المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس 103/ 5/ 17 - عن عائشة رضي الله عنها - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٣

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌15 - باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌16 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌[الحديث الأول]

- ‌17 - باب وجوب القراءة في الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌18 - باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌19 - باب سجود السهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌20 - باب المرور بين يدي المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌21 - باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌22 - باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌23 - باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس 103/ 5/ 17 - عن عائشة رضي الله عنها

‌الحديث الخامس

103/ 5/ 17 - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ " فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أُحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أخبروه أن الله عز وجل يحبه"(1).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا الرجل المبعوث على السرية، اسمه كلثوم بن الهدم (2).

(1) البخاري (7375)، ومسلم (813)، والنسائي (2/ 170، 171)، وابن حبان (793).

(2)

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح (2/ 258): في رواية أنس على قوله: "وكان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء" هو ابن الهدم، رواه ابن منده في كتاب التوحيد، من طريق أبي صالح عن ابن عباس، كذا أورده بعضهم، والهدم بفتح الهاء وسكون الدال. وهو من بني عمرو بن عوف سكن قباء وعليه نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم في الهجرة إلى قباء وفي =

ص: 210

وقال ابن بشكوال في "مبهماته": هو قتادة بن النعمان الظفري.

= تعيين المبهم به هنا نظر، لأن في حديث عائشة -وهي التي ذكرها المؤلف هنا- في هذه القصة أنه كان أمير سرية، وكلثوم بن الهدم. مات في أوائل ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة فيما ذكره الطبري وغيره من أصحاب، وذلك قبل أن يبعث السرايا، ثم رأيت بخط بعض من تكلم على رجال العمدة كلثوم بن زهدم، وعزاه لابن منده، لكن رأيت أنا بخط الحافظ رشيد الدين العطار في حواشي مبهمات الخطيب، نقلًا عن صفة التصوف لابن طاهر، أخبرنا عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده عن أبيه فسماه كرز بن زهدم، وعلى هذا فالذي يؤم في مسجد قباء، غير أمير السرية، ويدل على تقاريرهما أن في رواية الباب أنه كان يبدأ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} . انظر التعليق ت (2) ص (216) للاطلاع على الحديث، وأمير السرية كان يختم بها، وفي هذا أنه كان يصنع ذلك في كل ركعة، ولم يصرح بذلك في قصة الآخر، وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله وأمير السرية أمر أصحابه أن يسألوه، وفي هذا، أنه قال: إنه يحبها فيبشِّره بالجنة، وأمير السرية قال: أنها صفة الرحمن فبشره بأن الله يحبه، والجمع بين هذا التغاير كله ممكن لولا ما تقدم من كون كلثوم بن الهدم مات قبل البعوث والسرايا، وأما من فسّره بأنه قادة بن النعمان فأبعد جدًّا، فإن في قصة قتادة أنه كان يقرؤها في الليل يرددها، أخرجه البخاري (5014، 7374)، ومالك (1/ 208)، وأحمد (3/ 35)، وابن حبان (791)، ليس فيه أنه أم بها لا في سفر ولا في حضر، ولا أنه سئل عن ذلك ولا بشر، للاستفادة. انظر: فتح الباري في كلامه على حديث عائشة في فضائل القرآن.

ص: 211

وأما ابن العطار فقال في "شرحه": لا أعلم اسمه في المبهمات، فاستفد أنت مما ذكرته لك.

الثاني: "السرية" أحد السرايا وهي الطائفة التي يبعثها الإِمام من الجيش قبل دخول دار الحرب، يبلغ أقصاها أربعمائة، سُمّوا بذلك لكونهم خلاصة العسكر وخياره، مأخوذ من [التسري](1)، وهو النفيس.

وقيل: لأنهم يبعثون سرًّا وخفية وليس بالوجه لأن [لام](2) التسري راء وهذه [تاء](3)(وجاء: "خير السرايا أربعمائة رجل")(4).

والأصحاب: جمع صحب: كفرخ وأفراخ.

ومفرد صحب: صاحب: كراكب وركب.

فائدة: الصحابي كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأصح،

(1) في ن د (الشيء السري).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

في ن ب د (ياء).

(4)

أخرجه أبو داود (2611)، وأبو يعلى (2587)، وأحمد في المسند (1/ 294)، والترمذي (1555)، والحاكم (1/ 443، 2/ 101)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف بين الناقلين فيه عن الزهري، وكذا قال الذهبي في مختصره. قال المناوي في فيض القدير (3/ 474): ولم يصححه الترمذي، لأنه يروى مسندًا ومرسلًا ومعضلًا، قال ابن القطان: لكن هذا ليس بعلة فالأقرب صحته، وابن حبان (4717)، والسرايا: جمع سرية وهي القطعة من الجيش سميت به، لأنها تري بالليل فعيله بمعنى فاعلة.

ص: 212

كما أوضحته في "المقنع في علوم الحديث"، وأسلفته في شرح الخطبة أيضًا.

[الثالث](1): فيه استحباب البعوث والسرايا والتأمير عليهم.

الرابع: فيه أن أميرهم [يؤمهم](2) في صلاتهم.

الخامس: فيه جواز قراءة سورتين مع الفاتحة في ركعة، وقد ثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين (3) من حديث أبي وائل، قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة، فقال ابن مسعود: هذًّا كهذِّ الشعر، لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل: سورتين في كل ركعة، وقد جاء بيان هذه السور في سنن أبي داود (4)، الرحمن، والنجم في ركعة، واقتربت، والحاقة في ركعة، والطور، والذاريات في ركعة، وإذا وقعت، ونون في ركعة،

(1) في ن د (ثالثها)

إلخ الأوجه.

(2)

في الأصل (يؤم)، وما أثبت من ن ب د.

(3)

البخاري (775، 4996، 5043)، ومسلم (822)، وأحمد (1/ 380)، والترمذي (602)، وابن خزيمة (538)، والبيهقي في السنن (2/ 60). وقوله:"هَذَّ كهذِّ الشعر"، هو بفتح الهاء وتشديد الذال المعجمة، أي تسرع إسراعًا في قراءته بغير تأمل، كما تُسرعُ في إنشاد الشعر، وأصل الهذّ، سرعة الدفع ونصب على المصدر، وهو استفهام إنكار بحذف آداته، وهي ثابتة في مسلم. وقوله:"لقد عرفت النظائر"، قال الحافظ: أي السور المتماثلة في المعاني كالمواعظ والقصص لا المتماثلة في عدد الآي لما سيظهر عند تعيينها.

(4)

وقد جاء تعيين السور في رواية أبي داود (1396).

ص: 213

وسأل سائل، والنازعات في ركعة، وويل للمطففين، وعبس في ركعة، وهل أتى، ولا أقسم في ركعة، وعم يتساءلون، والمرسلات في ركعة، والدخان، وإذا الشمس كورت في ركعة"، وزاد في رواية [ابن] (1) الأعرابي: "والمدثر والمزمل في ركعة" (2).

وفي (المعرفة) للبيهقي (3): أن الشافعي [احتج](4) في جواز الجمع بين السور بما رواه لإسناده عن ابن عمر، وبما رواه في موضع آخر عن عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها، ثم قام فقرأ سورة أخرى، قال الربيع: قلت للشافعي: أتستحب أنت هذا؟ قال: نعم، وأفعله يعني الجمع بين السور، قال البيهقي: أنا بجميع ذلك أبو سعيد نا [أبو](5) العباس، نا الربيع عن الشافعي.

قلت: وهذا نص غريب في استحباب ذلك.

فائدة: تتعلق بحديث ابن مسعود [الذي](6) أوردناه، وهي: أن إطلاق النظائر على هذه السور لعلَ المراد به اشتراك ما بينهما في

الموعظة أو الحكم أو القصص أو [للتقارب](7) في القدر أو للمقارنة، فإن القرين يقال له: نظير.

(1) زيادة من ن د، وساقطة من الأصل ون ب.

(2)

انظر: الفتح (2/ 259).

(3)

المعرفة للبيهقي (3/ 242).

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

في ن د ساقطة.

(6)

في ن د (التي).

(7)

في ن ب (التقارب).

ص: 214

قال المحب الطبري في (أحكامه): وكنت أتخيل أن التنظير بين هذه السور لتساويهما في عدد الآي [حتى](1) اعتبرتها فلم أجد شيئًا منها يساوي شيئًا، وقد ذكرت نظائر في عدّ الآي أحد وعشرون نظيرًا عدد آياتها متساوية:(الفاتحة، الماعون)، ([الأنفال] (2)، الزمر)، (يوسف، الإِسراء)، (إبراهيم، نون)، (الجاثية (3)، الحج، الرحمن)، (القصص، صاد)، الروم، الذاريات)، (السجدة، الملك، الفجر)، (حم السجدة، سبأ)، (فاطر، ق)، (الفتح، الحديد)، (الحجرات، التغابن)، (المجادلة، البروج)، (الجمعة، المنافقون)، ([الضحى، العاديات، القارعة)، (الطلاق، التحريم])(4)، (نوح، الجن)، (المزمل (5)، [المدثر (6)، القيامة، عم يتساءلون)، (الانفطار، سبح، العلق]) (7)] (ألم نشرح، التين، لم يكن، الزلزله، ألهاكم)، (القدر، الفيل، تبت، الفلق)] (العصر،

النصر، [الكوثر]) (8)، قريش (9). انتهى. وهو أكثر مما عدَّه أولًا.

(1) في ن ب (حين).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

عدد آياته (37).

(4)

زيادة من ن ب.

(5)

عدد آياته (20).

(6)

عدد آياته (56).

(7)

في ن ب ساقطة.

(8)

في الأصل ون ب (التكوير).

(9)

عدد آياته (4)، مع سورة الصمد وبدون ما لم يكون له نظير هنا عددها كما ذكره المحب الطبري (21).

ص: 215

سادسها: قوله: "فيختم بقُل هو الله أحد"، فيه دليل على أنه كان يقرأ بغيرها، لكنه هل كان يقرأ بها مع غيرها في ركعة واحدة، ويختم بها في تلك الركعة، أم كان يختم بها في آخر ركعة يقرأ بها السورة؟، الظاهر الأول، والثاني يحتمله اللفظ، وعلى الأول يكون فيه دلالة على جواز الجمع بين سورتين في ركعة واحدة، كما أسلفته، وعلى جواز [لزوم](1) قراءةً سورة بعينها خلافًا لمن أنكره.

وفي صحيح البخاري (2)، في باب الجمع بين سورتين في ركعة تعليقًا بصيغة جزم عن أنس: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأُ به افتتح بـ (قُل هو الله أحد)، حتى فرغ منها، ثم يقرأُ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه وقالوا: إنك تفتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها، وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها إن أحببتم أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة من كل ركعة؟ فقال: إني أحبها، قال:"حبك إياها أدخلك الجنة".

(1) زيادة من ن د.

(2)

البخاري (774).

ص: 216

قلت: وهذا الإِمام يحتمل أن يكون هو المبعوث على هذه السرية، ويحتمل أن يكون غيره.

سابعها: فيه أنه ينبغى للمسؤول العالم أن يسأل السائل عن قصده وسبب فعله.

ثامنها: فيه أن هذا الذي صنعه لم يكن معهودًا عندهم ولهذا ذكره الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لما ذكر الوجه الذي كان من أجله يفعل ذلك أقره عليه.

قيل: لأن ذلك كان في أول الإِسلام والترغيب في الدخول [فيه](1)، فأقره لئلا يقع التنفير، ولا سيما عن هذه السورة التي تضمنت أصول التوحيد.

تاسعها: قوله: "لأنها صفة الرحمن"، يحتمل أنها اختصت بصفات الرب -تعالى- دون غيرها، بمعنى عدم انحصارها فيها، لا أنها تضمنت جميعها.

ويحتمل أن يضمر: ذكر، فيكون المراد فيها (ذكر صفة الرحمن) فعبر عن ذلك الذكر بالوصف، وإن لم يكن نفس الوصف، وغلت الحشوية (2)، فقالوا: إنها نفس الوصف.

(1) زيادة من ن د.

(2)

قال ابن تيمية في الفتارى (12/ 176): وأما قول القائل: "حشوية" فهذا اللفظ ليس له مسمى معروف لا في الشرع ولا في اللغة، ولا في العرف العام، ولكن يذكر أن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد، وقال: كان عبد الله بن عمر حشويًّا وأصل ذلك أن كل طائفة، قالت قولًا تخالف =

ص: 217

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= به الجمهور والعامة، [ينسب] إلى أنه قول الحشوية، أي الذين هم حشو في الناس ليسوا من المتأهلين عندهم، فالمعتزلة تسمى من أثبت القدر حشويًا، والجهمية يسمون مثبتة الصفات حشوية، والقرامطة، كاتباع الحاكم، يسمون من أوجب الصلاة والزكاة والصيام والحج حشويًّا، وكما أن الرافضة يسمون قول أهل السنة والجماعة قول الجمهور، وانظر (4/ 146)، وقال في (4/ 88) بعد كلام سبق: فقد تبين أن الذين يسمون هؤلاء وأئمتهم حشوية هم أحق بكل وصف مذموم يذكرونه، وأئمة هؤلاء أحق بكل علم نافع وتحقق، وكشف حقائق واختصاص بعلوم لم يقف عليها هؤلاء الجهال، المنكرون عليهم المكذبون لله ورسوله، إلى أن قال: وأيضًا فينبغي النظر في الموسومين بهذا الاسم وفي الاسمين لهم به، أيهما أحق؟ وقد علم أن هذا الاسم مما اشتهر ممن هم مظنة الزندقة، كما ذكر العلماء كأبي حاتم وغيره، أن علامة الزنادقة تسميتهم لأهل الحديث حشوية، ثم قال: من المعلوم أن هذا من تلقيب بعض الناس لأهل الحديث الذين يقرونه على ظاهره، ثم قال: وهؤلاء يعيبون منازعهم إما لجمعه حشو الحديث من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه، أو لكون اتباع الحديث في مسائل الأصول من مذهب الحشو لأنها مسائل علمية، والحديث لا يفيد ذلك

إلخ كلامه.

وقال ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" إن أصحاب البدع سمّوا أهل الحديث بالحشوية، والمتجبرة، والجبرية، وفي "غنية الطالبين" للشيخ عبد القادر الجيلاني: إن الباطنية تسمى أهل الحديث حشوية، لقولهم بالأخبار، وتعلقهم بالآثار.

وقال ابن القيم رحمه الله في النونية:

ومن العجاب قولهم لمن اقتدى

بالوحي من أثر ومن قرآن =

ص: 218

[عاشرها](1): هذه السورة اشتملت على اسمين من أسمائه تعالى يَتضمنان جميع أوصاف كماله لم يوجدا في غيرها من جميع

السور، وهما "الأحد" و"الصمد"، فإنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع صفات الكمال المعظمة، نبه على ذلك القرطبي في "شرحه"(2)، قال: وبيانه أن الأحد والواحد وإن [اجتمعا](3) إلى أصل واحد لغةً، فقد افترقا استعمالًا وعرفًا، وذلك أن الهمزة المنقلبة [عن](4) أحَد منقلبة عن الواو من وحَد فهما من الوحدة وهي راجعة إلى نفي العَددَ والكثرة، غير أن استعمال العرب فيهما مختلف، فإن الواحد عندهم أصل العدد، من غير تعرض لنفي ما عداه والأحد [يثبت](5) مدلوله، ويتعرض لنفي ما سواه، ولهذا أكثر ما استعملته العرب في النفي، فقالوا: ما فيها أحد، (ولم يكن له كفوًا أحد)، ولم يقولوا: هنا واحد، فإن أرادوا الإِثبات قالوا:

= حشوية يعنون حشوًا في الوجو

د وفضله في أمة الإِنسان

ويظن جاهلهم بأنهم حشوا

رب العباد بداخل الأكوان

إلى أن قال:

تدرون من أولى بهذا الاسم وهـ

ـو مناسب أحوال بوزان

من قد حشا الأوراق والأذهان من

بدع تخالف موجب القرآن

هذا هو الحشوي لا أهل الحديـ

ـث أئمة الإِسلام والإِيمان

(1)

في ن د (العاشر).

(2)

المفهم (3/ 1379، 1380).

(3)

في ن د (رجعا).

(4)

في ن د (من).

(5)

في ن ب (ثبت).

ص: 219

رأيت واحدًا من الناس، ولم يقولوا: هنا أحدًا. وعلى هذا، فالأحد في أسمائه تعالى مشعر بوجوده الخاص به الذي لا يشاركه فيه غيره، وهو المعبر عنه بوجود الوجود، ورَبما عبَّر عنه بعض المتكلمين بأنه أخص وصفه.

وأما الصمد: فهو المتضمن لجميع أوصاف الكمال، فإن الصمد الذي انتهى سؤدده بحيث يُصمد إليه في الحوائج كلها، أي يقصد، ولا يصح ذلك تحقيقًا إلَّا ممن حاز جميع خصال الكمال حقيقة، وذلك لا يكمل إلَّا لله -تعالى- فهو الأحد الصمد الذي

(لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد)، فقد ظهر لهذين الاسمين، من شمول الدلالة على الله -تعالى- وصفاته، ما ليس لغيرهما من الأسماء، وأنهما ليسا مرجودين في شيء من سور القرآن.

قلت: فلهذا علل حبه إياها بأنها صفة الرحمن.

فائدة: ذكر ابن الخطيب لهذه السورة عشرين اسمًا سورة التفريد [التوحيد](1)، سورة التجريد، الإِخلاص، النجاة، الولاية، النسبة (2) لأنها نزلت حين قالوا: انسب لنا ربك، المعرفة، لما

(1) زيادة من ن د، ومن الفتوحات الإِلهية.

(2)

عن أُبي بن كعب رضي الله عنه أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "انسب لنا ربدً فأنزل الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} فالصمد: (الذي لم يلد ولم يولد)، لأنه ليس شيء يولد إلَّا سيموت ولا شيء يموت إلَّا سيورث، وأن الله عز وجل لا يموت ولا يورث {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} قال: لم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء. اهـ. سنن الترمذي (3364)، وأخرجه أحمد.

ص: 220

رُوي أنه عليه الصلاة والسلام لما سمع قارئًا يقرؤها قال: "هذا عبد عرف ربه"(1) الجمال، المقشقشة، المبرية، المعوذة، الصمد، الأساس، المانعة، المحضر لأن الملائكة تحضر لسماعها، المنفرة لأن الشياطين تنفر عند قراءتها، البراءة، النور، في الحديث "نور القرآن قل هو الله أحد"(2)، الأمان (3).

الحادي عشر: في هذا الحديث فضيلة هذه السورة، ولا يدل على أنها أفضل السور، بل أفضلها الفاتحة، قاله ابن العطار في "شرحه".

قلت: ويؤيده ما أخرجه البخاري (4) من حديث أبي سعيد بن المعلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد"، ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة (5) في القرآن؟ قال: "الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي

(1) ابن حبان (2460) من رواية جابر بن عبد الله.

(2)

ذكره في بصائر ذوي التمييز (1/ 554) ولم يذكر له إسنادًا.

(3)

لمراجعة الأسماء انظر: الفتوحات الإِلهية توضيح تفسير الجلالين للدقائق الحنفية (4/ 602).

(4)

أخرجه البخاري (4474) في تفسير باب: ما جاء في فاتحة الكتاب و (5006)(4647 - 4703)، وأخرجه أحمد (4/ 211)(3/ 450)، والطيالسي (2/ 9)، وأبو داود (1458)، والنسائي (2/ 139)، وابن حبان (777).

(5)

في ن د زيادة (هي أعظم سورة).

ص: 221

أُتيته"، وفي صحيح ابن حبان (1) من حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال لرجل: "ألا أخبرك بأفضل القرآن؟ قال: فتلا عليه: "الحمد لله رب العالمين"، وفي مسند عبد بن حميد (2) عن حسين الجعفي، عن زائدة، عن أبان، عن شهر، عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فاتحة الكتاب تعدل ثلثي القرآن"، وهذا إسناد ضعيف.

الثاني عشر: "هو" ضمير الشأن و"الله أحد" هو الشأن أي الشأن هذا وهو أن الله واحد لا ثاني له، فهو مبتدأ، والجملة التي هي أحد خبره، ويجوز أن يكون هو مبتدأ بمعنى المسؤول عنه لأنهم قالوا: ربك من نحاس أو من ذهب؟، فعلى هذا يجوز أن يكون "الله" خبرًا لمبتدأ "وأَحَد" بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون "الله" بدلًا من هو، و"أحد" الخبر، وهمزة "أحد" بدل من واو لأنه بمعنى الواحد وإبدال الواو المفتوحة همزة قليل جاء منه امرأة أناه والأصل وناه لأنه من الونى وهو الفتور، وقيل: الهمزة أصلية.

الثالث عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "أخبروه أن الله

(1) ابن حبان (774)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (723)، وصححه الحاكم (1/ 560)، ووافقه الذهبي، ويشهد لهذا الحديث حديث أُبي بن كعب. أخرجه أحمد في المسند (5/ 114)، وصححه ابن خزيمة (500)، والحاكم (1/ 557)، ووافقه الذهبي، والترمذي (3125)، وحديث أبي سعيد بن المعلي. انظر التعليق (12).

(2)

منتخب عبد بن حميد (1/ 573)، والدر المنثور (1/ 5)، والمطالب العالية (3532). قال ابن حجر فيه: متروك. كنز العمال (2495).

ص: 222

يحبه" يحتمل أن محبة الله [له](1) بسبب قراءتها أو يحتمل أنها سبب ما شهد به كلامه من محبته لذكر صفة الرب -سبحانه- وصحة اعتقاده] (2)، ويحتمل أنها بسبب قراءتها وما شهد به، فإن قراءتها سبب عن [المحبة](3) لما ذكره.

الرابع عشر: فيه أن محبة الله تعالى ومحبة صفاته أفضل المطلوبات.

الخامس عشر: محبة الله -تعالى- لعباده إرادة ثوابه وتنعيمهم.

وقيل: هي نفس الإِثابة والتنعيم لا الإِرادة (4).

ومحبة عباده له سبحانه وتعالى لا يبعد فيها الميل منهم إليه -سبحانه- وهو متقدس عن الميل.

فحقيقة محبة عباده له: ميلهم إليه لاستحقاقه سبحانه وتعالى المحبة من جميع وجوهها.

وقيل: محبتهم له استقامتهم على طاعته.

(1) زيادة من ن د.

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

في ن ب (المحب).

(4)

وهذا كله تحريف للنصوص عما جاءت به، بل إن الله سبحانه وتعالى يوصف بالمحبة، وأنه يحب عباده المتقين، صفة تليق بجلاله وعظمته لا تمثال صفة المخلوقين، كما دل على ذلك كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ص: 223

وقيل: الاستقامة ثمرة المحبة.

فائدة: قال سهل بن عبد الله التستري: المحبة معانقة الطاعة ومباينة المخالفة.

وقال أبو علي الروذياري (1): المحبة الموافقة.

وقال يحبى بن معاذ: ليس الصادق من ادعى محبته ولم يحفظ حقوقه.

السادس عشر: فيه أن ما كان من التلاوة متعلقًا بصفة الرب سبحانه وتعالى كان أفضل [التلاوات](2) لكن قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لما ذكر أن القرآن ينقسم إلى فاضل ومفضول: كآية الكرسي وتبت، فالأول كلام الله في الله والثاني كلامه في غيره، لا ينبغي أن يداوم على قراءةً الفاضل ويترك المفضول، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يفعله ولأنه يؤدي إلى نسيانه.

(1) أحمد بن محمد بن القاسم الروذباري: طبقات الشافعية لابن الصلاح (129)، وطبقات الشافعية للسبكي (3/ 48)، وللأسنوي (1/ 576)، وحلية الأولياء (10/ 356).

(2)

في ن د (المتلاوات).

ص: 224