الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
85/ 2/ 15 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة: بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعدًا، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش [الرجل] (1) ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم"(2):
هذا حديث عظيم كثير الأحكام.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
مسلم (498)، باب: ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به، وأبو داود (783) في الصلاة، باب: من لم ير الجهر بسم الله الرحمن الرحيم، ابن ماجه (869) في الإِقامة، وفي (812)، وابن أبي شيبة (1/ 229، 252، 284، 285، 410)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 15، 85، 172)، وأحمد (6/ 31، 171، 194، 281)، والطيالسي (1547)، وابن حبان (1768).
والكلام [فيه](1) من أربعة وثلاثين وجهًا:
أحدها: هذا الحديث سها المصنف في إيراده في كتابه فإنه من أفراد مسلم، وشرطه إخراج ما اتفقا عليه.
قلت: وفي إسناده علة ذكرتها في تخريج أحاديث الرافعي فسارع إليه (2).
ثانيها: تقدم الكلام على: "كان" وأنها تقتضي المداومة أو الأكثرية، لكن لا يأتي فيها هنا إلَّا المداومة لافتتاح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، أي بسورة الحمد، ومعلوم أنّه صلى الله عليه وسلم لا يخل بالتكبير والقراءة.
(1) في ن ب د (عليه).
(2)
العلة التي تقدح في هذا الحديث هي: الانقطاع بن أبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي وعائشة. فنقول وبالله التوفيق: أبو الجوزاء قد وثقه كثير من أئمة الجرح والتعديل، وأيضًا أخرج له البخاري حديثًا واحدًا من رواية ابن عباس. وروى مسلم وأصحاب السنن عنه، وأيضًا أدرك عائشة رضي الله عنها، فقد توفي بعد ست وعشرين سنة من وفاتها علمًا أن من قال: إنه لم سمع من عائشة يفتقر إلى دليل، وهو مفقود هنا. أيضًا هذا الحديث له شواهد تقويه، فقد روى البخاري في صحيحه (738) من حديث ابن عمر:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة"، وأيضًا قال في تحفة الأشراف (11/ 386) بعد سياقه: ورواه حماد بن زيد عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة انظر: كتاب الفوائد المجموعة في بيان ما وقع صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة (34) مخطوط تأليف رشيد الدين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي. مصورة لدي، وانظر: الإِرواء (2/ 21).
ثالثها: الرواية في القراءة بالنصب عطفًا على مفعول يستفتح، وهو الصلاة، وفي الحمد ضم [داله](1) على الحكاية أي ويستفتح القراءة بـ"الحمد لله رب العالمين" أي بسورة الحمد، ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة السالف قبله إذن. لأن المعنى أنه يسكت السكوت المذكور بعد التكبير، ثم يستفتح القراءة بذلك، ولا يصح الخفض في القراءة، ويكون دليلًا على عدم السكوت لئلا يؤدي إلى معارضته لحديث أبي هريرة فاعلمه.
[رابعًا](2): الفقهاء يستدلون بأفعاله صلى الله عليه وسلم في كثير منها في الصلاة على الوجوب، لأنهم يرون أن قوله -تعالى-:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} خطاب مجمل مبين بالفعل، والفعل [المبين للمجمل المأمور به](3) يدخل تحت الأمر، فيدل [بمجموع](4) ذلك على الوجوب، لا لأن الفعل بمجرده يدل على الوجوب، وإذا كان المسلك ذلك ووجدت أفعال غير واجبة وجب أن يحال على دليل آخر دل على [عدم] (5) وجوبها؛ وفي ذلك بحث؛ وهو: أن الخطاب المجمل يبين بأول الأفعال وقوعًا، فلا يكون ما وقع بعده
(1) في ن ب (قاله).
(2)
في ن د (رابعها).
(3)
في ب (المجمل المبين للمأمور به)، وما أثبتناه من الأصل وهو الموافق لإِحكام الأحكام.
(4)
في ن ب (مجموع)، وهو يوافق إحكام الأحكام (2/ 273).
(5)
في الأصل (وله) ون ب د (عموم)، وما أثبتناه من الأحكام.
بيانًا له [بوقوع](1) البيان بالأول، بل تبقى أفعالًا مجردة لا تدل على الوجوب، إلَّا أن يدل دليل على أن الفعل المستدل به بيانًا، فيتوقف الاستدلال بهذه الطريقة على وجوده، بل قد [يقوم] (2) الدليل على خلافه: كمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فعلًا، وهو من أصاغر الصحابة الذين لهم تمييز بعد إقامته عليه الصلاة والسلام مدة للصلاة مثلًا؛ فهذا مقطوع بتأخيره عن وقت البيان، وكذا من أسلم بعد [مكة](3) وأخبر برؤية الفعل، فإنه حينئذ يتحقق تأخير الفعل.
قال الشيخ تقي الدين (4): وهذا تحقيق بالغ، قال: وقد يجاب عنه بأن يقال: دل الدليل من الحديث المعين على وقوع هذا الفعل، والأصل عدم غيره، فتعين أن يكون بيانًا، وهذا قوي فيما إذا وجدنا فعلًا لم يقم الدليل على عدم وجوبه، فأما إذا وجد فإن جعلناه
مبينًا بدلالة الأصل على عدم غيره، ودل الدليل على عدم وجوبه لزم النسخ لذلك الوجوب الذي ثبت فيه أولًا، ولا شك أن مخالفة
الأصل أقرب من التزام النسخ.
خامسها: قولها: "يستفتح الصلاة بالتكبير" تعني بالتكبير الذي هو تحريم للصلاة، كما ثبت:"تحريمها التكبير"(5) صححه الحاكم
(1) في ن ب (لوقوع).
(2)
في ب (تقدم)، وما أثبتناه من الأصل موافق للأحكام.
(3)
في ن دب (مدة).
(4)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 275). للاطلاع على اختلاف في سياق العبارة.
(5)
أخرجه الشافعي (1/ 69)، وأبو داود في الطهارة (61)، باب: فرض الوضوء وسنده حسن، وأحمد (1/ 123، 129)، والترمذي (3)، وابن =
من حديث أبي سعيد على شرط مسلم، ولا شك أن التحريم لا يحصل بالتكبير وحده، بل به وبالنية، وهما أمران أحدهما قائم بالقلب، والثاني بالنطق، فيحتمل أنها عبرت بالأخص عن الأعم للعلم به، ويحتمل أنها ذكرته للتنبيه على تعين لفظ التكبير دون غيره، وأن استفتاح الصلاة بالنية كان معلومًا عندهم، وهي قصد الطاعة بالصلاة، كما أن الإِخلاص في الطاعة لله لا بد منه في الاستفتاح وغيره، وهو تصفية العمل من الشوائب، بأن لا يقصد بالعمل للنفس، ولا للهوى، ولا للدنيا، بل [للتقرب](1) إلى الله -تعالى- فكذلك النية، وكلاهما كان عندهم معلومًا، فلهذا استغنت بذكر التكبير عنهما، ونقل خلاف ذلك عن بعض المتقدمين.
قال الشيخ تقي الدين (2): تأوله بعضهم على مالك، والمعروف خلافه عنه وعن غيره.
سادسها: تكبيرة الإِحرام: ركن على المشهور عندنا، وبه قال مالك.
وقيل: شرط، حكاه الروياني في (بحره)، وهو مقتضى قول
= ماجه (275) وحسنه النووي في الخلاصة، وصححه الحاكم (1/ 132) عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا بلفظ حديث علي، على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(1)
في ن ب (التقرب).
(2)
إحكام الأحكام (2/ 276).
الطبري في الصلاة الرباعية: خمسة وأربعون خصلة: ثمانية منها قبل الدخول، النية، والتكبير، ثم [عد باقي](1) الشروط، وهو مذهب أبي حنيفة، وتظهر فائدة الخلاف فيما لو كبّر وفي يده نجاسة ثم ألقاها في أثناء التكبير، أو شرع في التكبير قبل [ظهور](2) الزوال، ثم ظهر الزوال قبل فراغها، فلا تصح صلاته على المشهور عندنا [فيها](3) وتصح على الثاني كستر العورة.
وقال بعض المالكية: فائدة الخلاف ما ذكره سحنون، إن الناظر إلى عورة إمامه في الصلاة متعمدًا تبطل صلاته.
فإذا قيل: إنها ركن بطلت صلاة الناظر إلى عورة إمامه حين إحرامه وإلَاّ فلا.
وقال بعضهم: فائدته في صحة تقديم الإِحرام على وقت العبادة.
فإن قلنا: بالأول فلا تصح، وإلَاّ صحّت، إذ لا يشترط في إيقاع شرط العبادة المؤقتة دخول الوقت كالطهارة.
واحتج من قال: بأنها ركن بحديث المسيء صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر"(4) الحديث، واعترض بأن فيه إسباغ الوضوء
واستقال القبلة، وهما شرطان.
(1) في الأصل (عدنا إلى)، وما أثبتناه من ب د.
(2)
في ب (شروع).
(3)
في ن د (فيهما).
(4)
البخاري (793)، ومسلم (397)، وأبو داود (856)، والترمذي (302)، والنسائي (2/ 125).
وأجيب: بأن الشرط [قد](1) لا يفارق الصلاة: كالستر والاستقبال.
ويحتج له أيضًا بحديث معاوية بن الحكم السلمي في الصحيح "إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو التسبيح
والتكبير وقراءة القرآن" (2) فجعل التكبير منها.
واحتج من قال: بأنها شرط بقوله -تعالى-: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} (3)، والفاء للتعقيب، والذكر: التكبير، والصلاة معطوفة عليه بالفاء، فهو غيرها. قال الزمخشري (4): فصلى صلاة العيد، وذكر اسم ربه، فكبر تكبيرة الافتتاح. وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة، لأن الصلاة معطوفة عليها. وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل. ثم قال: وعن ابن عباس: ذكر معاده وموقفه ببن يدي ربه، فصلى له. وعن الضحاك: وذكر اسم ربه في طريق المصلى، فصلى صلاة العيد.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
مسلم (537) في المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة، وأبو داود (930، 3282)، وأبو عبيد في الإِيمان (84)، وابن الجارود (212)، والطبراني في الكبير (19/ 938)، والطيالسي (1105)، وأحمد (5/ 447، 448)، والنسائي (3/ 14) في السهو، باب: الكلام في الصلاة، ومالك (3/ 5، 6) في العتق والولاء، باب: ما يجوز في العتق في الرقاب الواجبة.
(3)
سورة الأعلى: آية 15.
(4)
الكشاف (4/ 205).
وقال غيره: يحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا النية، فالآية خارجة عن النصوصية على ما ادعوه، [وإذا](1) تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال.
وقال بعض المتأخرين: ليس المراد بالذكر هنا تكبيرة الإِحرام بالإِجماع قبل خلاف المخالف.
واحتجوا أيضًا: بالحديث السالف: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" والمضاف غير المضاف إليه.
وجوابه: أنه قد يضاف البعض إلى الجملة. كما تقول: راس زيد، فلا حجة فيه.
وفي المسألة قول ثالث: أن تكبيرة الإِحرام سنة.
روى ابن المنذر (2): عن ابن شهاب أنه قال في رجل نوى الصلاة ورفع يديه ولم يحرم: إن الصلاة تجزئه.
وحكى القاضي وجماعة: عن ابن المسيب والحسن والزهري والحكم والأوزاعي: أن تكبيرة الإِحرام سنة (3). وأنكر ذلك على ابن
(1) في ن ب (وبه).
(2)
الأوسط لابن المنذر (3/ 77).
(3)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (2/ 145). قال ابن سيد الناس -رحمنا الله وإياه- في النفح الشذي شرح الترمذي (1/ 401، 402): قلت: وقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم، وهو حديث الباب، أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالين، ففيه رد على من أجاز الدخول في الصلاة بالنية ممن حكينا عنه ذلك.
شهاب وابن المسيب. وقالوا: إنهما يريانها سنة في حق المأموم خاصة (1). وإليه أشار بن الموارد. قال: ولم يختلف في الفذ والإِمام، وإنما اختلف في المأموم.
سابعها: إذا تقرر أنه لا بد من لفظ فاختلف العلماء [فيه](2)[فعند](3) أبي حنيفة أنه يكفي مجرد التعظيم كالله أجل، أو أعظم
فإن لم [يقصد](4)[فروايتان](5) عنه. ورويمما عنه أنه قال: أكره أن تنعقد الصلاة بغير: الله أكبر (6). وعنه روايتان: فيما إذا قال: الله
(1) قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (2/ 217): فائدة: تكبيرة الإِحرام ركن عبد الجمهور. وقيل: شرط، وهو عبد الحنفية، ووجه عبد الشافعية، وقيل: سنَّة. قال ابن المنذر: لم يقل به أحد غير الزهري، ونقله غيره عن سعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك ولم يثبت عن أحد منهم صريحًا. وإنما قالوا فيمن أدرك الإِمام راكعًا تجزئة تكبيرة الركوع. نعم، نقله الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية وأبي بكر الأصم ومخالفتهما للجمهور كثيرة. وذكره النووي في المجموع (3/ 232).
(2)
في ن ب (فيها).
(3)
في الأصل ون ب (وعند)، والتصحيح من ن د.
(4)
في ن د (يقصده).
(5)
في الأصل ون ب (فروايتين)، وما أثبت من ن د.
(6)
دليلهم قوله -تعالى-: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ} ، لم يفصل بين اسم واسم. والمعنى في المسألة وهو أنها عبادة تفتتح باسم من أسماء الله تعالى لا على سبيل النداء. فوجب أن تستوي فيها جميع الأذكار، ودليله لفظ الإِيمان. اهـ، من رؤوس المسائل للزمخشري (147).
أو الرحمن، واقتصر عليه. [ووافقه](1) على عدم الانعقاد بيا الله ارحمني وبيا اللهم اغفر لي، وبالله أستعين. والجمهور على تعين لفظ التكبير، وبه قال مالك والشافعي وأحمد. مستدلين على وجوبه وتعينه بهذا النقل (2)
(1) في ن د (ووافق).
(2)
قال ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 49): فصل: الحكم الثاني، قوله:"وتحليلها التسليم" وفي هذا من حصر التحريم في التكبير، نظير ما تقدم في حصر مفتاح الصلاة في الطهور من الوجهين. وهو دليل بين أنه لا تحريم لها إلَّا التكبير. وهذا قول الجمهور وعامة: أهل العلم قديمًا وحديثًا. وقال أبو حنيفة: ينعقد بكل لفظ يدل على التعظيم فاحتج الجمهور عليه بهذا الحديث، ثم اختلفوا، فقال أحمد ومالك وأكثر السلف: يتعين لفظ: "الله أكبر" وحدها. وقال الشافعي: يتعين أحد اللفظين "الله أكبر" و"الله أكبر" وقال أبو يوسف: يتعين التكبير وما تصرف منه، نحو "الله الكبير" ونحوه. وحجته أنه يسمى تكبيرًا حقيقة فيدخل في قوله:"وتحريمها التكبير" وحجة الشافعي أن المعرف في معنى المنكر، فاللام لم تخرجه عن موضوعه، بل هي زيادة في اللفظ غير مخلة
بالمعنى بخلاف "الله الكبير" و"كبرت الله " ونحوه، فإنه ليس فيه من التعظيم. والتفضيل والاختصاص ما في لفظة:"الله أكبر" والصحيح قول الأكثرين، وأنه يتعين "الله أكبر" لخمس حجج:
إحداها: قوله: "تحريمها التكبير" والسلام هنا للعهد فهي كالكلام في قوله: "مفتاح الصلاة الطهور"، وليس المراد به كل طهور، بل الطهور الذي واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه لأمته، وكان فعله له تعليمًا وبيانًا لمراد الله من كلامه. وهكذا التكبير هنا هو التكبير المعهود. الذي نقلته الأمة نقلًا ضروريًّا، خلفًا عن سلف عن نبيها صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله في كل صلاة، لا يقول غيره ولا مرة واحدة، فهذا هو المراد بلا شك في قوله: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= "تحريمها التكبير" وهذا حجة على من جوز "الله الأكبر" و "الله الكبير" فإنه وإن سمي تكبيرًا، لكنه ليس التكبير المعهود المراد بالحديث.
الحجة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" ولا يكون ممتثلًا للأمر إلَّا بالتكبير. وهذا أمر مطلق يتقيد بفعله الذي لم يخل به هو ولا أحد من خلفائه ولا أصحابه.
الحجة الثالثة: ما روى أبو داود من حديث رفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه، ثم يستقبل القبلة ويقول: الله أكبر".
الحجة الرابعة: أنه لو كانت الصلاة تنعقد بغير هذا اللفظ لتركه النبي صلى الله عليه وسلم ولو في عمره مرة واحدة لبيان الجواز، فحيث لم ينقل أحد عنه قط أنه عدل عنه حتى فارق الدنيا دل على أن الصلاة لا تنعقد بغيره.
الحجة الخامسة: أنه لو قام غيره مقامه لجاز أن يقول غير كلمات الآذان مقامها. وأن يقول المؤذن "كبرت الله" أو "الله الكبير" أو "الله الأعظم" ونحو، بل تعين لفظة "الله كبر" في الصلاة أعظم من تعينها في الآذان، لأن كل مسلم لا بد له منها، وأما الآذان فقد يكون في العصر مؤذن واحد أو اثنان والأمر بالتكبير في الصلاة آكد من الأمر بالتكبير في الآذان.
وأما حجة أصحاب الشافعي على ترادف "الله أكبر" و"الله الأكبر" فجوابها أنهما ليسا بمترادفين، فإن الألف واللام اشتملت على زيادة في اللفظ ونقص في المعنى.
وبيانه: أن أفعل التفضيل إذا نكر وأطلق تضمن من عموم الفضل، وإطلاقه عليه ما لم يتضمنه المعرف. فإذا قيل "الله أكبر" كان معناه: من كل شيء. وأما إذا قيل: "الله الأكبر" فإنه يتقيد معناه ويتخصص، ولا يستعمل هذا إلَّا في مفضل عليه معين كما إذا قيل: من أفضل أزيد أم عمرو؟ فيقول زيد الأفضل. هذا هو المعروف في اللغة والاستعمال. =
على الطريقة السابقة من كونه بيانًا للمجمل وفيه ما ذكرنا، لكن انضم إليه قوله -عليه أفضل الصلاة والسلام-: "صلوا كما
رأيتموني أصلي" (1)، فصار البيان بفعله وقوله./ وصح من حديث
= فإن أداة التعريف لا يمكن ان يؤتى بها إلَّا مع "من" وأما بدون "من" فلا يؤتى بالأداة. فإذا حذف المفضل عليه مع الأداة أفاد التعميم. وهذا لا يتأتى مع اللام. وهذا المعنى مطلوب من القائل: "الله كبر" بدليل ما روى الترمذي. من حديث عدي بن حاتم الطويل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"ما يضرك؟ أيضرك أن يقال: الله أكبر! فهل تعلم شيئًا أكبر من الله؟ " وهذا مطابق لقوله تعالى (6/ 19). {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} وهذا يقتضي جوابًا، لا شيء أكبر شهادة من الله. فالله أكبر شهادة من كل شيء كما أن قوله لعدي:"هل تعلم شيئأ أكبر من الله؟ " يقتضي جوابًا لا شيء أكبر من الله، فالله أكبر من كل شيء.
وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ المقصود منه استحضار هذا المعنى وتصوره سر عظيم يعرفه أهل الحضور المصلون بقلوبهم وأبدانهم. فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل وقد علم أنه لا شيء أكبر منه. وتحقق قلبه ذلك، وأشربه سره استحى من الله ومنعه وقاره وكبرياؤه أن يشغل قلبه بغيره، وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه وقلبه يهيم في أودية الوساوس والخطر والله المستعان. فلو كان "الله أكبر" من كل شيء في قلب هذا لما اشتغل عنه، وصرف كلية قلبه إلى غيره، كما أن الواقف بين يدي الملك المخلوق لما لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشغل قلبه بغيره ولم يصرفه عنه صارف. اهـ.
(1)
البخاري (628، 630، 631، 658، 685، 819، 2848، 6008، 7246)، ومسلم (674)، وأبو داود (589)، والترمذي (205)، والنسائي (2/ 8، 9، 21، 77)، وابن ماجه (979)، وأبو عوانة =
أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة: استقبل القبلة، ورفع يديه، وقال: الله أكبر"، رواه ابن ماجه (1)، وصححه ابن حبان (2) في كتابه "وصف الصلاة بالسنة".
وذهب أبو يوسف إلى [الانعقاد](3) بالله الكبير.
وجوابه: أن أكبر أبلغ.
واختلف أصحابنا في الانعقاد بقوله: [الله الأكبر](4)
= (1/ 331)، وابن حبان (1658، 2128، 2129، 2130).
فائدة: قال الحافظ في الفتح (2/ 11): واستدل به على أفضلية الإِمامة على الآذان، وعلى وجوب الآذان.
(1)
ابن ماجه (803، 1061).
(2)
ابن حبان (1865، 1866، 1867، 1869، 1870، 1871، 1876)، وأحمد (5/ 424)، وأبو داود (730، 963)، والترمذي (304، 305)، والنسائي (3/ 34)، وشرح السنة (555)، وصححه ابن خزيمة (587، 651، 685، 700، 677)، وابن أبي شيبة (1/ 235)، والبيهقي (2/ 26، 73، 116، 118) والبخاري في قرة العينين في رفع اليدين (ص 5).
قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في تهذيب السنن (1/ 355): حديث أبي حميد هذا حديث صحيح متلقى بالقبول لا علة له، وقد أعله قوم بما برأه الله وأئمة الحديث منه ونحن نذكر ما عللوه به، ثم نبين فساد تعليلهم وببطلانه بعون الله. اهـ، محل المقصود. راجع: تهذيب السنن.
(3)
في ن ب (انعقادها).
(4)
في الأصل (الله أكبر)، وما أثبت من ن ب د.
والأصح: نعم، بل هو أبلغ في التعظيم. ووجه مقابله أنه إذا أدخل الألف واللام على أكبر صار نعتًا، وبقي المبتدأ بلا خبر، كذا علله الأبهري المالكي.
واعترض عليه: بأنه لا يمتنع أن يكون الأكبر خبرًا، لأن خبر المبتدأ قد يكون معرفة، إلَّا أنه قد صار محتملًا للنعت وللخبر، فكيف يقوم [ذلك](1) مقام الله أكبر الذي تعين فيه أن أكبر خبر، ولعل هذا هو السر في اقتصار الشارع على الثاني.
واعترض الأبهري على من قال بالانعقاد بالله الأكبر: بأنه لا يجوز الجمع بين الألف واللام ومن في أفعل التفضيل إذ المعنى الله الأكبر من كل كبير.
فإذا قلت: الأكبر جاز أن يكون معه من يشاركه في الكبر، بخلاف أكبر. وفيما ذكره نظر، لأن صيغة أفعل التي للمفاضلة تقتضي وضعها للمشاركة في أصل الشيء والزيادة عليه، كان فيه الألف واللام أو لم يكن: كقولنا: زيد أفضل من عمرو، وزيد الأفضل. وكذا مع الإِضافة نحو زيد أفضل القوم (2).
فرع: لو قال: الله أكبر بالتنوين أو بالنصب [فلا](3) نقل في ذلك، والذي يظهر المنع إذ لم يأت بالتكبير اللغوي، كما صرحوا به فيما إذا مد الهمزة.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
انظر: ت (2) ص (27).
(3)
في ن ب (ولا).
فرع: من عجز عن المنطق بالحربية ولم يقدر على التعلم ترجم بلسانه، ووجب عليه التعلم إن قدر، فإن فقد من يعلمه ترجم ولا إعادة، فإن أهمل التعلم مع إمكانه [وضاق](1) الوقت صلى بالترجمة، والأصح وجوب الإِعادة لتقصيره. وللمالكية ثلاثة أقوال
فيما إذا ضاق الوقت عن التعلم:
أحدها: لا ينطق بغير التكبير إذ لا يقوم غيره مقامه ومقتضاه، أن يدخل في الصلاة بالنية، وهو قول الأبهري. وصوبه المازري.
والثاني: يفتتح الصلاة بالحرف الذي دخل به في الإِسلام، قاله أبو الفرج، وهو أولى من الاكتفاء بالنية.
والثالث: كمذهبنا.
فرع: [قال](2) صاحب (البيان والتقريب) من المالكية: اختلف فيمن افتتح الصلاة، ثم شك في صحة إحرامه، فتمادى، ثم تبين له أنه كان أحرم. وكذا من زاد في الصلاة متعمدًا أو ساهيًا، ثم تبين له أنه الواجب، ومن صلى شاكًّا في إتمام صلاته، ثم تبين [له](3) أنه أتم أو شك في طهارته، فتمادى، ثم تبين أنه متطهر في جميع ذلك قولان: الإِجزاء، وعدمه.
فائدة: الحكمة في تقديم التكبير تنبيه [للمصلي](4) على معنى
(1) في الأصل (وصار)، والتصحيح من ن ب د.
(2)
في ن ب (فإن).
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
في ن د (المصلى).
هذه [الكلمة](1) التي معناها أنه الموصوف بالجلال وكبر الشأن، وأن كل شيء دون جلاله وسلطانه حقير، وأنه جل وتقدس عن شبه المخلوقين والعابثين [وليشغل](2) المصلي فهمه وخاطره بمقتضى هذه اللفظة، ويستحضر أن يذكر معه غيره أو يحدث نفسه بسواه جل اسمه (3).
ثامنها: قوله: "والقراءة بالحمد لله رب العالمين" تمسك به مالك وأصحابه في ترك الذكر بين التكبير والقراءة، لأنه لو تخلل بينهما ذكر لم يكن الاستفتاح بالحمد لله رب العالمين، وقد تقدم ما فيه في الوجه الثالث.
تاسعها: قولها: "بالحمد" استدل به أصحاب مالك وغيرهم
(1) في ن ب (الحكمة).
(2)
في الأصل (وليشغل)، وما أثبت من ن ب د.
(3)
قال ابن القاسم في حاشية الروض (2/ 11): وحكمة الاستفتاح بها ليستحضر عظمة من يقف بين يديه وأنه أكبر شيء يخطر بباله. فيخشع له ويستحي أن يشتغل بغيره، ولهذا أجمع العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلَّا ما عقل منها وحضر قلبه. وروى ابن ماجه عن حذيفة مرفوعًا:"إن الرجل إذا دخل في صلاة أقبل الله عليه بوجهه، فلا ينصرف عنه حتى ينقلب أو يحدت حدث سوء"، وفي الأثر:"لو يعلم من يناجي ما انفتل"، لابن خزيمة:"إنما يقوم يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه"، ونظائره كثيرة ومناجاة الرب تعالى أرفع وأشرف درجات العبد. وعن أنس رضي الله عنه مرفوعًا:"اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكره حري أن يحسنها، وصل صلاة من يظن أن لا يصلي غيرها". حسنه الحافظ. اهـ.
على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة، وأنها ليست منها (1)، ونقله القرطبي (2) في شرحه عن الجمهور، وتأوله الشافعي والأكثرون القائلون بأنها من الفاتحة، كما نقله عنهم النووي في شرح مسلم (3) على أنّ المراد يستفتح القراءة بسورة الحمد كما تقدم، لا بسورة أخرى، وقد قامت أدلة على أن البسملة منها، وقد صنف في ذلك وفي الجهر بها (4) أبو شامة المقدسي -قدس الله روحه- مجلدة
(1) قال الشافعي في الأم (1/ 94): "إن أغفل أن يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم"، وقرأ من: "الحمد لله رب العالمين" حتى يختم السورة، كان عليه أن يعود فيقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين"، حتى يأتي على السورة". قال الشافعي: ولا يجزئه أن يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم"، بعد قراءة:"الحمد لله رب العالمين"، ولا بين ظهرانيها حتى يعود فيقرأ:"بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم يبتدىء أم القرآن فيكون قد وضع كل حرف منها في موضعه. وكذلك لو أغفل فقرأ:"بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم قال:"مالك يوم الدين" حتى يأتي على آخر السورة عاد، فقال:"الحمد لله رب العالمين" حتى يأتي على آخر السورة، وكذلك لو أغفل "الحمد" فقط، فقال:"لله رب العالمين". عاد فقرأ: "الحمد" وما بعدها لا يجزئه غيره، حتى يأتي بها كما أنزلت، ولو أجزت
له أن يقدم منها شيئًا عن موضعه أو يؤخره ناسيًا أجزت له إذا نسي أن يقرأ آخر آية منها، ثم التي تليها قبلها ثم التي تليها حتى تجعل "بسم الله الرحمن الرحيم" آخرها، ولكن لا يجزئ عنه حتى يأتي بكمالها كما أنزلت". وما ذكر حكم يخالف الجهر. اهـ.
(2)
المفهم (2/ 778).
(3)
(4/ 111).
(4)
أما مسألة الجهر بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" قبل قراءة الفاتحة، قال ابن =
ضخمة. فأفاد فيها وأجاد، وأغنى عن الخوض فيها. وقد صنف قبله في ذلك سليم الرازي، والخطيب، حتى ابن عبد البر من المالكية.
وأجاب بعض المخالفين عن تأويل الشافعي وغيره: بأن لفظ الحديث. إن أجرى [مجرى](1) الحكاية [اقتضى](2) البداءة [به](3) بعينه [فلا](4) يكون غيره قبله [لأن الغير حينئذ](5) يكون هو المفتتح [به](6) وإن جعل اسمًا فالفاتحة لا تسمى سورتها مجموع الحمد لله
= القاسم في حاشية الروض (2/ 25): أما الاستفتاح والتعوذ فسر إجماعًا وليسا واجبين، ويسقطان بفوات محلهما، وكذا البسملة، وأما كون البسملة سرًا فلحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة (بالحمد لله رب العالمين) أي الذي يسمع منهم، لا بجهرون بالبسملة، فلا يسن الجهر بها. قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، قال الشيخ: ويستحب بها للتأليف، ويختار أن يجهر بها وبالتعوذ والفاتحة في الجنازة ونحوها تعليمًا للسنة. وذكر أن المداومة على الجهر بذلك بدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والأحاديث المصرحة في الجهر بها كلها موضوعة. وذكر الطحاوي أن ترك الجهر بالبسملة في الصلاة تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وذهب ابن القيم أن الجهر تفرد به نعيم من بين أصحاب أبي هريرة، وهم ثمانمائة ما بين صاحب وتابع. اهـ.
(1)
في ن ب ساقطة، ومثبتة في إحكام الأحكام.
(2)
في إحكام الأحكام العبارة (فذلك يقتضي).
(3)
في إحكام الأحكام (بهذا اللفظ).
(4)
في ن د (ولا).
(5)
العبارة في إحكام الأحكام (لأن ذلك الغير).
(6)
زيادة من إحكام الأحكام.
رب العالمين، بل بسورة الحمد. فلو كان لفظ الرواية " [كان] (1) يفتتح بالحمد" لقوي تأويل الشافعي وغيره، فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة التي البسملة بعضها عندهم، قاله الشيخ تقي الدين.
وقوله: "لا تسمى بهذا المجموع" غلط. ففي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله في: "الحمد لله رب العالمين: أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني"(2) وفيها أيضًا من حديث أبي سعيد بن المعلى: "الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني الذي [أوتيت] (3) والقرآن العظيم"(4)، [وهذا](5) ظاهر، ونص في أن الفاتحة تسمى بهذا المجموع الذي هو: الحمد لله رب العالمين، وبالله التوفيق.
وأجاب بعض المتأخرين من المخالفين؛ عن التأويل المذكور: بأن هذا الاحتجاج إنما [كان](6) يحتمل لو كانت الرواية بخفض
(1) ساقطة من ن د.
(2)
أبو داود عون المعبود (1444). قال المنذري: وأخرجه البخاري والترمذي. رواية الترمذي (3124). سيأتي في التعليق (8) ح (98).
(3)
في ن ب د (أوتيته).
(4)
البخاري (4474، 5006، 4447، 4703)، وأبو داود عون (1445)، وأحمد (2/ 9، 4/ 211)، والنسائي (2/ 139)، وفضائل القرآن له (35)، وابن ماجه (3785)، والدولابي (1/ 34) من طرق عن شعبة به، والطبراني (22/ 303)، وابن حبان (777)، والبيهقي (2/ 368).
(5)
في ن د (فهذا).
(6)
في ن ب ساقطة.
الدال. وأما على الضم فهو على الحكاية كما تقدم، أعني حكايته لفظه صلى الله عليه وسلم. وكأنها قالت: كان يبتدىء الصلاة بهذا اللفظ (1).
فائدة: تتعلق بإثبات البسملة في الفاتحة. روى الروياني (2) في "بحره" عن أبي سهل الأبيوردي (3) أن خطيبًا ببخارى من العلماء
الزهاد رأى خبرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن من قرأ قل هو الله أحد ألف
(1) قال ابن حجر على حديث أنس في الفتح (2/ 227): قوله: "الحمد لله رب العالمين" بضم الدال على الحكاية. واختلف في المراد بذلك، فقيل: المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة، وهذا قول من أثبت البسملة في أولها وتعقب بأنها إنما تسمى الحمد فقط وأجيب بمعنى الحصر. ومستندة ثبوت تسميتها بهذه الجملة وهي:"الحمد لله رب العالمين" في صحيح البخاري، أخرجه في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد بن المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن" فذكر الحديث وفيه، قال:"الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني" وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وقيل المعنى كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكا بظاهر الحديث، وهذا قول من نفى قراءة البسملة، لكن لا يلزم من قوله كانوا يفتتحون بالحمد أنهم لم يقرءوا:"بسم الله الرحمن الرحيم سرًّا". وقد أطلق أبو هريرة السكوت على القراءة سرًا، كما في الحديث الذي قبل هذا. اهـ. وهذا كلام ابن حجر على حديث أنس.
(2)
هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد أبو المحاسن الروياني (415 هـ، 501 هـ)، ترجمته في الأعلام (4/ 324)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 287) وغيره.
(3)
أحمد بن علي أبو سهل الأبيوردي، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 242، 248)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (157، 158)، وطبقات الشافعية للسبكي (4/ 43، 45).
مرة رفع الله عنه وجع السن [فلا يجع](1) أبدًا فوجع سنه، فقرأها ألفًا، فلم يزل الوجع وزاد. فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن وجع السن وعما يفعل؟ فقال: رأيت خبرًا عنك يا رسول الله! كذا، وفعلت كذا، فلم يسكن وجعي، فقال عليه الصلاة والسلام: لأنك قرأتها بلا تسمية [فاقرأ بها](2) بالتسمية فقرأها، بها فزال وجع سنه، ولم يعد (3). قال هذا الخطيب: فاعتقدت مذهب الشافعي في هذه المسألة فلا أصلي إلَّا بها.
وروى بعض العلماء عن بعض العارفين وقد قيل له: بماذا ترى ظهر اسم الإِمام الشافعي وغلب ذكره، فقال: أرى ذلك بإظهار اسم الله في البسملة لكل صلاة.
عاشرها: قولها: "وكان إذا ركع لم يشخص رأسه" هو بضم الياء، وماضيه أشخص، أي لم يرفع رأسه. ومادة الإِشخاص تدل على الارتفاع، ومنه أشخص بصره إذا رفعه إلى العلو: ومنه الشخص لارتفاعه للأبصار. ومنه شخص المسافر إذا خرج [من](4) منزله إلى غيره، والأصل شخص الرجل غير متعد، فلما دخلت عليه همزة النقل تعدى إلى مفعول واحد، ويقال للرجل إذا ورد عليه أمرٌ أقلقه:
(1) في ن ب د (فلا يتجع).
(2)
في ن ب د (فانتبها فقرأها بها).
(3)
هذا الخبر يحتاج إلى تمحيص ونظر فبعد المراجعة لم أجد هذا الخبر الذي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الكتب المؤلفة في الصحيحة ولا الضعيفة. فليتأمل.
(4)
في ن ب د ساقطة.
شخص، كأنه ارتفع عن الأرض لقلقه.
الحادي عبر: قولها: "ولم يُصَوِّبه" هو بضم الياء وفتح الصاد وكسر الواو المشددة، أي لم ينكسه، ومنه الصيب للمطر، يقال
صاب يصوب إذا نزل، ومن أطلق الصيب على الغيم، فهو من المجاز [لأنه](1) سبب الصيب الذي هو المطر.
الثاني عشر: قولها: "ولكن بين ذلك" أي بين الارتفاع والتنكيس.
فإن قلت: الأصل في "بين" أن تضاف إلى شيئين فصاعدًا كقولك: المال بين زيد وعمرو، وبين الزيدين ونحو ذلك. فما بالها
جاءت مضافة إلى مفرد وهو "ذلك"؟
فالجواب: أنه لما كانت الإِشارة بـ"ذلك" إلى ما تقدم من الأشخاص والتصويب المفهومين من فعليهما ساغ فيها ذلك. ومنه قوله -تعالى-: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (2) وهذا منها إشارة إلى المسنون في الركوع، وهو الاعتدال [باستواء](3) الظهر والعنق.
الثالث عشر: قولها: "وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا". فيه دليل على الرفع من الركوع والاعتدال فيه بأن يستوي قائمًا.
(1) في ن ب (لا).
(2)
سورة البقرة آية 68.
(3)
في ن ب (فاستواء).
وقد اختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال:
أحدها: يجب.
وثانيها: يستحب.
وثالثها: يجب فيما هو إلى الاعتدال أقرب، ويستحب ما زاد عليه، ولكن الرفع من الركوع من الأفعال التي ثبت استمرار النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ورواية ابن القاسم: أنه إذا أخل به وجبت الإِعادة، ولم تجب في رواية ابن زياد.
[فإذا](1) قيل برواية ابن القاسم: فهل يجب الاعتدال أم لا؟
فيه الأقوال السالفة.
الأول: لابن القاسم.
والثاني: لأشهب.
والثالث: للقاضي عبد الوهاب. وحيث قالوا بالوجوب فتجب الطمأنينة عندهم وقيل: لا.
ومن الفوائد الغريبة: أن منصورًا التميمي من قدماء الشافعية، أخذ عن الربيع ذكر في كتاب المسافر عن نص الشافعي أنه [](2) يكفي الاعتدال في الرفع من الركوع وفي الجلوس بين السجدتين. وهذا غريب عن الشافعي.
وفي (التتمة) وجه أن الاعتدال لا يجب في النافلة، وأجراه
(1) في ن ب د (وإذا).
(2)
في الأصل زيادة (لا)، وما أثبت من ن ب د.
القفال فيما رأيته من (فتاويه) في الجلوس بين السجدتين. وبناه على أن صلاة التطوع هل تجوز بالإِيماء مع القدرة؟ وصحح الجواز، وأما غيره فصحح عدم الجواز.
الرابع عشر: قولها: "وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدًا" فيه دليل على الرفع من السجود والاستواء في
الجلوس بين السجدتين، أما الرفع فلا بد منه لعدم تصور عدد السجدتين [بغيره](1). بخلاف الركوع فإنه غير متعدد فلهذا أجرى
الخلاف في وجوب الرفع منه.
قال الشيخ تقي الدين: [وأجرى بعض الفضلاء من المتأخرين [الخلاف](2) الذي في الرفع من الركوع في الرفع من السجدة الأولى، وقال: الرفع منها والاعتدال والطمأنينة: كالرفع من الركوع وهو سهو لعدم تصوره في الرفع من السجود لتعدده شرعًا بخلاف الركوع، فإنه غير متعدد، وهو متميز عن السجود بخلاف السجدة الثانية، فإنها غير متميزة عن الأولى، فافتقرت إلى التمييز بالرفع الفاصل بينهما] (3) وكأن الذي نسب إليه الشيخ
(1) في ن ب (لغيرهِ).
(2)
في الأصل مكرر.
(3)
العبارة في إحكام الأحكام (2/ 286)، وسَهَا بعض الفضلاء من المتأخرين. فذكر ما ظاهره الخلاف في الرفع من الركوع والاعتدال فيه. فلما ذكر السجود قال: الرفع من السجود والاعتدال فيه والطمأنينة كالركوع. فاقتضى ظاهر كلامه أن الخلاف في الرفع من الركوع جاز في الرفع من السجود. وهذا سهو عظيم، وليس كذلك بالضرورة، لأنه =
[هذا](1) السهو هو ابن الحاجب، فإنه قال: والرفع منه والاعتدال فيه: كالركوع، وبعض المالكية شرع يؤوله ويقول: لا سهو فيه، وليس بظاهر، ومحل الكلام في أقل السجود وأكمله كتب الفقه، وقد بسطناه فيها، فلا نطول بإيرادها منه. ونص صاحب (الجواهر) من المالكية: على أنه يستحب كشف الكعبين، واستحب متأخروا المالكية أن يسجد بين كفيه ولم يحد مالك في ذلك حدًّا. ثم إذا سجد الثانية قام مكبرًا كسائر تكبيرات الانتقالات.
ومذهب مالك أنه يستثنى [من](2) ذلك تكبيرة القيام من الجلوس، فإنه لا يكبر حتى يستقل قائمًا، وفرقوا بأن الشروع في تكبير الانتقال إنما هو في الأركان، فلم ينتقل من ركن إلى ركن فيكبر فيه.
قال القاضي عياض: وهو مذهب عمر بن عبد العزيز. قال: وعامة الفقهاء على خلافه.
قال مالك: وإن كبرها في نهوضه فهو في سعة.
الخامس عشر: قولها: "وكان يقول في كل ركعتين التحية" تريد التشهد كله، وهو من باب إطلاق لفظ البعض على الكل، وهذا الموضع مما فارق فيه الاسم المسمى فإن التحية: الملك
= لا يتصور خلاف في الرفع من السجود، إذ السجود متعدد شرعًا، ولا يتصور تعدده إلَّا بالرفع الفاصل بين السجدتين. اهـ.
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب ساقطة. ذكره عن القاضي في إكمال إكمال المعلم (2/ 146).
[أو](1) البقاء أو غيرهما (2) وذلك لا يتصور قوله بل يقال: اسمه الدال عليه بخلاف قولنا: أكلت الخبز وشربت الماء. فإن الاسم فيه أريد به المسمى.
وأما لفظة الاسم: فقد قيل فيها: إن الاسم هو المسمى، وفيه نظر دقيق، كما قال الشيخ تقي الدين (3): وهذا بالنسبة إلينا، وأما بالنسبة إلى الله -تعالى- فلا يقال الاسم غير المسمى، ولا هو [هو](4)، بل يجب إطلاقه كما أطلقه الله -تعالى- من غير خوض
(1) في ن ب (و).
(2)
قال ابن القاسم في حاشية الروض (2/ 66): ملكًا واختصاصًا أو كل ما يحيى به من الثناء والمدح بالملك والعظمة لله تعالى. وهو سبحانه يحيّى ولا يسلم عليه، وفي الصحيحين: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله، من عباده. فقال صلى الله عليه وسلم:"لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام" لأن السلام دعاء بالسلامة، والله سبحانه هو المدعو وهو السالم من كل نقص وعيب، وله الملك المطلق وكانوا إذا نال أحدٌ الملك قيل: نال فلان التحية، أي نال الملك الذي يستدعي له التحية. فهو سبحانه المستحق أن يحيّى بأعلى التحيات لتمام ملكه، ولا يسلم عليه لكماله وغناه المطلق.
فائدة: الحكمة من جمع التحيات لأن ملوك الأرض يحيون بتحيات مختلفة. أبيت اللعن، وأنعم صباحًا، إلخ. فقيل للمسلمين: قولوا: التحيات لله
…
إلخ، فهو أولى بالتحيات من كل ما سواه، فإنها تتضمن الحياة والبقاه والدوام، ولا يستحق هذه التحيات إلَّا الحي الباقي الذي لا يموت
…
الخ.
(3)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 287) وفيه تعليق نفيس للصنعاني.
(4)
في ن ب ساقطة.
فيه (1).
وقد أفرد هذه المسألة (2) بالتصنيف البطليموسي رحمه الله. ولم تعين رضي الله عنها، ما كان يتشهد به في هذا الحديث. وقد ورد في ذلك أحاديث عدة جمعتهم في تخريجي لأحاديث الرافعي.
(1) قال شيخ الإِسلام في الفتاوى (10/ 186): (والمقصود هنا) أن المعروف عن أئمة السنة إنكارهم على من قال: أسماء الله مخلوقة، وكأن الذين يطلقون القول بأن الاسم غير المسمى هذا مرادهم. فلهذا يروى عن الشافعي والأصمعي وغيرهما، أنه قال: إذا سمعت الرجل، يقول: الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة، ولم يعرف أيضًا عن أحد من السلف أنه قال: الاسم هو المسمى، بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة، وأنكره أكثر أهل السنة عليهم. ثم منهم من أمسك عن القول في هذه المسألة نفيًا وإثباتًا، إذ كان كل من الإِطلاقين بدعة كما ذكره الخلال عن إبراهيم الحربي وغيره. وكما ذكره أبو جعفر الطبري في الجزء الذي سماه "صريح السنة" ذكر مذهب أهل السنة المشهور في القرآن والرؤية والإِيمان والقدر والصحابة وغير ذلك، إلى أن قال: إن القول في الاسم والمسمى من الحماقات المبتدعة التي لا نعرف فيها قولًا لأحد من الأئمة، وأن حسب الإِنسان أن ينتهي إلى قوله -تعالى-:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وهذا هو القول بأن الاسم للمسمى. وهذا الإِطلاق اختيار أكثر المنتسبين إلى السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيره
…
إلخ كلامه. وقد سبق هذا المبحث في الجزء الأول وكراهة السلف الخوض فيه، وقد تكلم
على هذه المسألة الصنعاني في حاشيته على إحكام الأحكام (2/ 287).
(2)
باسم "الاسم والمسمى"، وقد طبع هذا الكتاب في مجلة اللغة العربية بدمشق في الجزء الثاني مجلد (47)، عام 1392 هـ.
واختار الشافعي منها: حديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم (1).
واختار أبو حنيفة وأحمد: تشهد ابن مسعود (2).
واختار مالك: تشهد عمر (3). وسيأتي الكلام على ذلك إن
(1) أخرجه مسلم (403) في الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، وأبو داود (974)، والنسائي (2/ 242) في التطبيق باب نوع آخر من التشهد، والبيهقي (2/ 140)، والبغوي في شرح السنة (679)، والشافعي في المسند (1/ 89، 90)، وأحمد (1/ 292)، وابن ماجه (900)، وأبو داود (974)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 263)، والطبراني (10996)، وابن خزيمة (705)، وأبو عوانة (3/ 227)، وابن حبان (1952، 1953، 1954).
(2)
البخاري (831، 835، 1202، 6230، 6265، 6328، 7381)، ومسلم (402)، وأحمد (1/ 382، 413، 414، 437، 440، 459)، وأبو عوانة (2/ 229، 230)، وابن ماجه (889، 444)، وأبو داود (968)، والنسائي (3/ 41)، والدارمي (1/ 308)، والبيهقي (2/ 138)، وابن أبي شيبة (1/ 291، 292)، وابن خزيمة (704)، والطبراني في الكيير (9902، 9903، 9885، 9886، 9892، 9904، 9891، 9894)، والطيالسي (249)، وشرح معاني الآثار (1/ 262)، وابن حبان (1948، 1950، 1951، 1955، 1956، 1961، 1962، 1963).
(3)
مالك في الموطأ (1/ 90)، والشافعي في الرسالة (268)، والحاكم في المستدرك (1/ 266) وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن (2/ 143)، وفي المعرفة (3/ 58)، وأشار إليه البغوي في السنة (3/ 184)، وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 422): وهذا إسناد صحيح. اهـ.
شاء الله [تعالى](1) في بابه.
السادس عشر: قولها: "وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى". يفرش بضم الراء أشهر من كسرها.
واستدل أصحاب أبي حنيفة: بهذا الحديث على اختيار هذه الهيئة في الجلوس من الرجل وهو مذهب سفيان.
ومالك: اختار التورك.
وأحمد: يتورك في آخر الرباعي.
والشافعي: فصل بين الأول والأخير، فيفترش في [الأول](2)، كما يجلس بين السجدتين وجلسة الاستراحة، ويتورك في الأخير. واحتج بحديث أبي حميد الساعدي في صحيح البخاري (3): أنه لما وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم
(1) في ن ب ساقطة. انظر ص (439).
(2)
في ن ب زيادة (ويتورك).
(3)
البخاري (828)، انظر: ت (2) ص (301). قال الحافظ في الفتح (2/ 309): وفي هذا الحديث حجة للشافعي، ومن قال في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول: مغايرة لهيئة الجلوس في التشهد الأخير، وخالف في ذلك المالكية والحنفية، فقالوا: يُسوَّى بينهما. لكن قال المالكية: يتورك فيهما، كما جاء في التشهد الأخير وعكسه الآخرون. واستدل به الشافعي أيضًا على أن تشهد الصبح: كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله: "وفي الركعة الأخيرة" واختلف فيه قول أحمد، والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان.
رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته، وحمل حديث عائشة هذا على غير الأخير، جمعا بينه وبين حديث أبي حميد،
ورجح من حيث المعنى بأمرين:
أحدهما: أن المخالفة في هيئة الجلوس قد يكون سببًا للتذكر عند الشك في كونه الأول أو الأخير.
والثاني: أن الافتراش هيئة استيفاز [فناسب](1) الجلسات الأول. والتورك هيئة اطمئنان فناسب الأخير. كيف وهو مطابق للنقل
في حديث أبي حميد السالف فكان أولى.
ومذهب الشافعي: جلوس المرأة كجلوس الرجل.
وذهب بعض السلف إلى أن سنة المرأة التربع في الجلسات سواء فيه الفريضة والنافلة، وخصه بعضهم بالنافلة، حكاه عنهما القاضي.
ومذهب الجمهور: أنه لا فرق. وقد وردت هيئة التورك في بعض الأحاديث، لكن ليست لها قوة في الصحة: كأحاديث الافتراش والتورك (2).
(1) في ن ب (فيناسب).
(2)
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 243): وأما حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه رقم (579) أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى، فهذا في التشهد الأخير، كما يأتي، وهو أحد الصفتين اللتين رويتا عنه، ثم ساق حديث أبي حميد هذا، إلى أن قال: ومعنى حديث =
واختلف قول الشافعي رضي الله عنه في الأفضل في جلوس العاجز عن القيام في الفريضة وجلوس المتنفل الذي له أجر
نصف القاعد على أقوال، ذكرتها في "شرح المنهاج" وغيره أصحها: الافتراش، لأنه غالب جلسات الصلاة الأربع.
السابع عشر: قولها: "وكان ينهى عن عقبة الشيطان" هو بضم العين وإسكان القاف. ويروى "عقب" -بفتح العين وكسر القاف- وحُكي ضم العين فيه وهو ضعيف. وفسره أبو عبيدة وغيره بالإِقعاء المنهي عنه. وهو أن يلصق إليته بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض [كذا](1) حكاه النووي في [(شرحه لمسلم)](2) عن
= ابن الزبير رضي الله عنه أنه فرش قدمه اليمنى: أنه كان يجلس في هذا الجلوس على مقعدته، فتكون قدمه اليمنى مفروشة وقدمه اليسرى بين فخذه وساقه، ومقعدته على الأرض، فوقع الاختلاف في قدمه اليمن في هذا الجلوس: هل كانت مفروشة أو منصوبة؟ هذا والله أعلم ليس اختلافًا في الحقيقة، فأنه كان لا يجلس على قدمه، بل يخرجها عن يمينه، فتكون بين المنصوبة والمفروشة، فإنها تكون على باطنها الأيمن، فهي مفروشة بمعنى أنه ليس ناصبًا لها، جالسًا على عقبه، ومنصوبة بمعنى أنه ليس جالسًا على باطنها، وظهرها إلى الأرض، فصح قول أبي حميد ومن معه وقول عبد الله بن الزبير أو يقال: إنه كان صلى الله عليه وسلم يفعل هذا وهذا، فكان ينصب قدمه، وربما فرشها أحيانًا، وهذا أروح لها، والله أعلم. وللنووي رحمه الله تأويل مثل هذا في شرح مسلم (5/ 80).
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب د (شرح مسلم). انظر: (4/ 214).
أبي عبيدة وغيره، وحكاه في (شرح المهذب) (1) عن أبي عبيد أنه حكاه عن شيخه أبي عبيدة. وقال الشيخ تقي الدين: فسر بأن يفرش قدميه ويجلس بإليته على [عقبيه](2) وقد سمى ذلك بالإِقعاء أيضًا.
قلت: فأما الإِقعاء الذي هو سنة الثابت في صحيح مسلم (3)
(1) المجموع شرح المهذب (3/ 438).
(2)
في ن ب (عقبه)، وما أثبت يوافق إحكام الأحكام (2/ 292).
(3)
مسلم، باب: جواز الإِقعاء على العقبين النووي (5/ 18)، وأبو داود (845)، والترمذي (2/ 73)، والحاكم (1/ 272)، والبيهقي (2/ 119)، وأحمد (1/ 313)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الألباني في الإِرواء (2/ 22): وبالجملة فالإِقعاء بين السجدتين سنة كالافتراش فينبغي الإِتيان بهما تارة بهذه، وتارة بهذه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وأما أحاديث النهي عن الإِقعاء فلا يجوز التمسك بها لمعارض هذه السنة لأمور: الأول: أنها كلها ضعيفة. الثاني: أنها إن صحت أو صح ما اجتمعت عليه فإنها تنص على النهى عن إقعاء الكلب. وهو شيء آخر غير الإِقعاء المسنون، كما بيناه في "تخريج صفة الصلاة". الثالث: أنها تحمل على الإِقعاء في المكان الذي لم يشرع فيه هذا الإِقعاء المسنون كالتشهد الأول والثاني، وهذا مما يفعله بعض الجهال، فهذا منهي عنه قطعًا لأنه خلاف سنة الافتراش في الأول والتورك في الثاني على ما فصله حديث أبي حميد، والله أعلم.
قال ابن حجر في التلخيص (1/ 257): عن طاوس قال: رأيت العبادلة يقعون. أسانيدها صحيحة، وأيضًا صححها الألباني في الإِرواء (2/ 22) وهم: ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير. اهـ. وانظر: كلام أحمد شاكر في سنن الترمذي (2/ 74) فقد استوفى الموضوع.
من حديث ابن عباس فهو: أن ينصب أصابع قدميه ويجلس بوركيه على عقبيه، فليس من هذين التفسيرين في شيء.
وقال صاحب (التبصرة)[و](1) لا يجوز أن يقعي في الجلوس بين السجدتين إقعاء الكلب. قال: وهو أن يجلس على قدميه وهما منصوبتان.
وقال البيهقي في سننه (2): يحتمل أن يكون حديث عائشة هذا واردًا في الجلوس في التشهد الأخير فلا منافاة.
وقال القاضي [عياض](3): ذهب جماعة من السلف إلى أن المنهي عنه من الإِقعاء هو الرجوع على صدور القدمين فيما بين السجدتين وتمس أليته بعقبيه.
قلت: وهو ما صدره المحب الطبري في (أحكامه). ثم قال: وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولتين في الوضوء، ولم يذكر غير ذلك في تفسيره.
الثامن عشر: قولها: "وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع" هو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود، والسنة أن يرفعهما، ويكون الموضوع على الأرض كفيه، وإنما نهى عن ذلك لأنها صفة الكاسل والمتهاون بحاله، مع ما فيه من [التشبه](4)
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
السنن الكبرى (2/ 120).
(3)
في ن ب ساقطة. ذكره في "شرح مسلم"(4/ 214).
(4)
في ن ب (التشبيه).
بالسباع والكلاب، كما نهى عن التشبه [بهما](1) في الأفعال.
التاسع عشر: قولها: "وكان يختم الصلاة بالتسليم" معناه: يتحلل منها بالتسليم، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث
السالف: "وتحليلها التسليم". ولا شك أن تحريمها التكبير، أو ما في معناه من التعظيم على قول أبي حنيفة، فكذلك تحليلها فتقتضي الوجوب فيه مع قوله عليه الصلاة والسلام:"صلوا كما رأيتموني أصلي" وبوجوبه، قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور سلفًا وخلفًا، وأن الصلاة لا تصح إلَّا به.
وقال أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي: هو سنة ولو تركه صحت صلاته.
قال أبو حنيفة: لو فعل [فعلًا](2) منافيًا للصلاة من [حدث](3)، أو غيره في آخرها صحت صلاته.
واحتج: بأنه عليه الصلاة والسلام لم يعلمه [للأعرابي](4) حين علمه واجبات الصلاة، واحتج الجمهور بفعله وما ذكرناه (5).
(1) في ن ب (بها).
(2)
زيادة يقتضيها المعنى.
(3)
في ن ب (حديث).
(4)
في ن ب (الأعرابي).
(5)
قال ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 51): الحكم الثالث: قوله "وتحليلها التسليم"، والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله والكلام في التسليم على قسمين: أحدهما: أنه لا ينصرف من الصلاة إلَّا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بالتسليم، وهذا قول جمهور العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يتعين التسليم بل يخرج منها بالمنافي لها. من حدث أو عمل بطل ونحوه. واستدل له بحديث ابن مسعود الذي رواه أحمد وأبو داود في تعليمه التشهد، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته، ولو كان فرضًا لعلمه إياه، وبأنه ليس من الصلاة، فإنه ينافيها، ويخرج به منها، ولهذا لو أتى به في أثنائها
لأبطلها، وإذا لم يكن منها، علم أنه شرع منافيًا، والمنافي لا يتعين، وهذا غاية ما يحتج له به. والجمهور أجابوا عن هذه الحجج. أما حديث ابن مسعود: فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ: الصحيح أن قوله: "إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك" من كلام ابن مسعود. فصله شبابه عن زهير: وجعله من كلام ابن مسعود. وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه. وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود رضي الله عنه على حذفه.
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته، فما أكثر ما يحتج بهذه الحجة على عدم واجبات في الصلاة ولا تدل. لأن المسيء لم يسيء في كل جزء من الصلاة. فلعله لم يسيء في السلام، بل هذا هو الظاهر. فإنهم يكونوا يعرفون الخروج منها إلَّا بالسلام.
وأيضًا فلو قدر أنه أساء فيه لكان غاية ما يدل عليه ترك التعليم استصحاب براءة الذمة من الوجوب، فكيف يقدم على الأدلة الناقلة لحكم الاستصحاب؟
وأيضًا، فأنتم لم توجبوا في الصلاة كل ما أمر به المسيء، فكيف تحتجون بترك أمره على عدم الوجوب؟ ودلالة الأمر على الوجوب أقوى من دلالة تركه على نفي الوجوب؟ فإنه قال:"إذا قمت إلى الصلاة فكبر" ولم توجبوا التكبير. وقال: "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا"، وقلتم: لو ترك الطمأنينة لم تبطل صلاته وإن كان مسيئًا، وأما قولكم: إنه ليس من =
قال القاضي: وعندنا مثل قول أبي حنيفة عن ابن القاسم غير أنها قولةٌ منكرةٌ غير جارية على أصولنا.
واحتج له: بأنه عليه الصلاة والسلام علم ابن مسعود (1) التشهد. وقال: "إذا قضيت هذا فقد تمت صلاتك، فإن شئت فقم، وإن شئت فاقعد".
والجواب: أن هذا مدرج في الحديث كما [نبه](2) الحفاظ.
قال ابن العربي: وكان شيخنا فخر الدين ينشدنا في الدرس.
ويرى الخروج من الصلاة بظرطة
…
أين الضراط من السلام عليكم
= الصلاة، فإنه ينافيها ويخرج منها به. فجوابه: أن السلام من تمامها، وهو نهايتها ونهاية الشيء منه ليس خارجًا عن حقيقته، ولهذا أضيف إليها إضافة الجزء بخلاف مفتاحها، فإن إضافته أضافة مغاير بخلاف تحليلها، فإنه يقضي أنه لا يتحلل منها إلَّا به.
وأما بطلان الصلاة إذا فعله في أثنائها فلأنه قطع لها قبل إتمامها، وإتيان بنهايتها قبل فراغها، فلذلك أبطلها، فالتسليم آخرها وخاتمها، كما في حديث أبي حميد:"ويختم صلاته بالتسليم" فنسبة التسليم إلى آخرها كنسبة تكبيرة الإِحرام إلى أولها، نقول:"الله أكبر" أول أجزائها، وقول:"السلام عليكم" آخر أجزائها، ثم لو سلم أنه ليس جزءًا منها، فإنه تحليل لها لا يخرج منها إلَّا به، وذلك لا ينفي وجوبه، كتحللات الحج، فكونه تحليلًا لا يمنع الإِيجاب، فإن قيل: ولا يقتضي. قيل: إذا ثبت انحصار التحليل في السلام تعين الإِتيان به، وقد تقدم وإن الحصر من وجهين.
(1)
انظر: ت (2) ص (27).
(2)
في الأصل (ينبه)، وما أثبت من ن ب.
ومحل الخلاف في أقل السلام وأكمله، بسطناه في الفقه، فراجعه منه.
وانفرد مالك من بين الأربعة فقال: المشروع تسليمة واحدة (1). وهو قول ضعيف .......................
(1) قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في زاد المعاد (1/ 258): فصل: ثم كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك. هذا كان فعله الراتب رواه عنه خمسة عشر صحابيًا. وهم: عبد الله بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وسهل بن سعد الساعدي، ووائل بن حجر، وأبو موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عمر، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وأبو مالك الأشعري، وطلق بن علي، وأوس بن أوس، وأبو رمثة، وعدي بن عميرة رضي الله عنهم. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، ولكن لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح. وأجود ما فيه حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم: كان يسلم تسليمة واحدة السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا، وهو حديث معلول، وهو في السنن، لكنه كان في قيام الليل، والذين رَوَؤا عنه التسليمتين رَوَوْا ما شاهدوه في الفرض والنقل، على أن حديث عائشة ليس صريحًا في الاقتصار على التسليمة الواحدة، بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة واحدة، يوقظهم بها، ولم تنف الأخرى، بل سكتت عنها، وليس سكوتُها عنها مقدمًا على رواية من حفظها وضبطها، وهم أكثر عددًا وأحاديثهم أصح، وكثير من أحاديثهم صحيح، والباقي حسان. قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسلم تسليمة واحدة من حديث سعد بن أبي وقاص، ومن حديث عائشة، ومن حديث أنس، إلَّا أنها معلولة، ولا يصححها أهل العلم بالحديث. ثم ذكر علة حديث سعد: أن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة. وهذا وهم غلط، وإنما الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره. ثم ساق الحديث من طريق ابن المبارك، عن مصعب بن ثابت، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسلم عن يمنيه وعن شماله حتى كأني انظر إلى صفحة خده. فقال الزهري: ما سمعنا هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إسماعيل بن محمد: أكل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمعته؟ قال: لا، قال: فنصفه؟ قال: لا. قال: فأجعل هذا من النصف الذي لم تسمع. قال: وأما حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة، فلم يرفعه أحدٌ، إلَّا زهير بن محمد وحده عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رواه عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره، وزهير بن محمد ضعيف عند الجميع، كثير الخطأ لا يحتج به. وذكر ليحيى بن معين هذا الحديث. فقال: حديث عمرو بن أبي سلمة وزهير ضعيفان لا حجة فيهما قال: وأما حديث أنس فلم يأت إلَّا من طريق أيوب السختياني عن أنس، ولم يسمع أيوب من أنس عندهم شيئًا. قال: وقد روي مرسلًا عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يسلمون تسليمة واحدة، وليس مع القائلين بالتسليمة غير عمل أهل المدينة، قالوا: وهو عمل قد توارثوه كابرًا عن كابر. ومثله يصح الاحتجاج به، لأنه لا يخفى لوقوعه في كل يوم مرارًا. وهذه طريقة قد خالفهم فيها سائر الفقهاء، والصواب معهم، والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدفع ولا ترد بعمل أهل بلد كائنًا من كان. وقد أحدث الأمراء بالمدينة وغيرها في الصلاة أمورًا استمر عليها العمل، ولم يلتفت إلى استمراره، وعمل أهل المدينة الذي يحتج به ما كان في زمن الخلفاء الراشدين، وأما عملهم بعد موتهم وبعد انقراض عصر مَن بها من الصحابة فلا فوق بينهم وبين =
[عندنا](1).
وشذ بعض الظاهرية والمالكية: فأوجب الثانية، وهو رواية عن أحمد، وهو مخالف لإِجماع من قبله.
[ولا يسلم المأموم عند المالكية: حتى يفرغ الإِمام منها، ويضيف إليها المأموم اثنتين على المشهور عندهم: أولاهما يرد بها على إمامه، والثانية عن يساره إن كان عن يساره أحد.
وقيل: يبدأ منها باليسار.
وقيل: يتخير ولو كان مسبوقًا، ففي رده على الإِمام ومن على يساره روايتان عندهم] (2).
العشرون: في الحديث نقل أقواله وأفعاله وأحواله إلى الأمة كما فعلته عائشة رضي الله عنها.
[الحادي والعشرون](3): فيه افتتاح الصلاة بالتكبير ووجوبه وتعيينه وقد سلف واضحًا.
الثاني والعشرون: فيه وجوب القراءة في الصلاة وأنه بالفاتحة.
وفي الصحيحين (4) من حديث عبادة: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
= عمل غيرهم. والسنة تحكم بين الناس، لا عمل أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وبالله التوفيق. اهـ. انظر أيضًا: شرح مسلم (4/ 215، 216).
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
زيادة من ن ب د.
(3)
في ن ب (الثاني والعشرون)
…
إلخ الأوجه، فيه تقديم على الأصل.
(4)
البخاري (756)، ومسلم (394)، والدارمي (1/ 283)، وأبو عوانة =
الكتاب"، وفي رواية للدارقطني، وقال: إسنادها صحيح: "لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها الرجل بفاتحة الكتاب" (1).
الثالث والعشرون: فيه تسمية السورة [ببعضها](2) وكل سور القرآن في التسمية: كالفاتحة، ثم التسمية بالبعض قد يكون لعظم
لفظه [ومعناه](3). وقد يكون لشهرة قصّته. وقد يكون لعظم [المثوبة](4). وقد يكون لتفخيم ذكر [المنعوت](5) في السورة. وقد يكون لغير ذلك على ما اقتضته التسمية.
الرابع والعشرون: فيه تسوية الظهر في الركوع بحيث يستوي [رأسه](6) ومؤخره وقد مر، وفي الطبراني من حديث أبي برزة الأسلمي (7)
= (2/ 125)، والبيهقي في السنن (2/ 164)، والحميدي (386)، وابن ماجه (837)، والنسائي (2/ 137)، والدارقطني (1/ 321)، والبغوي (576)، وابن خزيمة (488)، وأحمد (5/ 321)، وابن حبان (1786، 1793، 1785، 1792، 1848).
(1)
الدارقطني (1/ 322)، وصححه ابن خزيمة (490) ومعاني الآثار (1/ 216)، ومشكل الآثار للطحاوي (2/ 23)، وأحمد (2/ 457، 478)، وأبو عوانة (2/ 127)، وابن حبان (1789، 1794): إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (وغناه).
(4)
في ن ب (المنبه).
(5)
في ن ب (المبعوث).
(6)
في ن ب (ظهره).
(7)
حديث استواء الظهر: أخرجه أحمد في المسند من رواية علي بن أبي طالب (2/ 215)، قال أحمد شاكر: إسناده ضعيف لجهالة الشيخ =
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ركع لو صب على ظهره ماء لاستقر".
الخامس والعشرون: فيه وجوب الاعتدال إذا رفع رأسه من الركوع بحيث يستوي قائمًا.
السادس والعشرون: فيه وجوب الجلوس بين السجدتين.
السابع والعشرون: فيه وجوب التشهد الأول والأخير وهو مذهب أحمد وأصحاب الحديث.
وقال الشافعي: الأول سنَّة، والثاني فرض.
وقال مالك، وأبو حنيفة والأكثرون: هما سنتان، لكن أوجب أبو حنيفة الجلوس [بقدره](1). والأشهر عن مالك أنه يجب الجلوس
= الذي روى عنه أحمد. وفي المعجم الصغير (1/ 21) من رواية أنس، وفي سنن ابن ماجه من رواية وابصة بن معبد (872)، ورواية أبو برزة الأسلمي في المعجم الكبير، ورواية ابن عباس في المعجم الكبير (12755، 12781)، ومسند أبي يعلى (4/ 335). قال الهيثمي (2/ 126): رجاله موثقون. وفي المعجم الكبير من رواية عقبة بن عامر. قال المناوي: حديث عقبة من طريق الطبراني جيد. قال الهيثمي: رجاله موثقون. ورواه أبو يعلى بسنده كذلك، وجميع هذه الروايات ذكرها صاحب المجمع (2/ 126). وانظر: تمام تخريجه في تلخيص الحبير (1/ 24)، حيث حسن بعض الروايات وذكر الألباني هذه الصفة في الصلاة (130)، وفي بعضها:"إذا سجد"، بدل:"ركع".
(1)
في الأصل (بقدر)، والتصحيح من ن ب.
[بعد](1) السلام فقط. دليل أحمد هذا الحديث مع حديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ويقول ابن مسعود: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" وبقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا صلى أحدكم فليقل التحيات" والأمر للوجوب، لكنه قال في التشهد الأول: إن تركه محمدًا بطلت صلاته، وإن تركه سهوًا أجزأته صلاته، ويسجد للسهو لأنه عليه الصلاة والسلام تركه وجبره به، ونقيسه على واجب الحج في أنه إذا تركه جبر بدم.
لكن الفرق بينهما أن الأصل في الواجب أنه يتعين الإِتيان به، ولا يجوز تركه ولا جبره، جُوِّز في الحج لمشقة العبادة، ولمواساة الفقراء من أهل الحرم، ولدخول النيابة فيه للتخفيف، بخلاف الصلاة فإنها عبادة بدنية لا مشقة فيها، ولا تدخلها النيابة، ولا تكفر بالمال، بل لا بد من الإِتيان بها على كل حال ما دام العقل ثابتًا، حتى في مقابلة العدو وغيره.
واحتج من أوجب الثاني: بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره تركه عمدًا ولا سهوًا، فاقتضى وجوبه: كالركوع والسجود، بخلاف التشهد الأول مع أن التشهد لم يجر له ذكر فيما أعلم [في](2) حديث المسيء صلاته.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في الأصل (من)، والتصحيح من ن ب د.
فيجاب عنه: بأنه كان معلومًا عنده، ولهذا لم يذكر له النية وقد [أجمعنا](1) على وجوبه، ولم يذكر القعود للتشهد، وقد وافق
أبو حنيفة على وجوبه، ولم يذكر السلام. وقد وافق مالك والجمهور على وجوبه.
واعلم أن المحب الطبري نقل في (أحكامه): عن الإِمام أحمد أنه [إن](2) لم يتشهد ومسلم أجزأه، كذا أطلق النقل عنه، وقد عرفت تفصيل مذهبه فيه.
الثامن والعشرون: فيه شرعية الافتراش في جلسات الصلاة، وقد تقدم مستوفى، وكيف قعد جاز، وإنما الخلاف في الأفضل.
التاسع والعشرون: فيه شرعية مخالفة الشيطان في الجلوس في الصلاة وغيرها، ولا شك أن كل حالة من قول أو فعل أو حركة أو سكون أو خطرة أو نظرة أو فكرة مخالفة للشرع، فهي شيطانية لكن بعضها دخل في المجاوزة التي امتن الله بها، وبعضها لم يدخل.
الثلاثون: فيه مخالفة الحيوان كالكلب وغيره في حالة افتراش ذراعيه وغيرها خصوصًا في الصلاة، ولا شك أن الله -تعالى- جبل الحيوانات على أحوال محمودة ومذمومه [فتبين بالشرع](3) محمودًا منها ومذمومًا للاكتساب وللاجتناب، وقد صنف بعض العلماء كتابًا
(1) في ن ب (أجمعا).
(2)
زيادة يقتضيها سياق الكلام.
(3)
في ن ب (فبين الشرع).
في (تفضيل الكلاب على كثير [ممن] (1) لبس الثياب)، [ولنا به](2) سماع متصل. وكل ذلك كرمًا منه سبحانه لتفضيل النوع الإِنساني ليقتدي أو يرتدي.
الحادي والثلاثون: فيه شرعية السلام آخر الصلاة وقد تقدم واضحًا.
الثاني والثلاثون: فيه دليل على أن السلام ركن من أركان الصلاة لقولها: "وكان يختم الصلاة بالتسليم" وليس ذلك [بقوي](3)
الظهور، كما قاله الشيخ تقي الدين.
وادعى الرافعي الاتفاق على ركنيته، وليس كما ادعى، فقد حكى القاضي مجلى: أنه شرط.
الثالث والثلاثون: فيه حجة لمن نكّر السلام، وهو ما صححه الرافعي، وخالف النووي (4)، فصحح المنع، وعلله بأنه لم ينقل لكنه
صحيح إجزاء: "عليكم السلام" ولم ينقل فيما أعلم.
فرع: لم أره منقولًا لو قال "سلم عليكم" -بكسر السين
(1) في ن ب (فمن)، والكتاب قد تم طبعه تأليف محمد بن خلف ابن المرزبان.
(2)
في ن ب (وكتابه).
(3)
في الأصل (القوي)، وصححت لاستقامة المعنى. وفي إحكام الأحكام (2/ 393) بالشديد.
(4)
انظر: المجموع شرح المهذب (3/ 476).
وإسكان اللام- فظاهر كلامهم المنع، لكنها لغة في [السلام](1)، حكاها الخطابي (2).
الرابع والثلاثون: فيه استحباب مجافاة المرفقين عن الجنبين في السجود، لأنه إذا نهى عن افتراش ذراعيه لزم منه رفعهما، فلزم منه مجافاتهما، كما استنبطه بعضهم، ووجه تلازمهما غير ظاهر.
(1) في ن ب (السلم).
(2)
في كتابه "شأن الدعاء"(43).