الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
116/ 5/ 21 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه "أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في التعريف براويه وقد سلف قبيل [التيمم](2).
ثانيها: وقع في الحديث ذكر معاذ وترجمته مبسوطة فيما أفردته من الكلام على رجال هذا الكتاب، فراجعها منه تجد ما يشفي الغليل.
ثالثها: قوله: "عشاء الآخرة" فيه دليل على جواز مثل هذا،
(1) البخاري (700، 701، 705، 711، 6160)، ومسلم (465)(181)، والترمذي (583)، وأبو داود (599، 600، 790)، والنسائي (2/ 102)، والبغوي (857، 858)، وأحمد (3/ 308، 369)، والدارقطني (1/ 274، 275)، والطيالسي (1694)، وابن حبان (1524)، والشافعي (1/ 143)، وفي بعض الروايات "المغرب" بدل "العشاء"، وفي بعضها مبهمة كما في رواية البخاري (711).
(2)
في ن ب (اليتيم).
وإضافة المنكر إلى المعرف إذا كان المعرف صفة للمنكر، ويعبر عنه بإضافة الموصوف إلى صفته، وهو مذهب الكوفيين. فيقال: عشاء الآخرة، ومسجد الجامع.
ومنعه البصريون، قالوا: وحيث جاء إضافة المنكر إلى المعرف في الصفة والموصوف إنما هو على تقدير موصوف معرف محذوف، وهو العشاء الآخرة، وفي مسجد المكان الجامع.
رابعها: وقد منع بعض العلماء قول: العشاء الآخرة. قال: لأنه يقتضي أن يكون ثم عشاء أولى، كما لا يقال: مررت برجل وامرأة أخرى وبالعكس. فإن نقل تسمية المغرب عشاء فهو وجه قول الجمهور، وإلَاّ فيكفيهم دليلًا على جواز ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:"أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة". رواه مسلم (1)، وثبت في مسلم عن جماعات من الصحابة وصفها بذلك (2).
(1) مسلم (444)، وأبو داود في الترجل (4175)، باب: ما جاء في المرأة تتطيب للخروج، والنسائي (15418)، والبيهقي (3/ 133)، والبغوي في السنة (861)، وأبو عوانة (2/ 17).
(2)
قال البخاري -رحمنا الله وإياه-: (باب من كره أن يقال للمغرب العشاء)، قال الزين بن المنير: عدل المصنف عن الجزم كأن يقول، باب: كراهية كذا، لأن لفظ الخبر لا يقتضي نهيًا مطلقًا. لكن فيه النهي عن غلبة الأعراب على ذلك، فكأن المصنف رأى أن هذا القدر لا يقتضي المنع من إطلاق العشاء عليه أحيانًا، بل يجوز أن يطلق على وجه لا يترك له التسمية الأخرى، كما ترك ذلك الأعراب وقوفًا مع عادتهم قال: وإنما =
وأجاب بعضهم عن الشبهة السالفة بأن قال: إنما وصفت بالآخرة، ولم تكن لها أولى كما وصفت الجاهلية بالأولى في قوله:
{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (1)، فإنه لم يكن ثَمَّ جاهلية أخرى، وهذا وهم.
فالجاهلية الأولى: هي [الزمن](2) الذي ولد فيه إبراهيم، كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشي به وسط الطريق، تعرض نفسها على الرجال.
وقيل: ما بين آدم، ونوح.
= شرع لها التسمية بالمغرب، لأنه اسم يشعر بمسماها أو بابتداء وقتها. وكره إطلاق اسم العشاء عليها، لئلا يقع الالتباس بالصلاة الأخرى. وعلى هذا لا يكره أيضًا أن تسمى العشاء بقيد كأن يقول العشاء الأولى، ويؤيد قولهم العشاء الآخرة كما ثبت في الصحيح -أي مسلم برقم (444) - وسيأتي من حديث أنس ففي الباب الذي يليه -أي في باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعًا، ونقل ابن بطال عن غيره أنه لا يقال للمغرب: العشاء الأولى، ويحتاج إلى دليل خاص. أما من حديث الباب فلا حجة له. اهـ، من الفتح (2/ 43).
فائدة: لا يتناول النهي تسمية المغرب عشاء على سبيل التغليب كمن قال مثلًا: صليت العشاءين. إذا قلنا: إن حكمة النهي عن تسميتها عشاء خوف اللبس في الصيغة المذكورة. اهـ، من الفتح (2/ 44).
فائدة أخرى: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق العشاء على المغرب. اهـ، من الفتح (2/ 45).
(1)
سورة الأحزاب: آية 33.
(2)
في الأصل ثم (من)، والتصحيح من ن ب.
وقيل: غير ذلك.
والجاهلية الأخرى: ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
خامسها: في الحديث دلالة ظاهرة على صحة صلاة المفترض خلف المتنقل، وهو مذهب الجمهور، لأن معاذًا كان يصلي الفريضة
مع النبي صلى الله عليه وسلم فيسقط فرضه، ويصلي مرة ثانية بقومه له [تطوع](1) ولهم مكتوبة، وكذا جاء مصرحًا به في رواية الشافعي (2)، ثم البيهقي (3).
قال الشافعي في "الأم"(4): وهذه الراوية صحيحة، وصححها البيهقي أيضًا وغيره.
(1) في ن ب (تطوعا).
(2)
مسند الشافعي (1/ 143)، والأم (1/ 173).
(3)
البيهقي في السنن (3/ 86) بلفظ: "هي له تطوع ولهم فريضة". قال الحافظ في الفتح (2/ 195): واستدل بهذا الحديث على صحه اقتداء المفترض بالمنتفل بناءًا على أن معاذًا كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق (2266)، والشافعي والطحاوي (237، 238)، والدارقطني (102)، وغيرهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار، عن جابر في حديث الباب زاد:"هي له تطوع ولهم فريضة"، وهو حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح، وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه، فانتفت تهمة تدليسه. البيهقي في المعرفة (4/ 153).
(4)
الأم (1/ 132، 143، 384).
وقال ابن شاهين في (ناسخه ومنسوخه)(1): لا خلاف بين أهل النقل للحديث في [صحة](2) إسنادها.
قال البيهقي: والظاهر أن هذه [الزيادة](3) من قول جابر، فإنه لا يقول ذلك إلَّا بعلم.
قلت: [وبما](4) ذكرناه يرد به على من ادعى من المالكية ضعفها [أو](5) إدراجها، وادعى بعض الحنفية (6) ممن له شرب في
الحديث: أن ابن عيينة لم يذكرها في الحديث، وإنما ذكرها ابن جريج، وهذا غير قادح، فابن جريج ثقة يقبل ما تفرد به إن سلم له
ذلك (7).
(1) الناسخ والمنسوخ (250).
(2)
في الأصل (صحيحه)، وما أثبت من ن ب د.
(3)
في الأصل (الرواية)، والتصحيح من ن ب د. معرفة السنن (4/ 153).
(4)
في الأصل (وما)، وما أثبت من ن ب د.
(5)
في ن ب د (و).
(6)
أي الطحاوي كما ذكره الحافظ في الفتح (2/ 196).
(7)
قال الحافظ في الفتح (2/ 196): (قد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق فيه فانتفت تهمة تدليسه، فقول ابن الجوزي: إنه لا يصح مردود، وتعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق ابن جريج- ولم يذكر هذه الزيادة- ليس بقادح في صحته، لأن ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذًا عن عمرو منه، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددًا، فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها. وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة، فجوابه: أن الأصل عدم الإِدراج حتى يثبت =
وفي "المنتقى"(1): أن الإِمام أحمد ضعّف هذه الزيادة وقال: أخشى أن لا تكون محفوظة، لأن ابن عيينة يزيد فيها كلامًا لا يقوله
أحد، زاد ابن قدامة في المغني: وقد روى الحديث منصور بن زاذان وشعبة فلم يقولا ما قال سفيان.
قلت: قد قاله ابن جريج واعتذر ابن الجوزي (2) عن هذه الزيادة: بأنها من ظن الراوي (3) وقد سبق جواب هذا من كلام البيهقي.
واعتذر ابن العربي (4) عنها بأن قال: يحمل على أن معاذًا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة النهار ومع قومه صلاة الليل، فأخبر
= التفصيل مهما كان مضمومًا إلى الحديث فهو منه، ولا سيما إذا روي من وجهين، والأمر هنا كذلك، فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعًا لعمرو بن دينار عنه.
(1)
المنتقى (1/ 632)، باب: هل يقتدي المفترض بالمتنفل أم لا؟ ولم يذكر هذا النقل عن الإِمام أحمد.
(2)
في تحقيق أحاديث الخلاف (1/ 481).
(3)
وقول الطحاوي: هو ظن من جابر مردود لأن جابر كان ممن يصلي مع معاذ، فهو محمول على انه سمع ذلك منه، ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلَّا بأن ذلك الشخص أطلعه عليه. هذا الجواب شامل للرد على من يقول: إنه ظن من الراوي -أي جابر-. وانظر: فتح الباري (2/ 192)، وتصحيحه قوله:"هي لهم فريضة وله تطوع"، وحاشية الصنعاني (2/ 500).
(4)
عارضة الأحوذي (3/ 65، 66).
الراوي بقوله: "فهي له تطوع، ولهم مكتوبة". بحال معاذ في وقتين لا في وقت (1).
قلت: وهذا بعيد.
ثم اعلم بعد ذلك، أن لهم في أصل الحديث اعتذارات.
إحداها: أن معاذًا لعله كان يصلي أولًا نافلة، ثم بقومه فريضة.
قال القرطبي (2): وليس هذا الاحتمال بأولى [مما](3) صاروا إليه، فيلحق بالمجملات فلا يكون فيه حجة.
(1) قال ابن حجر في الفتح (2/ 193): على قوله صلى الله عليه وسلم: (يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم)، زاد مسلم من رواية منصور عن عمرو "عشاء الآخرة" فكأن العشاء هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين قوله:"ثم يرجع فيؤم قومه"، في رواية منصور المذكورة "فيصلي بهم تلك الصلاة"، وللمصنف في الأدب "فيصلي بهم الصلاة" أي المذكورة، وفي هذا رد لمن زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير الصلاة التي كان يصليها بقومه، وفي رواية لابن عيينة:"فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمهم"، وفي رواية الحميدي عن ابن عيينة:"ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم"، ولا مخالفة فيه، لأن قومه هم بنو سلمة. وفي رواية الشافعي عنه:"ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة"، ولأحمد:"ثم يرجع فيؤمنا"، للاطلاع على مواضع الروايات. انظر: التعليق (1)، ص (375).
(2)
المفهم (2/ 855).
(3)
في ن ب (ما).
قلت: هذا عجيب! قال الشافعي رضي الله عنه: كيف يظن أن معاذًا يجعل صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لعل صلاة واحدة أحب إليه من كل صلاة صلاها في عمره ليست معه وفي الجمع الكثير نافلة.
وادعى ابن العربي (1): أن فضيلة النافلة خلفه لتأدية فريضة لقومه تقوم مقام أداء الفريضة معه، وامتثال أمره عليه الصلاة والسلام في إمامة قومه زيادة طاعة.
قلت: ومما يبعد هذا الاعتبار أيضًا أنه كيف يظن بمعاذ أن يشتغل بعد إقامته الصلاة بنافلة، مع قوله عليه الصلاة والسلام:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلَّا المكتوبة"(2)، وقد يجاب عن هذا: بأن المفهوم أن لا يصلي نافلة غير الصلاة التي تقام، لأن المحذور وقوع الخلاف على الأئمة، وهذا المحذور منتف مع الاتفاق في الصلاة المقامة، ويؤيد هذا الاتفاق أن الجمهور على جواز النفل خلف الفرض، كما سلف، ولو تناوله النهي لما جاز جوازًا مطلقًا (3).
(1) عارضة الأحوذي (3/ 65، 66).
(2)
مسلم (710)، (64)، والترمذي (421)، وأبو داود (1266)، والنسائي (2/ 116، 117)، وابن ماجه (1151)، وأبو عوانة (1/ 32)، والدارمي (1/ 337)، والبيهقي (2/ 482)، والبغوي (804)، وعبد الرزاق (3987)، وابن أبي شيبة (2/ 77)، وأحمد (2/ 331، 455، 517، 531)، وابن حبان (2193، 2470)، وابن خزيمة (1123).
(3)
قال الحافظ في الفتح (2/ 196): وأما احتجاج أصحابنا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: =
الاعتذار الثاني: أن حديث معاذ كان في الأول حين كانت الفريضة تقام في اليوم مرتين حتى نهى عنه (1)، وهذا منقول عن الطحاوي، وقدره بعضهم بأن إسلام معاذ كان متقدمًا أي في أول الإِسلام، كما نقله القاضي عن الأصيلي [وقد](2) صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعده بسنتين من الهجرة صلاة الخوف غير مرة، على وجه وقع فيه المخالفة الظاهرة بالأفعال المنافية للصلاة في غير حالة الخوف،
= "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلَّا المكتوبة" فليس بجيد، لأن حاصله النهي عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت من غير تعرض لنية فرض أو نفل، ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذٍ فرضًا له.
(1)
أي منسوخًا -كذا قاله الطحاوي- فقد قال البيهقي في المعرفة (4/ 155): بأن النهي عن فعل الصلاة مرتين محمول على أنها فريضة في كل مرة جمعًا بين الأحاديث.
وقال ابن حجر في الفتح (2/ 196): بل لو قال قائل: هذا النهي منسوخ بحديث معاذ لم يكن بعيدًا، ولا يقال: القصة قديمة، لأن صاحبها استشهد بأُحُدْ. لأنا نقول: كانت أُحُدْ في آواخر الثالثة، فلا مانع أن يكون النهي في الأولى، والإِذن في الثالثة مثلًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه:"إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة"، أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود العامري، وصححه ابن خزيمة وغيره، وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على الجواز أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده -ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها- أن:"صلوها في بيوتكم في الوقت ثم اجعلوها معهم نافلة".
(2)
في ن ب (فقد). انظر: هذا الاعتذار في إكمال إكمال المعلم (2/ 199).
وذلك يدل على عدم إيقاع الصلاة في اليوم مرتين، على وجه لا تقع المنافاة والمفسدات في غير هذه الحالة، وهذا لا يدل على النسخ بتقدير تقدم إسلام معاذ وفعله، كيف والمنازعة واقعة في أن ذلك هل كان عقب إسلامه أو بعده؟ وقد روى ابن جرير أن ذلك قبل أُحُد لكنه قال: إنه خبر منقطع.
قال النووي (1) في شرحه: وهذه دعوى لا أصل لها، فلا يترك ظاهر الحديث بها.
قال البيهقي: وحديث ابن عمرو يرفعه: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين"(2) لا يثبت ثبوت حديث معاذ للاختلاف في الاحتجاج
بروايات عمرو بن شعيب يعني المذكور في إسناده وانفراده، وللاتفاق على الاحتجاج برواية معاذ.
الثالث: أن الضرورة داعية إلى صلاة معاذ [بقومه لقلة القراء ذلك الوقت، ولم يكن لهم غنى عن صلاة معاذ](3)، ولم يكن لمعاذ
(1) شرح مسلم للنووي (4/ 181).
(2)
أخرجه أبو دواد (579)، باب: إذا صلى في جماعه أيعيد؟ والنسائي في الإِمامة (2/ 114)، وأحمد (2/ 19، 41) وابن أبي شببة (2/ 278، 279)، والدارقطني (1/ 145، 416)، والبيهقي في السنن (2/ 303)، والمعرفة (4/ 154)، وصححه ابن خزيمة (1641). قال الخطابي: وقوله: "لا تعاد"
…
إلخ، أي إذا لم تكن عن سبب كالرجل يدرك الجماعة وهم يصلون فيصلي بهم ليدرك فضيلة الجماعة توفيقًا بين الأحاديث ورفعًا للاختلاف بينها. اهـ.
(3)
في ن ب ساقطة.
غنى عن صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بُعْد (1).
ومن ادعى عدم [علمه عليه الصلاة والسلام بذلك: فقد أبعد أيضًا (2) بل قد شُكي تطويله إليه ولم](3) ينكر عليه [](4) إلَّا التطويل فقط.
وبصحة صلاة المفترض خلف المتنفل: قال به الشافعي وأحمد والجمهور:
ومنعه [ربيعة و](5) مالك وأبو حنيفة والكوفيون:
والخلاف في ذلك راجع إلى قاعدة وهي: أن ائتمام المأموم
(1) قال ابن دقيق في إحكام الأحكام (2/ 505): فهو ضعيف لعدم قيام الدليل على تعين ما ذكره هذا القائل علة لهذا الفعل، ولأن القدر المجزىء من القراءة في الصلاة ليس حفظتة بقليل، وما زاد على الحاجة من زيادة القراءة فلا يصلح أن يكون سببًا لارتكاب ممنوعًا، شرعًا كما يقوله هذا المانع. انظر: الفتح (2/ 197).
(2)
قال الحافظ في الفتح (2/ 196): وأما قول الطحاوي لا حجة فيه لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تقريره، فجوابه أنهم لا يختلفون في أن رأي الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة، والواقع هنا كذلك، فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عقبيًّا وأربعون بدريًّا، قاله ابن حزم قال: ولا يحفظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك، بل قال معهم بالجواز عمر وابن عمر وأبو الدرداء وأنس وغيرهم.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في الأصل (غيره)، وليس لها مناسبة.
(5)
في ن ب (وتبعه).
بالِإمام واجب في: الصورة، والنية، والفعل، والقول، أم في الفعل وبعض القول؟ وقد تقدم ذلك في الحديث الثاني من باب الإِمامة.
ونذكر هنا أن العلماء اختلفوا في جواز اختلاف نية الإِمام والمأموم على مذاهب:
[أوسعها](1): الجواز مطلقًا [فيجوز](2) اقتداء المفترض بالمتنفل وعكسه [والقاضي](3) بالمؤدي وعكسه، سواء [اتفقت](4) الصلاتان أم لا، إلَّا أن تختلف الأفعال الظاهرة، وهو مذهب الشافعي ومن قال بقوله.
وثانيها: مقابله وهو أضيقها وهو أنه لا يجوز اختلاف النيات حتى لا يصلي المتنفل خلف المفترض.
[وثالثها: وهو أوسطها، أنه يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض](5)[و](6) لا عكسه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.
وقال الشيخ تقي الدين (7): ومن نقل عن مذهب مالك مثل المذهب الثاني فليس بجيد، فليعلم ذلك.
(1) في ن ب (أو منعها).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في الأصل الكلمة غير واضحة، وما أثبت من ن ب د.
(4)
في الأصل (انقضت)، وما أثبت من ن ب د.
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
في ن ب د ساقطة.
(7)
إحكام الأحكام (2/ 498).
قال الفاكهي: وهذا شيء لم أره في مذهبنا أصلًا، فهو وهم إن صح نقله.
قال القرطبي (1): ويتمسك المانع بقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه"(2)، ولا اختلاف أعظم من اختلاف النيات.
قلت: [و](3) قد يمنع هذا، وإنما يظهر الاختلاف في الأفعال الظاهرة لا الباطنة (4).
(1) المفهم (2/ 856).
(2)
البخاري (722، 734)، ومسلم (414، 415)، والحميدي (958)، وأبو عوانة (2/ 109)، وأبو داود (603، 604) في الصلاة، باب: الإِمام يصلي من قعود، والنسائي (2/ 141، 142)، وابن ماجه (846، 1239)، وعبد الرزاق (4082، 4083)، وابن حبان (2107، 2115)، وابن خزيمة (1613)، وابن أبي شيبة (2/ 326)، والبيهقي (3/ 79)، وأحمد (2/ 230، 314، 376، 341، 411، 475)، وشرح السنة للبغوي (852).
(3)
في ن ب د ساقطة.
(4)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 178): قال النووي وغيره: متابعة الإِمام واجبة في الأفعال الظاهرة. وقد نبه عليها في الحديث، فذكر الركوع وغيره بخلاف النية، فإنها لم تذكر، وقد خرجت بدليل آخر، وكأنه يعني قصة معاذ الآتية، ويمكن أن يستدل من هذا الحديث على عدم دخولها، لأنه يقتضي الحصر في الاقتداء به في أفعاله لا في جميع أحواله، كما لو كان محدثًا أو حامل نجاسة، فإن الصلاة خلفه تصح لمن لم يعلم حاله على الصحيح عند العلماء، ثم مع وجوب المتابعة ليس شيء منها شرطًا في صحة القدوة إلَّا تكبيرة الإِحرام. اهـ.
وقال ابن بطال: لو جاز بنا صلاة المفترض على صلاة المتنفل لما شرعت صلاة الخوف مع كل طائفة بعضها، وارتكاب الأعمال
التي لا [تصح](1) الصلاة معها في غير الخوف، لأنه كان يمكنه عليه الصلاة والسلام أن يصلي مع كل طائفة جميع صلاته
وتكون الثانية له نافلة [وللطائفة](2) الثانية فريضة.
قلت: لا حاجة إلى إحالة هذا، فقد وقع هذا منه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف صلى بكل طائفة كل الصلاة كما ذكره الحاكم (3) من حديث أبي بكرة وقال: صحيح على شرط الشيخين. وفي أبي داود والنسائي وصحيح ابن حبان (4) عنه أيضًا: أنه
(1) في الأصل (تصلح)، وما أثبت من ن ب د.
(2)
في الأصل (وللصلاة)، وما أثبت من ن ب د.
(3)
الحاكم (1/ 337)، وقال: صحيح على شرط الشيخين. قال الذهبي على شرطهما: وهو غريب، وعين الصلاة بأنها المغرب.
(4)
ابن حبان (2881)، فلم يعين شيئًا، وإنما قال: ركعتين ركعتين، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللمسلمين ركعتين ركعتين. النسائي (3/ 178، 179)، وأبو داود (1204)، باب: من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين، وأحمد (5/ 39)، والدارقطني (2/ 61)، والطحاوي (1/ 315)، وأيضًا لجابر بن عبد الله رواية في مسند أحمد (3/ 364)، ومسلم (843)، والبغوي (1095)، والبيهقي (3/ 359)، وابن خزيمة (1352)، والبخاري معلقًا (4136)، وابن حبان (2882، 2883، 2884). قال ابن القيم في تهذيب السنن (2/ 71)، وحديث أبي بكرة رضي الله عنه هذا أي: أنه صلى بكل طائفة صلاة المغرب الصلاة كاملة. مرة مرة، وهذا يؤيد ما في ت (4)، ص (387): رواه الدارقطني =
- عليه الصلاة والسلام صلى في خوفٍ الظهر [بكل](1) طائفة [مرة](2).
فرعٌ غريبٌ في مذهب الشافعي: هل يجوز أن يصلي الفريضة خلف من يصلي صلاة التسبيح؟ فيه وجهان حكاهما القاضي نجم الدين القمولي (3)[رحمه الله](4) ولم يذكر راجحًا منهما.
= عنه. فقال فيه: "إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم صلاة المغرب ثلاث ركعات، ثم انصرف، وجاء الآخرون، فصلى بهم ثلاث ركعات. وكانت له ست ركعات، وللقوم ثلاث ركعات"، قال ابن القطان: وعندي أن الحديثين غير متصلين، فإن أبا بكرة لم يصل معه صلاة الخوف، لأنه بلا ريب أسلم في حصار الطائف، فتدلى ببكرة من الحصن، فَسُمِّيَ أبو بكرة، هذا كان بعد فراغه صلى الله عليه وسلم من هوازن ثم لم يلق صلى الله عليه وسلم كيدًا إلى أن قبضه الله.
وهذا الذي قاله لا ريب فيه، لكن مثل هذا ليس بعلة، ولا انقطاع عند جميع أئمة الحديث والفقه، فإن أبا بكرة -وإن لم يشهد القصة- فإنه إنما سمعها من صحابي غيره، وقد اتفقت الأمة على قبول رواية ابن عباس ونظرائه من الصحابة، مع أن عامتها مرسلة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينازع في ذلك اثنان من السلف وأهل الحديث والفقهاء، فالتعليل على هذا باطل، والله أعلم. اهـ.
وقال الحافظ: وهذه ليست بعلة، فإنه يكون مرسل صحابي. اهـ.
(1)
في ن ب (كل).
(2)
زيادة من ن ب د.
(3)
هو أحمد بن محمد بن مكي بن ياسين القمولي. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 254)، وطبقات الشافعية للأسنوي (389).
(4)
زيادة من ن ب.