المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌19 - باب سجود السهو السهو مصدر سَها يَسهو وفسَّره الجوهري - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٣

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌15 - باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌16 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌[الحديث الأول]

- ‌17 - باب وجوب القراءة في الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌18 - باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌19 - باب سجود السهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌20 - باب المرور بين يدي المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌21 - باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌22 - باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌23 - باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌19 - باب سجود السهو السهو مصدر سَها يَسهو وفسَّره الجوهري

‌19 - باب سجود السهو

السهو مصدر سَها يَسهو وفسَّره الجوهري (1) بالغفلة ذكر فيه حديث أبي هريرة، وحديث عبد الله ابن بحينة:

‌الحديث الأول

106/ 1/ 19 - عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة [معترضة](2) في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين. فقال: يا رسول الله قصرت الصلاة أم نسيت؟، قال:"لم أنس ولم تقصر"، فقال:"أكما يقول ذو اليدين؟ " فقالوا:

(1) مختار الصحاح (137).

(2)

في ن د (معروضة).

ص: 240

نعم، فتقدم فصلى ماترك ثم سلم، ثم سجد وكبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده

أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر فربما سألوه ثم سلم: فنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم (1).

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: محمد بن سيرين هذا هو الإِمام الرباني التابعي مولى أنس بن مالك، وأبوه من سبي عين التمر، وأمه صفية مولاة الصديق وهو أخو أنس، ومعبد وحفصة وكريمة أولاد سيرين، كان إمام وقته بالبصرة مع الحسن، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ومات بعد الحسن بمائة يوم في شوال سنة عشر ومائة، وهو أثبت من الحسن.

رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في وصيته وقال: يموت الحسن وأموت بعده هو أشرف مني، وكان علَاّمة في التعبير.

قال مورق العجلي: ما رأيت أحدًا أفقه في ورع ولا أورع في فقه منه.

وقال أبو قلابة: من يطيق ما يطيق [محمد](2) يركب مثل حدّ السنان:

(1) البخاري (482، 714، 715، 1227، 1228، 1229، 6051، 7250)، ومسلم (573)، ومالك في الموطأ (1/ 93)، والشافعي (1/ 121)، والترمذي (399)، وأبو داود (1009)، والنسائي (3/ 66)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 444)، والبيهقي (2/ 356).

(2)

زيادة من ن د.

ص: 241

قال [ابن عون](1). رأيته في السّوق فما رآه أحد إلَّا ذكر الله.

وقال زهير الأقطع: كان إذا ذكر: الموت مات كل عضو منه، روى عن طائفة من الصحابة، ومن عزيز ما وقع له، أنه روى عن أخيه يحيى بن سيرين، عن أخيه أنس بن سيرين، عن أنس: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك حجًّا حقًّا تعبدًا ورقًّا"(2).

الوجه الثاني: قوله (صلى بنا)، كذا جاء في هذه الرواية وفي رواية أخرى:(صلى لنا) بدل: (صلى بنا)(3).

الثالث: العشيّ -بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء- قال الأزهري (4): هو عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها، قال: ومنه قول القاسم بن محمد (5) "ما أدركت الناس إلا وهم

(1) في المخطوطة (أبو عوانة)، والتصحيح من كتب التراجم.

(2)

الخطيب (14/ 215، 216)، وإنما ذكر يحيى وليس أخيه أنس، وذكره في مجمع الزوائد (3/ 226)، ورواه البزار مرفوعًا وموقوفًا ولم يسم شيخه في المرفوع.

(3)

رواية "صلَّى لنا". أخرجها مسلم (573)، ومالك في الموطأ (1/ 94)، وعبد الرزاق (3448)، والشافعي في مسنده (1/ 121)، والنسائي (3/ 22)، وصححه ابن خزيمة (1037).

ورواية "صلَّى بنا". أخرجها البخاري (715، 1227)، والنسائي (3/ 25)، وأبو داود (1013).

(4)

الزاهر (52).

(5)

الموطأ (1/ 9)، والاستذكار (1/ 246).

ص: 242

يصلون الظهر بعشي"، وأصله الظلمة: ومنه عشا البصر وعشوت إلى النار نظرت إليها عن ظلمة، وفي صحيح مسلم: (إحدى صلاتي العشي: الظهر أو العصر)، وفي بعض الأحاديث "أنها الظهر"، قال بعضهم: وهذا الاختلاف في قضية واحدة، قاله ابن بزيزة، ويحتمل أن تكون قضيتان مختلفتان إلَّا أن يثبت التاريخ، [ونقله غيره عن المحققين](1).

الرابع: الخشبة المعروضة: جذع من نخل كذا جاء مبينًا في صحيح مسلم، وكان في قبلة المسجد.

قال الفاكهيُ: والظاهر أن هذه الخشبة هي الجذع الذي كان يخطب عليه أولًا.

وقوله: "كأنه غضبان"، جاء في حديث عمران:"فخرج مغضبًا" وغضبه يحتمل أن يكون إنكارًا على المتكلم إذ نسبه إلى ما كان يعتقد خلافه، ولذلك أقيل على الناس متكشفًا عن ذلك، ويحتمل: أن يكون غضبه لأمر آخر لم يذكره الراوي.

قال القرطبي (2): وكأن الأول أظهر.

وقال بعضهم: وأظنه ابن بزيزة، لعل الصحابة عبروا بالغضب عما ظهر عليه، وإلَّا فلا موجب له في هذا الوقت أي ظاهرًا.

الخامس: السَرَعانِ -بفتح السين المهملة والراء- المسرعون

(1) زيادة من ن د.

(2)

المفهم (2/ 1013).

ص: 243

إلى الخروج، ويجوز فيه إسكان الراء كما نقله القاضي (1)، وقال: وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء، فيكون جمع سريع: كقفيز وقفزان، وكثيب وكثبان.

قال الخطابي (2): وكسر السين خطأ.

وإنما خرجوا ولم يتكلموا ولم يلبثوا، لأن الزمن زمن وحي، ونزول الشرائع، فخرجوا بانين على أن النسخ قد وقع، وأن الصلاة قد قصرت ويبعد اتفاقهم على النسيان.

السادس: قوله: "أقصرت الصلاة؟ " -هو بضم القاف وكسر الصاد- وروى بفتح القاف وضم الصاد وكلاهما صحيح ولكن الأول أشهر وأصح، قاله النووي في شرحه (3).

وإنما قالوا: "أقصرت الصلاة؟، على اعتقاد وقوع ما يجوز من النسخ.

السابع: "ذو اليدين: اسمه الخرباق -بكسر الخاء المعجمة، ثم راء، ثم باء موحدة، ثم ألف، ثم قاف- ابن عمرو وهو سلمي من بني سليم كنيته أبو العريان.

قال جماعة: عاش بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم زمانًا.

قال الزهري: وهو ذو الشمالين أيضًا المقتول يوم بدر وغلطوه فيه.

(1) مشارق الأنوار (2/ 213).

(2)

إصلاح غلط المحدثين للخطابي (28)، ومعالم السنن (1/ 461)، ومشارق الأنوار (2/ 213).

(3)

شرح مسلم (5/ 68).

ص: 244

واختلف في سبب تسميته بذلك.

فقيل لطول في يديه، وهو ما في الكتاب، وهو قول البخاري وهو الظاهر ووقع في رواية:"بسيط اليدين" بدل ذلك وهو هو.

وقيل لأنه كان يعمل بيديه، قاله ابن قتيبة، وقيل: إنه كان قصير اليدين، حكاه [الجيلي](1) في (شرح التنبيه).

وقال القرطبي (2): يحتمل أنه كان طويل اليدين بالعمل وبالبذل قال: وقد سماه في حديث عمران الخرباق [قال](3): وكان في يده طول ويحتمل أن يكون رجلًا آخر.

قلت بعيد جدًّا (4)، [وفي معجم ................

(1) في ن ب (الخليل).

(2)

المفهم (2/ 1007).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

قد اختلفت الرواية في ضبط اسم الراوي وصفته، وذلك لكثرة الروايات في موضوع السهو، ومنها ما صرح فيه باسم ذي الشمالين بن عبد بن عمرو بن نضلة الخزاعي، وهو حليف بني زهرة، وهذا في صحيح ابن خزيمة برقم (1042)(2/ 125)، ومنها ما ذكر فيه اسم الخرباق رجل بسيط اليدين، وهي رواية عمران بن الحصين في الكتب الستة.

وقد ذهب ابن خزيمة أن القصص في السهو ثلاث (1053)(2/ 128) صحيح ابن خزيمة، ولكن رأى المصنف بخلافه وقد عدها ستة. انظر ما بعد المسألة التاسعة، فقد ذكرها بأدلتها مع الإِحالة إلى مصادرها، وقال النووي في المهذب (2/ 328): قال الشافعي: قال قائل: أفذو اليدين الذي رويتم عنه المقتول ببدر؟ قلت: لا، عمران يسميه الخرباق، =

ص: 245

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ويقول: قصير اليدين أو مديد اليدين، والمقتول ذو الشمالين "يعني ابن عبد عمرو بن نضلة"، وكلام الشافعي يؤكد أن ذا اليدين غير ذي الشمالين، وهو يجعل الرواية الجامعة بينهما موضع النظر، وقال ابن قتيبة في المعارف (322) يقول: ليس ذو اليدين ذا الشمالين المستشهد في بدر.

وقال السيوطي في تنوير الحوالك (1/ 88): قال الباجي: قول ابن شهاب في هذا الحديث: (ذو الشمالين) فيه نظر، وقال ابن أبي حثمة:(ذو الشمالين) عمير بن عبيد بن عمرو بن نضلة من خزاعة حليف لبني زهرة بن كلاب قتل يوم بدر، (وذو الدين) هو الخرباق، وهو غير ذي الشمالين، والجمع بينهما في حديث الزهري مما خالفه فيه الحفاظ من الرواة عن أبي هريرة: محمد بن سيرين وأبو سفيان وغيرهما: وكذلك رواه الحفاظ عن أبي سلمة، وبين هذا أن أبا هريرة يقول الحديث: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك رواه مصعب ونميره، وهذا يقتضي مشاهدة أبي هريرة لهذه الصلاة وذو الشمالين قتل يوم بدر وإسلام أبي هريرة بعد ذلك بأعوام جمة، قال: ولم يذكر ابن شهاب في حديثه هذا سجود السهو، وقد ذكره جماعة من الحفاظ عن أبي هريرة، والأخذ بالزائد أولى إذا كان راويه ثقة. انظر: المنتقى للباجي (1/ 175).

وقال ابن عبد البر في تمهيده: قول الزهري في هذا الحديث إن المتكلم ذو الشمالين لم يتابع عليه، فذو الشمالين هو عمير بن عمرو بن غيثان خزاعي حليف لبني زهرة، قتل لبدر، وذو اليدين اسمه الخرباق سلمي من بني سليم، قال: وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابًا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة .. وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه بشر. =

ص: 246

الإِسماعيلي (1) فأتاه ذو اليدين أو اليد] (2).

الثامن: قوله: "فنبئت أن عمران بن حصين، قال: ثم سلم" القائل هو محمد بن سيرين الراوي عن أبي هريرة، وهو مصرح بأنه لم يسمع ذلك من عمران بل بواسطة.

التاسع: اعلم أن أحاديث باب السهو في الصلاة ستة، وإن كان المازري (3) رحمه الله ذكرها خمسة، وتبعه النووي (4) وغيره، وأغفل حديث عمران بن حصين، وهو أنه سلم في ثلاث، ثم صلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، وإنما لم يذكره لأنه رأى أنه في معنى حديث ذي اليدين، ويلزمه على هذا ألا يعدد حديث أبي هريرة، لأنه عنده في معنى حديث أبي سعيد.

الحديث الأول: حديث أبي هريرة (5) فيمن شك فلم يدرِ كم

= وقال في الاستيعاب (1/ 149): وذو الشمالين عمير بن عمرو الذي قتل شهيدًا يوم بدر.

(1)

معجم الإِسماعيلي (1/ 331) وذكر هنا بالتثنية "أو اليدين"، وما أثبت من المعجم.

(2)

زيادة من ن د.

(3)

المعلم بفوائد مسلم (1/ 420).

(4)

شرح مسلم (5/ 56).

(5)

ولفظه: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي الشيطان أحدكم وهو في صلاته ليلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك فليسجد سجدين وهو جالس". أخرجه مالك في الموطأ (1/ 100)، والبخاري (1232)، ومسلم (389)، وأبو داود (1030)، والنسائي (3/ 31).

ص: 247

صلَّى. وفيه أنه سجد سجدتين ولم يذكر موضعهما.

الثاني: حديث أبي سعيد (1) فيمن شك أيضًا، وفيه: أنه سجد سجدتين قبل أن يسلم.

الثالث: حديث ابن مسعود (2)، وفيه القيام إلى خامسة، وأنه

(1) ابن خزيمة (1023)، وأبو داود (1024)، وابن ماجه (1210)، وابن أبي شيبة (2/ 25)، والنسائي (3/ 27)، والطحاوي (1/ 433). وقد ورد بلفظتين:

الأول: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فلم يدر ثلاثًا صلَّى أم أربعًا. فليصل ركعة وليسجد سجدتين قبل السلام، فإن كانت ثالثةً شفعتها السجدتان وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان". أخرجه أبو داود (1026)، والطحاوي (1/ 433)، ومالك (1/ 95)، وأحمد (3/ 72، 84، 87)، والدارمي (1/ 351)، والنسائي (3/ 27).

اللفظ الثاني: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك، وليبين علي اليقين، فإن استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة، والسجدتان نافلة، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تمامًا لصلاته والسجدتان ترغمان أنف الشيطان". تخريجه ما ذكر في أعلاه.

(2)

قد ورد بألفاظ كثيرة ولكنها ترجع إلى تحري الصواب، ولفظه: عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الظهر خمسًا، فقيل زيد في الصلاة شيء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وما ذاك؟ " قالوا: إنك صليت خمسًا فسجد سجدتين بعدما سلم. أخرجه مسلم (572)، والبخاري (1404)، وأبو داود (1029)، والترمذي (392)، والنسائي (3113)، وابن حبان (2658).

وفي لفظة: "فليتحرَّ الصواب، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدين". أخرجه =

ص: 248

سجد بعد السلام.

الرابع: حديث ذي اليدين (1) الذي ذكره المصنف من رواية أبي هريرة، وفيه السلام من اثنتين [والمشي](2) والكلام، وأنه سجد

بعد السلام.

قال أبو عمر (3): وقد رَوَى قصة ذي اليدين عبد الله بن عمر (4)، ومعاوية بن حُدَيج (5) -بضم الحاء المهملة- وعمران بن حصين (6)، وصاحب الجيوش واسمه عبد الله (7) بن مَسْعَدة، وهو معروف في الصحابة بابن مسْعَدة له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الخامس: حديث ابن بحينة (8) وقد ذكره المصنف بعد هذا،

= ابن ماجه (1212) وأبو يعلى (5002)، وهو صحيح الإِسناد وعلى شرط مسلم، وابن حبان (2659).

(1)

وهو حديث الباب. انظر التعليق ت (1) ص (241).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

في التمهيد (1/ 360).

(4)

راوية ابن عمر أخرجها ابن أبي شيبة (2/ 38).

(5)

ابن أبي شيبة (2/ 37)، وابن حبان (2674)، والحاكم (1/ 261، 323)، والبيهقي (2/ 359)، وأحمد (6/ 401).

(6)

مسلم (574)، وأحمد (4/ 427)، وأبو داود (1018)، والنسائي (3/ 26)، وابن ماجه (1215)، وابن حبان (2654، 2671، 2672، 2673).

(7)

أخرجه عبد الرزاق.

(8)

أخرجه البخاري (829، 830، 1224، 1225، 1230، 6670)، ومسلم (570)، والترمذي (391)، والنسائي (3/ 34)، والبغوي =

ص: 249

وفيه القيام من اثنتين والسجود قبل السلام.

السادس: حديث عمران الذي أسلفناه أولًا، وقال الشيخ تاج الدين الفاكهي: جملة الأحاديث الواردة في ذلك ثلاثة عشر حديثًا مشهورة في كتب الحديث.

قلت: ولعلها ترجع إلى هذه الستة، وقد اختلف العلماء في الأخذ بهذه الأحاديث، فمنهم من وقف عليها في مواضعها، ومنع القياس عليها: كداود الظاهري، ووافقه أحمد في الصلوات المذكورة خاصة، وخالفه في غيرها، وقال: يسجد فيما سواها قبل

السلام لكل سهو.

ومنهم من قاس عليها، واختلف هؤلاء.

فقال بعضهم: هو مخير في كل سهو إن شاء سجد بعد السلام وإن شاء قبله في الزيادة والنقص.

وقال أبو حنيفة: الأصل فيه السجود بعد السلام. وتأوَّل باقي الأحاديث عليه.

وقال الشافعي: الأصل فيه السجود قبل السلام ورد بقية الأحاديث إليه.

وقال مالك: إن كان السهو زيادة فبعده وإلَّا فقبله.

فأما الشافعي، فقال في حديث أبي سعيد: فإن كانت خامسة

= (758)، والموطأ (1/ 96)، وابن حبان (1938، 1939، 1941)، وأحمد (5/ 345، 346)، وابن خزيمة (1030).

ص: 250

شفعها. ونص على السجود قبل السلام مع تجويز الزيادة، والمجوز كالموجود [وتأويل](1) حديث ابن مسعود في القيام إلى خامسة والسجود بعد السلام على أنه عليه الصلاة والسلام ما علم السهو إلَّا بعد السلام، ولو علمه قبله لسجد قبله، [ويتأول](2) حديث ذي اليدين على أنها صلاة جرى فيها سهو فسها عن السجود قبل السلام فتداركه بعده.

قال النووي في (شرح مسلم)(3): وأقوى المذاهب هنا مذهب مالك، ثم مذهب الشافعي، وللشافعي قول كمذهب مالك، وقول بالتخيير وعلى القول بمذهب مالك لو اجتمع في صلاته سهوان: سهو بزيادة وسهو ينقصان سجد قبل السلام.

قال القاضي عياض وجماعة من أصحابنا: ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه لو سجد بعد السلام أو قبله للزيادة أو للنقص: أنه يجزيه، ولا تفسد صلاته، وإنما اختلافهم في الأفضل (4).

(1) في الأصل ون د (وتناول).

(2)

في ن د وب (تناول).

(3)

(5/ 56).

(4)

قال في حاشية الروض لابن قاسم رحمه الله (2/ 174): وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد للسهو قبل السلام، وروينا أنه سجد بعد السلام وأنه أمر بذلك وكلاهما صحيح. اهـ من كلام البيهقي، وقال شيخ الإِسلام أظهر الأقوال وهو رواية عن أحمد الفرق بين الزيادة والنقص. وبين الشك مع التحري، والشك مع البناء على اليقين، فإذا كان السجود لنقص، كان =

ص: 251

ولو سها سهوين فأكثر، كفاه للجميع سجدتان، وبه قال الأربعة وجمهور التابعين وعن ابن أبي ليلى:"لكل سهو سجدتان"(1) وفيه حديث ضعيف (2).

= قبل السلام، لأنه جابر لتتم الصلاة به. وإن كان لزيادة كان بعد السلام، لأنه إرغام للشيطان، لئلا يجمع بن زيادتين في الصلاة، وكذلك إذا شك وتحرى فإنه أتم صلاته. وإنما السجدتان إرغام للشيطان، فتكون بعده وكذلك إذا سلم، وقد بقي عليه بعض صلاته، ثم أكملها وقد أتمها، والسلام فيها زيادة. والسجود في ذلك ترغيم للشيطان، وأما إذا شك ولم يبن له الراجح فيعمل هنا على اليقين، فإما أن يكون صلَّى خمسًا أو أربعًا. فإن كان صلى خمسًا، فالسجدتان تشفعان له صلاته. ليكون كأنه صلى ستًا لا خمسًا. وهذا إنما يكون قبل السلام. فهذا القول الذي نصرناه يستعمل فيه جميع الأحاديث الواردة في ذلك.

وقال: وما شرع من السجود قبل السلام يجب فعله قبله. وما شرع بعده لا يفعل إلَّا بعده وجوبًا، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره وقال أحمد: أنا أقول كل سهو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد فيه بعد السلام فإنه يسجد فيه بعد السلام، وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام، ووجهه والله أعلم أنه من شأن الصلاة، فيقضيه قبل السلام إلَّا ما خصه الدليل،

ويخير المأموم بين السلام معه بنية السجود بعد السلام وبين الإِقامة، فإن سجد سجد معه، وإلَّا وحده، ومن سلم من المأمومين معه. ومن لم يسلم صلاة الكل صحيحة. اهـ.

(1)

ابن أبي شيبة (2/ 33).

(2)

ابن أبي شيبة من حديث ثوبان (2/ 33)، وأبو داود (1038) في الصلاة، وابن ماجه (1219)، والبيهقي (2/ 337)، وأحمد (5/ 280)، وعبد الرزاق (3533)، وفي إسناده مقال، وانظر كلام الألباني في الإِرواء =

ص: 252

ثم سجود السهو سنَّة عند الشافعي واجب عند أبي حنيفة، وحكي عن مالك أيضًا.

وقال القاضي عبد الوهاب: منه ما هو واجب، ومنه ما هو سنة.

قال المازري (1): فالأول هو ما كان قبل السلام على قولنا: إنه إذا نسي ما قبل السلام حتى طال تبطل صلاته، والثاني: ما كان بعد السلام.

العاشر: في هذا الحديث [فوائد أصولية](2)، فمنها ما يتعلق بأصول الدين.

وهو في موضعين:

الأول: جواز السهو في الأفعال على الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه (3).

= (2/ 47) حيث قال: وله شواهد يتقوى بها. اهـ. انظر التعليق ت (2) ص (272).

أقول: منها: حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري (3/ 93)، فتح الباري، ومسلم (572)، والبيهقي (2/ 341)، والنسائي (3/ 28)، والترمذي (2/ 39)، وابن ماجه (1211).

(1)

المعلم (1/ 420، 421).

(2)

في الأصل ون ب ساقطة.

(3)

قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (1/ 341): وفي هذا الحديث وجوه من الفقه والعلم، منها أن النسيان لا يعصم منه أحد، نبيًا كان أو غير نبي، قال صلى الله عليه وسلم:"نسي آدم فنسيت ذريته".

ص: 253

والثاني: في الأقوال (1) وقبل الخوض في ذلك، فاعلم أنهم

(1) اعلم أن الاختلاف في هذه المسألة واقع في أربعة مواضع.

الأول: ما يتعلق بالاعتقادية. وأجمعت الأمة على أن الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعة.

الثاني: ما يتعلق بجميع الشرائع والأحكام من الله تعالى، وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم التحريف والخيانة في هذا الباب لا بالعمد ولا بالسهو، وإلَاّ لم يبقَ الاعتماد على شيء من الشرائع.

الثالث: ما يتعلق بالفتوى وأجمعوا على أنه لا يجوز تعمد الخطأ، فأما على سبيل السهو فقد اختلفوا فيه.

الرابع: ما يتعلق بأفعالهم وأحوالهم: وقد ذكر المؤلف المذاهب فيه. اهـ من كتاب "عصمة الأنبياء" للرازي، وقد غلا جماعة فجهلوا معنى المعصية وردوا الأحاديث الصحيحة بجهلهم وغلوهم هذا إذ قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليه السهو ولا النسيان ظنًّا منهم أن هذا السهو معصية. وهذا من أبطل الباطل.

وقال أبو محمد بن حزم في "الملل والنحل": فإن قال قائل: فهلا نفيتم عنهم السهو بدليل الندب إلى التأسي بهم؟ قلنا وبالله التوفيق: إنكار ما ثبت كإجازة ما لم يثبت سواء ولا فرق. والسهو منهم قد ثبت بيقين. وأيضًا فإن ندب الله -تعالى- لنا بالتأسي بهم لا يمنع من وقوع السهو منهم، لأن التأسى بالسهو لا يمكن إلَّا بسهو منا، ومن المحال أن نندب إلى السهو أو نكلف السهو، لأننا لو قصدنا إليه لم يكن حينئذٍ سهوًا، ولا يجوز أيضًا أن ننهى عن السهو، لأن الانتهاء عن السهو ليس في بنيتنا ولا في وسعنا، وقد قال -تعالى-:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ونقول أيضًا: إننا مأمورون إذا سهونا أن نفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سها، وأيضًا فإن الله -تعالى- لا يقر الأنبياء- عليهم =

ص: 254

معصومون من الكفر والبدعة إلَّا من خالف من الخوارج ممن لا يعتد به، وأجازت الروافض عليهم إظهار كلمة الكفر تَقِيَّة، والإِجماع قائم على أن الكذب عليهم في تبليغ الشرائع والأحكام الإِلهية لا يجوز، وكذلك النسيان قبل التبليغ، وكذا بعده على قول الجمهور، وكذا الإِجماع قائم أيضًا على أنه لا يجوز عليهم [تعمد](1) الخطأ في الفتوى [و](2) في السهو خلاف.

وأما ما يتعلق بأفعالهم وأقوالهم (3)، ..............

= السلام- على السهو، بل ينبههم في الوقت. ولو لم يفعل -تعالى- ذلك لكان لم يبين لنا مراده منا في الدين. وهذا تكذيب لله عز وجل إذ يقول:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وإذ يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} إلى أن قال: وما نعلم أهل فرية أشد سعيًا في إفساد الإِسلام وكيده من الرافضة وأهل هذه المقالة -يعني ابن الباقلاني وشيعته- إلى آخر كلامه.

(1)

في ن ب (لعمد).

(2)

زيادة من ن ب د.

(3)

قال الرازي في عصمة الأنبياء (19): والذي نقول إن الأنبياء عليهم السلام معصومون في زمان النبوة عن الكبائر والصغائر بالعمد، أما على سبيل السهو فهو جائز، ويدل على وجوب العصمة، وجوه خمسة عشر نذكرها باختصار، ومن أراد الزيادة فليرجع إلى الكتاب المذكور:

الوجه الأول: لو صدر الذنب منهم لكان حالهم في استحقاق الذم عاجلًا والعقاب آجلًا أشد من حال عصاة الأمة. وكلما كانت نعمة الله على عبده أكبر كان العقاب أشد للأدلة الآتية:

1 -

قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} إلى قوله: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} . =

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 2 - أن المحصن يرجم وغيره يجلد.

3 -

التفريق بين حد الحر والعبد.

4 -

عقوبة العالم في الدنيا والآخرة أشد من عقوبة الجاهل. هذا زيادة.

الحجة الثانية: لو صدر الذنب عنهم لما كانوا مقبولي الشهادة، لقوله -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} ، قراءة أخرى:"فتثبتوا"، وقوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ، ومن كان شهيدًا لجميع الرسل يوم القيامة كيف يكون بحال لا تقبل بشاهدته في الجنة.

الحجة الثالثة: لو صدر الذنب عنهم لوجب زجرهم، لأن الدلائل دالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكان زجر الأنبياء غير جائز لقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} ، فكان صدور الذنب عنهم ممتنعًا.

الحجة الرابعة: لو صدر الفسق من محمد صلى الله عليه وسلم لكنا إما أن نكون مأمورين بالاقتداء به وهذا لا يجوز. أو لا نكون مأمورين بالاقتداء به وهذا أيضًا باطل، لقوله -تعالى-:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ولقوله: {فَاتَّبِعُوهُ} ولما كان صدور الفسق يفضي إلى هذين القسمين الباطلين وإن صدور الفسق عنه محالًا.

الحجة الخامسة: لو صدرت المعصية من الأنبياء - عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم - لوجب أن يكونوا موعودين بعذاب الله عذاب جهنم، لقوله -تعالى-:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} وهذا باطل بإجماع الأمة.

الحجة السادسة: أنهم كانوا يأمرون بالطاعات وترك المعاصي، ولو تركوا الطاعة وفعلوا المعصية لدخلوا تحت قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)} . =

ص: 256

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الحجة السابعة: قال -تعالى- في صفة إبراهيم وإسحاق: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} "الخيرات" فعل كل ما ينبغي وترك ما لا ينبغي.

الحجة الثامنة: قوله -تعالى-: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)} وهو أن اللفظين أعني قوله -تعالى-: {مُصِيبَةٌ} وقوله: {ما} يتناولان جملة الأفعال والتروك ولا يقال الاصطفاء يمنع من فعل الذنب بدليل قوله -تعالى-: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} .

الحجة التاسعة: قوله -تعالى-: حكايته عن إبليس {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)} استثنى المخلصين من إغوائه وإضلاله. ثم إنه -تعالى- شهد على إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم الصلاة إنهم من المخلصين.

الحجة العاشرة: قال -تعالى-: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} فهؤلاء الذين لم يتبعوا إبليس إما أن يقال: إنهم الأنبياء أو غيرهم. فإن كانوا غيرهم لزم أن يكونوا أفضل. لقوله -تعالى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وتفضيل غير النبي على النبي باطل بالإِجماع.

الحجة الحادية عشر: تقسيم المكلفين إلى قسمين: حزب الله، وحزب الشياطين. ولا شك أن حزب الشيطان هو الذي يفعل ما يريده الشيطان ويأمره به، فلو صدرت الذنوب عن الأنبياء لصدق عليهم أنهم من حزب الشيطان. وحينئذٍ يلزم أن يكون واحد من آحاد الأمة أفضل بكثير من الأنبياء، ولا شك في بطلانه.

الحجة الثانية عشرة: إجماع الأمة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة. وثابت بالأدلة أن الملائكة ما أقدموا على شيء من الذنوب.

الحجة الثالثة عشرة: قال تعالى في حق إبراهيم - عليه الصلاة =

ص: 257

فالمذاهب في ذلك خمسة:

أحدها: وهو مذهب الحشوية، يجوز عليهم الإِقدام على الصغائر والكبائر مطلقًا، وقالوا بوقوعها منهم (1).

= والسلام-: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} والإِمام هو الذي يقتدى به، فلو صدر الذنب عن إبراهيم لكان اقتداء الخلق به في ذلك الذنب واجبًا وإنه باطل.

الحجة الرابعة عشرة: قوله -تعالى-: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} فكل من أقدم على الذنب كان ظالمًا لنفسه، لقوله -تعالى-:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} إذا عرفت هذا فنقول: ذلك العهد الذي حكم الله -تعالى- بأنه لا يصل إلى الظالمين، إما أن يكون هو عهد النبوة أو عهد الإِمامة. فإن كان الأول فهو المقصود. وإن كان الثاني فالمقصود أظهر. لأن عهد الإِمامة أقل درجة من عهد النبوة. فإذا لم يصل عهد الإِمامة إلى المذنب العاصي. فبأن لا يصل عهد النبوة إليه أولى.

الحجة الخامسة عشرة: روي أن خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه شهد على وفق دعوى النبي صلى الله عليه وسلم. مع أنه ما كان عالمًا بتلك الواقعة، فقال خزيمة:"إني أصدقك فيما تخبر عنه من أحوال السماء. أفلا أصدقك في هذا القدر؟ فلما ذكر ذلك صدقه النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولقبه بذي الشهادتين، ولو كان الذنب جائزًا على الأنبياء لكانت شهادة خزيمة غير جائزة". اهـ.

(1)

قال شيخ الإِسلام -رحمنا الله وإياه- في المنهاج (2/ 394، 482)، وفيه مبحث العصمة (429/ 2)، وأما ما تقوله الرافضة من أن النبي قبل النبوة وبعدها لا يقع في خطأ ولا ذنب صغير وكذلك الأئمة. فهذا مما انفردوا به عن فرق الأمة كلها، وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف.

ص: 258

ثانيها: مذهب الروافض، لا يجوز ذلك عليهم مطلقًا لا عمدًا ولا سهو ولا تأويلًا (1).

ثالثها: لا يجوز الكبائر عمدًا وأما الصغائر والكبائر سهوًا فجائزة عليهم بشرط عدم الإِصرار لأنه كبيرة، وهو قول أكثر المعتزلة.

= ومن مقصودهم بذلك القدح في إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لكونهما أسلما بعد الكفر. ويدَّعون أن عليًّا رضي الله عنه لم يزل مؤمنًا، وأنه لم يخطأ قط ولم يذنب قط، وكذلك تمام الأئمة الأثنى عشر

إلخ كلامه.

(1)

مبحث معصية الأنبياء عمدًا قد تقدم الرد عليه في تعليق ت (3) ص (253)، وت (1) ص (254)، وقال شيخ الإِسلام في الفتاوى (4/ 319): فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر: هو قول أكثر علماء الإِسلام وجميع الطوائف. حتى إنه قول أكثر أهل الكلام. كما ذكر "أبو الحسن الآمدي" أن هذا قول أكثر الأشعرية. وهو أيضًا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابيعهم إلَّا ما يوافق هذا القول، وقال شيخ الإِسلام في بغية المرتاد (501) بعد كلام سبق: وأما تنازع الناس في غير هذا كتنازعهم في وقوع الخطأ أو الصغائر، فإنهم أيضًا لا يقرون على ذلك. فإذا قيل: هم معصومون من الإِقرار على ذلك كان في ذلك احتراز من النزاع المشهور، بل إذا كان عامة السلف والأئمة وجمهور الأمة يجوّز ذلك على الأنبياء، ويقولون هم معصومون من الإِقرار على الذنوب، ويقولرن وقوع ما وقع إنما كان لكمال النهاية. لا لتفضيل البداية. فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين كما دل الكتاب والسنَّة والآثار على ذلك. وما في ذلك من التأسي والاقتداء بهم. فكيف بغيرهم؟ لكن غيرهم ليس معصومًا من الإِقرار على الخطأ. اهـ.

ص: 259

رابعها: لا يجوز عليهم تعمد ذلك، ولكن يجوز صدور ذلك على سبيل الخطأ في التأويل قاله الجبائي.

خامسها: لا يجوز ذلك عمدًا ولا بالتأويل الخطأ، ويجوز سهوًا.

قال ابن بزيزة: وجمهور الأشاعرة: على جواز وقوع الصغائر منهم، وأن الكبائر لا تجوز عليهم. قال: واتفق الجمهور على [أن](1) تكرار الصغائر وكثرة وقوعها معصومون منها كالكبائر. قال: واختلفوا في [مواقعتهم](2) المكروه قصدًا، والجمهور على أنهم معصومون منه.

إذا تقرر ذلك فجوَّز السهو عليهم عامة [العلماء](3) والنظار، وهذا الحديث دال عليه، وهو مصرح به في حديث ابن مسعود بأنه عليه الصلاة والسلام ينسى كما تنسون، وهو ظاهر القرآن، ومن ألفاظ العلماء:"النسيان ليس ببدع في الإِنسان""وأول ناس أول الناس".

وشذت طائفة من المتوغلين فقالت: لا يجوز [عليه السهو](4) وإنما ينسى قصدًا أو يتعمد صورة النسيان، نحا إلى قولهم عظيم من أئمة التحقيق وهو أبو المظفر الإِسفراييني في كتابه "الأوسط"، وهذا

(1) زيادة من ن د.

(2)

في ن ب (موافقتهم).

(3)

زيادة من ن د.

(4)

في ن د تقديم وتأخير.

ص: 260

منحى غير سديد (1) وجمع الضد مع الضد مستحيل بعيد لإِخباره عليه الصلاة والسلام أنه ينسى، ولأن الأفعال العمدية تبطل

الصلاة، ولأن صورة الفعل النسياني كصورة الفعل العمدي، وإنما يتميزان للغير بالإِخبار.

ومنعت أيضًا طائفة من العلماء: السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه. واستحالته عليه في الأقوال البلاغية وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك، وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق الإِسفراييني.

والصحيح الجواز: فإن السهو لا يناقض النبوة، وإذا لم يقر عَلَيه لم تَحصُل فيه مَفْسَدَة، بل تحصل [منه](2) فائدة، وهي بيان

أحكام التأسي وتقرير الأحكام.

(1) قال شيخ الإِسلام في الفتاوي (4/ 168) بعد كلام سبق: لكن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم فلا يجوز أن يصدر عنه خبران متناقضان في الحقيقة. ولا أمران متناقضان في الحقيقة إلَّا وأحدهما ناسخ والآخر منسوخ. وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فليس بمعصوم، فيجوز أن يكون قد قال خبرين متناقضين. وأمرين متناقضين، ولم يشعر بالتناقض. لكن إذا كان في المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحتاج إلى تمييز ومعرفة. وقد تختلف الروايات حتى يكون بعضها أرجح من بعض، والناقلون لشريعته بالاستدلال بينهم اختلاف كثير. لم يستنكر وقوع نحو من هذا في غيره. بل هو أولى بذلك، وإن الله قد ضمن حفظ الذكر الذي أنزله على رسوله، ولم يضمن حفظ ما يؤثر عن غيره

الخ.

(2)

في ن ب د (فيه).

ص: 261

والذين أجازوا السهو قالوا. لا يقر عليه فيما طريقه البلاغ الفعلي (1).

واختلفوا هل من شرط التنبيه الاتصال بالحادثة أم لا يشترط؟

بل يجوز التراخي إلى أن تنقطع مدة التبليغ وهو العمر؟

وهذه الواقعة أعني الحديث الذي نحن فيه قد وقع البيان فيها على الاتصال؛ ومذهب الأكثرين: الأول، واختار إمام الحرمين: الثاني، وكذا قال القرطبي في شرحه (2): أن الصحيح أن السهو عليه جائز مطلقًا، إذ هو واحد من نوع البشر، فيجوز عليه ما يجوز عليهم إذا

(1) قال شيخ الإِسلام في بغية المرتاد (501): وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فعصمته فيما استقر تبليغه من الرسالة باتفاق المؤمنين، كما قال- تعالى-:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} حتى {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)} ، ثم قال: وليس هذا موضع ذكر تنازع الناس. هل كان الإِلقاء في السمع أو في اللفظ؟ إذ لا نزاع بين الأئمة في أنه لا يقر على ما هو خطأ في تبليغ الرسالة. وقال في الفتاوى (10/ 289): والكلام في هذا المقام مبني على "أصل"، وهو أن الأنبياء - صلوات الله عليهم - معصومون فيما يخبرون به عن الله -سبحانه- وفي تبليغ رسالاته. ولهذا وجب الإِيمان بكل ما أوتوه، كما قال -تعالى-:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} إلى قوله: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ} إلى أن قال: وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة، فإن النبي هو المنبَّأ عن الله، والرسول هو الذي أرسله الله تعالى، وكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا. والعصمة فيما يبلغون عن الله ثابتة، فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين.

(2)

المفهم (2/ 1000، 1004).

ص: 262

لم يقدح في حاله غير أن ما كان منه فيما طريقةُ بلاغ الأحكام قولًا وفعلًا لا يقر على نسيانه، بل ينبه عليه إذا دعت الحاجة إليه، فإن أُقر على نسيانه لذلك، فذلك من باب النسخ كما قال -تعالى-:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (1).

وقسم القاضي عياض (2) السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأفعال إلى: ما طريقه البلاغ وإلى ما ليس طريقه البلاغ، ولا بيان الأحكام من الأفعال البشرية مما يختص به من العبادات والأذكار القلبية، وأبى ذلك بعض من تأخر عن زمنه، وقال: إن أقوال الرسول وأفعاله وإقراره كله بلاغ واستنتج بذلك العصمة في العمل بناءًا على أن المعجزة تدل على العصمة فيما طريقه البلاغ، وهذه كلها بلاغ تتعلق بها العصمة، ولم يصرح في ذلك بالفرق بين عمد أو سهو، وأحد البلاغ في الأفعال من حيث التأسي به صلى الله عليه وسلم فإنه سوى بين العَمد والسَّهو، فهذا الحديث يرد عليه.

قال القاضي: واختلقوا في جواز السهو عليه في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه فجوّزه الجمهور.

وأما الثاني: وهو الأقوال وهو ينقسم إلى ما طريقه البلاغ والسهو فيه ممتنع إجماعًا كالعمد وأما طروء السهو في الأقوال

(1) سورة الأعلى، آيتان 6، 7.

(2)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (2/ 267، 268). والنووي في شرح مسلم (5/ 62) للاطلاع على السياق.

ص: 263

الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الأخبار التي لا [تستند](1) الأحكام إليها ولا أخبار المعاد وما لا يضاف إلى وحي فجوز قوم

إذ لا مفسدة فيه، وليس هو من باب التبليغ التي يتطرق به إلى القدح في الشريعة. والحق كما قال القاضي عياض: المنع على الأنبياء في كل خبر من الأخبار، كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدًا ولا سهوًا لا في صحة ولا مرض ولا رضي ولا غضب.

وأما جواز السهو عليه في الاعتقادات في أمور الدنيا: فغير ممتنع، كما وقع في تلقيح النخل، وقد استدركه.

وأما جوازه في اعتقاد متعلق بالدين ومعرفة [الذات](2) والصفات: فالسهو عليه فيه محال إجماعًا.

والذي يتعلق بما ذكرنا من هذا الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: "لم أنس ولم تقصر" وفي رواية أخرى: "كل ذلك لم يكن" فإنه مشكل بما ثبت من حاله عليه الصلاة والسلام فإنه مستحيل عليه الخلف.

وقد اعتذر عن ذلك بوجوه:

الأول: أن المراد لم يكن القصر والنسيان معًا، وكان الأمر كذلك، فنفى الكلية وهو صادق فيها، إذ لم يجتمع وقوع الأمرين وإنما وقع أحدهما، ولا يلزم من نفي الكلية نفي كل [جرء من](3)

(1) في ن د (مستند).

(2)

في الأصل ون ب (الدين).

(3)

في الأصل ساقطة، وما أثبت من ن ب د.

ص: 264

أجزائها، فإذا قال:[لم](1) ألق كل العلماء. لا يفهم أنه لم يلقَ واحدًا منهم، ولا يلزم ذلك [منه](2)، وفي هذا نظر لأن لفظ

ذي اليدين لا يقتضي مجموع الأمرين، وإنما معناه السؤال عن أحدهما لا بعينه بدليل حرف المعادلة وهو أم.

الثاني: أن المراد الإِخبار عن اعتقاد قلبه وظنه، وهذان الوجهان يختص الأول منهما بالرواية الثانية، وأما الأولى فلا يصح فيها هذا التأويل، وأما الوجه الثاني فهو مستمر على مذهب من يرى أن مدلول اللفظ الخبري هو الأمور الذهنية، فإنه وإن لم يذكر ذلك فهو الثابت في نفس الأمر فيصير كالملفوظ به، واقتصر النووي في (شرح مسلم)(3) على هذين الوجهين، وقال: إن الثاني هو

الصواب. وقال: ويدل على صحته وأنه لا يجوز غيره رواية: "لم أنس ولم تقصر" فنفى الأمرين.

قال القرطبي (4): وهو الصواب فإنه ضعف ما سواه. قال: ومن هذا ما قد صار إليه أكثر العلماء أن الحالف بالله على شيء يعتقده فيظهر أنه بخلاف ما حلف عليه أن تلك اليمين لاغية لا حنث فيها، وهي التي لم يضفها الله إلى كسب القلب، حيث قال:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} (5) الآية.

(1) زيادة من ن د.

(2)

زيادة من ن د.

(3)

(5/ 69).

(4)

المفهم (2/ 1010).

(5)

سورة المائدة: آية 89.

ص: 265

[قلت: ويؤيد هذا الوجه رواية السراج في مسنده: "ما قصرت ولا علمت أني نسيت"](1).

الثالث: أن قوله: "لم أنسَ"، يحمل على السلام (2)، أي أنه كان مقصودًا، لكنه بني على ظن التمام، ولم يقع سهوًا في نفسه،

وإنما وقع السهو في عدد الركعات، وهذا بعيد لأنه حينئذٍ لا يكون جوابًا عما سئل عنه.

[الرابع](3): الفرق بين السهو والنسيان (4): فأنه كان يسهو ولا

(1) زيادة من ن د.

(2)

أي سلامه من الصلاة بأنه كان مقصودًا للخروج من الصلاة وبنى صلى الله عليه وسلم هذا السلام على ظن التمام.

(3)

زيادة من ن د.

(4)

قال صاحب الفروق اللغوية -رحمنا إلله وإياه- (78) في الفرق بين "النسيان والسهو": إن النسيان إنما يكون عما كان، والسهو يكون عما لم يكن تقول: نسيت ما عرفته. ولا يقال: سهوت عما عرفته، وإنما تقول: سهوت عن السجود في الصلاة، فتجعل السهو بدلًا عن السجود الذي لم يكن. والسهو والمسهو عنه يتعاقبان، وفرق آخر: أن الإِنسان إنما ينسى ما كان ذاكرًا له، والسهو يكون عن ذكر وغير ذكر، لأنه خفاء المعنى بما يمتنع به إدراكه، وفرق آخر وهو أن الشيء الواحد محال أن يسهى عنه في

وقت ولا يسهى عنه في وقت آخر، وإنما يسهى في وقت آخر عن مثله، ويجوز أن ينسى الشيء الواحد في وقت، ويذكره في وقت آخر.

الفرق بين "السهو والإِغماء" أن الإِغماء سهو يكون من مرض فقط، والنوم سهو يحدث مع فتور الجسم الموصوف به.

الفرق بين "السهو والغفلة" أن الغفلة تكون عما يكون، والسهو يكون عما =

ص: 266

ينسى، ولذلك نفى عن نفسه النسيان، لأنه غفلة ولم يَغْفُل عنها، وكان شغله بحركات الصلاة وما فيها شغلًا بها لا غفلة عنها ذكره

القاضي عياض.

قال الشيخ تقي الدين (1): وليس فيه تلخيص العبارة عن حقيقة السهو والنسيان، مع بعد الفرق بينهما في استعمال اللغة، وكأنه

يتلوح من اللفظ على أن النسيان عدم الذكر لأمر لا يتعلق بالصلاة، والسهو عدم الذكر لأمر تعلق بها، ويكون النسيان: الإِعراض عن تفقد أمورها، حتى يحصل عدم الذكر، والسهو: عدم الذكر، لا لأجل الإِعراض. وليس في هذا بعد ما ذكرناه [تفريق](2) كلي

[بين](3) السهو والنسيان.

= لا يكون، تقول: غفلت عن هذا الشيء حتى كان ولا تقول: سوت عنه حتى كان، لأنك إذا سهوت عنه لم يكن، ويجوز أن تغفل عنه ويكون، وفرق آخر: أن الغفلة تكون عن فعل الغير، تقول: كنت غافلًا عما كان من فلان ولا يجوز أن يسهى عن فعل الغير. اهـ من الفروق.

قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في مدارج السالكين (2/ 434): الفرق بين "الغفلة والنسيان": أن "الغفلة" ترك باختيار الغافل. و"النسيان" ترك بغير اختياره، ولهذا قال -تعالى-:{وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)} ولم يقل: ولا تكن من الناسين. فإن النسيان لا يدخل تحت التكليف، فلا ينهى عنه.

(1)

إحكام الأحكام (5/ 427).

(2)

في الأصل ون ب د (تحقيق)، وما أثبت من إحكام الأحكام لأنه هو الذي يناسب السياق.

(3)

في الأصل ون ب د (يخص)، وما أثبت من إحكام الأحكام لأنه هو الذي يناسب السياق.

ص: 267

وقال القرطبي (1) أيضًا: هذا الوجه ليس بشيء، إذ لا نسلم الفرق، ولو سلم فقد أضاف النسيان إلى نفسه في غيرما موضع،

فقال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني"، وغير ذلك.

وقال [الكاشغري](2) في غريبه: "السهو: في الشيء تركه من غير علم.

والسهو: عن الشيء تركه مع العلم. ومنه قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} (3)، وقال: والسهو في الصلاة: النسيان. والنسيان: هو عدم الذكر لما قد كان مذكورًا، [إذ] (4) السهو: الغفلة عما كان في الذكر وعما لم يكن.

وقال غيره: السهو: يتعدى بحرف الجر.

والنسيان: يتعدى بنفسه، وأحسن منه أن النسيان: يطلق على ترك الشيء عمدًا (5) ومنه قوله -تعالى-: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (6).

(1) المفهم (2/ 1011).

(2)

في الأصل ون ب (الكاشغردي)، وما أثبت من ن د.

هو: محمد بن محمد بن علي الكاشغري فقيه، أصله من كاشغر، جاور بمكة وتصوف، ودخل اليمن فأقام بتعزله كتاب "مجمع الغرائب ومنبع الفوائد".

(3)

سورة الماعون: آية 5.

(4)

في ن د (واو).

(5)

انظر التعليق 33.

(6)

سورة التوبة: آية 67.

ص: 268

قال صاحب القبس (1): وهذا هو الذي يعني به النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه.

الخامس: ذكر القاضي عياض رحمه الله أنه ظهر له ما هو أقرب وجهًا وأحسن تأويلًا، وهو أنه عليه الصلاة والسلام إنما أنكر "نسيت" المضافة إليه وهو الذي نهى عنه، بقوله:"بئسما لأحدكم أن يقول نيست ولكنه نُسِّي"(2)، وقد روي:"إني لا آنسى" على النفي "ولكن أُنَسَّي". وقد شك الراوي على رأي بعضهم في الراوية الأخرى، هل قال" أَنّسَ" أو "أُنسَ" وأن "أو" هنا للشك، وقيل: بل للتقسيم وأن هذا يكون مرة من قبل شغله وسهوه، ومرة يغلب على ذلك، ويجبر عليه ليسن، فلما سأله السائل بذلك اللفظ أنكره. وقال: كل ذلك لم يكن. وفي الرواية الأخرى: "لم أنس، ولم تقصر" أما القصر فبين لا، وقال كل ذلك لم يكن، وفي الرواية الأخرى، وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسي وغفلتي عن الصلاة، ولكن الله نسَّاني لأسن.

قال القرطبي (3): وهذا يبطله قوله أيضًا: "أنسى كما تنسون،

(1) القبس (1/ 256).

(2)

البخاري (5032)، ومسلم (790)، والترمذي (2943)، والنسائي (2/ 154)، والدارمي (2/ 308، 439)، والبغوي (4/ 195)، والحميدي (1/ 50)، وعبد الرزاق (3/ 359)، وأحمد (1/ 423، 429، 429، 417، 429، 438، 439)، وصححه الحاكم (1/ 553)، ووافقه الذهبي-.

(3)

المفهم (2/ 1012).

ص: 269

فإذا نسيت فذكروني" (1) وأيضًا فلم يصدر ذلك عنه على جهة الزجر والإِنكار، بل على جهة النفي لما قاله السائل عنه، وأيضًا فلا يكون جوابًا لما سئل عنه، ونحى بنحوه الشيخ تقي الدين (2)، فقال: اعلم أنه ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لو وجدت في الصلاة [شيء](3)[لأنبئتكم](4) به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني" (5)، وهذا يعترض على ما ذكره القاضي (6) من أنه صلى الله عليه وسلم أنكر نسبة النسيان إليه، وقد نسبه إليه في حديث ابن مسعود هذا مرتين وما ذكره أيضًا من أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يقال: "نسيت كذا"، [و] (7) الذي أعرف: "بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا" (8)، وهذا ذم لإِضافة نسبة النسيان

(1) سيأتي تخريجه.

(2)

إحكام الأحكام (2/ 428).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

في ن د ساقطة.

(5)

مسلم (572)، والبخاري (6671)، وأحمد (1/ 419، 438).

(6)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (2/ 272).

(7)

في ن ب زيادة (إلى).

(8)

البخاري (5032، 5039)، ومسلم (790) سبق تخريجه.

وقال الحافظ -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 80، 81): واختلف في متعلق الذم من قوله: "بئس" على أوجه: الأول: قيل: هو على نسبة الإِنسان إلى نفسه النسيان وهو لا صنع له فيه، فإذا نسبه إلى نفسه، أوهم أنه انفرد بفعله، فكان ينبغي أن يقول: أنسيت، أو نُسِّيت بالتثقيل على البناء للمجهول فيهما، أي: إن الله هو الذي أنساني كما قال: {وَمَا =

ص: 270

إلى الآية ولا يلزم من الذم للإِضافة إليها الذم للإِضافة إلى كل

= رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، وقال:{وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)} ، وبهذا الوجه جزم ابن بطال، فقال: أراد أن يجري على ألسن العباد نسبة الأفعال إلى خالقها، لما في ذلك من الإِقرار له بالعبودية والاستسلام لقدرته، وذلك أولى من نسبة الأفعال إلى مكتسبها مع أن نسبتها إلى مكتسبها جائز بدليل الكتاب والسنَّة. ثم ذكر الحديث الآتي في "باب نسيان القرآن"، قال: وقد أضاف موسى عليه السلام النسيان مرة إلى نفسه، ومرة إلى الشيطان فقال:{فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} ولكل إضافة منها معنى صحيح، فالإِضافة إلى الله بمعنى أنه خالق الأفعال كلها، وإلى النفس لأن الإِنسان هو المكتسب لها، وإلى الشيطان بمعنى الوسوسة. اهـ. ووقع له ذهول فيما نسبه لموسى، وإنما هو كلام فتاه. وقال القاضي: ثبت أن النبي نسب النسيان إلى نفسه يعني كما سيأتي في "باب نسيان القرآن"، وكذا نسبه يوشع إلى نفسه حيث قال:{نَسِيتُ الْحُوتَ} وموسى إلى نفه حيث قال: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} ، وقد سبق قول الصحابة:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} مساق المدح، قال -تعالى- لنبيه:{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)} فالذي بظهر أن ذلك ليس متعلق الذم، وجنح إلى اختيار الوجه الثاني وهو كالأول، لكن سبب الذم ما فيه من الإِشعار بعدم الاعتناء بالقرآن، إذ لا يقع النسيان إلَّا بترك التعاهد وكثرة الغفلة، فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره، فإذا قال الإِنسان: نسيت الآية الفلانية فكأنه شهد على نفسه بالتفريط فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد، لأنه يورث النسيان. وقال عياض: أولى ما يتأول عليه: ذم الحال لا ذم القول، أي: بئس الحال حال من حفظه، ثم غفل عنه حتى نسيه. وقال النووي: الكراهة فيه للتنزيه. اهـ.

ص: 271

شيء، فإن الآية من كلام الله المعظم، ويقبح بالمسلم إضافة نسيان كلام الله -تعالى- إلى نفسه، وليس هذا المعنى موجودًا في كل

نسيان ينسبه إلى نفسه، فلا يلزم مساواة غير الآية لها، وكيف ما كان لو لم تظهر مناسبة لم يلزم من الذم الخاص الذم العام، [وإذا](1) لم يلزم ذلك لم يلزم أن يكون قول القائل نسيت، الذي أضافه إلى عدد الركعات داخلًا تحت الذم فينكر، ولما تكلم بعض المتأخرين على هذا الموضع ذكر أن التحقيق في الجواب عنه أن العصمة إنما تثبت في الأخبار عن الله في الأحكام وغيرها، لأنه الذي قامت عليه المعجزة، أما إخباره عن الأمور الوجودية فيجوز عليه فيه النسيان.

تنبيه: حديث: "إني لأنسى او أُنَسَّى لأسن"(2)، منقطع الإِسناد

(1) زيادة من ن د.

(2)

الموطأ (1/ 100). قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندًا ولا مقطوعًا. من غير هذا الوجه. وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة. ومعناه صحيح في الأصول. اهـ. من الموطأ (1/ 100).

وقال الصنعاني رحمه الله في حاشية على إحكام الأحكام (2/ 427)، نقلًا عن الحافظ ابن حجر: إنه حديث لا أصل له. وإنما هو من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد.

أقول: رواية "لا أنسى"، هو كما عرفت لا تقوم به حجة. اهـ.

قال محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله في مقدمة الموطأ (هـ) نقلًا عن الشيخ محمد حبيب الشنقيطي من كتاب دليل السالك إلى موطأ مالك (ص 14): إلى أنه حيث ثبتت اتصال جميع أحاديث الموطأ حتى إنه وصل الأربعة التي اعترف ابن عبد البر بعدم الوقوف عليها

إلخ كلامه.

ص: 272

وهو من بلاغات "الموطأ". قال ابن عبد البر: لا أعلمه بهذا اللفظ يروى مسندًا ولا مقطوعًا من غير هذا الوجه.

قلت: وفي طريق آخر "إني لا أنسّى ولكن أنسى لأسن"، وقد تقدم الكلام على "أو" هذه.

وقال بعضهم: المقصود به النوم واليقظة [فينسى](1) في اليقظة، وينسى في النوم فأضاف نسيان اليقظة إلى نفسه، وأضاف نسيان النوم إليه، حكاه الباجي واستبعده غيره من المتأخرين.

وقال بعضهم: "إني لا أنسى" على عادة البشر، وأنسى الشيء مع إقبالي عليه وتوجهي إليه.

قال ابن بزيزة: والصحيح [عندي](2) أنه خرج مخرج النسبتين الحقيقية والمجازية، فتكون "أو" للتقسيم، فأضاف النسيان إلى نفسه مجازًا، ثم أضافه إلى الله، فالرواية الثانية تبين النسبة الحقيقية.

فائدة: نقل ابن بزيزة في "شرح أحكام عبد الحق": إن حديث "إني لأنسى [أو أُنَسّى] (3) لأسُنَّ" أحد الأحاديث الأربعة الواقعة في الموطأ المطعون فيها.

وثانيها: الحديث الذي من سبب إعطاء ليلة القدر، وسيأتي في بابه (4).

(1) في الأصل ون ب (ينسى)، وما أثبت من ن د.

(2)

في ن د (عندنا).

(3)

في بعض الألفاظ (ولكن أنسى).

(4)

الموطأ وكتاب الاعتكاف (1/ 321) برقم (15)، والاستذكار (10/ 343).

ص: 273

وثالثها: حديث: "إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقةٌ"(1).

ورابعها: قوله: "أخبر معاذ"، قال آخر:"ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز"(2) الحديث وقد ألحق بها حديث المغفر، فإنه خالف في زيادة المغفر سائر أصحاب ابن شهاب، وفي هذا نظر فقد توبع عليه، لكنه لم يصح.

(3)

الحادي عشر: فيما يتعلق بهذا الحديث من أصول الفقه: فإن بعض من صنف في ذلك احتج به على جواز الترجيح بكثرة الرواة من حيث إنه عليه الصلاة والسلام طلب إخبار القوم بعد إخبار ذي اليدين.

قال الشيخ تقي الدين (4): وفي هذا بحث. أي من حيث إنه

(1) الموطأ، كتاب الاستسقاء، حديث (5). قال ابن عبد البر في الاستذكار (7/ 161): هذا الحديث لا أعرفه بوجه من الوجوه، في غير الموطأ، إلَّا ما ذكره الشافعي في الأم (1/ 255). قال ابن الصلاح في رسالته التي وصل فيها بلاغات مالك (11، 13) بعد كلام سبق، وقول ابن عبد البر: إن الشافعي رواه عن إبراهيم بن أبي يحيى -وهو متروك الحديث- فيه تساهل من حيث إنه غيره بما ظنه أنه معناه ثم أورده عن الحافظ أبي بكر البيهقي. اهـ.

(2)

الموطأ، كتاب حسن الخلق (1)(2/ 902)، والاستذكار (26/ 115)، والتمهيد (24/ 300).

(3)

في ن د زيادة (الوجه).

(4)

إحكام الأحكام (2/ 429).

ص: 274

ليس المطلوب هنا السؤال للتحمل والأخبار، بل لتقوية الأمر المسؤول عنه وتحقيقه لا للترجيح للتعارض.

ويتعلق به أيضًا: من أصول الفقه القول [با](1) لاستصحاب (2)، فإن سرعان الناس أعملوا الظاهر جريًا على الغالب من أفعاله عليه الصلاة والسلام وأنه للتشريع، فإن الوقت قابل للنسخ، وذا اليدين عمل الاستصحاب، وهو استمرار حكم الصلاة فسأله [لذلك](3)، والقوم الذين سكتوا تعارض عندهم الأصل والظاهر فلم يجزموا بالقصد، ولم يستفهموا مع علمهم بأنه لا يقر على خطأ.

الثاني عشر: فيما يتعلق به من الفروع وفيه فوائد.

الأولى: أن أبا هريرة صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة (4) التي

(1) في ن د (واو).

(2)

الاستصحاب لغة: استفعال من الصحبة، وهي الملازمة، والمباشرة، واستصحبه لازمه. وفي الاصطلاح: بقاء الأمر، والحال، والاستقبال على ما كان عليه في الماضي، وهو قولهم بقاء ما كان على ما كان حتى يدل الدليل على خلاف ذلك. اهـ. من تقريب الوصول (391).

(3)

في ن ب (كذلك).

(4)

قال ابن عبد البر رحمه الله في تمهيده (1/ 356): وأما قولهم: أن أبا هريرة لم يشهد ذلك لأنه كان قبل بدر، وإسلام أبي هريرة كان عام خيبر، فليس كما ذكروا، بلى إن أبا هريرة أسلم عام خيبر. وقدم المدينة في ذلك العام. وصحب النبي صلى الله عليه وسلم نحو أربعة أعوام، ولكنه قد شهد هذه القصة، وحضرها لأنها لم تكن قبل بدر. وحضور أبي هريرة يوم ذي اليدين محفوظ من رواية الحفاظ الثقات، وليس تقصير من قصر عن ذلك بحجة على من علم ذلك وحفظه وذكره. فهذا مالك بن أنس، قد =

ص: 275

سلم فيها من اثنتين، ومعلوم أن أبا هريرة أسلم عام خيبر، وأنه لم يحصل له صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى هذه المدة، فيكون حديث ذي اليدين متاخرًا فلا يكون منسوخًا.

[الثانية](1): أن نسيان الراوي لعين المروي لا يمنع الرواية، خصوصا إذا لم يلتبس بأبهامه حكم.

الثالثة: إن نية الخروج من الصلاة وقطعها إذا كانت بناء على ظن التمام لا يوجب بطلانها.

[رابعها](2): أن السلام [سهوًا](3) لا يبطلها.

الخامسة: أن كلام الناسي لا يبطلها، وكذلك الذي يظن أنه ليس فيها، وبه قال الجمهور منهم الأئمة الثلاثة.

وخالف أبو حنيفة وأصحابه. والثوري في أصح الروايتين عنه تبطل صلاته بالكلام ناسيًا أو جاهلًا لحديث ابن مسعود وغيره.

= ذكر في موطأه عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى بن أحمد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر".

ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة قال: "بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر"

إلخ الروايات الي تثبت شهوده مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة. انظر: الاستذكار (2/ 223، 229)، والبغوي (3/ 295)، والقبس (1/ 246، 247).

(1)

زيادة من ن د.

(2)

في ن د (الرابع).

(3)

في الأصل ون ب عمدًا وما أثبت من ن د.

ص: 276

وزعموا: أن قصة ذي اليدين منسوخة به بناء على أن ذا اليدين قتل يوم بدر، وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر.

قالوا: ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة، رواه وهو متأخر الإِسلام عن بدر لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابي آخر.

والجواب عن ذلك: أنه لا يصح ادعاء النسخ لحديث أبي هريرة ولحديث ابن مسعود ولاتفاق العلماء من المحدثين وأهل السير على أن حديث ابن مسعود كان بمكة حين رجع من أرض الحبشة قبل الهجرة، وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين كان

بالمدينة متأخرًا عن عام خيبر بدليل ما ذكرناه من شهوده القصة وإسلامه عام خيبر كما سلف (1).

السادسة: أن كلام العمد لإِصلاح الصلاة يبطلها عند الجمهور.

وروى ابن القاسم عن مالك: أنه لو تكلم بما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفسار والسؤال عند الشك وإجابة المأمومين أن صلاتهم تامة على مقتضى الحديث.

وقال الحارث بن مسكين: أصحاب مالك كلهم على خلاف ما قال ابن القاسم عن مالك وقالوا: كان هذا أول الإِسلام واستثنى سحنون (2) فقال: إن سلم من اثنتين من الرباعية

(1) انظر: الاستذكار (2/ 223، 229)، والقبس (1/ 247).

(2)

المنتقى (1/ 173).

ص: 277

[فوقع](1) الكلام هناك لم تبطل، وإن وقع في غير ذلك بطلت، وأباح الإِمام أحمد ذلك للإِمام وحده.

قال القرطبي (2): والصحيح ما ذهب إليه مالك تمسكًا بالحديث وحملًا له على الأصل الكلي من تعدي الأحكام وعموم الشريعة، ودفعًا لما يتوهم من الخصوصية إذ لا دليل عليها، ولو كان شيء مما ادعى لكان فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، [فلا](3) يجوزه إجماعًا، ولو كان لبينه كما فعل في حديث أبي بردة بن نيار حيث قال:"ضحِ بها، ولن تجزئ عن أحد بعدك"(4).

قلت: واعتذر الأولون عن هذا الحديث بأوجه.

أحدها: نسخه وقد أسلفنا بطلانه (5).

ثانيها: تأويل كلام الصحابة بأنه [بالإِشارة](6) والإِماء لا بالنطق، وفيه بعد لأنه خلاف الظاهر من حكايته الراوي لقولهم، وإن كان قد ورد في حديث حماد بن زيد في رواية لأبي داود بإسناد

(1) في الأصل ون ب (لوقع)، وما أثبت من ن د.

(2)

المفهم (2/ 1008).

(3)

في الأصل ون د (ولا)، وما أثبت من ن ب.

(4)

سيأتي تخريجه إن شاء الله.

(5)

لأن نسخ الكلام في الصلاة قبل الهجرة كما في حديث ابن مسعود، وكذلك أخرى مسلم وغيره، حديث: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس

" الحديث.

(6)

في الأصل ون ب (الإِشارة).

ص: 278

صحيح، كما قاله النووي في (شرحه) (1): إن الجماعة أومؤوا، أي: نعم، فيمكن الجمع أن يكون بعضهم فعل ذلك إيماءًا، وبعضهم كلامًا، واجتمع الأمران في حق بعضهم (2).

الثالث: أن كلامهم كان إجابة للشارع وإجابته واجبة.

واعترض عليه بعض المالكية: بأن قال أن الإِجابة لا تتعين بالقول، فيكفي في الإِيماء، وعلى تقدير أنه يجب القول لا يلزم منه الحكم بصحة الصلاة لجواز أن تجب الإِجابة، ويلزمهم الاستئناف (3).

(1) شرح مسلم (5/ 73).

(2)

قال الحافظ ابن حجر: لكن ينفي ذلك قول ذي اليدين "بل قد نسيت"، واعلم أن هذا الجمع الذي ذكره الخطابي -أي- حمله على الإِشارة مجاز شائع بخلاف عكسه. فينبغي رد الروايات التي فيها التصريح بالقول إلى هذه، وهو أقوى من قول غيره يحمل على أن بعضهم قال: بالنطق وبعضهم بالإِشارة. قال عليه الحافظ العلائي: إنما يقوى إذا كان الاختلاف واقعًا من صحابيين، فنقول: سمع الإِجابة باللفظ، والآخر رأى الذي أومؤوا، ولم يسمع المجيب باللفظ. لكن هذا الحديث بهذه الألفاظ مداره على أبي هريرة، والظاهر أن القصة واحدة كما تقدم.

قال الصنعاني: وحق القول فيه ترجيح رواية من ثبت من طريقه أن الجواب كان بالكلام، إذ هي أصح وأصرح، وترجع إليها أيضًا رواية من روى أنهم أشاروا إليه بالقول مجازًا عن المحاشاة عن التصريح بنسبة النسيان إليه صلى الله عليه وسلم كما ورد في رواية "قد كان بعض ذلك". اهـ. من حاشية إحكام الأحكام (2/ 433).

(3)

قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يقال: ما دام النبي صلى الله عليه وسلم يراجع =

ص: 279

الرابع: أنه عليه الصلاة والسلام تكلم معتقدًا لتمام الصلاة والصحابة تكلموا مجوزين النسخ، فلم يكن كلام واحد منهم مبطلًا، وهذا يضعفه ما في كتاب مسلم: أن ذا اليدين قال: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟، فقال عليه الصلاة والسلام:"كل ذلك لم يكن"، فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: "أصدق ذو اليدين". فقالوا: نعم يا رسول الله! بعد قوله: "كل ذلك لم يكن"، وقوله:"كل ذلك لم يكن" يدل على عدم النسخ، فقد تكلموا بعد العلم بعدم النسخ.

قال الشيخ تقي الدين [وننبه](1) ها هنا لنكتة لطيفة في قول ذي اليدين: "قد كان بعض ذلك" بعد قوله عليه الصلاة والسلام: "كل ذلك لم يكن" فإن قوله: "كل ذلك [لم يكن] "(2) يتضمن [أمرين](3).

أحدهما: الإِخبار عن حكم شرعي وهو عدم القصر.

الثاني: الإِخبار عن أمر وجودي وهو النسيان، وأحد هذين

= المصلي فجائز له جوابه حتى تنقضي المراجعة، فلا يختص بالجواب لقول ذي اليدين:"بلى قد نسيت"، ولم تبطل صلاته. قلت: ولا يخفى أن هذا القول من ذي اليدين جواب أيضًا. اهـ، من الحاشية للصنعاني (2/ 433).

(1)

في ن د ب (وليتنبه).

(2)

زيادة من ن ب د.

(3)

زيادة من ن ب د.

ص: 280

الأمرين لا يجوز فيه السهو، وهو الإِخبار عن الأمر الشرعي، والآخر متحقق عند ذي اليدين، فلزم أن يكون بعض ذلك كما ذكر.

السابعة: أن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس أفعال الصلاة إذا وقعت سهوًا لا تبطل الصلاة بدليل أنه صلى الله عليه وسلم جرى منه أفعال كثيرة: مشيه صلى الله عليه وسلم إلى منزله، وإتيانه جذعًا في قبلة المسجد واستناده إليها لما خرج سرعان الناس، وكلامه لذي اليدين وغيرهم، وتقدمه لإِتمام ما بقي من صلاته.

وفي هذه المسألة وجهان لأصحابنا: أصحهما: عند المتولي عدم البطلان.

قال النووي [في](1)"تحقيقه": وهو المختار والمشهور في المذهب: البطلان، وهو مشكل، وتأويل الحديث صعب على القائل

بهذا.

أما الأفعال القليلة أو الكثيرة المتفرقة: فإنها لا تبطل قطعًا، خصوصًا إن كانت لعذر.

الثامنة: جواز البناء على الصلاة بعد السلام سهوًا، وجمهور العلماء عليه.

وذهب سحنون من المالكية: إلى أن ذلك إنما يكون إذا سلم من ركعتين، على ما ورد في الحديث، ولعله رأى أن البناء بعد قطع الصلاة ونية الخروج منها على خلاف القياس، وإنما ورد النص في

(1) في ن ب ساقطة.

ص: 281

هذه الصورة المعينة وهو السلام من اثنتين، فيقتصر على مورد النص، ويبقى فيما عداه على القياس.

والجواب عنه كما قال الشيخ تقي الدين (1): إنه إذا كان الفرع مساويًا للأصل لحق به، وإن خالف القياس عند بعض أهل الأصول، وقد علمنا أن المانع لصحة الصلاة إن كان هو الخروج منها بالنية والسلام، وهذا المعنى قد ألغي عند ظن التمام بالنص

ولا فرق في النسبة إلى هذا المعنى بين كونه بعد ركعة أو ركعتين أو ثلاث، أي فإذًا الفرع في معنى الأصل بلا فرق، فإن الأصل في جواز البناء إذا سلم سهوًا فإذا الحديث، وهو ركعتان، وفرعه السلام من ركعة أو ثلاث، فهو في معنى الأصل، ومساوٍ له كما قرره الشيخ.

التاسعة: تقدير القرب في جواز البناء بما ورد في هذا الحديث، وما عداه طويل فلا يجوز فيه البناء، وهو وجه عندنا، وهو قوي خصوصًا على رواية من روى أنه عليه الصلاة والسلام وصل إلى منزله ثم خرج منه.

والأصح عندهم: اتباع العرف وقدّره بعضهم بمقدار الصلاة، وبعضهم: بمقدار ركعة، وأبى ذلك بعض المتقدمين، وقال: يجوز البناء وإن طال ما لم ينتقض فيه وضوء. روي ذلك عن ربيعة، وقيل نحوه عن مالك، وليس ذلك بمشهور عنه.

العاشرة: شرعية سجود السهو.

(1) إحكام الأحكام (2/ 436).

ص: 282

الحادية عشرة: أن سجود السهو سجدتان كسجود الصلاة.

الثانية عشرة: أنه في آخر الصلاة للاتباع.

وقيل: في حكمة كونه في آخرها: احتمال طرآن سهوٍ آخر فيكون جابرًا للكل، ويتفرع على ذلك أنه لو سجد ثم تبين أنه لم يكن في آخر الصلاة لزمه إعادته في آخرها، ويتصور ذلك في صورتين.

إحداهما: أن يسجد للسهو في الجمعة، ثم يخرج الوقت وهو في السجود الأخير فيلزمه إتمام الظهر ويعيد السجود.

والثانية: أن يكون مسافرًا فيسجد للسهو، وتصل به السفينة إلى الوطن أو ينوي الإِقامة ويتم ويعيد [السجود](1).

الثالثة عشرة: أن سجود السهو يتداخل، ولا يتعدد بتعدد أسبابه، فإنه قد تعدد في هذا الحديث القول والفعل، ولم يتعدد السجود، وهذا مذهب جمهور العلماء.

ومنهم من قال: بتعدده.

ومنهم: من فوق بين اتحاد الجنس وتعدده، فإن اتحد لم يتعدد وإلَّا تعدد، وهذا الحديث دليل على خلاف هذا المذهب، فإنه قد تعدد الجنس بالقول والفعل، ولم يتعدد السجود (2).

(1) في ن ب (السهو).

(2)

استدل من قال بتعدد السجود بحديث: "لكل سهو سجدتان"، أخرجه أبو داود، فإنه يدل على تعدد السجود بتعدد السهو. وقد ضعفه العلماء فمنهم ابن حجر في البلوغ، فقال: سنده ضعيف. والبيهقي في المعرفة. فقال: انفرد به إسماعيل بن عياش وليس بالقوي. وقال الذهبي: قال =

ص: 283

وقال ابن أبي حازم وعبد العزيز بن أبي سلمة: إن كان أحدهما محله قبل السلام والآخر بعده لم يتداخلا، ويسجد قبل السلام لما يختص بما قبله، وبعد السلام لما يختص بما بعده.

الرابعة عشرة: أن محل سجود السهو بعد السلام، وقد تقدم؟ اختلاف العلماء في ذلك في الوجه التاسع، وتقرير مذهبنا وتأليف الأحاديث عليه والأحاديث ثابتة في السجود: بعد السلام في الزيادة وقبله في النقص، وعلى ذلك جمع مالك بينها والذين قالوا بأن الكل قيل السلام كالشافعي ومن وافقه، واعتذروا

= الأثرم: إنه منسوخ. وقال العراقي: حديث مضطرب. وقال ابن عبد الهادي وابن الجوزي بعدما عزياه لأحمد بن حنبل: إسماعيل بن عياش مقدوح فيه. قال الصنعاني في سبل السلام: في إسناده إسماعيل بن عياش فيه مقال وخلاف. قال البخاري: إذا حدث عن أهل بلده يعني الشاميين فصحيح، وهذا من روايته عن الشاميين فتضعيف الحديث به فيه نظر.

قال الحافظ العلائي: هذا الحديث أقوى ما يحتجون به لتعميم محال السهو بصيغة كل، ولأن أبا داود سكت عليه، والقاعدة أن ما سكت عليه أبو داود فهو حجة لازمة. وأجيب بأنه حديث معل كما بينه، وثانيًا بأن معناه العموم لكل ساه، وأنه إخبار من سها في صلاته، بأي سهو كان شرع له سجدتان، والذي اعتمده أن هذا الحديث لا يلزم منه الدلالة على تعدد السجود لتعدد السهر. والحديث دليل لمسألتين:

أولًا: مشروعية سجود السهو.

ثانيًا: يحتج به من يرى سجود السهو بعد السلام. راجع التعليق (1، 2)، ص (252).

ص: 284

عن الأحاديث التي جاءت بعد السلام بوجوه.

أحدها: دعوى النسخ لوجهين.

إحداهما: أن الزهري قال: إن آخر الأمرين من فعله عليه الصلاة والسلام قبل السلام (1).

الثاني: إن الذين رووه قبل السلام من متأخري الإِسلام وأصاغري الصحابة. وقد اعترض على الأول بأن رواية الزهري مرسلة (2) ولو كانت مسندة فشرط النسخ التعارض باتحاد المحل (3)، ولم يقع ذلك مصرحًا به في رواية الزهري، فيحتمل أن يكون الآخر هو السجود قبل السلام لكن في محل النقص، وإنما يقع التعارض المحوج إلى النسخ لو تبين أن المحل واحد ولم يتبين ذلك (4).

واعترض على الثاني بأن تقدم الإِسلام والكبر لا يلزم منه تقدم

(1) الحديث أخرجه الشافعي عن مطرف بن مازن، عن معمر، عن الزهري قال:"سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتي السهو قبل السلام وبعده. وآخر الأمرين قبل السلام". قال الصنعاني: ولا يخفى أنه لا تقوم به حجة على النسخ لاحتمال التخيير. قال البيهقي (2/ 341): إلَّا أن قول الزهري منقطع لم يسنده إلى أحد من الصحابة، ومطرف بن مازن غير قوي. انظر: الضعفاء للعقيلي حيث قال فيه يحيى بن معين: كذاب، ومرة ضعيف (4/ 216)، ولسان الميزان (6/ 47)، والميزان (4/ 125).

(2)

كما هو ظاهر من إسنادها.

(3)

بأن يكون سلامه قبل التسليم وسلامه بعده وردا في محل واحد ليتحقق التعارض الموجب للقول بالنسخ. اهـ. من الصنعاني.

(4)

وإلى هذا وقع اختيار ابن العربي في القبس (1/ 250، 251).

ص: 285

الرواية حال التحمل، بل قد يكون قبلهما، ثم رووه بعدهما (1).

الوجه الثاني: تأويلها على أن المراد بالسلام السلام على النبي صلى الله عليه وسلم الذي في التشهد، أو يكون تأخيرهما بعده على سبيل السهو، وهما بعيدان. [لسبق الفهم في](2) السلام إلى الذي يقع به التحلل، لا الذي في التشهد (3)، والأصل عدم السهو [وتطرقه](4) إلى الأفعال الشرعية من غير دليل غير سائغ. وأيضًا فهو مقابل بعكسه، وهو أن يقول الحنفي: محله بعد السلام وتقديمه قبله على سبيل السهو.

الوجه الثالث: الترجيح بكثرة الرواة، وهو إن صح فالاعتراض عليه بأن طريقة الجمع أولى من طريقة الترجيح، لأنه إنما يصار إليه عند عدم إمكان الجمع، وأيضًا فلا بد من النظر في محل التعارض، واتحاد موضع الخلاف من الزيادة والنقصان.

(1) لا ملازمة بين الكبر وتقدم الرواية ولا بين الصغر وتأخرها. ومرادهم بصغار الصحابة أبو سعيد الخدري. لأن في حديثه "ثم سجد قيل أن يسلم" وبكبار الصحابة ابن مسعود، فإنه هو الذي صرح في حديثه بأن سجوده بعد السلام.

(2)

في إحكام الأحكام (2/ 35)، قال:"أما الأول فلأن السابق إلى الفهم عند إطلاق السلام في سياق ذكر الصلاة هو الذي به التحلل"، قال الصنعاني (2/ 442). وقال القاضي عياض: وزاد وإن حمل على العموم فيجب أن يكون بعد كل سلام في الصلاة وآخره سلام التحلل في حديث ذي اليدين.

(3)

في إحكام الأحكام (2/ 35)، زيادة (وأما الثاني).

(4)

من إحكام الأحكام (2/ 35)، وفي الأصل (وتطريقه).

ص: 286

وأما القائلون: بأن محله بعد السلام مطلقًا اعتذروا عن الأحاديث المخالفة لذلك بالتأويل: إما بأن المراد بقوله قبل السلام: [السلام](1) الثاني، أو بأن المراد بعد السلام: السلام الثاني، أو بأن المراد بقوله: وسجد سجدتين سجود الصلاة، وما ذكره الأولون من احتمال السهو عائد هنا والكل ضعيف، كما قاله الشيخ تقي الدين قال: والأول يبطله أن سجود السهو لا يكون إلَّا بعد التسليمتين اتفاقًا.

وذهب أحمد بن حنبل إلى الجمع بين الأحاديث بطريق أخرى غير ما ذهب إليه مالك، وهو أن يستعمل كل حديث فيما ورد فيه، وما لم يرد فيه حديث فمحل السجود فيه قيل السلام، وكان هذا نظر إلى أن الأصل في الجائِز: أن يقع في المجبور فلا يخرج عن هذا الأصل إلَّا في مورد النص، ويبقى فيما عداه على الأصل، وهذا المذهب مع مذهب مالك متفقان في طلب الجمع، وعدم سلوك طريق الترجيح لكنهما اختلفا في وجه الجمع، ويترجح قول مالك بذكر المناسبة في الفرق بين الزيادة والنقصان، وإذا ظهرت المناسبة وكان الحكم على وفقها كانت علة، وإذا كانت علة عم الحكم في جميع محالها، فلا يتخصص ذلك بمورد النص (2).

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

قال ابن حجر في فتح الباري (3/ 94): وتعقب بأن كون السجود في الزيادة ترغيمًا للشيطان فقط ممنوع، بل هو جبر أيضًا لما وقع من التحلل، فإنه وإن كان زيادة فهو نقص في المعنى. اهـ.

ص: 287

الخامسة عشرة: أن حكم سهو الإِمام يتعلق بالمأمومين يسجدون معه، وإن لم يسهوا بدليل أن القوم سجدوا معه صلى الله عليه وسلم لسهوه في هذا الحديث لما سجد، وهذا إنما يتم في حق من لم يتكلم من الصحابة، ولم يمش، ولم يسلم إن كان كذلك.

السادسة عشرة: أن التكبير في سجود السهو كما في سجود الصلاة.

السابعة عشرة: أنه لا يشرع التشهد بعد سجود السهو، فإنه لم يذكر في هذا الحديث فدل على عدمه في الحكم، وقد فعل العلماء في استدلالهم ذلك كثيرًا، فيقولون: لو كان لذكر. وقد اختلف أصحاب مالك فيه إذا كان سجود السهو قبل السلام.

قال الشيخ تقي الدين (1): فقد يستدل بتركه على ذلك.

قلت: لكنه قد صح من حديث عمران، كما سأذكره لك في الحديث الثاني فاستفده.

الثامنة عشرة: جواز رجوع المصلي في قدر صلاة نفسه إلى قول غيره إمامًا كان أو مأمومًا، وهو وجه عندنا، والجمهور على خلافه.

وقالوا: لا يعمل المصلي إلَّا على يقين نفسه، إلَّا أن يكون المخبرون ممن يحصل اليقين بقولهم، وهو أن يبلغوا حد التواتر.

وأجابوا: عن هذا الحديث بأن سؤاله - عليه الصلاة

(1) إحكام الأحكام (2/ 444).

ص: 288

والسلام - لهم ليتذكر لا رجوعًا إلى قوله، فلما ذكروه ذكر السهو، فبنى عليه، ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره رجع إليه لما قال ذو اليدين حين قال له عليه الصلاة والسلام:"لم أنس ولم تقصر" فإن لم يفد خبرهم العلم فذكر ابن القصار في ذلك عن مالك قولين: الرجوع إلى قولهم وعدمه، وبالأول قال ابن حبيب، وبالثاني قال ابن مسلمة.

قال صاحب القبس: ثبت في أبي داود في هذا الحديث بعينه: "فلم يرجع حتى يقنه الله تعالى"(1).

قال القرطبي: في (شرحه)(2) وهل يشترط في المخبر عدد، لأنه من باب الشهادة أو لا لأنه من باب قبول الخبر؟ قولان: الأول: لأشهب وابن حبيب، ولا حجة في هذا الحديث على اشتراط العدد لما ستعلمه قريبًا.

التاسعة عشرة: في هذا الحديث تشبيك الأصابع في المسجد، وبه احتج البخاري على الإِباحة (3)، وكرهه قوم كما في الصلاة لأنه

محلها، وقد أفردت الكلام على هذه المسألة في جزء مع الجواب عما عارضه.

(1) من رواية سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة عون المعبود (3/ 320)، والقبس (1/ 249).

(2)

المفهم (2/ 1007).

(3)

قال البخاري -رحمنا الله وإياه- في صحيحه (1/ 565): الفتح، باب: تشبيك الأصابع في المسجد وغيره. راجع الفتح للاطلاع على أقوال العلماء في ذلك (1/ 565، 567).

ص: 289

العشرون: ادعى بعضهم: أن فيه دلالة على أن المحدث إذا أنكر الحديث وخالفه راويه عنه: إن رواية الفرع مقبولة، وهو مذهب

الجمهور خلافًا لأبي حنيفة.

الحادية والعشرون: ادعى بعضهم أيضًا: أن فيه أن خبر الواحد ليس بحجة، لأن خبر ذي اليدين لم يعمل به وحده حتى انضم إليه خبر غيره.

وجوابه: أن ثم قرينة منعت من العمل به، وهو كون الواقعة في جمع عظيم، وانفراد الواحد منهم يمنع من العمل به لوجود المعارض.

الثانية والعشرون: قال القاضي عياض (1): فيه حجة لمالك على أبي حنيفة: في أن الحاكم إذا نسي حكمه فشهد عنده شاهدان

بحكمه أنه يمضيه.

وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يمضيه حتى يتذكره، ولا تقبل الشهادة إلَّا على غيره لا على نفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم قد رجع عما قطع به أنه لم يكن إلى أن كان بما شهد عنده من خلفه. قال: وقيل: إنما كان رجوعه إلى ما يقَّنه [الله](2) لا ليقين من خلفه، هذا كلامه، ولك أن تقول: باب الشهادة أضيق من باب الخير، فلا يقاس عليه، والذي في حديث ذي اليدين إنما هو خبر.

وقال القرطبي (3): هذا إنما يتم لمالك إذا سلم له أن رجوعه

(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (2/ 271).

(2)

زيادة من ن ب.

(3)

المفهم (2/ 1013).

ص: 290

للصلاة إنما كان لأجل الشهادة، لا لأجل تيقنه ما كان قد نسيه (1).

الثالثة والعشرون: قال الباجي (2) من المالكية: اختلف عندنا فيمن سلم ثم قام من مجلسه. فذهب ابن القاسم إلى أنه يجلس ثم يقوم ويتم صلاته.

وقال ابن نافع: لا يجلس.

وقال ابن حبيب: لو سلم من ركعتين أو ثلاث دخل بإحرام ولم يجلس.

قلت: وظاهر قوله في الحديث: "فتقدم فصلى ما ترك" يدل للثاني.

الرابع والعشرون: إنما هاب الصديق والفاروق أن يكلماه لما غلب عليهما من احترامه وتعظيمه وإكبار مقامه الشريف مع علمهما،

بأنه سيبين أمر ما وقع.

قال القرطبي (3): ولعله بعد النهي عن السؤال وإقدام ذي اليدين على السؤال دليل على حرصه على تعلم العلم وعلى اعتنائه بأمر الصلاة.

الخامسة والعشرون: أن اليقين لا يدفع إلَّا بيقين بدليل أن ذي اليدين لما كان متيقنًا أن فرض الصلاة أربع ركعات [لم](4) ينته

(1) القبس (1/ 248).

(2)

المنتقى (1/ 173).

(3)

المفهم (2/ 1006).

(4)

في الأصل (حتى)، والتصحيح من ن ب د.

ص: 291

حتى استفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل قصرت الصلاة أم لا؟ وذلك للشك المعارض عنده فدفعه باليقين، ورجع إلى ما قطع عنه الشك.

السادسة والعشرون: أن من ادعى شيئًا من الجماعة انفرد به لم يقبل قوله إلَّا بعد سؤال الجماعة وموافقتهم له. وجعله العلماء أصلًا فيمن ادعى رؤية الهلال في يوم الصحو وانفرد بذلك دون الناس، وقد قال سحنون: هؤلاء شهود سوء.

قلت: يجاب عن هذا خروجه بالنص الصحيح فيه.

واعلم أن ابن العربي وصّل فوائد هذا الحديث إلى مائة وخمسين فائدة في كتاب "النيرين"(1).

قال الفاكهي: والفوائد الظاهرة منه أربع.

الأولى: أن النسيان لا يعصم منه أحد.

الثانية: أن اليقين لا يدفع إلَّا بيقين.

الثالثة: أن من ادعى شيئًا انفرد به لا يقبل عن الجماعة إلَّا بعد سؤالهم.

الرابعة: الكلام في الصلاة (2).

قلت: وأنت إذا تأملت ما ذكرته لك وجدت فوائده الظاهرة أكثر من هذا. والله الموفق.

(1) القبس (1/ 246)، ونسبه إلى بعض العلماء. قال: ورأيت بالثغر من يجاوز فيه الحد. فأخرج منه مائة وخمسين مسألة من الفقه

إلخ.

(2)

أي عن طريق السهو.

ص: 292