الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
121/ 1/ 22 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن:"التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
وفي لفظ: إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: "التحيات [لله] (1) "، وذكره وفيه:"فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض"، وفيه:"فليتخير من المسألة ما شاء"(2).
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
البخاري (831، 835، 1202، 6230، 6265، 6328، 7381)، ومسلم (402)(59)، والنسائي (2/ 241)، وابن ماجه (899)، وأبو داود (968) في الصلاة، باب: التشهد، وأبو عوانة (2/ 228، 229)، والبيهقي (2/ 138، 153)، وأحمد (1/ 382، 427، 413، 431)، والدارمي (1/ 308)، وابن الجارود (205)، وابن حبان =
الكلام عليه من سبعة وعشرين وجهًا:
الأول: في التعريف براويه وقد سلف في باب المواقيت.
الثاني: التشهد تقدم الدلالة عليه قريبًا.
الثالث: الكف [](1) مؤنثة، وورد في الشعر تذكيرها، وهو ضرورة.
الرابع: السورة بالهمز، وتركه أشهر وأصح.
الخامس: "التحيات" جمع: تحية، وهي الملك الحقيقي التام.
وقيل: البقاء الدائم.
وقيل: العظمة الكاملة.
وقيل: السلامة، أي من الآفات وجميع وجوه النقص.
وقيل: الحياء، حكاه القاضي عياض في "تنبيهاته".
وقيل: السلام، قال -تعالى-:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} (2)، أي سلم عليكم، أي التحيات التي تعظم بها الملوك مثلًا كلها مستحقة لله
= (1948، 1949، 1950، 1951)، وابن أبي شيبة (1/ 292)، والبغوي (678). وانظر التعليق (2) ص (45) من حديث عائشة (2)، باب: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
في ن ب زيادة (عن)، ولا وجه لها.
(2)
سورة النساء: آية 86.
-تعالى-، ويجوز أن يكون لفظ التحية (1) مشتركًا بين هذه المعاني، كما أبداه المحب الطبري في "أحكامه"، قال: وكونها بمعنى السلام أنسب هنا وأمس.
قال ابن قتيبة (2): إنما جمعت التحيات لأن كل واحد من ملوكهم كان له تحية يُحيَّى بها فقيل لنا: قولوا: التحيات، أي الألفاظ الدالة على الملك مستحقة لله -تعالى-.
وقال القاضي عياض في (تنبيهاته): سمعت شيخنا [أبا](3) إسحاق الفقيه ابن جعفر يقول: إنما جمعت التحيات هنا لأنها تجمع معاني التحية من الملك، والبقاء، والسلام، [والعظمة](4).
وقوله: "لله"، أي الألفاظ الدالة على الملك مستحقة لله -تعالى- وحده.
قال البغوي في (شرح السنَّة)(5): لأن شيئًا مما كانوا يحيون به الملوك لا يصلح للثناء على الله -تعالى-.
وقال القرطبي (6): فيه تنبيه على الإِخلاص في العبادات: أي
(1) انظر التعليق ت (2)، ص (43) من حديث عائشة (2) رضي الله عنها، باب: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
ذكره في شرح السنة (3/ 181).
(3)
في ن ب (أبي).
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
شرح السنة (3/ 182).
(6)
المفهم (2/ 784).
ذلك لا يفعل إلَّا لله -تعالى- ويجوز أن يراد به الاعتراف، بأن ملك ذلك كله لله. قلت: وما أحسن قول الشاعر هنا:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح
…
فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وإن سرت الألفاظ يومًا بمدحة
…
لغيرك إنسانًا فأنت الذي تعني
السادس: الواو في قوله: "والصلوات" تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فيكون حينئذٍ كل جملة ثناء مستقلًا وهو أبلغ.
السابع: "الصلوات" فيها أقوال:
أحدها: أنها الخمس، قاله ابن المنذر وآخرون: ويكون التقدير: أنها واجبة لله -تعالى- لا يجوز أن يقصد بها غيره، أو تكون [كالإِخبار](1) عن إخلاصنا الصلوات له، أي صلاتنا مخلصة [لله] (2) لا لغيره [[ومنهم من قال: هي كل الصلوات] (3).
ثانيها: أنها الرحمة، أي هو المتفضل بها والمعطي لها، لأن الرحمة التامة لله لا لغيره] (4)، وقرر بعض المتكلمين هذا المعنى بأن
قال: كل من رحم أحدًا فرحمته له بسبب ما حصل له من الرقة عليه، وهو برحمته دافع لألم الرقة عن نفسه بخلاف رحمة الله -تعالى- فإنها لمجرد إيصال النفع إلى العبد (5).
(1) في ن ب د (ذلك أخبارًا).
(2)
في ن ب د (له).
(3)
في ن د ساقطة.
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
سبق وأن تكلمت على إثبات صفة الرحمة لله عز وجل، فيراجع.
ثالنها: أنها الأدعية والتضرع.
رابعها: أنها العبادات، قاله الأزهري (1).
[الثامن](2): "الطيبات"، أي الكلمات الطيبات، وهي ذكر الله، قاله الأكثرون.
وقيل: الأعمال الصالحات، وهو أعم من الأول لاشتماله على الأقوال والأفعال والأوصاف، وطيب الأوصاف، كونها بصفة الكمال وخلوصها عن شوائب النقص، وقال القرطبي (3): هي الأقوال الصالحة: كالأذكار والدعوات وما شاكل ذلك، كما قال -تعالى-:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (4).
فائدة: الطيب إن وُصف به الكلام: فالحسن، أو العمل: فالخالص من شوائب النقص، أو المال: فالحلال، أو الطعام: فاللذيذ، أو الصعيد: فالطاهر، أو العباد: فالمؤمن، قال -تعالى-:{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} (5).
التاسع: "السلام"، قيل: معناه التعوذ باسم الله الذي هو السلام، والتحصين به سبحانه وتعالى، كما يقول: الله معك، أي الله متوليك وكفيل بك، أي باللطف والحفظ والمعونة.
(1) في الزاهر (65).
(2)
في الأصل (الخامس)، والتصحيح من ن ب د.
(3)
المفهم (2/ 784).
(4)
سورة فاطر: آية 10.
(5)
سورة النور: آية 26.
وقيل: معناه السلامة والنجاة لكم، كما في قوله -تعالى-:{فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)} (1)، وقيل: معناه الانقياد لك كما في قوله- تعالى -: {فَلَا وَرَبِّكَ} إلى قوله: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (2)، وليس يخلو بعض هذا من ضعف لأنه لا يتعدى السلام لبعض هذه المعاني بكلمة على، وكذلك [قيل] (3) في: معنى السلام آخر الصلاة الذي هو تحليل منها.
وقال الشيخ [عز](4) الدين في "مقاصده": قيل: هو مصدر سلَّم يسلِّم سلامًا.
وقيل: هو جمع سلامه كلامه وملام، فهو دعاء بالسلامة (5).
(1) سورة الواقعة: آية 91.
(2)
سورة النساء: آية 65.
(3)
زيادة من ن ب د.
(4)
في ن ب (غرر).
(5)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 312): قال البيضاوي ما حاصله أنه صلى الله عليه وسلم أنكر التسليم على الله، وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال، فإن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكها ومعطيها، وقال التوربشتي: وجه النهي عن السلام على الله لأنه المرجوع إليه بالمسائل المتعالي عن المعاني المذكورة، فكيف يدعى له، وهو المدعو على الحالات.
وقال الخطابي: المراد أن الله هو: ذو السلام، فلا تقولوا: السلام على الله، فإن السلام منه بدأ وإليه يعود، ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب، ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك، وقال الثوري: معناه أن السلام من أسماء الله -تعالى-، يعني السالم من النقائص، ويقال: =
فائدة: قال العزيزي (1): السلام على أربعة أوجه: السلام: الله، كقوله -تعالى-:{السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} (2).
والسلام السلام، كقوله -تعالى-:{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (3)، أي دار السلامة، وهي الجنة.
السلام: التسليم، يقال: سلمت عليه سلامًا: أي تسليمًا.
والسلام: شجر عظام، واحدتها سلامة.
فائدة ثانية: قال الخطابي في (غريبه)(4): في التسليم لغتان: سلام عليكم، والسلام عليكم. ووقوع الألف واللام فيه بمعنى التفخيم، ثم قال: وفيه لغة ثالثة.
قال الفراء: العرب تقول: [يسلم](5)[عليكم](6) بمعنى:
= المسلم أولياء وقيل: المسلم عليهم، قال ابن الأنباري: أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة، وغناه سبحانه وتعالى عنها. اهـ. وقال في تيسير العزيز الحميد (583): والله هو المطلوب لا المطلوب له، وهو المدعو لا المدعو له، وهو الغني له ما في السموات وما في الأرض، استحال أن يسلم عليه سبحانه وتعالى، بل هو المسلم على عباده، كما قال -تعالى-:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} .
(1)
نزهة القلوب (106، 107). انظر: عمدة الحفاظ (247، 249).
(2)
سورة الحشر: آية 23.
(3)
سورة الأنعام: آية 127.
(4)
غريب الحديث (1/ 694).
(5)
في ن ب (يسلم).
(6)
زيادة من ن ب.
سلام، كما قالوا: حلّ وحلال، وحرّم وحرام، قال: وكانوا [يستحبون](1) أن يقولوا في أول الكتاب: سلام عليكم بمعنى: التحية، وفي آخره: السلام [عليكم](2) بمعنى: الوداع (3).
فائدة ثالثة: في هذا الحديث من أصول الفقه: أن عطف العام على الخاص لا يقتضي أن المراد بالعام ذلك الخاص المتقدم، بل يحمل الأول على التشريف والاهتمام به، كما لو تقدم العام وعطف عليه الخاص، وفيه خلاف حكاه القاضي عبد الوهاب، ووجه الاستدلال قوله:(4)(السلام عليك)، (السلام علينا)، وهما خاص، ثم عطف، ويؤخذ من ذلك أيضًا تفضيله عليه الصلاة والسلام على جميع الخلق لتخصيصه بالسلام، ثم التعميم له ولغيره، ولا شك في ذلك، وهو [ما قرره] (5) القرطبي (6) في (تفسير) قوله -تعالى-:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (7).
(1) في ن ب (يستفتحون).
(2)
في ن ب د (عليك).
(3)
غريب الخطابي (1/ 694). قال ابن قتيبة في أدب الكاتب (202)، وتكتب في صدر الكتاب سلام عليك وفي آخره السلام عليك لأن الشيء إذا بدىء بذكره كان نكرة، فإذا عدته صار معرفة.
(4)
في ن ب زيادة (عليه).
(5)
في ن ب (ما قدره).
(6)
تفسير القرظبي (11/ 350).
(7)
سورة الأنبياء: آية 107.
العاشر: قوله: "أيها النبي" الأصل، "يا أيها النبي"!، فحذف حرف النداء وهو لا يحذف إلَّا في أربعة مواضع:
العلم: نحو [قوله]-تعالى-: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (1).
والمضاف: نحو [قوله](2) -تعالى-: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} (3) ومن نحو قولهم: من لا يزال محسنًا أحسن.
"وأي" نحو أيها النبي، وأيها الناس، وما أشبه ذلك.
الحادي عشر: "النبيُ" بالهمز (4) وتركه، كما أوضحته في شرح الخطبة، فراجعه منه.
فإن قلت: لِمَ لَم يقل أيها الرسول؟
فالجواب: أنه أثبت له الرسالة بعد، فقصد الجمع بين الصفتين وإن كانت الرسالة تلازم النبوة، لكن التصريح بها أبلغ في الكمال، وقدم ذكر النبوة على الرسالة لوجودها كذلك في الخارج، قال الله -تعالى-:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} (5)، ثم قال:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} (6).
قال الخطابي في (أعلامه) في حديث: "آمنت بكتابك الذي
(1) سورة يوسف: آية 29.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
سورة البقرة آية 286.
(4)
أي النبىء.
(5)
سورة العلق: آية 1.
(6)
سورة المدثر آيتان 1، 2.
أنزلت"، لو قال: "[و](1) برسولك الذي أرسلت" لكان تكرارًا، إذ كان نبيًّا قبل أن يكون رسولًا، فجمع له النبأ بالاسمين جميعًا. الثاني عشر: قوله: "ورحمة الله وبركاته"، الأظهر أن المراد بالرحمة نفس الإِحسان، ويحتمل أن يريد إرادة الإحسان بمعنى الإِخبار عن سبق علمه في إرادته لكن المراد الدعاء [له](2) بالرحمة والدعاء، إنما يتعلق بالممكن وهو نفس الإِحسان لا الإِرادة لأنها قديمة (3).
و"البركات" جمع بركة، وهي النماء والزيادة من الخير، ويقال: البركة جماع كل خير.
الثالث عشر: "عباد [الله] "(4) جمع: عبد، وله جموع جمعها ابن مالك في بيتين (5)، وقد ذكرتهما عنه في أول (شرح
(1) في الأصل ساقطة، وما أثبت من ن ب د.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
سبق وأن بينت وجوب وصف الله -سبحانه- بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله بدون تكييف أو تمثيل أو تعطيل أو تشبيه.
(4)
في الأصل ساقطة.
(5)
ذكره السيوطي عنه في عقود الجمان (2) عبد: في الأصل وصف غلبت عليه الاسمية وله عشرون جمعًا نظمه ابن مالك أحد عشر في بيتين واستدركت عليه الباقي في آخرين. قال ابن مالك:
عباد عبيد جمع عبد واعبد
…
أعابد معبوداء معبدة عبد
كذاك عبدّان عبدان أثبتا
…
كذلك العبدّي وامدد إن شئت أن تمد
وقلت:
وقد زيد اعباد عبود عبدّة
…
وخفف بفتح والعبدّان إن تشد
واعبدة عبدون ثمة بعدها
…
عبيدون معبودًا بقصر فخذ تسد
خطبة المنهاج)، فراجعها منه.
والعبودية: أشرف أوصاف العبد، وبها نعت الله -تعالى- نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى مقاماته في الدنيا، وهو الإِسراء في بدايته ونهايته، حيث قال:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} (1)، فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى.
الرابع عشر: نعت عباده بالصالحين ليخرج غيرهم، وخص الأول بذلك لأنه [كلام](2) ثناء وتعظيم، فيؤخذ منه أن مفهوم الصفة
حجة.
قال جماعة: والصالح هو القائم بحقوق الله -تعالى- وحقوق العباد الواجبة عليهم.
فائدتان:
الأولى: قال الترمذي الحكيم: من أراد أن يحظى من هذا السلام الذي يسلم الخلق في صلاتهم، فليكن عبدًا صالحًا.
الثانية: ينبغي للمصلي أن يستحضر عند ذكر ذلك جميع عباد الله من الأنبياء والملائكة وجميع المؤمنين، وعند سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم يكون كأنه مشاهدًا له، حاضر بن يديه صلى الله عليه وسلم، نبَّه عليه الفاكهي رحمه الله.
فائدة ثالثة: قال القفال الشاشي: "ترك الصلاة يضر بجميع
(1) سورة الإِسراء: آية 1.
(2)
في ن ب ساقطة.
المسلمين، لأنه يقول: اللَّهم اغفر لجميع المؤمنين والمؤمنات، ولابدَّ من قوله: سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فيكون مقصرًا في خدمة الخالق، وفي حق رسوله بترك الصلاة عليه، وفي حق نفسه بترك مسألة النعمة والمغفرة، وفي حق كافة المسلمين، فيعم الفساد، ولذلك عظمت المعصية" نقلته من فتاوى القفال المروي عنه.
[الخامس عشر](1): يتعلق بتفسير الصالح الذي قدمته، قال إمام الحرمين في كلامه على الكفاءة في النكاح: الصالحون هم المرموقون بالصلاح المشهورون [به](2)، بحيث ينتصبون أعلامًا في التقوى، ولا ينسون على ناسخ الدهر فيها، ولا هم الذين تشرف الأنساب بالاعتزا (3) إليهم، فأما الذين [لا يبلغون](4) هذا المبلغ، فلا تتأثر الأنساب بالانتماء إليهم.
[السادس عشر](5): قوله: "وعلى عباد الله الصالحين" لفظ عموم، ففيه دلالة على أن جمع التكسير للعموم، وقد دل عليه، قوله:" [أصابت] (6) كل عبدٍ صالح في السماء والأرض"، وقد
(1) في ن ب د (تنبيه).
(2)
زيادة من ن ب د.
(3)
الاعتزاء: الانتساب. قال في ترتيب القاموس (3/ 230) عزاه إلى أبيه نسبه إليه. اهـ.
(4)
في ن ب د (لا يتلقون).
(5)
في ن ب د (الخامس عشر)
…
إلخ الأوجه.
(6)
في ن ب (أصبت).
كانوا يقولون: السلام على الله، السلام على فلان، كما قدمته حتى علموا هذا اللفظ.
السابع عشر: في قوله: [أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض](1) دليل على أن للعموم [صيغ](2) وأن هذه الصيغة وهي "كل" للعموم، كما هو مذهب الفقهاء خلافًا لمن توقف في ذلك من الأصوليين، وهو مقطوع به في لسان العرب، وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة، ومن تبع ذلك وجده.
فائدة: لما خص الله نبيه - عليه أفضل الصلاة والسلام - ليلة الإِسراء بكلمات أربع هي: السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته. أعطى منها سهمًا لإِخوانه الأنبياء، وسهمًا لأمته، وسهمًا للملائكة، وسهمًا لصالحي الجن، بقوله: السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، لأنه يعمهم.
وقال الشيخ عز الدين في "مقاصد الصلاة": بدأ أولًا بالثناء على الله، لأنه الأهم المقدم، ثم بالسلام على النبي، لأنه الأهم بعد الثناء على الله، ثم ثلث بنفسه لقوله عليه الصلاة والسلام: ابدأ بنفسك، ثم ختم بعباده الصالحين، وهذا قول نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (3)، [فبدأ بالثناء على الله بالربوبية، ثم بالمغفرة
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب د (صيغة).
(3)
سورة نوح: آية 28.
لنفسه، ثم لوالديه، ثم للمؤمنين من معارفه، ثم لسائر المؤمنين والمؤمنات] (1)، ثم اعترف بأنه لا معبود إلَّا الله تحقيقًا للإِيمان، ثم بالرسالة تحقيقًا للإِسلام.
الثامن عشر: قوله: "أشهد" إلى آخره، إنما أتى بلفظ الشهادة دون لفظ العلم واليقين، لأنه [أفضل](2) وأبلغ في معنى العلم واليقين، وأظهر من حيث أنه شهود، وهو مستعمل في ظواهر الأشياء وبواطنها، بخلاف العلم واليقين، فإنهما يستعملان في البواطن غالبًا دون الظواهر، ولهذا قال الفقهاء: لا يصح أداء الشهادة عند الحاكم بلفظ دون الشهادة، فلو قال: أعلم أو أوقن بكذا لم يصح.
فائدة: الشهادتان كلمتان جامعتان جعلهما الله -تعالى- شهادة واحدة، فقد شهد أنه لا إله إلَّا هو والملائكة وأولوا العلم، ثم كتب على جبهة العرش: لا إله إلَّا الله محمد رسول الله، وجعلهما مبتدأ اللوح فهذه منك شهادة يواطىء مبتدأ اللوح، وما على جبهة العرش، قاله الحكيم الترمذي.
فائدة ثانية: روى مالك (3) في موطئه في تشهد عائشة: أشهد
(1) في الأصل ساقطة، والزيادة من ن ب د.
(2)
زيادة من ن ب د.
(3)
الموطأ (1/ 91)، قال ابن حجر في الفتح (2/ 315): على قوله: "وأشهد أن لا إله إلَّا الله"، زاد ابن أبي شيبة من رواية عبيدة عن أبيه:"وحده لا شريك له"، وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ، وفي =
أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وهو تأكيد للنفي.
فائدة ثالثة: سمي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم به لكثرة خصاله المحمودة.
التاسع عشر: [قوله: فليختر من المسألة ما شاء، فيه دليل على شرعية الدعاء آخر الصلاة قبل السلام، والدعاء بالسلام على الأنبياء والصالحين.
[العشرون](1): فيه أيضًا أنه يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا ما لم يكن إثمًا، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز إلَّا الدعوات الواردة في القرآن والسنة عملًا بقوله عليه الصلاة والسلام: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين"(2)، واستثنى بعض الشافعية بعض صور من الدعاء بقبح، كما لو قال: اللهم اعطني امرأة صفتها
كذا وكذا، وأخذ بذكر أوصاف أعضائها.
= حديث ابن عمر عند الدارقطني إلَّا أن سنده ضعيف. وقد روى أبو داود من وجه آخر صحيح عن ابن عمر في التشهد "أشهد أنه لا إله إلَّا الله"، قال ابن عمر: زدت فيها: "وحده لا شريك له"، وهذا ظاهره الوقف.
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
مسلم (537، 1748)، وأبو داود (930) في الصلاة، باب: تشميت العاطس (12/ 32) في الإِيمان والنذور، والنسائي (3/ 14)، والموطأ (3/ 5، 6) في العتق والولاء، والبيهقي (2/ 249، 250)(10/ 57)، وابن حبان (165، 2247، 2248)، وابن الجارود (212)، والطبراني في الكبير (19/ 938).
وقال ابن شعبان المالكي ما معناه: أنه إن ابتدأ كلامه بنداء ليس بدعاء مثل قوله: يا فلان فعل الله به كذا، فقد أبطل صلاته
قبل الشروع [في الدعاء](1) بخلاف ما إذا ابتدأ بالدعاء ثم أتبعه النداء، قال ابن أبي زيد: ولم أعلم أحدًا من أصحابنا قاله غيره.
وقال القاضي عياض: قوله عليه الصلاة والسلام للشيطان في الصلاة: "ألعنك بلعنة الله التامة، وأعوذ بالله منك"(2)، وهو في الصلاة دليل على الدعاء على غيره بصيغة المخاطبة، كما كانت الاستعاذة ها هنا بصيغة المخاطبة، خلافًا لما شهبة إليه ابن شعبان من إفساده الصلاة بذلك.
قلت: ويتأول هذا الحديث أو يحمل على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة أو غيره أو غير ذلك.
فائدة. محل الدعاء من الصلاة مواطن منها بين التشهد والتسليم، وسيأتي [ومنها دعاء الاستفتاح بين تكبيرة الإِحرام وقبل قراءة الفاتحة، وقد سلف](3) ومنها الدعاء في الركوع والسجود وسيأتي، ومنها الدعاء [في الجلوس](4) بين السجدتين، وحديثه
مشهور، ومنها الدعاء في تلاوته فيها، وهو إذا مر بآية فيها سؤال سأل، وإذا مر بآية فيها تعوذ تعوَّذ.
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
مسلم (542). وانظر: شرح النووي.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
زيادة من ن ب د.
وذكر صاحب (البيان والتقريب): أنه يكره الدعاء عندهم في ستة مواضع: بعد [الإِحرام](1) وقبل القراءة، وفي الركوع (2)، وفي
الجلوس قبل التشهد، وفي أثناء الجلوس الأول على المشهور، وفي أثناء الفاتحة أو السورة (3).
الحادي والعشرون: فيه الأمر بالتشهد، وقد اختلف العلماء في وجوبه، كما سلف إيضاحه في الحديث الثاني من باب صفة صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم فراجعه منه.
الثاني والعشرون: قدت هناك أنه ورد في التشهد (4) أحاديث اختار الشافعي (5) منها تشهد ابن عباس في مسلم، ووقع في الشفاء (6) للقاضي عياض: أن الشافعي اختار منها تشهد ابن مسعود وهو وهم.
واختار الإِمامان أبو حنيفة وأحمد: تشهد ابن مسعود في
(1) في الأصل (السلام)، والتصحيح من ن ب د.
(2)
أقول: قد جاء الدعاء في الركوع في قوله صلى الله عليه وسلم سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي. قال البخاري -رحمنا الله وإياه- في صحيحه: باب الدعاء في الركوع.
(3)
انظر ح (124) التعليق ت (4)، ص (509) مع ذكر فائدة من كلام ابن القيم. أقول: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ومر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب تعوذ، كما رواه حذيفة وابن مسعود وهذا يعم النقل والفرض.
(4)
انظر الحديث الثاني من باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ص (45) التعليق (1، 2، 3)، فإنها مخرجة.
(5)
الرسالة برقم (738).
(6)
شرح الشفاء للقاري (3/ 737).
الصحيحين، وهو عشر كلمات كما سلف.
واختار مالك تشهد عمر في "الموطأ"(1) وهو: "التحيات لله، الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك" إلى آخره، لأنه
علمه الناس على المنبر بحضرة الصحابة ولم ينكره أحد، فكان كالإِجماع، إلَّا أنه [يترجح](2) عليه تشهد ابن عباس، وابن مسعود
من جهة أن رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصرَّح به، ورفع تشهد عمر بطريق استدلالي، كذا قاله الشيخ تقي الدين (3)، وظاهره أن تشهد عمر لم يرد مصرحًا برفعه، وقد ورد لكنه وهم، كما قاله الدارقطني في علله (4)، [والصواب](5) وقفه عليه.
وينبغي أن يعلم بعد أن يتقرر عندك أن الاختلاف إنما هو في الأفضل والمختار منها لا في الجواز، فإنه إجماع أن أشدها صحة باتفاق الحفاظ حديث ابن مسعود، فإن الأئمة الستة اتفقوا على إخراجه في كتبهم بخلاف تشهد ابن عباس فإنه معدود من أفراد مسلم، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة أيضًا، قال الترمذي (6) في "جامعه": وحديث ابن مسعود رُوي عنه من غير وجه، وهو أصح
حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل
(1) موطأ مالك (90، 91).
(2)
في ن ب (ترجح).
(3)
إحكام الأحكام (3/ 8).
(4)
(2/ 82، 83).
(5)
في الأصل (والصلوات)، وما أثبت من ن ب د.
(6)
الترمذي (2/ 82)، طبعة شاكر.
العلم من الصحابة ومن بعدهم من التابعين، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق، وروى الترمذي بإسناده إلى
معمر عن خصيف قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله! [إن الناس](1) قد اختلفوا في التشهد، قال:"عليك بتشهد ابن مسعود".
وذكر ابن عبد البر بإسناده إلى البزار (2) الحافظ أنه مثل عن أصح حديث في التشهد فقال: هو عندي، والله حديث ابن مسعود
روي من عشرين طريقًا. ثم عددهم، قال: ولا أعلم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد أثبت من حديث عبد الله، ولا أصح [أسانيد](3) ولا أشهر رجالًا [ولا](4) أشد تضافرًا بكثرة الأسانيد واختلاف طرقها، وإليه أذهب، وربما زدت، قال ابن عبد البر (5): وكان أحمد بن خالد (6) بالأندلس يختاره، ويمبل إليه، ويتشهد به.
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
مسند البزار (1692، 2037، 1743، 1745، 1571، 1581، 1725، 1711، 1737، 1738، 1916، 1672، 1674، 1629، 1630، 1571، 2050، 1628، 1799، 1843).
(3)
في ن ب بياض.
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
الاستذكار (4/ 279).
(6)
هو أبو عمر أحمد بن خالد بن يزيد القرطبي ويعرف بابن الحباب، مولده في سنة ست وأربعين ومئتين، ومات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. تاريخ علماء الأندلس (1/ 31)، وبغية الملتمس (175، 176).
قلت: ومما رجح به تشهد ابن مسعود أيضًا أن فيه زيادة واو العطف وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فتكون
كل جملة ثناءًا مستقلًا، بخلاف إسقاطها فإن ما عدا اللفظ الأول يكون صفة للأول والأول أبلغ، وزاد بعض الحنفية في تقرير هذا بأنه قال:[لو قال](1): والله والرحمن والرحيم كانت أيمانًا متعددة، تتعدد بها الكفارة بخلافه ما إذا أسقطها.
ورجحوه أيضًا بأن فيه إثبات الألف واللام في السلام وتنكيره في رواية غيره، والتعريف أعم، وبقول ابن مسعود في اللفظ الذي يدل على العناية بتعلمه وتعليمه وهو:"علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن".
وأجاب من رجح تشهد ابن عباس: بأن واو العطف قد تسقط وتكون مقدرة فيه، وحذفها جائز للاختصار معروف في اللغة، وأنشدوا في ذلك:" [كيف أمسيت؟ وكيف أصبحت؟ (2)] "(3) هما والمراد: وكيف أمسيت، وهذا إسقاط للواو العاطفة في عطف الجمل، ومسألتنا في إسقاطها في عطف المفردات، وهو أضعف من إسقاطها في عطف الجمل، ولو كان غير ضعيف لم يمتنع الترجيح بوقوع التصريح بما يقتضي تعدد الثناء بخلاف ما لم يصرح به فيه، والجواب عن الثاني: وإن كان الشيخ تقي الدين لم يجب عنه أن في
(1) زيادة من ب د.
(2)
في ن ب د تقديم وتأخير.
(3)
وتمامه: "مما يزيد الود عند الرجال".
صحيح مسلم (1)، تعريف السلام في تشهد ابن عباس، وكذا في سنن الدارقطني (2) وصححه، أو المراد بالتنكير في الرواية الأخرى تنكير التعظيم، كما حكاه صاحب (الإِقليد) عن أبي حامد فاستويا في مقالة كل واحد منهما على تعظيم السلام] (3).
وعن الثالث: أن في تشهد ابن عباس أيضًا في صحيح مسلم (4): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن"، وفي رواية:"كما يعلمنا القرآن"، وإذا تقرر [لك](5) ذلك، فيترجح تشهد ابن عباس بأوجه.
أولها: أن فيه زيادة "والمباركات" ولأنها موافقة لقول الله -تعالى-: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} (6)، قاله أصحابنا: قال الشافعي: [و](7) هو أكثر وأجمع لفظًا من غيره، وفي "صحيح أبي عوانة" (8) بسنده إلى الشافعي أنه قال: حديث ابن عباس أجود ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيها: أنه عليه الصلاة والسلام علمه لابن عباس وأقرانه
(1) انظر التعليق ت (2) ص (438).
(2)
الدارقطني (1/ 350).
(3)
في ن ب د ساقطة.
(4)
انظر التعليق ت (2) ص (438).
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
سورة النور: آية 61.
(7)
في ن ب ساقطة.
(8)
صحيح أبي عوانة (2/ 228).
من أحداث الصحابة، فيكون متأخرًا عن تشهد ابن مسعود، وأخدانه. قاله البيهقي (1) في "سننه"، قال: وهذا بلا شك.
ثالثها: قاله البيهقي: في "خلافياته" الذي عندي، إنما اختاره الشافعي لأن إسناده: إسناد حجازي، وإسناد حديث عبد الله: إسناد كوفي، ومهما وجد أئمتنا المتقدمون من أهل المدينة للحديث طريقًا بالحجاز فلا يحتجون بحديث يكون مخرجه من الكوفة. قال: ومما يشهد لهذا قول الشافعي ليونس بن عبد الأعلى: إذا وجدت أهل المدينة على شيء فلا يدخلن قلبك إنه [حق](2) ثم ذكر البيهقي شواهد لما ذكره، ولله الحمد على ذلك.
الثالث والعشرون: مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الواجب من التحيات خمس كلمات: "التحيات لله سلام عليك أيها النبي" ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلَّا الله وأن محمدأ رسول الله". وعللوا الاقتصار
على ذلك بأنه المتكرر في جميع الروايات، وفيه إشكال، كما قاله الشيخ تقي الدين، لأن الزائد في بعض الروايات زيادة من عدل
فوجب قبولها إذ توجه الأمر بها في قوله عليه الصلاة والسلام: "فليقل: التحيات" والأمر للوجوب.
قلت: وكان الشافعي اعتبر في حد الأقل ما رواه مكررًا في جميع الروايات، ولم يكن تابعًا لغيره، وما انفردت به الروايات
(1) البيهقي (2/ 140).
(2)
في ن ب (أحق).
أو كان تابعًا لغيره جوّز حذفه، لكنه يشكل على هذا لفظة:"الصلوات" فإنها ثابتة في كل الروايات، وليست متابعة في المعنى وقد ادعى الرافعي ثبوت:"الطيبات" في جميع الروايات واستشكلها (1).
الرابع والعشرون: في الحديث تعلم شرعية السنة والأحكام وضبطها وحفظها، كما يشرع تعليم القرآن وحفظه وضبطه.
الخامس والعشرون: فيه دليل على مس المعلم بعض أعضاء المتعلم عند التعليم تانيسًا له وتنبيهًا، ونقل ابن الحاج رحمه الله
في "مدخله" عن بعض السلف: أنهم كانوا لا يبتعدون عن المدرس، بل يمس ثياب الطلبة ثوبه لقربهم منه.
السادس والعشرون: وفيه دلالة على عدم وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يعلمه ابن مسعود، بل علمه التشهد، وأمره عقبه أن يتخير من المسألة ما شاء، ولم يعلمه الصلاة، وموضع التعليم لا يؤخر فيه البيان لا سيما الواجب، وهو مذهب أحمد ومشهور مذهب مالك. ونقله
(1) قال ابن حجر في الفتح (2/ 316) بعد أن ذكر حد الواجب عند الشافعي: وقد استشكل جواز حذف "الصلوات" مع ثبوتها في جميع الروايات الصحيحة وكذلك "الطيبات" مع جزم جماعة من الشافعية، بأن المقتصر عليه هو الثابت في جمبع الروايات، ومنهم من وجه الحذف بكونهما صفتين كما هو الظاهر من سياق ابن عباس، لكن يعكر على هذا ما تقدم من البحت في ثبوت العطف فيهما في سايق غيره، وهو يقتضي المغايرة.
النووي في (شرح مسلم)(1) عن الجمهور.
ومذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وبعض أصحاب مالك: الوجوب، فمن تركها بطلت صلاته. وقد جاء في رواية في هذا الحديث في غير مسلم زيادة:"فإذا فعلت ذلك، فقد تمت صلاتك" لكنها زيادة ليست صحيحة (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قاله
(1)(4/ 117، 118).
(2)
أبو داود (970) في الصلاة، باب: التشهد، والدارمي (1/ 309)، والدارقطني (1/ 353)، وأحمد (1/ 422)، وابن حبان (1961)، والطيالسي (275).
قال المنذري في مختصر السنن (1/ 450): أخرجه النسائي مختصرًا، وقال أبو بكر بن الخطيب: قوله: "فإذا قلت ذلك، فقد تمت صلاتك" وما بعده، إلى آخر الحديث: ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو قول ابن مسعود أدرج في الحديث، وقد بيَّنه شبابة بن سوَّار في روايته عن زهير بن معاوية، وفصل كلام ابن مسعود من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه عبد الرحمن بن ثابت ثوبان، عن الحسن بن الحُرِّ مفصلًا مبينًا، وقال الخطابي: قد اختلفوا في هذا الكلام، هل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو من قول ابن مسعود؟ فإن صح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه دلالة على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد غير واجبة.
قال صاحب الجوهر النقي (2/ 175): ولمثل هذا لا تعلل رواية الجماعة الذين جعلوا هذا الكلام متصلًا بالحديث، وعلى تقرير صحة السند الذي روي فيه موقوفًا، فرواية من وقف لا تعلل بها رواية من رفع، لأن الرفع زيادة مقبولة على ما عرف من مذاهب أهل الفقه والأصول، فيحمل على أن ابن مسعود سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فرواه كذلك مرة، وأفتى به مرة أخرى، وهذا أولى مِنْ جعله من كلامه، إذ فيه تخطئة الجماعة الذين =
النووي في شرحه [وسيأتي الكلام على هذه المسألة في الحديث الآتي بعده إن شاء الله](1).
السابع والعشرون: أخذ من قوله: "فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله"، أن من قال لرجل: فلان يسلم عليك ويريد
بالسلام، هذا أنه لا يكون كاذبًا، ويلزم عليه أن يحنث بذلك إذا حلف أن لا يسلم عليه إلَّا أن يكون له نية خاصة بالسلام، وأيضًا فإن العرف يخالف ذلك، ويشهد بأن هذا غير مسلم.
الثامن والعشرون: يؤخذ من هذا الحديث أنه يستحب البداءة بنفسه في الدعاء حيث قال: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"(2).
= وصلوه، وانظر: نصب الراية (1/ 424، 425).
وقوله: "قد قضيت صلاتك"، يريد معظم الصلاة، من القرآن والذكر والخفض والرفع، وإنما بقي عليه الخروج منها بالسلام، فكنى عن التسليم بالقيام إذ كان القيام إنما يقع عقيبه، ولا يجوز أن يقع بغير تسليم، لأنه تبطل صلاته، لقوله صلى الله عليه وسلم:"تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". اهـ، من معالم السنن (1/ 250).
(1)
زيادة من ن ب د.
(2)
وقد ورد في الترمذي مصححًا من حديث أبي بن كعب: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه"، وأصله في مسلم ومنه دعاء نوح وإبراهيم عليهما السلام. الفتح (2/ 314).