الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
- (1)
المراد بالصفة الكيفية، وذكر في الباب أربعة عشر حديثًا:
الحديث الأول
84/ 1/ 15 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبّر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: أقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء [والبرد] (2) "(3).
الكلام عليه من وجوه فوق العشرين:
(1) بداية ن د (بسم الله الرحمن الرحيم، رب أعن برحمتك)، وفي الأصل باب صفة الصلاة، وما أثبت من ن ب.
(2)
في الأصل (البارد) وهي رواية، وما أثبت من ب والعمدة والصحيحين.
(3)
البخاري (744)، ومسلم (598)، وأبو داود (781)، والنسائي (2/ 129)، وابن ماجه (805)، والبغوي (574)، والدارمي (1/ 283)، وأبو عوانة (1/ 98)، والبيهقي (2/ 195).
أولها: لا شك أن "كان" هنا تشعر بكثرة الفعل، أو المداومة عليه، وقد تكون لمجرد وقوعه.
ثانيها: قوله: "مكث هنيهة" أي قليلًا من الزمان، وأصله هنه ثم صغر [هنيهة](1) ثم أبدلت الياء المشددة هاء، وفي رواية في
الصحيح (هنيّة) بغير هاء والياء مشدة من [غير همز](2).
قال النووي في "شرح مسلم"[و](3): من همزها فقد أخطأ.
وخالف القرطبي فقال في "شرحه"(4): هنيئة بضم الهاء وياء التصغير وهمزة مفتوحة [كخطيئة](5)(6) رواية الجمهور.
وعند الطبري (7): "هنئهة" بالهاء بعد الهمزة تصغير هنة، قال:[وهنٌ](8)، وهنة كناية عن أسماء الأجناس، هذا هو المعروف.
وقال أبو الحسن بن خروف (9): [هن](10) كناية عن كل اسم
(1) في ن د (هنية).
(2)
في الأصل ون ب (من غيرهم)، وما أثبت من ن د.
(3)
زيادة من ن ب د، وأيضًا يوافق لشرح مسلم (5/ 96).
(4)
المفهم (2/ 1046).
(5)
في الأصل (لحظ به) ون ب (كحطبه)، وما أثبت من ن د.
(6)
في المفهم: زيادة "واو".
(7)
في المفهم: هنيهة، يبدل من الهمزة هاء
…
الخ.
(8)
في ن ب (وهي).
(9)
هو إمام النحو أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن خروف الإِشبيلي مصنف "شرح سيبويه"، مات سنة عشر وستمائة. سير أعلام النبلاء (22/ 26).
(10)
في ن ب (هي).
نكرة [عاقل](1) كـ"فلان" في الأعلام.
ثالثها: قوله: "رأيت" هو بضم التاء، وهي من رؤية القلب لا العين.
رابعها: المراد بالسكوت هنا سكوت عن الجهر، لا سكوت مطلق عن القول، وسكوت عن قراءة القرآن، لا عن الذكر والدعاء،
بدليل قوله بعده: "ما تقول"، فإنه مشعر بأنه فهم أن في سكوته قولًا.
خامسها: وقع السؤال بقوله: "ما تقول؟ " دون قوله: هل تقول؟ مع أن السؤال "بهل" مقدم على السؤال "بما" ها هنا لكنه استدل
على أصل القول بحركة الفم، كما استدل الصحابة على قراءته سرًّا [باضطراب](2) لحيته.
سادسها: فيه الحرص على تتبع أقوال الإِمام وأفعاله من حركة وسكون، وهذا كان دأب الصحابة معه عليه الصلاة والسلام محافظة على الاقتداء به، وذلك من نعم الله -تعالى- على هذه الأمة، إذ هم الذين نقلوا الشريعة إلينا، ولو [تساهلوا](3) في ذلك لاختل النظام.
سابعها: "اللهم" تقدم الكلام عليه في باب الاستطابة، فأغنى عن الإِعادة.
(1) في ن ب ساقطة. وما أثبت يوافق إكمال إكمال المعلم (2/ 288).
(2)
في الأصل (اصطلاب)، وما أثبتاه من ب د.
(3)
في ن ب (تسالوا).
ثامنها: قوله: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي
…
إلى آخره" [و](1) المراد محو الخطايا وترك المؤاخذة بها أو المنع من وقوعها، والعصمة منها، وهذا منه صلى الله عليه وسلم على قصد التعليم أو إظهار العبودية، وإلَّا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والثاني: أظهر إذ لو قصد التعليم لجهر به، ولا يبعد أن يكون ذلك دعاء لأمته صلى الله عليه وسلم وقال: القرطبي (2) في شرحه: هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم على جهة المبالغة في طلب غفران الذنوب وتبرئته منها.
تاسعها: في قوله: "اللهم باعد
…
إلى آخره"، مجازان:
الأول: استعمال المباعدة في ترك المؤاخذة، والمباعدة إنما تكون في الزمان أو المكان.
الثاني: استعمالها في الإِزالة الكلية مع أن أصلها لا يقتضي الزوال، وليس المراد البقاء مع البعد، ولا ما يطابقه من المجاز، بل المراد الإِزالة الكلية، ومثله قوله -تعالى-:{تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} (3) والمراد التبري منه، وكذلك التشبيه بالمباعدة بين
المشرق والمغرب، فإن المراد منه ترك المؤاخذة.
عاشرها: قوله: "من الدنس" هو أيضًا مجاز عن زوال الذنوب وأثرها، ولا شك أن الدنس في الثوب يكون غير البياض، وطعم غير طيب، ورائحة كريهة. وجاء في رواية في صحيح مسلم: "من
(1) في ن د ساقطة.
(2)
المفهم (2/ 1046).
(3)
سورة آل عمران: آية 30.
الدرن"، وفي رواية: "من الوسخ"، ولما كان ذلك في الثوب الأبيض أظهر من غيره من الألوان وقع التشبيه به.
الحادي عشر: "اللهم اغسلني
…
إلى آخره" هو مجاز عن المؤاخذة كما ذكرنا، ويحتمل بعده أمران، الأول: التعبير بالغسل عن الغاية بالمحو، أعني: مجموع أنواع المياه في مشاهدة نزولها إلى الأرض من الماء والثلج والبرد، فيكون المراد منه الثواب الذي تكرر تنقيته [للذنوب](1) بثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء.
الثاني: أن يكون كل واحد من هذه الثلاثة مجازًا عن صفة يقع بها التكفير والمحو، وهذا كقوله -تعالى-:{وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} (2) وكل واحد من العفو والمغفرة والرحمة صفة لها أثر في محو [الذنب](3)، ففي الأمر الأول نظر إلى كل واحد من أفراد الألفاظ، وفي الثاني نظر إلى كل فرد من أفراد المعاني، وكلاهما دالان على الغاية في محو الذنب والتطهير منه.
الثاني عشر: قوله: "بالثلج والماء والبرد" فيه استعارة للمبالغة في التنظيف من الذنوب، ورُوي (والماء البارد) وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، كقولك مسجد الجامع. وانظر تخصيص الماء البارد دون الساخن، وإن كان الساخن أذهب للوسخ من البارد، وكأن سِرّه والله أعلم، أنه استعاره لبرد القلب من الذنوب.
(1) في ن ب (الذنوب).
(2)
سورة البقرة: آية 286.
(3)
في ن ب (الذنوب).
قال الهَروي: [يقال](1) إنما سمي بَردًا لأنه يبرد وجه الأرض أي يقشر، وجاء في الصلاة على الجنازة: واغسله بالماء، والثلج، والبرد.
قال بعض العلماء: عبر بالماء عن الرحمة، وبالثلج عن العفو، وبالبرد عن المغفرة.
فائدة: ترقى صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء فطلب أولًا مطلبًا يليق بالعبودية وهو المباعدة، ثم ترقى فطلب [التنقية، ثم ترقى فطلب](2) الغسل فإنه أبلغ [منها](3)، وكذلك أدخل حرف التشبيه على التنقية، وأسقطه في الغسل تحقيقًا للنقاء من كل وجه، لأن الغسل بثلاثة أشياء أبلغ من التنقية بالماء وحده، لأن تنقية الثوب إنما عهدت بالماء خاصة، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح. "أعوذ برضاك من سخطك"
…
الحديث فطلب أولًا الرضا، فلما رآها لا تسلم من الأسقام، انتقل إلى المعافاة، ثم انتقل إلى الذات، ثم أثنى، ثم اعترف بالعجز عن ثنائه، ثم أثبت الثناء اللائق به عز وجل.
الثالث عشر: استدل [الشاشي](4) وأصحابنا بهذا الحديث على طهورية الثلج والبرد وهو إجماع، لكن قال الشيخ عز الدين: لم يرد عين الثلج والبرد والماء البارد، وإنما أراد إذاقته [لذة](5) غفران ذنوبه.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
ساقطة من ب، ومثبتة في د.
(3)
في ن ب (فيها).
(4)
في الأصل ون د غير واضحة، وما أثبتناه من ب.
(5)
في ب (إلى).
الرابع عشر: الخطايا. جمع خطيئة.
وأصل: "خطايا" عند الخليل: خطائي فالهمزة الأولى بدل من الياء الزائدة [في خطيئة، والهمزة الثانية هي لام الفعل ووزنه فعائل واستثقل الجمع بين همزتين في كلمة، فقدمت الياء الزائدة](1) بعد الهمزة التي هي لام الفعل فصار خطائي بالهمزة بعدها ياء، ثم أُبدلت الياء ألفًا بدلًا لازمًا مسموعًا من العرب (2) في هذا البناء من الجمع، وإذا أبدل من الياء ألفًا لزم أن يبدل من كسر الهمزة التي قبلها فتحة إذ الألف لا يكون ما قبلها إلَّا مفتوحًا، فلما انفتحت الهمزة صارت خطاءًا اجتمع ألفان بينهما همزة، فأبدل من الهمزة ياء فصارت خطايا، فوزنها فعالى [محول](3) من فعالى مقلوب من فعائل، وسيبويه يرى أن لا قلب فيه، ولكنه أبدل من الهمزة الثانية التي هي لام الفعل [بانكسار](4) ما قبلها، ثم أبدل منها ألفًا على ما تقدم في مذهب الخليل، فوزنه عنده فعالى [محول](5) من فعائل.
الخامس عشر: فرق بعضهم بين الخطيئة والإِثم، بأن الخطيئة: فيما بين العبد وربه.
والإِثم: فبما بين المخلوقين، وفيه نظر، فإنه قد كثر إطلاق
(1) ساقطة من ب.
(2)
في ب (من العرب).
(3)
في الأصل (محمول)، والتصحيح من ن ب د.
(4)
في الأصل (بالانكسار)، وفي ن د.
(5)
في الأصل (محمول)، والتصحيح من ن ب د.
الفقهاء اسم الإِثم على من أخرج الصلاة عن وقتها [وكذا](1) فيمن أفطر متعمدًا في الفرض، وهي فيما بين العبد وبين ربه.
السادس عشر: فيه استحباب هذا الدعاء ببن تكبيرة الإِحرام وقراءة الفاتحة، وهو مستحب عند الشافعي وأبي حنيفة وأحمد والجمهور، والحكمة فيه تمرين النفس على انشراحها لأفضل الأذكار وتدبرها، وهي الفاتحة وما شرع معها من القراءة، وجاء في الاستفتاح أحاديث:
أحدها: هذا وهو مما اتفق على إخراجه الشيخان في صحيحيهما كما صرح به المصنف.
ثانيها: حديث علي (2) رضي الله عنه: "وجهت وجهي
…
إلى آخره" وهو من أفراد مسلم، وكأن الشافعي إنما اختاره لموافقته ألفاظ القرآن.
ثالثها: حديث عائشة (3) في الاستفتاح بـ"سبحانك اللهم
(1) ساقطة من ن ب.
أقول: انظر: تفسير القرطبي للاطلاع على الفرق (5/ 380).
(2)
صحيح مسلم (771) في صلاة المسافرين وقصرها، وأبو داود (761) في الصلاة، باب: ما تستفتح به الصلاة من الدعاء، والترمذي (3423)، وأبو عوانة (1/ 102)، والدارقطني (1/ 297)، وعبد الرزاق (2567)، وأحمد (1/ 102)، والنسائي (2/ 129).
(3)
الترمذي (243)، وأبو داود (776)، وابن ماجه (806)، والدارقطني (1/ 112)، والحاكم (1/ 235)، وابن منده في التوحيد (2/ 223) بسند صحيح.
وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" رواه أبو داود والترمذي وضعفاه (1)، وبه قال أبو حنيفة وأحمد: قال
(1) قال الترمذي: وحارثة قد تكلم فيه من قبل حفظه. لكن أخرجه معه أبو داود، والدارقطني (1/ 112)، والحاكم (1/ 235) من طرق أخرى، ورجاله ثقات، ويشهد له حديث أبي سعيد رواه أحمد (3/ 50)، وأبو داود (775)، والترمذي (242)، والنسائي (2/ 132)، وابن ماجه (804) وإسناده حسن، وذكر الهيثمي في المجمع (2/ 265) عن أحمد وقال: رجاله ثقات. تنبيه: فيه زيادة عن أحمد وأبي داود: "ثم يقول: لا إله إلَّا الله، ثلاثًا أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزة ونفخه ونفثه"، وأخرجه مسلم رحمه الله (399) من طريق عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول:"سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". قال النووي رحمه الله (4/ 111) شرح مسلم: قال أبو علي الغساني: هكذا وقع عن عبدة أن عمر هو مرسل يعي أن عبدة وهو ابن أبي لبابة لم يسمع من عمر. قال أحمد شاكر رحمه الله في الترمذي (2/ 11)، والحديث صحيح رواه أحمد مطولًا رقم (11493، 3/ 50) والنسائي مطولًا ومختصرًا ورواه أيضًا أبو داود
…
إلخ. انظر: إرواء الغليل (2/ 48) سيأتي في ح (105) بعد التعليق (5).
تنبيه: ذكر ابن القيم رحمه الله في الزاد (1/ 205) سبب اختيار أحمد لاستفتاح "سبحانك اللهم وبحمدك" عشرة أوجه نوجزها: منها اشتماله على أفضل الكلام بعد القرآن، وهي: سبحان الله والحمد لله
…
إلخ، وقد تضمنها هذا الاستفتاح مع تكبيرة الإِحرام، ومنها أنه استفتاح أخلصُ للثناء على الله، وغيره متضمن للدعاء. والثناء أفضل من الدعاء، ولهذا =
البيهقي (1): والصحيح وقفه على عمر، وفيه غير ذلك من الأحاديث.
وانفرد مالك (2)، فقال: لا يأتي بعد بشيء بل [يقرأ](3): "الحمد لله" إلى آخرها، ولعله لم تبلغه الأحاديث، أو لم يجد عملًا
على وفقه، وحديث المسيء صلاته:"كبر ثم اقرأ" لا حجة [له](4) فيه، لأنه علمه الواجبات.
قال الشيخ تقي الدين: في حديث المسيء صلاته، وقد نقل بعض المتأخرين ممن لم يرسخ قدمه في الفقه ممن يُنسب إلى غير الشافعية أن الشافعي يقول بوجوب دعاء الاستفتاح، قال: وهو غلط
= كانت سورة الإِخلاص تعدل ثلث القرآن، لأنها أخلصت لوصف الرحمن تبارك وتعالى، ومنها أن الاستفتاحات عامتها في قيام الليل وعمر فعله وعلمه للناس في الفرائض. ومنها أن هذا استفتاح إنشاء للثناء على الرب تعالى، متضمن للإِخبار عن صفات كماله، والاستفتاح "بوجهت وجهي" إخبار عن عبودية العبد. ومنها أن من اختار "وجهت وجهي" لا يكمله وإنما يأخذ بقطعة من الحديث ويذر باقيه بخلاف سبحانك اللهم، فإنه يقوله إلى آخره. ومنها جهر عمر به يعلمه الصحابة. انظر: زاد المعاد (1/ 202، 205) فقد ذكر عدة أنواع من الاستفتاحات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بها في صلاته فينبغي للمصلي ان يغاير بين ما يستفتح به في صلاته ليحصل له العمل بالسنة، وأيضًا "الأوسط" لابن المنذر فقد ساق ثمانية أنواع من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بها (3/ 81، 86).
(1)
السنن الكبرى (2/ 33).
(2)
انظر: المدونة الكبرى (1/ 62).
(3)
في ن د (يقول).
(4)
ساقطة من ن ب.
قطعًا لم ينقله غيره، وإن نقله غيره كالقاضي عياض وغيره من الفضلاء ممن هو في رتبته، فالوهم منهم لامنه.
السابع عشر: سكوته عليه الصلاة والسلام إنما [هو](1) للدعاء كما بينه عليه الصلاة والسلام فلا حجة فيه لمن يرى أن سكوت الإِمام حتى يقرأ من خلفه الفاتحة، وبدليل أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يسكت إذا نهض في الركعة الثانية، قال ذلك القرطبي (2).
وقال القاضي عياض: اختلف العلماء هل على الإِمام سكتة أم لا؟. فذهب الشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن على الإِمام ثلاث سكتات: واحدة: بعد التكبير لدعاء الاستفتاح، والثانية: بعد تمام أم القرآن أي للتأمين وهي سكتة لطيفة، والثالثة: بعد التأمين ليقرأ من خلفه، وذهب مالك إلى إنكار جميعها.
وذهب أبو حنيفة وجمهور العلماء من السلف: إلى إنكار السكتتين الأخيرتين، وقد سلف ذلك في الحديث الخامس من الباب
قبله مع الدلالة على الاستحباب، وقدمت هناك سكتة رابعة وهي [بعد](3) فراغ قراءة السورة.
قال الغزالي في الإِحياء (4): وهي قدر "سبحان الله". ووقع له تخالف في الإِحياء ينبغي أن تعرفه، وهو أنه قال: وللإِمام سكتة
(1) في ن د (كان).
(2)
المفهم (2/ 1046).
(3)
زيادة من ب.
(4)
انظر: إتحاف السادة المتقين (3/ 80).
عقب الفاتحة ليقرأ المأموم الفاتحة في الجهرية فيها، كذا قال: في وسط الباب الثاني في الأعمال الظاهرة، وقال: في الباب الرابع في الإِمامة (1). الثانية: أن يكون للإِمام في القيام ثلاث سكتات أولهن: إذا كبر وهي الطولى منهن مقدار ما يقرأ من خلفه فاتحة الكتاب، وذلك وقت قراءته لدعاء الاستفتاح، الثانية: إذا فرغ من الفاتحة ليتم من لم يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى وهي نصف السكتة الأولى، ثم ذكر. الثالثة فتنبه لذلك، ووافقه على قراءة الفاتحة في هذه السكتة، الفارقي وابن أبي عصرون.
وقال المتولي: تكره قراءتها له قبل شروع الإِمام فيها، فإن فرغ منها بطلت صلاته في وجه.
واعلم أيضًا أن تسمية الأولى سكتة مجاز، فإنه لا يسكت حقيقة، بل يقول دعاء الاستفتاح، لكن سميت سكتة في الحديث الصحيح الذي نحن فيه لأنه لا يسمع أحد كلامه، فهو كالساكت، وقد سلف ذلك أيضًا.
وأما السكتة الثالثة: فقال السرخسي: يستحب أن يقول فيها دعاء، وذكر فليست سكتة [حقيقة](2) أيضًا، وذكر صاحب "الشامل
الصغير" من المتأخرين: إنه يندب سكتة أيضًا [بعد](3) السلام الأول.
الثامن عشر: فيه تفدية النبي صلى الله عليه وسلم بالآباء والأمهات وهو إجماع، وهل يجوز تفدية غيره من المؤمنين فيه ثلاثة مذاهب.
(1) المرجع السابق (3/ 317).
(2)
في ن ب د (حقيقة).
(3)
في الأصل (عند)، وما أثبت من ن ب د.
أصحها: نعم بلا كراهة.
وثانيها: المنع، وذلك خاص به صلى الله عليه وسلم.
وثالثها: يجوز تفدية العلماء الصالحين الأخيار، دون غيرهم، لأنهم هم [الورّاث](1) المنتفع بهم (2) بخلاف غيرهم.
التاسع عشر: فيه استعمال المجاز، وتسمية الكلام اليسير سكوتًا.
العشرون: فيه سؤال العلماء عن العلم.
الحادية والعشرون: فيه تخصيص الإِمام نفسه بالدعاء دون المأمومين، فإن الظاهر منه صلى الله عليه وسلم أنه كان إمامًا، فيحمل النهي الوارد في تخصيص الإِمام نفسه به وأنه جاء [نهيهم](3) على كراهة التنزيه لا التحريم بيانًا للجواز.
قال ابن المنذر في (الإِشراف): قال الشافعي: لا أحب للإِمام تخصيص نفسه بالدعاء دون القوم. قال ابن المنذر: وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا كبر في الصلاة قبل القراءة: "اللهم باعد بيني
…
فذكر الحديث"، قال: وبهذا نقول (4).
الثاني والعشرون: فيه شرعية سؤال المباعدة من الذنوب، والتنقية منها، والغسل وتأكد ذلك، فإن ذلك ليس من التحجر في
الدعاء، بل هو من باب العلم بسعة رحمة الله تعالى وجوده وكرمه.
(1) في ن ب (الفدات).
(2)
في ن ب زيادة (دون).
(3)
في الأصل ون د (نهم).
(4)
أقول انظر: الأوسط (3/ 81، 86).