الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
91/ 8/ 15 - عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك. رضي الله عنه قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا. قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئًا لم أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي. وإذا رفع من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي (1).
الكلام عليه من ثلاثة عشر وجهًا:
أحدها: ثابت هذا هو ابن أسلم أبو محمد البناني نسبة إلى بنانه.
قيل: هي أم سعد بن لؤي.
(1) البخاري (800) في الآذان، باب: الطمأنينة حين رفع رأسه من الركوع (821) في الآذان، باب: المكث بين السجدتين، ومسلم (472) في الصلاة، باب: اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، وأبو داود (853)، والبغوي (629)، وابن خزيمة (609)، والبيهقي في السنن (2/ 98)، وابن حبان (1885، 1902)، وأحمد (3/ 162، 226).
وقيل: غيرها. البصري [أحد](1) الأعلام: الثقة، العابد، الزاهد، الجليل، تابعي [كالزبير](2). روى عن أنس وغيره، وعن خلق من التابعين، وروى عنه جماعة من التابعين [الصغار](3) وخلق سواهم، وهو أحد الثلاثة الذين هم أثبت الناس في أنس، الزهري، ثم قتادة، ثم ثابت، وأحاديثه مستقيمة، وما وقع في حديثه من النكرة فإنما هو من الراوي عنه، لأنه روى عنه ضعفاء. قال أنس رضي الله عنه: إن للخير لأهلًا، وإن ثابتًا من مفاتيح الخير. وقال حماد بن سلمة: كان ثابت يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدًا الصلاة في قبره فأعطني الصلاة في قبري، وكان حماد أروى الناس عن ثابت فيما ذكره الإِمام أحمد. [و](4) روى أنه رؤي في قبره يصلي، وقال محمد بن ثابت: ذهبت ألقن أبي، فقال: دعني! فإني في وردي السابع. كان يقرأ، ونفسه تخرج. قال سليمان بن المغيرة: رأيت ثابتًا يلبس الثياب الثمينة والطيالسة والعمائم. قال ابن علية: مات سنة سبع وعشرين ومائة. وكذا قال يحيى القطان. وزاد وهو ابن ست وثمانين سنة، ويروى أنه مات سنة ثلاث وعشرين.
ثانيها: قوله: "لا آلو" أي: لا أقصر و "الألو" بمعنى التقصير
(1) في ن ب (أخر).
(2)
هكذا في جميع النسخ ولعله كالزهري أقرب وما بعده يدل عليه.
(3)
زيادة من ن ب د.
(4)
زيادة من ن ب د.
وبمعنى الاستطاعة (1)، والسياق يرشد إلى المراد، كما قال الشيخ تقي الدين (2):
والألو على مثال العُتُو، ويقال: الألِيّ على مثال العتيِّ والماضي "ألا" مخففًا، وقد يقال بهذا المعنى:"إلَّا" مشددًا، وكلاهما صواب. يقال: ألى الرجل وألى إذا قصّر وترك الجهد.
واسم الفاعل منه: آل مثل قاض والمرأة آليّة.
وجمعها: [أوال](3) وقد تحذف الواو منه في المضارع لغير جازم، كما حذفت الباء من أدري كذلك فقالوا: لا أدر.
قال الجوهري: حكى الكسائي، عن العرب أقبل [يضربه](4) لا يَأْلُ (5)، يريد يألوا.
ثالثها: قوله: "أن أصلي" أي في أن أصلي، وحذف حرف الجر في أن، وأن قياس مطرد فلما حذف حرف الجر تعدى الفعل بنفسه فنصب، وقد تقدم مثل هذا.
رابعها: إنما قدم أنس رضي الله عنه هذا القول على
(1) ويأتي بمعنى المنع، والاجتهاد والعطية. لسان العرب (1/ 193) مادة "ألا".
(2)
إحكام الأحكام (2/ 330).
(3)
في ن ب (أوالى).
(4)
في منه ب (يضرب).
(5)
لسان العرب (1/ 192) وبعده مضمومة اللام دون واو، وما بعده غير مذكور فيه.
روايته لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم[يفعل](1) ليدل السامعين على التحفظ والاهتمام به ولتحقق عندهم المراقبة لاتباع أفعاله.
خامسها: قوله: "حتى يقول القائل: قد نسي" فيه تنبيه على تطويل فعله صلى الله عليه وسلم في الاعتدال والجلوس بين السجدتين على العادة فيه والمشروع، فيحمل القائل فعله عليه السلام على النسيان لا على المشروع.
سادسها: فيه نص على [أن](2) الاعتدال طويل، وكذا الجلوس بين السجدتين أيضًا، فلا يجوز العدول عنه لقول من قال: إنها ركن قصير، بدليل أن التسبيحات لم تسن فيه استرسالًا كما سنت القراءة في القيام والتسبيحات في الركوع والسجود مطلقًا، وقد
يخدش هذا بأنه [لو](3) كان طويلًا لما عمل بعض الصحابة بخلافه.
ويجاب: بأنه ما بلغه ذلك.
سابعها: فيه دليل على وجوب الاعتدال في الركوع والسجود، وقد تقدم الكلام على ذلك مستوعبًا في الحديث الثاني من أحاديث
الباب.
ثامنها: فيه دليل على إحياء السنن إذا أميتت، والإِنكار على مخالفة السنة.
تاسعها: إنما خص ذكر الاعتدال في الركوع والسجود دون
(1) زيادة من ن ب.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب ساقطة.
غيرهما، لأنه كان قد رأى الناس في زمانه (1) ذلك قد وقع منهم أو من بعضهم التقصير في الطمأنينة فيها دون [غيرهما](2)، ولذلك قال: يصنع شيئًا لم أركم تصنعونه.
عاشرها: [فيه](3) البيان بالفعل، والتنبيه عليه بالقول.
الحادي عشر: "مكث" بفتح الكاف وضمها، وقد قرئ بهما قوله -تعالى-:{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} (4) ومعناه: لبث وانتظر.
والاسم: المكث، مثلث الميم، كما حكاه أبو البقاء في (إعرابه)(5) في سورة سبحان، وكذا ابن مالك في (مثلثه)، ويمكث يلبث، والمكيثي مثل الخصيصي المكث. وسار الرجل ممكثًا أي: ملتزمًا، ورجل مكيث أي رزين (6).
أنشد الجوهري (7):
فإني عن تقفر كم مَكِيثُ
(1) في ن ب زيادة (في).
(2)
في ن ب (غيرها).
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
سورة النمل: آية 22.
(5)
إملاء ما منَّ به الرحمن في إعراب القرآن (3/ 502) مع حاشية الجمل.
(6)
تم ضبط هذه الألفاظ من لسان العرب (13/ 158).
(7)
أول البيت من لسان العرب (13/ 158).
انسل بني شعارة. مَن لصخرٍ؟
…
ويروى عن تفقركم: أي أعمل بكم فاقرة، وعلى الأول: أي عن أن أقتفي آثاركم.
وهو قياس اسم الفاعل من مكث -بالضم وبالفتح- ماكث منه قوله -تعالى-: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)} (1).
الثاني عشر: قوله: "حتى يقول القائل: قد نسي" يقول هنا بمعنى: يظن، ومنه: أتقول زيدًا قائمًا، أي أتظن، ومنه قول الشاعر:
متى يقول القلص الرواسما
…
يدنين أم قاسم وقاسما
أي متى تظن.
الثالث عشر: فيه دليل على قبول خبر الواحد العدل.
(1) سورة الزخرف: آية 77.