار كما في الكشف (78/ 4، 152)، قال الهيثمي: في المجمع (10/ 199)، رواه البزار عن شيخه عمرو بن مالك (الرؤاسي) صوابه:(الراسبي)، وضعفه غير واحد، ووثقه ابن حبان، وقال: يغرب ويخطىء، وبقيه رجاله رجال الصحيح وقال أيضًا:(10/ 334) رواه أحمد والبزار وإسنادهما جيد. اهـ.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

تفسير الطبري (16/ 279)، وقال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (10/ 128): على باب تمني المريض الموت وقال أيضًا (10/ 130):

قوله: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه): الخطاب للصحابة، والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عمومًا، وقوله:"من ضر أصابه" حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي، فإن وجه الضر الأخروي بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي، ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية ابن حبان "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا" على أن "في" في هذا الحديث سببية، أي بسبب أمر من الدنيا، وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة: ففي "الموطأ" عن عمر أنه قال: "اللَّهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وإنتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط"، وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن عمر، وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس ويقال عابس الغفاري أنه قال: "يا طاعون خذني. فقال له =

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عليم الكندي: لِمَ تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: لا يتمنين أحدكم الموت؟ فقال: إني سمعته يقول: بادروا بالموت ستًا، إمرة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم

" الحديث. وأخرج أحمد أيضًا من حديث عوف بن مالك نحوه وأنه "قيل له: ألم يقل رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: ما عمر المسلم كان خيرًا له

" الحديث، وفيه الجواب نحوه، وأصرح منه في ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم في القول في دبر كل صلاة وفيه: "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون". اهـ.

(قوله: (باب تمني المريض الموت)، أي هل يمنع مطلقًا أو يجوز في حالة؟ ووقع في رواية الكشميهني نهى تمني المريض الموت، وكأن المراد مغ تمني المريض. وذكر في الباب خمسة أحاديث: الحديث الأول عن أنس.

قوله: (ولا يتمنى) كذا للأكثر بإثبات التحتانية، وهو لفظ نفي بمعنى النهي. ووقع في رواية الكشميهني:"لا يتمنَ" على لفظ ابن، ووقع في رواية معمر الآتية في التمني بلفظ:"لا يتمنى" للأكثر، وبلفظ:"لا يتمنين" للكشميهني ، وكذا هو في رواية همام عن أبي هريرة بزيادة نون التأكيد، وزاد بعد قوله أحدكم الموت:"ولا يدع به من قبل أن يأتيه" وهو قيد في الصورتين، ومفهومه أنه إذا حل به لا يمنع من تمنيه رضا بلقاء الله ولا من طلبه من الله لذلك وهو كذلك، لهذه النكتة عقب البخاري حديث أبي هريرة بحديث عائشة: "اللَّهمَّ اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى إشارة إلى أن النهي مختص بالحالة التي قبل نزول الموت، فللَّه درَّه ما كان أكثر استحضاره وإيثاره للأخفى على الأجلى شحذًا للأذهان. وقد خفى صنيعه هذا على من جهل حديث عائشة في الباب معارضًا لأحاديث الباب أو ناسخًا لها؛ وقوى ذلك بقول يوسف عليه السلام: =

ص: 273

لا الموت وقد ورد عنه [عليه الصلاة والسلام](1) في بعض أدعيته: "وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون"(2): وروى عن

= {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)} ، قال ابن التين: قيل أن النهي منسوخ بقول يوسف فذكره: وبقول سليمان: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} ، وبحديث عائشة في الباب، وبدعاء عمر بالموت وغيره. قال: وليس الأمر كذلك لأن هؤلاء إنما سألوا ما قارب الموت. قلت: وقد اختلف في مراد يوسف عليه السلام، فقال قتادة: لم يتمن الموت أحد إلَّا يوسف حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء الله، أخرجه الطبراني بسندٍ صحيح عنه. وقال غيره: بل مراده توفني مسلمًا عند حضور أجلي، كذا أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك بن مزاحم، وكذلك مراد سليمان عليه السلام.

وعلى تقدير الحمل على ما قال قتادة فهو ليس من شرعنا، وإنما يؤخذ بشرع من قبلنا ما لم يرد في شرعنا النهي عنه بالاتفاق، وقد استشكل الإِذن في ذلك عد نزول الموت لأن نزول الموت لا يتحقق، فكم من انتهى إلى غاية جرت العادة بموت من يصل إليها ثم عاش. والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد أن العبد يكون حاله في ذلك الوقت حال من يتمنى نزوله به ويرضاه أن لو وقع به، والمعنى أن يطمئن قلبه إلى ما يرد عليه من ربه ويرضى به ولا يقلق، ولو لم يتفق أنه يموت في ذلك المرض). اهـ.

(1)

في ن هـ ساقطة.

(2)

من رواية ابن عباس عند أحمد (1/ 368)، والترمذي (3233، 3234)، قال في تحفة الأشراف النكت الظراف (382)، وقال محمَّد بن نصر في كتاب تعظيم قدر الصلاة: هذا حديث اضطرب الرواة في إسناده، وليس يثبت عند أهل المعرفة، اهـ. السنَّة لابن أبي عاصم (1/ 204)، والتوحيد لابن خزيمة (538)، والشريعة للآجري (496)، والمنتخب لعبد بن حميد =

ص: 274

[(1)] عمر أنه قال: "قد رق عظمي وانتشرت رعيتي فتوفني غير [مقصر] (2) ولا [عاجز] (3) "(4).

فإن قلت: إذا كان الجهاد طاعة فكيف ينهى عن تمنيها.

قلت: وقد أجيب عن هذا بإن المنهي عنه التهاون بأمر العدو وعدم أخذ الحذر منه كما مضى.

= (1/ 228)، والأسماء والصفات للبيهقي (379)، والعلل لابن أبي حاتم (1/ 20)، والرؤية للدارقطني (332، 326).

ومن رواية معاذ بن جبل: عند أحمد (5/ 243)، والترمذي (3253)، قال: سألت محمَّد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح

إلخ كلامه، الأسماء والصفات للبيهقي (380) ، والطبراني في الكبير (20/ 109، 141)، والوحيد لابن خزيمة (540)، والدارقطني في الرؤية ().

وقد روي عن جماعة من الصحابة منهم عبد الرحمن بن عايش (مختلف في صحبته)، وقد روى عنه عن بعض أصحاب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - السنة لابن أبي عاصم (1/ 204)، الشريعة للآجري (497)، والدارمي في السنن (2/ 126)، وأحمد (5/ 378)، والرؤية الدراقطني (316)، وعن ثوبان في السنة لابن أبي عاصم (1/ 204)، والتوحيد لابن خزيمة (543)، والرؤية للدارقطني (340)، والبغوي في السنة (4/ 38)، وأبي أمامة في السنة لابن أبي عاصم (1/ 170، 203)، والرؤية للدارقطني (333، 336)، والطبراني في الكبير (8/ 349).

(1)

في ن هـ زيادة (ابن)، وهو خطأ.

(2)

في الموطأ (مضيِّع).

(3)

المرجع السابق (مُفَرِّط).

(4)

الموطأ (2/ 824).

ص: 275

قال القاضي: هو بمعنى نهي أمته عن تمني المكاره، ولهذا كان السلف الصالح يتمنون من الله تعالى العافية من الفتن والمحن، لاختلاف الناس في الصبر عند نزولها، ولهذا قال في الحديث متصلًا به "واسألوا الله العافية".

خامسها: استدل به بعضهم على منع طلب المبارزة، لأنها من تمني لقاء العدو، ولكن إن دعي إليها أجاب:"روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لابن له: يا بني لا تدعُ أحدًا إلى المبارزة، ومن دعاك إليها فأخرج إليه، فإنه باغٍ، وقد ضمن الله نصر من بُغِي عليه"(1).

سادسها: قوله: "فإذا لقيتموهم فاصبروا" أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة، وحثَّ على الصبر في القتال، وهو كظم ما يؤلم من غير إظهار شكوى ولا جزع، وهو الصبر الجميل، وهو آكد أركانه، وقد جمع الله تعالى آداب القتال في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)} (2)، إلى قوله:{بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)} (3)، وقد جاءت آيات في الحث على الصبر، منها قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)} (4)، ومنها قوله تعالى:[{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)} (5)](6).

(1) ذكرها في إكمال إكمال المعلم (5/ 54).

(2)

سورة الأنفال: آية 45.

(3)

سورة هود: آية 92.

(4)

سورة البقرة: آية 153.

(5)

سورة النحل: آية 126.

(6)

في ن هـ ({لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}).

ص: 276

سابعها: قوله: "واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف"، هذا من المجاز البليغ الحسن جدًا، فإن ظل الشيء لما كان ملازًا، جعل ثواب الجنة واستحقاقها بسبب الجهاد، وإعمال السيوف لازم لذلك، كما يلزم الظل، وهذا نظير "الجنة تحت أقدام الأمهات"،

وكما في تخصيص السيوف دون آلات الحرب، لكونها الغالب مما يقاتل به، فإنها أسرع إلى الزهوق، وقال القاضي عياض: قيل: معنى الحديث إن ثواب الجهاد تحت ظلال السيوف، لأن معظم الجهاد بها ، ولكونها تظل صاحبها عند رفعها للضرب بها غالبًا، وقيل: معناه دُنُوُّ الأقران من الأعداء حتى يكونوا جميعًا تحت ظلال السيوف، ولا يفرون، لأن كل من دنا منك فقد أظلك، وإلى نحو هذا أشار الخطابي (1)، وقال النووي (2): معناه ثواب الله، والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله ومشي المجاهدين في سبيله فاحضروا فيه بصدق واثبتوا.

ثامنها: قوله "اللهم منزل الكتاب" إلى آخره، أشار بالكتاب إلى نصره على من خالفه، قال تعالى:{قتلُوهُمْ يُعَذِّبهم الله} (3) الآية.

وأشار بِـ"مجري السحاب" إلى شدة الأخذ وسرعة البطش وهذا الدعاء إشارةً إلى ثلاثة أسباب يطلب لها الإِجابة.

(1) معالم السنن (3/ 430).

(2)

شرح مسلم (12/ 46).

(3)

سورة التوبة: آية 14.

ص: 277

أحدها: طلب النصر بالكتاب المنزل، وعليه يدل قوله:"منزل الكتاب"، كأنه قال كما أنزلته فانصره وأعله، وأشار إلى القدرة بقوله:"ومجري السحاب".

وأشار إلى أمرين بقوله: "وهازم الأحزاب".

أحدهما: التفرد بالفعل وتجريد التوكيل واطراح الأسباب واعتقاد أن الله هو الفاعل.

والثاني: التوسل بالنعمة السابقة إلى النعمة اللاحقة، وقد ضَمَّن الشعراء هذا المعنى أشعارهم بعد ما أشار إليه كتاب الله حكاية عن زكرياء عليه الصلاة والسلام ليس قوله:{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)} (1)، وعن إبراهيم عليه السلام في قوله:{سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)} (2)، وقال الشاعر:

كما أحسن الله فيما مضى

كذلك يحسن فيما بقى

وقال آخر:

قالوا نلت به وأنت في هذا التمادي

فأجبتهم حسن الرجاء وملة الإِسلام زادي

[لولاو](3) الذي قدمن [بالإِيمان](4) يثلج في فؤادي

ما كان يختم بالإِساءة وهو بالإِحسان بادي

(1) سورة مريم: آية 4.

(2)

سورة مريم. آية 47.

(3)

في الأصل: (لا و).

(4)

في ن هـ وضع فوقها (بالإِسلام)، وأثبت (الإِيمان) فوقها.

ص: 278

ومراده بالإِساءة ما يسوء الشخص بعد الإِحسان إليه، فإن [الله](1) تعالى مالك لعبيده، يفعل ما يريد فلا يوصف بكونه أساء،

ويحتمل الحديث معنى آخر وهو التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث، فإن بإنزال الكتاب، وإعجازه حصلت النعمة الأخروية وهي

الإِسلام، قال تعالى:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} (2)، و"مجري السحاب" حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق، قال تعالى:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} (3)، وبهزيمة الأحزاب حصل حفظها، فإن فائدة الجهاد إنما هي إعلاء كلمة الدين وصون المسلمين، فكأنه عليه الصلاة والسلام [يقول](4) اللَّهم كما أنعمت بعظيم نعمتك الأخروية والدنيوية وحفظتهما فأبقهما.

تاسعها: فيه استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار لنا والهزيمة على أعدائنا، وقد ورد أن هذا أحد المواضع التي يستجاب فيها (5).

عاشرها: ترغيب الإِمام المقابلة عند اللقاء.

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

سورة البقرة آية 2.

(3)

سورة الذاريات: آية 22.

(4)

زيادة من ن هـ.

(5)

في الحديث الذي أخرجه أبو داود (2540)، من رواية سهل بن سعد ولفظه "ثنتان لا تردان، أو قلما تردان (في تحفة الأشراف (4/ 124) - أو قال ما تردان): الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يُلحم بعضهم بعضًا".

ص: 279

حادي عشرها: [الدعاء](1) بصفات الله التي تناسب طلب الداعي، لقوله:"وهازم الأحزاب، اهزمهم".

ثاني عشرها: الصبر عند اللقاء كما مرَّ، فإن النصر مع الصبر، كما جاء في الحديث الآخر (2).

ثالث عشرها: تعليق الإِمام الناس ما يحتاجون إليه.

رابع عشرها: سؤال الله العافية كما مرَّ.

خامس عشرها: التنبيه على أسباب الجنة بالضرب بالسيوف.

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

في الحديث الذي أخرجه أحمد (1/ 307)، والطبراني في الكبير (11243) من رواية ابن عباس.

قال ابن رجب -رحمنا الله وإياه- في كتاب "جامع العلوم والحكم": شرح الحديث التاسع عشر، وقد روي عن النبي - صلي الله عليه وسلم - أنه أوصى ابن عباس بهذه الوصية من حديث علي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري، وسهل بن سعد، وعبد الله بن جعفر، وفي أسانيدها كلها ضعف وذكر العقيلي أن أسانيد الحديث كلها لينة، وبعضها أصلح من بعض، وبكل حال فطريق حنش التي خرجها الترمذي حسنة جيدة.

أقول: أما قوله "فقد روي عن النبي - صلي الله عليه وسلم - أنه أوصى ابن عباس إلى أن قال: وعبد الله بن جعفر" فإن رواية عبد الله بن جعفر وصية من النبي - صلي الله عليه وسلم - له كما في الحديث الذي ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وسنده ضعيف (7/ 192).

وجاء الأمر بالصبر رواية أنس بن مالك عند الخطب في تاريخه (10/ 287) ولفظه: "والنصر مع الصبر

" الحديث.

ص: 280

سادس عشرها: سؤال الله تعالى بنعمته السالفة- نعمته اللاحقة.

سابع عشرها: مراعاة انشراح النفوس ونشاطها لفعل الطاعة.

ثامن عشرها: الحث على سلوك الأدب، وأن الشخص لا ينبغي له أن يثق بنفسه، ولا يدعي شيئًا من القوة والقدرة على لقاء العدو، فإنه لا حول ولا قوة إلَّا بالله.

ص: 281