الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
14/ 3/ 21 - عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم[أنه](1) قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا [عن] (2) الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم"(3).
الكلام عليه من وجوه:
والتعريف بحال ابن عمر تقدم في باب الاستطابة وبحال أبي هريرة تقدم في الطهارة.
الأول: لو ذكر المصنف هذا الحديث والذي بعده في باب
(1) في ن د ساقطة.
(2)
في الأصل (بالصلاة)، وما أثبت من ن ب د، وعليه شرح المصنف.
(3)
البخاري (533، 534، 536)، ومسلم (615)، وأبو داود (402)، والترمذي (157)، والنسائي (1/ 248، 249)، وابن ماجه (678)، والدارمي (1/ 274)، والشافعي (1/ 49)، والطيالسي (2302، 2352)، والحميدي (942)، ومالك (1/ 16)، والبغوي (362، 364)، وابن الجارود (156)، وابن خزيمة (329)، وأحمد (2/ 229، 256، 285، 266، 348، 393، 394،462، 501، 507)، وابن أبي شيبة (1/ 324، 325)، والمصنف (2049).
المواقيت لكانت مناسبته ظاهرة.
الثاني: اشتداد الحر، قوته وسطوعه وانتشاره وغليانه.
الثالث: معنى "أبردوا" أخروا الصلاة إلى البرد، واطلبوه لها، وسيأتي ضابطه.
الرابع: قوله: "عن الصلاة" أي بالصلاة، كما جاء في الرواية الأخرى و"عن" تأتي بمعنى "الباء". قالوا: رميت عن القوس وبالقوس، كما تأتي "الباء" بمعنى "عن" في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)} (1) أي عنه، ومنع بعض أئمة اللغة: رميت بالقوس. ونقل جوازه جماعة كما أوضحته في (التذهيب الذي ذيلته على التحرير) للنووي رحمه الله.
وقد تكون "عن" زائدة أي أبردوا الصلاة، يقال: أبرد فلان كذا إذا فعله في برد النهار.
ويروى: "أبردوا عن الحر في الصلاة" أي أبعدوا بها عن الحر.
الخامس: "فيح" بفتح الفاء وإسكان الياء المثناة تحت وبالحاء المهملة وروى "فوح" بالواو بدل الياء. ذكره ابن الأثير في (نهايته)(2)، ومعناه: أن شدة الحر وغليانه يشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا ضرره.
(1) سورة الفرقان: آية 59.
(2)
(3/ 477).
قال الجوهري (1): يقال: فاح الطيب إذا يفوح، ولا يقال فاحت ريح خبيثة، كذا قال، وليتأمل هذا الحديث مع كلامه هذا.
السادس: قال الأزهري: "الحر" و"الحرور" وهي الحر بالليل والنهار، وأما السموم: فلا يكون إلَّا بالنهار.
قال القاضي عياض في "إكماله"(2): ويحتمل أن يكون "الحرور" أشد من "الحر"، كما أن "الزمهرير" أشد من "البرد".
السابع: الذي يقتضيه مذهب أهل السنة وظاهر الحديث أن شدة الحر من فيح جهنم حقيقة لا استعارة وتشبيهًا وتقريبًا، فإنها مخلوقة موجودة، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال:"اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف"(3) الحديث بطوله.
فائدة: جهنم مأخوذة من قول العرب بئر [جهنام](4) إذا كانت بعيدة القعر، وهذا الاسم أصله الطبقة العليا [و](5) تستعمل في غيرها.
(1) مختار الصحاح (217).
(2)
ذكره بمعناه في إكمال إكمال المعلم (2/ 305).
(3)
البخاري (527، 3260)، ومسلم (617)، والترمذي (2592)، وابن ماجه (4319)، والدارمي (2/ 340)، والبغوي (361)، ومالك (1/ 16)، والبيهقي (1/ 437)، وفي البعث (173، 502)، وأحمد (2/ 238، 462، 277، 503)، وهناد في الزهد (240)، وابن أبي شيبة (13/ 158)، وابن حبان (7466).
(4)
في ن ب د (جهنا).
(5)
في ن ب (أو).
الثامن: "الإِبراد" إنما يشرع في الظهر بشروط مذكورة في كتب الفقهاء بسطتها في (شرح المنهاج) وغيره، وظاهر الحديث منها اشتراط شدة الحر فقط.
وقال أشهب المالكي: يشرع في العصر أيضًا، وخالف جميع العلماء ففي صحيح البخاري (1) من حديث أبي سعيد:"أبردوا بالظهر" وقال أحمد: يؤخر العشاء أيضًا في الصيف دون الشتاء، وعكس [[ابن](2) حبيب لقصر الليل في الصيف وطوله في الشتاء] (3).
وقلت: ومفهوم الحديث عدم الإِبراد في الشتاء والأيام غير الشديدة الحر مطلقًا، وخالف في ذلك مالك كما سيأتي.
التاسع: اختلف في مقدار وقته فنقل الشيخ تقي الدين (4): عن بعض مصنفي الشافعية أن الإِبراد. أن يؤخر الصلاة عن أول الوقت
مقدار ما يظهر للحيطان ظل، ولا يحتاج إلى المشي في الشمس.
ونقل عن المالكية: أنه يؤخر الظهر في الحر إلى أن يصير الفيء أكثر من ذراع (5).
(1) البخاري (538، 3259).
(2)
الكلمة في الأصل غير واضحة، ولعلها تكون كذلك.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
إحكام الأحكام (2/ 482).
(5)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 20): وقد اختلف العلماء. في غاية الإِبراد، فقيل: حتى يصير الظل ذراعًا بعد ظل الزوال، ويل: ربع قامة، وقيل: =
قلت: ونقل [القاضي](1) أن ظاهر قول مالك أو نصه أن الإِبراد تأخير الظهر إلى أن يكون الفيء ذراعًا، وسوّى في ذلك بين الصيف والشتاء فقال: أحب [إليَّ](2) أن يصلي الظهر في الصيف والشتاء والفيء ذراع قال: وما عزاه الشيخ تقي الدين للمالكية
مخالف لقول مالك في شيئين: الأكثرية، وتخصيص الحر دون الشتاء فلينظر ذلك.
وقال ابن الرفعة: ظاهر النص أن المعتبر أن ينصرف منها قبل آخر الوقت.
قلت: ويؤيده حديث أبي ذر أن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤذن وكان في سفر، فقال له:"أبرد قال: حتى ساوى الظل التلول" رواه البخاري (3)، وحكى الزناتي المالكي أنه: هل ينتهي إلى نصف القامة أو إلى ثلثيها أو إلى ثلاثة أرباعها أو إلى مقدار أربع ركعات فيه أربعة أقوال.
= ثلثها، وقيل: نصفها، وقيل: غير ذلك، ونزلها المازري، على اختلاف الأوقات، والجاري على القواعد أنه يختلف باختلاف الأحوال، لكن يشترط أن لا يمتد إلى آخر الوقت.
(1)
في ن ب (الفاكهي).
(2)
زيادة من ن د ب.
(3)
البخاري (535، 539، 629، 3258)، ومسلم (616)، والترمذي (158)، وأبو داود (401)، وابن خزيمة (328)، والطيالسي (445)، وأحمد (5/ 155، 162، 176)، والطحاوي في معاني الآثار (1/ 186)، والبغوي (363).
قال [المازري](1): والأقوال منزَّلة على أحوال: فقد يشتد الحر ولا يمتد وقد يمتد مع ذلك، وقد يشتمل المكان على برودة ينكسر فيه الحر. فإطلاق الأقوال مع اختلاف الأحوال خطأ.
العاشر: اختلف الفقهاء في الإِبراد [في](2) الصلاة، فمنهم من لم يره وتأول قوله عليه الصلاة والسلام:"أبردوا بالصلاة"(3) بمعنى: أوقعوها في برد الوقت، وهو أوله، وبرد النهار أوله، وبرداه طرفاه، وهما برداه: والجمهور على القول به ثم اختلفوا.
فقيل: إنه عزيمة.
وقيل: رخصة.
(1) في الأصل (الماوردي)، والتصحيح من ن ب د، ومن فتح الباري (2/ 20).
(2)
في الأصل (هو)، وما أثبت من ن ب د.
(3)
قال ابن القاسم في حاشية الروض (1/ 469): واختلف العلماء في المعنى الذي لأجله أمر بالإِبراد، فمنهم من قال: هو حصول الخشوع فيها، فلا فرق بين من يصلي وحده وفي جماعة، ومنهم من قال خشية المشقة على من بعد عن المسجد بمشيه في الحر، فيختص بالصلاة في مساجد الجماعات، التي تقصد من الأمكنة المتباعدة، ومنهم من قال: هو نفس توهج النار فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة. قال ابن رجب: هو المقدم، وثبت من حديث أبي ذر البخاري (539): الإِبراد، وكانوا مجتمعين. قال الحافظ: والحكمة دفع المشقة لكونها قد تسلب الخشوع، أو كونها الحالة التي ينشر فيها العذاب، فإنها تسجر فيها جهنم.
والقائلون بأنه عزيمة: اختلفوا فمنهم من قال: إنه سنة.
ومنهم من قال: إنه واجب. حكاه القاضي.
وينبني على ذلك أن من صلى في بيته أو مشى في كن إلى المسجد، هل يسن له الإِبراد؟
إن قلنا: رخصة لم يسن له، إذ لا مشقة عليه في التعجيل.
وإن قلنا: سنة أبرد وهو الأقرب لورود الأمر به مع ما اقترن به من العلة من أن شدة الحر من فيح جهنم، وذلك مناسب للتأخير والأحاديث الدالة على التعجيل، وفضيلته عامة أو مطلقة وهذا خاص فلا مبالاة مع صيغة الأمر ومناسبة العلة بقول من قال: التعجيل أفضل لأنه أكثر مشقة، فإن مراتب الثواب إنما يرجع فيها إلى النصوص، وقد ترجح بعض العبادات الخفيفة على ما هو أشق منها بحسب المصالح المتعلقة بها.
قلت: والأصح عندنا أن الإِبراد سنة. نعم نص في البويطي على أنه رخصة [وصحح](1) الشيخ أبو علي كما نقله عنه ابن الصلاح في (مشكله)، وأما النووي فوصفه في (روضته)(2) بالشذوذ، لكنه لم يحكه قولًا، ويؤيده حديث خباب الآتي (3).
الحادى عشر: اختلف أصحابنا في الإِبراد [بالجمعة](4) على وجهين:
(1) في ن ب د (وصححه).
(2)
روضة الطالبين (1/ 184).
(3)
فتح الباري (2/ 16). سيأتي تخريجه.
(4)
في ن ب (الجملة).
أصحهما: عند جمهورهم لا يشرع، وهو مشهور مذهب مالك أيضًا فإن التبكير سنة فيها.
وقال بعضهم: يشرع لأن لفظة الصلاة في الحديث تطلق على الظهر والجمعة [والتعجيل](1) مستمر فيها، وصححه العجلي.
والجواب عن تعليل الجمهور: بأنه قد يحصل التأذي بحر المسجد عند انتظار الإِمام لكن قد ثبت في الصحيح (2) أنهم "كانوا يرجعون من صلاة الجمعة وليس للحيطان فيء يستظلون به" من شدة التبكير بها أول الوقت [فدل](3) على عدم الإِبراد بهذا.
الثاني عشر: عورض هذا الحديث بحديث خباب في صحيح مسلم "شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا"(4) والجواب عنه من أوجه:
(1) في التعجيل وفي ن ب د (التعليل).
(2)
فتح الباري (2/ 389)، والبخاري (4168)، باب: في غزوة الحديبية، ومسلم (860)، وأبو داود (1085) في الصلاة، والنسائي (3/ 100)، وابن ماجه (1100)، وابن خزيمة (1839)، والدارقطني (2/ 18)، وأحمد (4/ 46)، والدارمي (1/ 363)، والسنن للبيهقي (3/ 191).
(3)
في الأصل (قدم)، وما أثبت من ن ب د.
(4)
مسلم (619)، والنسائي (1/ 247)، والحميدي (152، 153)، والطيالسي (1052)، وأحمد (5/ 108، 110)، والبيهقي في السنن (1/ 438، 439)، والبغوي (358)، وعبد الرزاق (2055)، وابن أبي شيبة (1/ 323، 324).
أحدها: نسخه لأنهم لما شكوا ذلك كانوا بمكة وحديث الإِبراد بالمدينة فإنه من رواية أبي هريرة.
ثانيها: أن يجمع بينهما فيحمل حديث خباب على الأفضل وحديث الإِبراد على الرخصة والتخفيف في التأخير.
ثالثها: أن يجمع بينهما أيضًا بأن الإِبراد سنة للأمر به والتعليل ويحمل حديث خباب أنهم طلبوا تأخيرًا زائدًا على قدر الإِبراد الذي ذكرناه أولًا، وفي هذا نظر، كما أسلفته في الكلام على الحديث الثالث من باب المواقيت فراجعه منه.