الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
107/ 2/ 19 - عن عبد الله ابن بحينة، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضى صلاته وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم"(1).
الكلام عليه من وجوه:
إحداها: في التعريف براويه، وقد سلف في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيها: قوله: "ولم يجلس" كذا في الكتاب -بالواو وفي مسلم بالفاء-.
قال القاضي: وليس في الحديث نص يدل على أنه متى
(1) البخاري (829، 830، 1224، 1225، 1230، 6670)، ومسلم (570)، والترمذي (391)، والنسائي (3/ 34)، وأبو عوانة (2/ 193)، والموطأ (1/ 96، 97)، والمسند (1/ 99، 5/ 345، 346)، وأبو داود (1035)، وابن الجارود (242)، وابن ماجه (1206)، وابن خزيمة (1029)، والدارمي (1/ 352، 353)، والدارقطني (1/ 377).
تنبه صلى الله عليه وسلم أقبل الركوع أم لا؟ لكن قوله: "فلم يجلس" يدل لمجيء فاء التعقيب بعد ذكر القيام أنه لم يرجع إلى الجلوس بعد التنبيه له.
ثالثها: فيه دليل على أن السجود قبل السلام: إما مطلقًا كما يقوله الشافعي، وإما في النقص كما قاله مالك.
رابعها: فيه دليل أيضًا على أن التشهد الأول والجلوس له لَيْسَا بركنين في الصلاة ولا واجبين، إذ لو كانا واجبين لما جبرهما بالسجود، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة.
وقال أحمد: في طائفة قليلة: هما واجبان، وإذا سها جبرهما بالسجود على مقتضى الحديث.
خامسها: [فيه](1) أنه يشرع التكبير لسجود السهو، وهذا مجمع عليه.
واختلفوا فيما إذا فعلهما بعد السلام: هل يتحرم ويتشهد ويسلم أم لا؟.
والصحيح: عندنا أنه يسلم ولا يتشهد.
وذهب الحسن: إلى نفيهما، وروي ذلك عن أنس.
وذهب النخعي: إلى إثبات التشهد دون السلام.
وذهب عطاء: إلى التخيير في ذلك.
وذهب مالك: إلى أنه يتشهد ويسلم في سجوده بعد السلام،
(1) زيادة من ن ب د.
واختلف قوله: هل يجهر لسلامهما كسائر الصلوات أم لا؟ وهل يحرم لهما أم لا؟
قال القرطبي (1): وأولى الروايتين عن مالك أن هذا التكبير للإِحرام لا للسجود قال: ولا بد من بينة، لأنه قد انفصل عن حكم الصلاة.
قال النووي في (شرحه)(2): وثبت السلام لهما إذا فعلتا بعد السلام في حديث ابن مسعود وحديث ذي اليدين قال: ولم يثبت في التشهد حديث، كذا ادعاه.
وقال في (شرح المهذب)(3) أيضًا: أنه لم يصح فيه حديث. وتبعه تلميذه ابن العطار في "شرحه"، وليس كما ذكرا، ففي سنن أبي داود (4) والترمذي (5) من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فجرًا فسجد سجدتين، ثم تشهد وسلم. قال الترمذي: حسن غريب، وأخرجه ابن حبان أيضًا في صحيحه (6)، ولفظه: أنه
(1) المفهم (2/ 1009).
(2)
شرح مسلم (5/ 60).
(3)
قال في المجموع (4/ 159)، والصحيح المشهور أنه يتشهد بعد السجدتين كسجود التلاوة.
(4)
أبو داود عون المعبود (3/ 1026)، باب: سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم.
(5)
الترمذي (395)، باب: ما جاء في التشهد في سجدتي السهو.
(6)
ابن حبان (2670)، وأخرجه النسائي (3/ 26)، والبغوي في شرح السنة (761)، وصححه الحاكم (1/ 323)، ووافقه الذهبي. قال ابن حجر في =
-عليه الصلاة والسلام "صلى بهم فسجد سجدتي السهو، ثم تشهد وسلم".
سادسها: استدل بهذا الحديث على أن ترك التشهد الأول بمفرده موجب للسجود، وفيه نظر لاحتمال أن يكون مرتبًا على ترك الجلوس له. وجاء هذا من الضرورية الوجودية، نبه عليه الشيخ تقي الدين (1).
= الفتح (3/ 98): قال ابن حبان: ما روى ابن سيرين عن خالد غير هذا الحديث. انتهى. وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر. ضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين، فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد، وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة أيضًا في هذه القصة "قلت لابن سيرين: فالتشهد؟ متى لم أسمع في التشهد شيئًا"، وقد تقدم في "باب تشبيك الأصابع" من طريق ابن عون عن ابن سيرين، قال: "نبئت ان عمران بن حصين قال: ثم سلم"، وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإِسناد في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد، كما أخرجه مسلم فصارت زيادة أشعث شاذة، ولهذا قال ابن المنذر: لا أحب التشهد في سجود السهو ثابت، لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي، وعن المغيرة عند البيهقي وفي إسنادهما ضعف فقد يقال: إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن. قال العلائي: وليس ذلك ببعيد، وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة. اهـ. واختار شيخ الإِسلام عدم التشهد. وهو الذي عليه العمل.
(1)
إحكام الأحكام (2/ 448).
سابعها: فيه دليل على متابعة الإِمام عند القيام عن هذا الجلوس، وهو ظاهر على قول من يقول: إن الجلوس الأول سنة (1)، فإن ترك السنة للإِتيان بالواجب واجب، ومتابعة الإِمام واجبة.
ثامنها: فيه دليل أيضًا على أنه إذا سها سهوين أو أكثر أنه يكفيه سجدتان (2).
(1) قال الصنعاني في الحاشية (2/ 447): فيه إشارة إلى أن من الناس من يقول بوجوبه. واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت ركعتين أولًا، وكان التشهد فيهما واجب، فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب، وأجب بأن الزيادة لم تتعين في الأخريين، بل يحتمل أن يكونا هما الفرض الأول، والمزيد هما الركعتان الأولان بتشهدهما، ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان.
(2)
ويستنبط من الحديث نفسه بأنه ترك الجلوس الأول والتشهد معًا وكل واحد منهما واجب مستقل.
فوائد: قال ابن القيم في زاد المعاد: وكان سهوه في صلاته صلى الله عليه وسلم. من إتمام نعمة الله على أمته وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو.
الثانية: الحكمة في سجود السهو، أنه غم للشيطان، وجبر للنقصان، ورضى للرحمن.
ومن الحكمة فيه أيضًا في جعله جابرًا للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع، لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف. فشرع له الجبر دون العمد، ليتيقظ له العبد فيجتنبه، واعلم أنه يشرع للسهو دون العمد عند الجمهور.
الثالة: سجود السهو من خصائص هذه الأمة، ولا يعلم في أي وقت شرع. =
تاسعها: فيه التعبير بالأكثر عن الجملة فإن قوله: "قضى صلاته"، إنما يصدق حقيقة بالتسليم، إذ التسليم وإن كان مخرجًا من الصلاة فهو من جملتها: كالتكبير للافتتاح.
واعلم أن الكلام على هذا الحديث والذي قبله منحصر في نفس السجود [وفي أسبابه](1). والأول في محله وتكرره وصفته وحكمه، ولا يخفى عليك ذلك مما قررناه لك فيهما فتدبره.
= الرابعة: التقرب إلى الله بالصلاة المرقعة المجبورة إذا عرض فيها الشك، أولى من الإِعراض عن ترقيعها والشروع في غيرها، والاقتصار عليها بعد الترقيع أولى من إعادتها. فإنه منهاجه صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح من بعدهم.
الخامسة: لا يشرع السجود في صلاة الجنازة لأنه لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى. وأما سجود التلاوة والشكر فإنه لو شرع كان الجبر زائدًا على الأصل، وأما سجود السهو فإنه بؤدي إلى التسلسل ولا يشرع في صلاة الخوف.
(1)
في الأصل بياض.