الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
115/ 4/ 21 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلَّا ذلك. أقم الصلاة لذكري"(1).
ولمسلم: "من نسي [صلاة] (2) أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"(3).
الكلام عليه من وجوه:
والتعريف براويه سلف [في](4) باب الاستطابة.
(1) البخاري (597)، ومسلم (684)، والترمذي (178)، والنسائي (1/ 293، 294)، وابن ماجه (965، 696)، وأبو داود (442)، والبغوي في شرح السنة:(393، 394)، والدارمي (1/ 280)، وابن خزيمة (991، 992، 993)، وأبو عوانة (1/ 385، 2/ 252، 260)، والبيهقي في السنن (2/ 218، 456)، والطحاوي في المشكل (1/ 187)، وفي المعاني (1/ 466)، وابن حبان (1555، 1556)، وأحمد (3/ 100، 243، 267، 269)، وابن أبي شيبة (2/ 63، 64).
(2)
في الأصل ساقطة، وما أثبت من ن ب د.
(3)
مسلم (684)، (316).
(4)
في ن ب (من).
الأول: معنى الحديث أنه يلزمه الصلاة إذا خرجت عن الوقت بنوم أو نسيان وتكون قضاء، وهذا لا خلاف فيه، كثرت الصلوات
أو قلت:
قال القرطبي (1) في "شرحه": وشذ بعض الناس فيما زاد على خمس صلوات أنه لا يلزمه قضاء، وهو خلاف لا يعبأ به، لأنه مخالف لنص الحديث.
قلت: ووجهت هذه المقالة على غلطها بأن القضاء يسقط [لمشقة](2) التكرار: كالحائض، والخمس لا مشقة عليها في قضائها بخلاف ما زاد، ويلزم على هذا أن تقضي الحائض الخمس لانتفاء المشقة، ولا قائل به، ولا يحسن إلحاق الناسي بها، [لأنه](3) لا تفريط من جهتها بخلافه، فإنه يمكنه التحفظ والاهتمام فمعه ضرب تقصير.
الثاني: معنى: "لا كفارة لها إلَّا ذلك" يعني أنه لا كفارة لها غير فعلها وقت ذكرها، ولا يلزمه شيء آخر مع فعلها من عتق: أو صدقة، أو صيام: كغيرها مما يدخله الكفارة مع وجوب قضائه. ويحتمل أن مراده أنه لا بدل لقضائها، كما يقع الإِبدال في بعض
الكفارات، وأنه لا يكفي مجرد التوبة، بل لا بد من الإِتيان بها، وذلك مردود بأنها كانت صبح اليوم. وأبو حنيفة يجيزها في هذا
(1) المفهم (2/ 1171).
(2)
في ن ب د (بمشقة).
(3)
في ن ب (بأنه).
الوقت، كذا ذكره الشيخ تقي الدين (1)، وفيه شيء سيأتي في الوجه السادس [وفي] (2) الحديث (3):"فما أيقظهم إلَّا حر الشمس" وذلك يكون بالارتفاع، وقد يعتقد أن المانع من فعلها على الفور كون الوادي به شيطان، كما دل عليه الحديث (4) فأخر ذلك بالخروج عنه ولا شك أن هذا علة للتأخير والخروج كما دل عليه الحديث، ولكن هل يكون ذلك مانعًا على تقدير أن يكون الواجب المبادرة؟ في هذا نظر كما قاله الشيخ تقي الدين فلا يمتنع أن يكون مانعًا على تقدير جواز التأخير.
وأجاب صاحب القبس (5): عن حديث الوادي بأجوبة:
منه: أن التأخير كان لانتظار الوحي كيف يكون العمل في القضاء.
ومنها: أن ذلك كان [تحرزًا](6) عن [العدو](7) واستشرافه.
(1) إحكام الأحكام (3/ 488).
(2)
في ن ب د زيادة (وبأن في).
(3)
البخاري (344، 348، 3571)، ومسلم (682).
(4)
مسلم (680)، النسائي في المواقيت، باب: كيف يقضي الفائت من الصلاة (1/ 298)، ومسلم (684).
(5)
القبس (1/ 101)، وبقي وجهين لم يذكرهما، كراهية للبقعة التي وقعت فيها الآفة الخامس، قال أصحاب أبي حنيفة حتى يزول وقت النهي عن الصلاة
…
إلخ مع اختلاف يسير فيما نقله عنه.
(6)
في الأصل بياض، وما أثبت من ن ب د.
(7)
في ن ب د (العذر).
ومنها: أنه [ليعم](1) الاستيقاظ والنشاط جميع الناس (2).
وأجاب القاضي عياض (3): بأنه منسوخ بهذا الحديث قال: واعترض أن الآية مكية يعني قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} وهذه القصة كانت بعد الهجرة بأعوام، فلا يصح النسخ قيل ورود الأمر به.
وأما الحديث: فهو مستند للآية ومأخوذ منها، وأيضًا: فإن النسخ يحتاج إلى توقيف أو إلى عدم الجمع.
الثالث: الأمر بقضائها يقتضي فعلها عند ذكرها، فتصير طرفًا لمأمور به، فيتعلق الأمر بالفعل فيه، ولا شك أنه كذلك: إما على الوجوب في حق من تركها عامدًا، فإنه يجب على الفور أو على الاستحباب في حق النائم والساهي، ولا يجب، وهذا التفصيل هو
الصحيح عند الشافعية.
(1) في جميع النسخ (ليعلم)، وما أثبت من القبس.
(2)
قال ابن حجر في الفتح (1/ 450): اعتدل به على جواز تأخير الفائتة عن وقت ذكرها إذا لم يكن عن تغافل أو استهانة. وقد بين مسلم من رواية أبي حازم عن أبي هريرة السبب في الأمر بالارتحال من ذلك الموضع الذي ناموا فيه ولفظه: "فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان"، ولأبي داود من حديث ابن مسعود:"تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة"، وفيه رد على من زعم أن العلة فيه كون ذلك كان وقت الكراهة، بل في حديث الباب أنهم لم يستيقظوا حتى وجدوا حر الشمس، ولمسلم من حديث أبي هريرة:"حتى ضربتهم الشمس" وذلك لا يكون حتى يذهب وقت الكراهة.
(3)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (2/ 339).
وفي وجه: [أنه](1) يجب القضاء على الفور [مطلقا](2).
واستدل بعض العلماء على عدم وجوب القضاء على الفور بعذر النسيان والنوم، بأنه عليه الصلاة والسلام لم يقض صلاة الصبح حتى خرجوا من الوادي، لكنه يتوقف ذلك على أنه لا يكون ثم مانع من المبادرة إلى فعلها.
وادعى بعضهم: أن المانع كون الشمس كانت حينئذ طالعة والصلاة حينئذ مكروهة.
الرابع: إذا قلنا: يجب الترتيب في قضاء الصلاة، فلو ذكر الفائتة المنسية وهو في صلاة هل يقطعها؟
للمالكية: فيه تفصيل بين الفذ والإِمام، [والمأموم] (3) وبين أن يكون الذكر: بعد ركعة أم لا، فلا يستمر الاستدلال بهذا الحديث
مطلقًا لهم، وحيث يقال: يقطعها فوجه الدليل من أنه يقتضي الأمر بالقضاء عند الذكر (4) ومن ضرورة ذلك قطع ما هو فيه، ومن أراد
(1) في الأصل ساقطة، وما أثبت من ن ب د.
(2)
في الأصل ساقطة، وما أثبت من ن ب د.
(3)
زيادة من ن ب د.
(4)
قال الصنعاني في حاشيته (2/ 494): أقول: وهو دليل على الفورية، فيلزم خروجه مما هو فيه وقطعه والإِتيان بما ذكره. وهو عام لكل أوقات الذكرى، فلا يخرج عنها شيء إلَّا بدليل، ولم يقم هنا دليل. وبوَّب الحافظ البيهقي في السنن بقوله:"باب من ذكر صلاة وهو في أخرى"، ثم قد احتج بعض أصحابنا في ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا ما أدركتم ثم اقضوا ما فاتكم".
إخراج شيء من ذلك فعليه أن يبين معنى مانعًا من إعمال اللفظ في الصورة التي يخرجها؟ ولا يخلو هذا التصرف من نوع جدل، كما
قاله الشيخ تقي الدين.
الخامس: وجوب القضاء على العامد بالترك من طريق الأولى، كما قاله الشيخ تقي الدين، فإنه إذا لم تقع المسامحة مع قيام العذر بالنوم والنسيان فلأن لا تقع مع عدم العذر أولى.
وحكى القاضي عياض عن بعض المشائخ: أن قضاء العامد مستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام: "فليصلها إذا ذكرها" لأنه بغفلته عنها وعمده: كالناسي، ومتى ذكر تركه لها لزمه قضاؤها وهذا ضعيف (1)، كما قال الشيخ تقي الدين لأن قوله: "فيصلها إذا
(1) قال ابن حجر في فتح الباري (2/ 71): وقد تمسك بديل الخطاب منه القائل إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي، وقال من قال: يقضي العامد، بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي، مع سقوط الإِثم ورفع الحرج عنه، فالعامد أولى، وادعى بعضهم أن وجوب القضاء على العامد يؤخذ من قوله:"نسي" لأن النسيان يطلق على الترك سواء كان عن ذهول أم لا، ومنه قوله -تعالى-:{نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} ، {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} قال: ويقوي ذلك قوله: "لا كفارة لها" والنائم والناسي لا إثم عليه.
قلت: وهو بحث ضعيف، لأن الخبر بذكر النائم ثابت، وقد قال فيه:"لا كفارة لها" والكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد. والقائل: بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالًا من الناسي، بل =
ذكرها" كلام مبني على ما قبله، وهو من نام عن صلاة أو نسيها. والضمير في قوله: "فليصلها إذا ذكرها" على الصلاة المنسية أو التي وقع النوم عنها فكيف يحمل على ضد النوم والنسيان وهو الذكر واليقظة، نعم لو كان [كلامًا] (1) مبتدأ مثل أن يقال من ذكر صلاة فليصلها إذا ذكرها لكان ما قيل محتملًا، وأما قوله: كالناسي، إن أراد بذلك أنه مثله في الحكم فهي دعوى، ولو صحت لم يكن ذلك مستفادًا من اللفظ، بل من القياس أو من مفهوم الخطاب الذي أشرنا إليه، وكذا ما ذكر في هذا من الاستناد إلى قوله: "لا كفارة لها إلَّا ذلك" والكفارة إنما تكون من الذنب. والنائم والناسي لا ذنب لهما، وإنما الذنب للعامد لا يصح أيضًا، لأن الكلام كله مسوق على قوله: "من نام عن صلاة أو نسيها" والضمائر عائدة إليها، فلا يجوز أن يخرج عن الإِرادة، ولا أن يحمل اللفظ ما لا يحتمله، وتأويل لفظ الكفارة هنا أقرب وأيسر من أن يقال إن الكلام الدال على الشيء
= يقول: إنه لو شرع له القضاء لكان هو والناسي سواء، والناسي غير مأثوم بخلاف العامد، فالعامد أسوأ حالًا من الناسي فكيف يستويان؟ ويمكن أن يقال: إن أثم العامد بإخراج الصلاة عن وقتها باق عليه ولو قضاها. بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه مطلقًا. ووجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول لأنه قد خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته دينًا عليه. والدين لا يسقط إلَّا بأدائه، فيأثم بإخراجه لها، عن الوقت المحدود لها ويسقط عنه الطلب بأدائها، فمن أفطر في رمضان عامدًا فإنه يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الإِفطار عليه والله أعلم.
(1)
زيادة من ن ب د.
مدلول به على ضده فإن ذلك ممتنع، وليس ظهور الكفارة في الإِشعار بالذنب بالظهور القوي الذي يصادم به النص الجلي في أن
المراد الصلاة المنسية أو التي وقع النوم عنها، وقد وردت كفارة القتل خطأ مع عدم الذنب، وكفارة اليمين بالله مع استحباب الحنث في بعض المواضع، وجواز اليمين ابتداء ولا ذنب.
وقال القرطبي (1) في "شرحه": من ترك الصلاة عمدًا: فالجمهور على وجوب القضاء عليه، وفيه خلاف [ظاهر](2) شاذ عن داود وأبي عبد الرحمن الشافعي (3)، وقد احتج الجمهور عليهم بأوجه:
أحدها: أنه قد ثبت الأمر بقضاء الناسي والنائم مع أنهما غير مأثومين، فالعامد أولى، وهذا ما قدمته عن الشيخ تقي الدين.
ثانيها: التمسك بقوله: "إذا ذكرها" والعامد ذاكر لتركها فلزمة قضاؤما.
ثالثها: التمسك [بعموم](4) قوله: "من نسي صلاة، أي من حصل منه نسيان، والنسيان: هو الترك، سواء كان مع ذهول أو لم يكن، وقد دل على هذا قوله -تعالى-:{انَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (5) أي تركوا معرفة الله وأمره فتركهم في العذاب.
(1) المفهم (2/ 1171).
(2)
في ن ب د ساقطة.
(3)
في ن د زيادة (الأشعري).
(4)
في الأصل ساقطة، وما أثبت من ن ب د.
(5)
سورة التوبة: آية 67.
رابعها: التمسك بقوله: "من نسي صلاة فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" والكفارة إنما تكون عن الذنب غالبًا، والناسي بمعنى الذاهل ليس بآثم، فتعين أن يكون العامد هو المراد بلفظ الناسي.
خامسها: قوله: "أقم الصلاة لذكري" أي لتذكرني فيها على أحد التأويلات.
سادسها: أن القضاء يجب بالخطاب الأول، لأن خروج وقت العبادة لا يسقط وجوبها، لأنها لازمة في ذمة المكلف كالديون، وإنما يُسقط العبادة [فقدها](1) أو فقد شرطها، ولم يحصل شيء من ذلك، وهذا أحد القولين لأئمتنا الأصوليين والفقهاء (2).
وقال النووي في (شرحه)(3): هذا القول خطأ من قائله [وجهالة](4)، ولم يزد على ذلك.
وقال ابن دحية في "المولد": شذ ابن حزم (5) في ذلك، وخالف الجمهور، وظن أنه يسير في ذلك برواية شاذة جاءت عن بعض التابعين، ثم رد عليه بقصة الخندق (6) حيث لم يصلِّ هو ولا أصحابه حتى غربت الشمس، وكذلك حديث: "لا يصلين
(1) في المفهم (فعلها).
(2)
ساقه من المفهم (2/ 1172).
(3)
شرح مسلم (5/ 183).
(4)
في ن ب د (وجهلًا).
(5)
المحلى (2/ 226، 233، 234، 235، 244)، (3/ 7).
(6)
البخاري (596، 598، 641، 945، 4112).
أحدكم العصر إلَّا في بني قريظة" (1) فخرجوا مبادرين ولم يصلها بعضهم إلَّا في بني قريظة بعد الغروب، لقوله ذلك لهم.
وأما الشيخ عز الدين فقال في "قواعده"(2): له وجه حسن فذكره.
وعن "شرح الوسيط" لابن الأستاذ: أنه حكى في باب سجود السهو عن ابن كج أن ابن بنت الشافعي كان لا يرى بقضائها [أيضًا](3)، وهذا غريب، وقد أسلفنا أن القرطبي (4) حكاه عن أبي عبد الرحمن الشافعي، وهذه الكنية كناها بعضهم لابن بنت الشافعي
أيضًا وبعضهم لغيره، فالله أعلم.
[قالوا](5): ونظير هذه المقالة وجه مشهور عندنا: أنه إذا ترك بعضا من الأبعاض لا يسجد له، واليمين الغموس [قالوا](6) لا كفارة فيها، وإثمها أعظم من أن يكفره.
وقال صاحب "المعلم"(7): سبب الخلاف في هذه المسألة أن حكم العامد مستفاد من دليل الخطاب، فإن العامد بخلاف الناسي
أو من تبينه الخطاب، فإن العامد أولى بالقضاء من الناسي والحق
(1) البخاري (4119).
(2)
قواعد الأحكام (2/ 6).
(3)
زيادة من ن ب د.
(4)
المفهم (2/ 1171).
(5)
في ن ب د ساقطة.
(6)
زيادة من ن ب د.
(7)
بمعناه في المعلم (1/ 441).
أنه إن جعل القضاء في الناسي تغليظًا، فالعامد أحق به، وإن جعل من باب الرفق، وأنه يستدرك بقضائه ما فاته [بقدره](1)، فالعامد
ضده فلا يلحق به، ولا يقوم به حجة على أهل الظاهر الباقين.
السادس: في قوله: "إذا ذكرها" حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: إن المتروكة لا تقضي بعد الصبح، ولا بعد العصر كما نبه عليه القرطبي (2). قال: ووجه تمسكهم أنها صلاة تجب لسبب ذكرها فتفعل عند حضور سببها متى [ما](3) حضر، وقد صرح بالتعليل في قوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (4)، فإن اللام للتعليل ظاهرًا ولا يعارض هذا بقوله عليه الصلاة والسلام:"لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس"(5)، فإن هذا عام في جنس الصلوات، وذاك خاص في الواجبات المقضية.
والوجه الصحيح عند الأصوليين: بناء العام على الخاص، إذ ذلك يرفع التعارض، وبه يمكن الجمع، وهو أولى من الترجيح باتفاق الأصوليين.
السابع: استدلاله عليه الصلاة والسلام بقوله -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} دليل على أن شرع من
(1) في ن ب (بعذره).
(2)
المفهم (2/ 1172).
(3)
زيادة من ن ب د.
(4)
سورة طه: آية 14.
(5)
البخاري (586، 1188، 1197، 9864، 1992، 1995).
قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه؛ لأن الخطاب بهذه الآية إنما هو لموسى عليه السلام.
قال القرطبي: وهو قول أكثر أصحابنا.
وقال صاحب "القبس"(1): لا خلاف عن مالك أن: "شرع من قبلنا شرع لنا" وقد نص عليه في كتاب الديات من الموطأ (2).
وقال القرافي. شرع من قبلنا على ثلاثة أقسام:
قسم: لم يعلم إلَّا من قبلهم كما يزعمون: أن في التوراة تحريم الجدي بلبن أمه، يشيرون إلى المضيرة.
وقسم: عُلم بشرعنا وأُمرنا نحن أيضًا به كقوله -تعالى-: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (3).
وقسم: علم بشرعنا أنه كان شرعًا لهم، ولم نؤمر نحن به، فالأول: ليس شرعًا لنا قطعًا. والثاني: شرع لنا قطعًا، والئالث:[](4) محل النزاع، والحديث إنما دل على القسم الثاني، وليس النزاع فيه كما نقله القرافي.
الثامن: قوله: "أقم الصلاة لذكري" اختلف أهل التفسير في قوله: "لذكري".
(1) القبس (3/ 103).
(2)
الموطأ (2/ 864).
(3)
سورة المائدة: آية 45.
(4)
في ن ب د زيادة (هو).
فقال مجاهد: لتذكرني فيها.
وقال النخعي: اللام للظرف أي: إذا ذكرتني أي: إذا ذكرت أمري بعد ما نسيت، ومنه الحديث.
وقيل: لا تذكر فيها غيري.
وقيل: شكرًا لذكري.
وقيل: اللام للتسبب. قال القرطبي (1): وهو أوضحها، ويقرب منه قول النخعي وقرىء شاذًا:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِى (14)} (2).
وقيل: أقم الصلاة لأذكرك بالمدح، حكاه الباجي (3). قال: وأبين الأقاويل عندي أن المعنى أقم الصلاة حين تذكرها لأنه - عليه
الصلاة والسلام - احتج بالآية على قوله: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.
وقال القاضي عياض: أي لتذكيري لك إياها، وهو أولى لسياق [الحديث](4) والاحتجاج بها [ويعضده](5) قراءة للذكري، وهو قول أكثر العلماء والمفسرين.
(1) المفهم (2/ 1172).
(2)
بلامين وتشديد الذال، وهي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب وابن المسيفع. انظر: زاد المسير (5/ 275).
(3)
ساقه وما قبلها الباجي في المنتقي (1/ 29).
(4)
زيادة من ن ب د. وما أثبت إكمال إكمال المعلم (2/ 339).
(5)
في الأصل ويعضدها، وما أثبت يوافق إكمال إكمال المعلم.
التاسع: يستدل بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا كفارة لها إلَّا ذلك" على أن من مات وعليه صلاة لا يقضى عنه، ولا تجبر بمال.
وذهب أصحاب [الرأي](1): إلى أنه يطعم عنه.
والقائل بهذا: يحمل الحديث على حال الحياة، وأما بعد الموت [فيلحق] (2) بالصوم في الإِطعام والقضاء أيضًا لاشتراكهما في معنى التعبد البدني:
[فرع](3): أصح قولي الشافعي: استحباب قضاء السنن الراتبة. ويستدل له بعموم هذا الحديث [وبغيره من الأدلة أيضًا](4).
[العاشر](5): روى الجوزقاني في موضوعاته (6) عقب حديث
(1) في ن ب الكلمة (أتى).
(2)
في النسخ (فيلتحق)، وما أثبت أقرب للمعنى.
(3)
في ن ب د (العاشر).
(4)
زيادة من ن ب د.
(5)
في ن ب د (فائدة).
(6)
الأباطيل والمناكير (2/ 37).
فائدة: في الجمع بين حديث نومه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر وبين قوله صلى الله عليه وسلم: "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي": قال النووي له جوابان: أحدهما: أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان. والثاني: أنه كان له حالان، حال كان قلبه فيه لا ينام وهو الأغلب، وحال ينام فيه قلبه وهو =
أنس هذا ردًّا على حديث باطل من حديث عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: قال رجل: يا رسول الله! إني تركت الصلاة
فقال: "اقض ما تركت" فقال: يا رسول الله! كيف أقضي؟ قال: "صل مع كل صلاة صلاة مثلها" قال: يا رسول الله! قيل أم بعد؟
قال: "لا، بل قبل" ثم قال: هذا حديث غريب لم نكتبه إلَّا بهذا الإِسناد.
= نادر، فصادف هذا أي قصة النوم عن الصلاة قال: والصحيح المعتمد هو الأول والثاني ضعيف. وهو كما قال. اهـ، ص فتح الباري (1/ 450).