المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 122/ 2/ 22 - عن عبد الرحمن بن أبي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٣

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌15 - باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌16 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌[الحديث الأول]

- ‌17 - باب وجوب القراءة في الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌18 - باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌19 - باب سجود السهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌20 - باب المرور بين يدي المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌21 - باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌22 - باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌23 - باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 122/ 2/ 22 - عن عبد الرحمن بن أبي

‌الحديث الثاني

122/ 2/ 22 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"(1).

الكلام عليه من ستة وعشرين وجهًا:

(1) البخاري (3370، 4797، 6357)، ومسلم (406، 66، 67)، وأبو داود (976، 977، 978) في الصلاة، والنسائي (3/ 47، 48) في السهو، باب: كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عمل اليوم والليلة (54، 359)، وابن ماجه (904)، والترمذي (483) في الصلاة، وأبو عوانة (2/ 231، 232، 233،)، وأحمد (4/ 241، 244)، والدارمي (1/ 309)، وابن الجارود (206)، والطيالسي (1061)، والبغوي (861)، والبيهقي (2/ 147، 148)، وابن حبان (912، 1957، 1964)، والحميدي (711، 712)، والطبراني في الكبير (19/ 123 إلى 132)، والصغير (193).

ص: 448

الأول: التعريف [بصحابيه](1) وهو كعب بن عجره -بضم العين وإسكان الجيم رضي الله عنه أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله.

ويقال: أبو إسحاق، وهو من بني سالم بن عوف.

وقيل: من غيرهم شهد بيعة الرضوان مات سنة اثنتين أو إحدى وخمسين.

ثانيها: التعريف بالراوي عنه، وهو أبو عيسى، عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، الإِمام التابعي الجليل الثقة أنصاري أوسي، والد القاضي محمد الضعيف، واسم أبيه يسار على الأصح. حضر حلقة عبد الرحمن جماعة من الصحابة، يستمعون لحديثه، وينصتون له منهم البراء بن عازب. وقال: أدركت عشرين ومائة من الصحابة كلهم من الأنصار إذا سئل أحدهم عن شيء أحب أن يكفيه صاحبه.

[ولد](2) في أثناء خلافة عمر بالمدينة.

قيل: لِسِتٍّ بقين منها.

وقيل: لِسِتٍّ [مضين](3). وروى عنه وعن الخليفتين بعده وخلق من الصحابة والتابعين. وأبوه أبو ليلى صحابي، لم يرو عنه

(1) في ن ب (صحابته).

(2)

في ن ب (وكذا).

(3)

في ن د (مضتن).

ص: 449

غير ابنه عبد الرحمن هذا استعمل الحجاج عبد الرحمن على القضاء، ثم عزله، ثم ضربه ليسب عليًّا، فكان يورِّي، فُقد بالجماجم،

وقيل: غرق مع ابن الأشعث ليلة دُجَيْل (1) سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين.

ثالثها: "الهدية" واحدة الهدايا: كعطية وعطايا، وهي اسم.

والمصدر: [إهدا](2) يقال: [أهديت](3) له وإليه والمِهدَى -بكسر الميم- ما يهدى فيه: كالطبق ونحوه، ولا يسمى الطبق

مِهدًا، إلَّا وفيه ما يهدى، والمُهدي: الذي عادته الهدية. والهدية: ما يتقرب به إلى المُهدَي إليه توددًا وإكرامًا، زاد فيه بعضهم من غير قصد عوض دنيوي، بل لقصد ثواب الآخرة، وأكثر ما يستعمل في المأكول والمشروب والملبوس، وقد يجوز بها في العلوم اللفظية والمعنوية الشرعية كما في هذا الحديث.

رابعها: فيه إضمار كأن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال له: نعم، فقال كعب: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فذكر الحديث.

خامسها: يجوز في إن الكسر على الاستئناف، والفتح على البدل من الهدية [فذكر الحديث](4)، وأن تكون في محل رفع على

(1) العبر في خبر من غير للذهبي (1/ 70)، وتهذيب التهذيب (6/ 261)، ومعجم البلدان لياقوت (2/ 443).

(2)

في ن ب (هذا).

(3)

في ن ب (اهديه).

(4)

زيادة من ن ب.

ص: 450

إضمار مبتدأ، تقديره وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم.

سادسها: قوله "فقلنا: يا رسول الله" الظاهر فيه سؤال بعضهم لا كلهم، ففيه التعبير بالكل عن البعض، وهو أحد أنواع المجاز، ويبتعد جدًّا انفراد كعب به وأنه أتى بالنون التي للجمع تعظيمًا لنفسه، وإن كان عظيمًا، بل لا يجوز ذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام:"قولوا" ولو كان واحدًا لم يقل [له](1) قولوا [إذ لا يعهد ذلك من كلامه عليه الصلاة والسلام في غير السلام.

سابعها] (2): فيه الابتداء بالتعليم من غير طلب التعلم لذلك، كما هو ظاهر الحديث.

ثامنها] (3): فيه ابتداء التعليم باستفتاح كلام يحملهم على أخذه بقبول.

تاسعها: فيه أخذ العلم تؤدة أي شيئًا فشيئًا ليفهم ويعمل به فإذا علمه أخبر العالم بأنه فهمه وعلمه، وسأله عن غيره، فإن الصحابة قالوا:"قد علمنا كيف نسلم [عليك] (4)، فكيف نصلي؟ ".

عاشرها: قوله: "فكيف نصلي عليك؟ "، قال القاضي عياض (5): حكم من خوطب بأمر محتمل لوجهين أو مجمل لا يفهم

(1) زيادة من ن ب د.

(2)

زيادة من ن ب د.

(3)

في الأصل (سابعها)

إلخ المسائل، والتصحيح من ن ب د.

(4)

زيادة من ن ب د.

(5)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (2/ 163).

ص: 451

مراده أو عام يحتمل الخصوص أن يسأل أو يبحث إذا أمكنه ذلك، واتسع [له](1) الوقت للسؤال إذ لفظ الصلاة الواردة في القرآن يحتمل لأقسام معاني لفظ الصلاة من الرحمة والدعاء والثناء.

وقد قيل: صلاة الله عليه: ثناؤه عليه عند الملائكة. ومن الملائكة دعاء (2).

وقيل: هي من الله: رحمة.

ومن الملائكة: رقة ودعاء بالرحمة.

وقيل: هي من الله لغير النبي: رحمة. وللنبي تشريف وزيادة تكرمة.

وقيل: هي من الله وملائكته: تبريك.

ومعنى يصلون: يبرِّكون (3) فيحتمل أن الصحابة سألوا عن

(1) في الأصل (عليه)، وما أثبت من ن ب د.

(2)

هذا التفسير علقه البخاري في صحيحه (8/ 532)، بصيغة الجزم عن أبي العالية، ووصله إسماعيل القاضي في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 80).

(3)

ذكره ابن حجر في الفتح (8/ 532): عن ابن عباس، ووصله ابن جرير في تفسيره عنه (22/ 34)، وهو معنى كلام أبي العالية: يبركون على النبي، أي: يدعون بالبركة، لكنه أخص منه.

فائدة: قال ابن حجر في الفتح (8/ 533) وقد سئلت عن إضافة الصلاة إلى الله دون السلام وأمر المؤمنين بها وبالسلام. فقلت: يحتمل أن يكون السلام له معنيان التحية والانقياد، فأمر بها المؤمنون لصحتهما منهم. والله وملائكته لا يجوز منهم الانقياد فلم يضف إليهما دفعًا للإِيهام. =

ص: 452

المراد بالصلاة لاشتراك هذه اللفظة. وإلى هذا ذهب بعض المشائخ في معنى سؤالهم في هذا الحديث.

وقد اختلف [الأصوليون](1) في الألفاظ المشتركة إذا وردت مطلقة. فقيل: يحمل على عموم مقتضاها من جميع معانيها ما لم يمنع مانع.

وقيل: يحمل على الحقيقة دون ما تجوز به وإليه نحا القاضي أبو بكر.

وذهب بعض المشائخ: إلى أن سؤالهم عن صفة الصلاة لا عن جنسها لأنهم لم يؤمروا بالرحمة ولا هي لهم، وأن ظاهر أمرهم بالدعاء وإليه نحا الباجي. قال القاضي (2): وهو أظهر في اللفظ، وإن كانت الصلاة كما قدمنا مشتركة اللفظ، والخلاف في معنى (3)

= تنبيه: قولهم: إن معنى الصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة رقة ودعاء بالرحمة. قال ابن حجر في الفتح (11/ 156): وتعقب بأن الله غاير بين الصلاة والرحمة في قوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} وكذلك فهم الصحابة المغايرة من قوله -تعالى-: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} حتى سألوا عن كيفية الصلاة مع تقدم ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ: "السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته"، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة، لقال لهم: قد علمتم ذلك في السلام.

(1)

في ن ب (الأولون). انظر تقريب الوصول إلى علم الأصول (103).

(2)

إكمال إكمال المعلم (2/ 163).

(3)

في ن ب زيادة (في).

ص: 453

الصلاة من الله -تعالى- والملائكة موجود، ويعضده السؤال بكيف التي تقتضي الصفة لا الجنس الذي يسأل عنه بما، وسؤالهم هنا عن الصلاة يحتمل أن يراد به الصلاة في غير الصلاة أو في الصلاة وهو الأظهر.

قلت: وسيأتي ما يؤيده (1).

الحادي عشر: اختلف في الآل على أقوال ذكرتها في شرح الخطبة فراجعها منه. ومذهب الشافعي أنهم بنو هاشم وبنو المطلب.

واختار المحققون: أنهم جميع الأمة (2).

(1) قال ابن حجر في الفتح (11/ 155): واختلف في المراد بقولهم: "كيف" قيل: المراد السؤال عن معنى الصلاة المأمور بها بأي لفظ تؤدى، وقيل عن صفتها. قال عياض: لما كان لفظ الصلاة المأمور بها في قوله -تعالى-: {صَلُّوا عَلَيْهِ} يحتمل الرحمة والدعاء والعظيم سألوا بأي لفظ تؤدى هكذا قال بعض المشائخ، ورجح الباجي أن السؤال إنما وقع عن صفتها لا عن جنسها، وهو أظهر لأن لفظ:"كيف" ظاهر في الصفة، وأما الجنس فيسأل عنه بلفظ "ما"، وبه جزم القرطبي، فقال: هذا سؤال من أشكلت عليه كيفية ما فهم أصله، وذلك أنهم عرفوا المراد بالصلاة فسألوا عن الصفة التي تليق بها ليستعملها. انتهى.

(2)

قال شيخ الإِسلام في الفتاوى (22/ 460)، في تفسير الآل: اختلف في ذلك على قولين:

أحدهما: أنهم أهل بيته الذين حرموا الصدقة، وهذا هو المنصوص عن الشافعي وأحمد، وعلى هذا ففي تحريم الصدقة على أزواجه وكونهم من أهل بيته روايتان عن أحمد:

أحداهما: لسن من أهل بيته، وهو قول زيد بن أرقم الذي رواه مسلم في =

ص: 454

وأما آل إبراهيم فقال في (الكشاف): هم إسماعيل وإسحاق [ويعقوب](1) وأولادهما.

الثاني عشرة: اختلف في أصل الآل أيضًا كما أوضحته هناك

= صحيحه عنه.

الثانية: هن من أهل بيته، لهذا الحديث فإنه قال:"وعلى أزواجه وذريته"، وقوله:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} ،

وقوله في قصة إبراهم: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} ، وقد دخلت سارة، ولأنه استثنى امرأة لوط من آله، فدل على دخولها في الآل، وحديث الكسا يدل على أن عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا أحق بالدخول في أهل البيت من غيرهم، إلى أن قال: وكما أن أزواجه داخلات في آله وأهل بيته، كما دل عليه نزول الآية وسياقها، وقد تبين أن دخول أزواجه في آل بيته أصح، إلى أن قال: وعلى هذا القول فآل المطلب هل هم من آله، ومن أهل بيته الذين تحرم عليهم الصدقة؟ على روايتين عن أحمد: إحداهما: أنهم منهم، وهو قول الشافعي.

الثانية: ليسوا منهم، وهو مذهب أبي حنيفة.

والقول الثاني: أن آل محمد هم أمته أو الأتقياء منهم من أمته، وهذا روي عن مالك إن صح، وقاله: طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم.

فائدة: حديث: أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن آل محمد فقال: "كل مؤمن تقي" هذا الحديث موضوع لا أصل له. اهـ، من الفتاوى لشيخ الإِسلام (22/ 462).

وقال ابن حجر في الفتح (11/ 161): أخرجه الطبراني، ولكن سنده واه جدًّا، وأخرجه البيهقي عن جابر نحوه من قوله بسند ضعيف -أي من قول جابر-.

(1)

ساقطة من ن ب د.

ص: 455

فراجعه منه أيضًا، والصحيح: أن أصله أهل [لا أول](1) بدليل رجوع الهاء في تصغيره قالوا: أهيل (2)، وخص آل بالتعظيم دون أهل، لأن الألف ممدودة [والهاء مهموسة](3) فناسب ذلك، نبه عليه الفاكهي، وأورد آل فرعون فإنه رذيل.

وأجاب: بأنه جاء على ما عهدوا من تعظيمه، أو أنه على طريقة التهكم.

الثالث عشر: صيغة الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام: "قولوا" ظاهرهُ [في](4) الوجوب، وقد اتفق العلماء على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لكن اختلفوا، فالأكثر على وجوبها في العمر مرة: كالشهادتين.

(1) زيادة من ن د ب.

(2)

قال شيخ الإِسلام (22/ 461): سبب ذلك أن لفظ "الآل" أصله أول، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، فقيل: آل ومثله باب وناب، وفي الأفعال قال: وعاد ونحو ذلك، ومن قال: أصله أهل فقلبت الهاء ألفًا فقد غلط، فإنه قال: ما لا دليل عليه، وادعى القلب الشاذ بغير حجة، مع مخالفته للأصل. وأيضًا فإن لفظ الأهل يضيفونه إلى الجماد وإلى غير المعظم كما يقولون: أهل البيت، وأهل المدينة، وأهل الفقير، وأهل المسكين. وأما الآل فإنما يضاف إلى معظم من شأنه أن يؤول غيره، أو يسوسه فيكون مآله إليه، ومنه الإِيالة: وهي السياسة، فآل الشخص هم من يؤوله ويؤول إليه، فلهذا كان لفظ آل فلان متناولًا له، ولا يقال هو مختص به، بل يتناوله ويتأول من يؤوله.

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

زيادة من ن ب د.

ص: 456

واختار الطحاوي، والحليمي: وجوب الصلاة عليه كلما ذكر.

وقال الشافعي وأحمد: هي [واجبة](1) في التشهد الأخير عقبه قبل السلام. وهو مروي عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله رضي الله عنهما. وهو [قول](2) الشعبي، وقد نسب الشافعي جماعة في وجوبها في التشهد الأخير إلى مخالفة الإِجماع منهم

الخطابي (3) والبغوي (4).

وقال ابن الصلاح: هو كالمنفرد بذلك، وهو غير صحيح. فإن الشعبي تابعي صغير، وهو من الفقهاء المعتد بقولهم، وخلافه ليس

معه إجماع، كيف وهو منقول عن عمر وابنه.

قال البيهقي: [وروي](5) معناه عن الحجاج بن أرطأة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين.

[وقال إسحاق: إن تركها عمدًا بطلت أو سهوًا فلا](6)، وجعل من نسب الشافعي إلى مخالفة الإِجماع في ذلك أن قول أحمد

وإسحاق في الوجوب على سبيل التبعية والتقليد للشافعي لا استقلالًا، لكن الظاهر أن الشعبي تقدمهما بذلك، وقد حكاه

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

زيادة من ن ب د.

(3)

معالم السنن (1/ 454).

(4)

شرح السنة (3/ 185).

(5)

في ن ب د (روينا).

(6)

زيادة من ن ب د.

ص: 457

القاضي عياض في "إكماله" عن بعض أصحاب مالك البغداديين.

نعم مشهور مذهب مالك أنه يتأكد استحبابها في التشهد الأخير.

وحكي عن الكرخي أنه قال بالوجوب في صلاة واحدة.

وحكى صاحب (الحاوي) عنه أنه قال: بالوجوب في غير الصلاة، ووقع في كلام صاحب "الإِقليد" أنه لا قائل بالوجوب في صلاة واحدة. وقد علمت قائله.

الرابع عشر: ليس في الحديث تنصيص على أن هذا الأمر مخصوص بالصلاة، وقد استدل الفقهاء كثيرًا على وجوبها في الصلاة بأنها واجبة بالإِجماع ولا تجب في غيرها بالإِجماع، فتعين وجوبها فيها وهو ضعيف جدًا، كما قال الشيخ تقي الدين (1): لأن

قولهم لا تجب في غير الصلاة بالإِجماع إن أرادوا به عينًا فهو صحيح، لكنه لا يلزم منه أن يجب في الصلاة عينًا لجواز أن يكون

الواجب مطلق الصلاة، فلا يجب واحد من [المعنيين](2)، أعني خارج الصلاة وداخلها، وإن أرادوا أعم من ذلك، وهو الوجوب

المطلق فممنوع.

قلت: وهي تجب أيضًا في خطبة الجمعة، فقولهم: لا تجب من غير الصلاة بالإِجماع ممنوع، والأمر أيضًا لا يفيد التكرار، نعم

(1) إحكام الأحكام (3/ 15).

(2)

في ن ب (المعينين).

ص: 458

[استدل](1) على وجوبها في الصلاة برواية صحيحة من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي

رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فقال: يا رسول الله! أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ قال: قولوا: "اللهم صل على محمد" الحديث، رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما واحتجا بها على الوجوب، وهو في صحيح مسلم (2) بدون:"إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا"[قال: "قولوا: اللهم صل على محمد"، الحديث رواه ابن حبان (3) والحاكم (4)](5). قال الحاكم: وهي زيادة صحيحة (6) واحتجا أيضًا في صحيحيهما بحديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي لم يحمد الله، ولم يمجده، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"عجل هذا" ثم دعاه فقال: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه

(1) في ن ب د (يستدل).

(2)

مسلم (405).

(3)

ابن حبان (1958).

(4)

الحاكم (1/ 268)، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وابن خزيمة (711)، والدارقطني (1/ 354، 355)، والبيهقي في السنن (2/ 146، 147، 148)، وأحمد (4/ 199)، وأبو داود (981) في الصلاة، باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، والطبراني في الكبير (17/ 698)، وأصل الحديث في مسلم (405).

(5)

في ن ب د ساقطة.

(6)

في ن د حاشية وقع في ح أنها في هذا الحديث وهو وهم، فالطريقان مختلفان. اهـ.

ص: 459

والثناء عليه، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليدع بعد بما شاء". قال الحاكم: صحيح (1) الإِسناد على شرط [الشيخين](2) وهذان الحديثان وإن اشتملا على ما لا يجب بالإِجماع: كالصلاة على الآل والذرية والدعاء فلا يمتنع الاحتجاج بهما، فإن الأمر للوجوب، فإذا خرج بعض ما تناوله الأمر عن الوجوب بدليل بقي الباقي على الوجوب.

الخامس عشر: كل لفظ أمرنا بالإِتيان به على صيغة من الشارع يجب في العمل به مراعاة لفظه (3)، ولا يجوز الإِتيان بمعناه (4)،

(1) الحاكم (1/ 230، 268)، ووافقه الذهبي، وأحمد (6/ 18)، وأبو داود (1481) في الصلاة، باب: الدعاء، والترمذي (3476، 3477)، والنسائي (3/ 44)، وابن حبان (1960)، وصححه ابن خزيمة (709، 710)، والبيهقي في السنن (2/ 147، 148)، والطبراني في الكبير (18/ 791، 793)، والطحاوي في المشكل (3/ 76، 77).

(2)

في ن ب د (مسلم).

(3)

قال ابن حجر في الفتح (11/ 155): وعدلوا عن القياس لإِمكان الوقوف عن النص، ولا سيما في ألفاظ الأذكار، فإنها تجيء خارجة عن القياس غالبًا، فوقع الأصل كما فهموا، فإنه لم يقل لهم: قولوا: الصلاة عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته. ولا قولوا: الصلاة والسلام عليك

إلخ بل علمهم صيغة أخرى.

(4)

الأدب المفرد (223)، وابن حبان (987)، وتحفة الأبرار (75)، وتلخيص الحبير (1/ 273)، والبدر المنير (1/ 147) عارضه الأحوذي، وشرح رسالة ابن أبي زيدون (2/ 105)، والقول البديع (136)، وحادي الأنام في الصلاة على غير الأنام، والفتح (11/ 59). =

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أقول وبالله التوفيق: ومنه استمد العون والتسديد بعد ذكر المراجع التي ذكرت هذه المسألة بالتفصيل ونقل الأدلة: فإن المصنف رحمه الله وافق ابن أبي زيد في إطلاق الترحم على النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ابن العربي في عارضة الأحوذي والقبس: ومعلوم أن العلماء متفقون على عدم جواز إطلاق الرحمة بدلًا عن الصلاة في التشهد إلَّا من شذ منهم، ولكن الخلاف في غير التشهد، فإليك أقوالهم:

قال النووي رحمه الله في شرحه لمسلم (4/ 126): قال القاضي: ولم يجىء في هذه الأحاديث ذكر الرحمة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع في بعض الأحاديث الغريبة، قال: واختلف شيوخنا في جواز الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة، فذهب بعضهم وهو اختيار أبي عمر بن عبد البر إلى أنه لا يقال: وأجازه غيره، وهو مذهب أبي محمد بن أبي زيد حجة

الأكثرين تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيها ذكر الرحمة، والمختار أنه لا تذكر الرحمة.

وقال أيضًا في الأذكار (80): وما قاله بعض أصحابنا وابن أبي زيد المالكي من استحباب زيادة على ذلك: وارحم محمدًا وآل محمد. فهذا بدعة لا أصل لها.

ونقل السخاري في القول البديع (70، 72) عن ابن دقيق العيد: أن الصلاة من الله مفسرة بالرحمة ومقتضاه أن يقال: اللهم ارحم محمدًا. لأن المترادفين إذا استويا في الدلالة قام كل واحد منهما مقام الآخر، ثم ساق كلام ابن حجر من الفتح (11/ 159).

ثم قال: وسبقه إلى الجواز: يعني ابن حجر، شيخُنا المجد اللغوي فإنه قال الذي أقوله: إن الدلائل قائمة على جواز ذلك، وممن صرح بجواز ذلك أبو القاسم الأنصاري مضافًا إلى الصلاة لا يجوز فردًا، ووافقه على ذلك ابن عبد البر والقاضي عياض في الإِكمال. ونقله عن الجمهور، وقال =

ص: 461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= القرطبي في المفهم: إنه الصحيح لورود الأحاديث به، واعتذر السخاوي عن ابن أبي زيد فقال: لعل ابن أبي زيد كان يرى أن هذا من فضائل الأعمال التي يتساهل فيها بالحديث الضعيف لاندراجه في العمومات، فإن أصل الدعاء بالرحمة لا ينكر، واستحبابه في هذا المحل الخاص، ورد فيه ما هو مضعف فيتساهل في العمل به، أو يكون صح عنده بعضها، والأثر الذي يرى السخاوي أنه قد يكون صح عند ابن أبي زيد: رواه البخاري في الأدب المفرد (223)، عن أبي هريرة.

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 273): وقد وردت هذه الزيادة في الخبر -أي ذكر الرحمة في التشهد- وإذا صحت في الخبر صحت في اللغة. ثم ساق رواية أبي هريرة، وروى الحاكم في المستدرك (1/ 269)، عن ابن مسعود بإسناد فيه رجل لم يسمّ نحو حديث أبي هريرة، والحديث ضعيف لجهالة أحد رواته، كما قاله ابن حجر في التلخيص (1/ 274).

وقال الحافظ في الفتح (11/ 159) بعد نقله كلام ابن العربي وإنكاره على ابن أبي زيد، فإن كان إنكاره لكونه لم يصح فمسلم، وإلَّا فدعوى من ادعى أنه لا يقال:"ارحم محمدًا" مردود لثبوت ذلك في عدة أحاديث أصحها في التشهد: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، ثم وجدت لابن أبي زيد مستندًا، فقد أخرج الطبري في تهذيبه، من طريق حنظلة بن علي عن أبي هريرة رفعه:"من قال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم: شهدت له يوم القيامة، وشفعت له"، ورجال سنده رجال الصحيح إلَّا سعيد بن سليمان مولى سعيد بن العاص الراوي له عن حنظلة بن علي فإنه مجهول فالذي ترجحه الأدلة جواز ذلك في الدعاء له صلى الله عليه وسلم بالرحمة على سبيل التبعية لذكر الصلاة والسلام، كما رجحه السيوطي في تحفة الأبرار. =

ص: 462

فالصلاة من الله -تعالى- معناها: الرحمة، كما سلف مع الخلاف فيه، فإذا قلنا: اللهم صل على محمد. فكأنا سألنا الله -تعالى-

الرحمة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا يسقط الأمر بقولنا: اللهم ارحم محمدًا، أو اللهم ترحّم على محمد دون الصلاة ولا بقولنا: اللهم صلِّ على أحمد. كما صححه النووي في (التحقيق).

وقد وردت الرحمة مع الصلاة والتبريك في بعض الأحاديث الغريبة (1)، كما قال القاضي:

= وانظر: المبحث كاملًا فيه (75 - 83).

وقال العراقي في شرح الترمذي: وفي إنكار جواز الدعاء له بالرحمة نظر، فقد ثبت في التشهد:"السلام عيك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، ففي هذا الدعاء له بالرحمة، وقد ثبت في صحيح البخاري (220) في قصة الأعرابي:"اللهم ارحمني ومحمدًا"، ومن أنكر الإِتيان بهذا اللفظ في التشهد فليس مدركه في ذلك أن الدعاء به له ممتنع، ثم قال: ويجوز أن يترحم عليه في كل وقت، وإنما مستدركه أن هذا باب اتباع وتعبد فيقتصر فيه على المنصوص، وتكون الزيادة بدعة، ثم ساق حديث ابن مسعود المخرج في المستدرك (1/ 269)، وقال: فهذا أصح ما ورد في ذكر الرحمة في التشهد.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمنا الله وإياه- في شروط الصلاة (38): السلام عليك أيها النبي ررحمة الله وبركاته، تدعو للنبي صلى الله عليه وسلم بالسلامة والرحمه والبركة والذي يدعى له ما يدعى. اهـ.

وانظر إلى قول ابن حجر في تلخيص الحبير (1/ 274).

(1)

ذكره عنه النووي في شرح مسلم (4/ 126). وإكمال إكمال المعلم (2/ 165).

ص: 463

واختلف علماء المالكية في قول ذلك.

فقال بعضهم: لا يقال وهو اختيار ابن عبد البر وأجازه بعضهم وهو مذهب محمد بن أبي زيد وصححه القرطبي (1)، قال: فقد

[جاء](2) ذلك في أحاديث كثيرة.

وقال النووي في "شرح مسلم"(3): المختار أنه لا يذكر الرحمة لأنه عليه الصلاة والسلام علمهم الصلاة عليه بدونها وإن كان معناها الدعاء له بالرحمة فلا يفرد بالذكر.

قلت: وقول القاضي عياض: أن ذكر الرحمة وردت في بعض الأحاديث الغريبة عجيب. وقد أقره النووي وغيره عليه، وقد صح

في حديث كما ذكرته في تخريجي لأحاديث الرافعي فراجعه منه. ووقع في (الأذكار)(4) للنووي أيضًا: أن هذا بدعة لا أصل لها أعني قوله: وارحم محمدًا وآل محمد، قال: وقد بالغ ابن العربي في (شرح الترمذي) في إنكار ذلك وتخطئة ابن أبي زيد وتجهيل فاعله.

قلت: ومع صحة الحديث به زال هذا.

السادس عشرة: الصلاة على الآل سنة، وعندنا وجه: أنها واجبة. وهو شاذ، لكن قد يتمسك له بلفظ الأمر في الحديث لكنه

(1) المفهم (2/ 794).

(2)

في ن ب زيادة (له).

(3)

شرح مسلم (4/ 126).

(4)

الأذكار (80).

ص: 464

محجوج بإجماع من قبله في عدم الوجوب. ولذلك حكيت الوجوب قريبًا ولم أعبأ بهذا.

السابع عشر: في إبراهيم (1) خمس لغات: "إبراهيم"، فـ"إبراهام"، و"إبراهَم"(2) -بضم الهاء وفتحها وكسرها من غير ياء- وجمعه براهم وإبارة، ويجوز الواو والنون لاجتماع الشروط [فيه](3)، قالوا: ومعناه أب رحيم.

قال الجواليقي (4) وغيره: أسماء الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - كلها أعجمية إلَّا محمدًا وصالحًا وشعيبًا وآدم.

قال ابن قتيبة (5): وتحذف الألف من الأسماء الأعجمية: كإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وإسرائيل، استثقالا كما ترك صرفها، وكذا سليمان، وهارون، فأما ما لا يكثر استعماله منها كهارون، وماروت، وقارون، وطالوت، وجالوت، فلا تحذف الألف في شيء [منها](6)، ولا يحذف من (داود) وإن كان مشهورًا لأنه حذف إحدى الواوين فلو حذفت الألف أجحف به.

وأما ما كان على وزن فاعل: كصالح، ومالك، وخالد،

(1) المعرب للجواليقي (13).

(2)

نص في القاموس على أن الهاء مثلثة الحركة، وزاد فيه لغة "إبراهوم". انظر: المرجع السابق.

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

المعرب للجواليقي (13).

(5)

أدب الكاتب (191) بتصرف.

(6)

في ن د ب (منه).

ص: 465

فيجوز إثبات ألفه وحذفها بشرط كثرة استعماله، فإن قلَّ، كسالم، وحامد، وجابر، وحاتم، لم يجز حذف الألف، وما كثر استعماله

ودخلت الألف واللام تحذف ألفه معها وإثباتها مع حذفهما تقول: قال الحارث لئلا تشتبه بحرث، ولا تحذف من عمران، ويجوز

حذفها وإثباتها في عثمان وسفيان ونحوهما بشرط كثرة استعمالهما.

الثامن عشر: شرعت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم هنا توطئة للصلاة على آله، ولذلك لم [تفرد](1) الصلاة عليهم في رواية من الروايات، وليقرب نجاحنا في المطلوب بعد التشهد في الصلاة عليه، لأن العرب كانت تستفتح في خطاب المطالب التي يجتمعون لها بذكر تقديم ذكر المعبودات والأكابر، فجاءت الشريعة بتقديم التوحيد ثم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. قاله صاحب الإِقليد، وقد يقال: إنما شرعت ها هنا وإن كان غنيًّا بما [أعطاه](2) الله، لأنه قد أحسن إلينا فوجب علينا مكافأته [بصلاتنا](3) عليه جزاء لإِحسانه [إلينا](4) والمحسن تجب الزيادة في الإِحسان إليه وإن كان غنيًّا.

التاسع عشر: قوله: "إنك حميد مجيد" قال أهل اللغة والمعاني والمفسرون: الحميد: بمعنى المحمود، وهو الذي تحمد أفعاله، والمستحق لأنواع المحامد.

(1) في ن ب د (يفرد).

(2)

في ن ب د (أتاه).

(3)

في الأصل (لصلاتنا)، وما أثبت من ن ب د.

(4)

في ن د (الثناء).

ص: 466

والمجيد: الماجد وهو من كمل في الشرف والكرم والصفات المحمودة، فحميد: صيغة مبالغة بمعنى المحمود. ومجيد مبالغة من ماجد.

يقال: مجد الرجل، ومجد -بالضم والفتح- يمجد -بالضم- فيهما مجدًا ومجادة، فيكون مجيد: كالتعليل لاستحقاق الحمد بجميع المحامد.

قال الشيخ تقي الدين: ويحتمل أن يكون حميد مبالغة من حامد، ويكون ذلك كالتعليل للصلاة المطلوبة، فإن الحمد والشكر يتقاربان، فحميد قريب من معنى شكور، وذلك مناسب لزيادة الإِفضال والإِعطاء لما يراد من الأمور العظام، وكذلك المجد والشرف مناسبة لهذا المعنى ظاهرة (1).

العشرون: البركة هنا: الزيادة والنماء من الخير والكرامة. وقيل: الثبات على ذلك، من قولهم: بركت الإِبل، أي: ثبتت على الأرض، ومنه بركة الماء.

وقيل: هي بمعنى التطهير من العيوب كلها، والتزكية عن

(1) قال ابن حجر في الفتح (11/ 163): ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العظيمين أن المطلوب تكريم الله لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة تقريبه، وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد. ففي ذلك إشارة إلى أنهما كالتعليل للمطلوب، أي هو كالتذليل له، والمعنى أنك فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المترادفة. كريم بكثرة الإِحسان إلى جميع عبادك.

ص: 467

المعائب، وهو أحد التأويلات في قولهم: تبارك الله (1).

(1) قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في بدائع الفوائد (2/ 185): البركة نوعان:

أحدهما: بركة هي فعله تبارك وتعالى والفعل منها: بارك، ويتعدى بنفسه تارة، وبأداة على تارة، وبأداة في تارة، والمفعول منها: مبارك، وهو ما جعل كذلك، فكان باركًا يجعله تعالى.

الثانية: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها، تبارك.

ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا تصلح إلَّا له عز وجل فهو -سبحانه- المبارك، وعبده ورسوله المبارك، كما قال المسيح:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} فمن بارك الله فيه وعليه فهو المبارك. وأما صفته: تبارك فمختصة به -تعالى- كما أطلقها على نفسه، بقوله:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)} ، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} ، {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} ، {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ} ، {فِي السَّمَاءِ} . أفلا تراها كيف أطردت في القرآن جارية عليه مختصة به، لا تطلق على غيره، وجاءت على بناء السعة والمبالغة والعظمة: كتعالى وتعاظم ونحوهما، فجاء بناء تبارك على بناء تعالى الذي هو دال على كمال العلو ونهايته.

فائدة: الرب -سبحانه- يقال في حقه تبارك ولا يقال مبارك. وبالمناسبة للفائدة ننقل عن ألفاظ ممنوعة شرعًا بلفظ البركة:

سئل شيخ الإِسلام عمن يقول: قضيت حاجتي ببركة الله وبركة الشيخ.

فأجاب رحمه الله: بأن هذا منكر من القول، فإنه لا يقرن بالله في مثل هذا غيره كما نهى صلى الله عليه وسلم من قال:"ما شاء الله وشئت" إلى أن قال: (وقول القائل: ببركة الشيخ قد يعني بها دعاءه، وأسرع الدعاء: إجابة دعاء غائب لغائب، وقد يعني بها بركة ما أمره به وعلمه من الخير، وقد =

ص: 468

الحادي والعشرون: اختلف أرباب المعاني في فائدة قوله: "كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم" وإن كان المصنف لم يذكر في

روايته إبراهيم على تأويلات كثيرة.

أظهرها: كما قال القاضي (1) والقرطبي (2): أن نبينا

= يعني بها بركة: معونته له على الحق وموالاته في الدين ونحو ذلك. وهذه كلها معان صحيحة، وقد يعني بها دعاءه للميت والغائب، إذ استقلال الشيخ بذلك التأثير أو فعله لما هو عاجز عنه، أو غير قادر عليه أو غير قاصد له، ومتابعته أو مطاوعته على ذلك من البدع المنكرات، ونحو هذه المعاني الباطلة. انظر: الفتاوى (27/ 95، 96).

سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن قول بعض العامة: تباركت علينا يا فلان، أو يا فلان تباركت علينا؟

قال: هذا لا يجوز. فهو -تعالى- المبارِك، والعبد هو المبارَك -أي عليه- وقول ابن عباس:"تبارك الله" تعاظم، يريد أنه مثله في الدلالة على المبالغة، والبركة هي دوام الخير وكثرته، ولا خير أكثر وأدوم من خيره سبحانه وتعالى. والخلق يكون في بعضهم شيء، ولا يبلغ النهاية. فيقال: مبارك أو فيه بركة وشبه ذلك). انظر: الفتاوى (1/ 207).

سئل الشيخ عبد الله أبو بطين رحمه الله: عن قول بعض الناس: نتبرك بالله ثم بك، نتبرك بدخولكم، نتبرك بحضرتكم. فأجاب:

(ما علمت فيه شيئًا ولا أحبه، خاصة إذا قيل ذلك لمن لا يظن به خير). انظر: الدرر السنية كتاب النكاح (6/ 358).

(1)

إكمال أكمال المعلم (2/ 164).

(2)

المفهم (2/ 793). اهـ.

ص: 469

[محمدًا](1) صلى الله عليه وسلم سأل ذلك لنفسه وأهل بيته ليتم النعمة عليهم والبركة كما أتمها على إبراهيم وآله.

ثانيها: أنه سأل ذلك لأمته ليثابوا على ذلك.

ثالثها: أنه سأل ذلك ليبقى له ذلك إلى يوم [القيامة](2) ويجعل لديه لسان صدق في الآخرين كما فعله لإِبراهيم.

رابعها: أنه سأل ذلك له ولأمته.

خامسها: أن ذلك كان قبل أن يعرف [](3) عليه الصلاة والسلام بأنه أفضل الخلق، ويطلع على علو منزلته.

سادسها: أنه سأل أن يصلي عليه صلاة يتخذه بها خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، وقد جاء في الصحيح آخر أمره:"ولكن صاحبكم خليل الرحمن"(4). وقد جاء أنه حبيب الرحمن. وقال

(1) في ن ب د ساقطة.

(2)

في ن د ب (الدين).

(3)

في الأصل زيادة (إبراهيم)، وهي ساقطة من ن ب د.

(4)

مسلم (2383)، والترمذي (3656) من رواية ابن مسعود بلفظ:"لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الله"، وابن ماجه (93)، وأحمد (1/ 377، 389، 409، 433)، والبغوي (3867)، والطبراني في الكبير (10106، 10107، 10457)، والمصنف (11/ 473)، وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري (3656)، وعن أبي سعيد الخدري، والبخاري (3654)، ومسلم (2382).

ص: 470

أيضًا: "أنا حبيب الله ولا فخر"(1). ذكره الترمذي فهو الخليل والحبيب.

وقد اختلف العلماء: أيهما أشرف أو هما سواء بمعنى وفضل أكثرهم: رتبة المحبة وإبراهيم وغيره من الأنبياء تحت لوائه يوم القيامة.

فإن قلت: فلم خص التشبيه بإبراهيم دون غيره من الرسل والجواب من أوجه:

أحدها: لأنه سأل الله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين.

ثانيها: لأنه سمانا مسلمين من قبل، فله علينا منّة عظيمة فجازيناه بأن خصينا التشبيه به.

ثالثها: لأن نبينا دعوة إبراهيم في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} (2) الآية فخصص به.

الثاني والعشرون: لم يزل الناس يوردون في هذا الحديث السؤال المشهور، وهو أن المشبه به أعلا من المشبه (3)، ونبينا

(1) الترمذي (3620)، والدارمي (1/ 26)، من حديث ابن عباس وفي سنده زمعة بن صالح وسلمة بن وهرام وهما ضعيفان، ولذا قال الترمذي:"هذا حديث غريب". وقد مر بنا مبحث أيهما أعلا المحبة أو الخلة؟ وبيان أن الله اتخذ محمدًا صلى الله عليه وسلم خيلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، فيرجع إليه.

(2)

سورة البقرة: آية 129.

(3)

قال شيخ الإِسلام في الفتاوى (22/ 465): بعد كلام سبق، وهذا يتم بجواب السؤال المشهور، وهو أن قوله:"كما صليت على إبراهيم" يشعر =

ص: 471

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بفضيلة إبراهيم، لأن المشبه دون المشبه به، وقد أجاب الناس عن ذلك بأجوبة ضعيفة.

فقيل: التشبيه عائد إلى الصلاة على الأول فقط، فقوله:"صل على محمد" كلام منقطع وقوله: "وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم" كلام مبتدأ، وهذا نقله العمراني عن الشافعي، وهذا باطل عن الشافعي قطعًا، لا يليق بعلمه وفصاحته، فإن هذا كلام ركيك في غاية البعد، وفيه من جهة العربية بحوث لا تليق بهذا الموضع.

الثاني: قول من منع كون المشبه به أعلى من المشبه، وقال: يجوز أن يكونا متماثلين. قال صاحب هذا القول: والنبي صلى الله عليه وسلم يفضل على إبراهيم من وجوه غير الصلاة، وهما متماثلان في الصلاة، وهذا أيضًا ضعيف، فإن الصلاة من الله من أعلى المراتب أو أعلاها. ومحمد أفضل الخلق فيها، فكيف وقد أمر الله بها بعد أن أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأيضًا فالله وملائكته يصلون على معلم الخير، وهو أفضل معلمي الخير، والأدلة كثيرة لا يتسع لها هذا الجواب.

الثالث: قول من قال: آل إبراهيم: فيهم الأنبياء الذين ليس مثلهم في آل محمد، فإذا طلب من الصلاة مثلما صلى على هؤلاء حصل لأهل بيته من ذلك ما يليق بهم، فإنهم دون الأنبياء، وبقيت الزيادة لمحمد صلى الله عليه وسلم فحصل له بذلك من الصلاة عليه مزية ليست لإِبراهيم، ولا لغيره، وهذا الجواب أحسن مما تقدم.

وأحسن منه أن يقال: محمد هو من آل إبراهيم، كما روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} . قال ابن عباس: محمد من آل إبراهيم، وهذا بين، فإنه إذا دخل غيره من الأنبياء في آل إبراهيم، فهو أحق بالدخول فيهم، فيكون قولنا: كما صليت على آل إبراهيم متناولًا =

ص: 472

محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين إجماعًا، فكيف تكون الصلاة عليه مشبهة بالصلاة على إبراهيم، وقد اختلف الناس، فيه على أجوبة.

أحدها: أن التشبيه إنما وقع في [أصل](1) الصلاة، لا في قدرها، كقوله -تعالى-:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (2)، فالتشبيه إنما وقع في أصل الصيام لا في

= للصلاة عليه، وعلى سائر النبيين من ذرية آل إبراهيم، وقد قال تعالى:{وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} ، ثم أمرنا أن نصلي على محمد، وعلى آل محمد خصوصًا بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عمومًا، ثم لأهل بيته من ذلك ما يليق بهم. والباقي له فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم.

ومعلوم أن هذا أمر عظيم يحصل له به أعظم مما لِإبراهيم وغيره، فإنه إذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به، وله نصيب وافر من المشبه، وله أكثر المطلوب، صار له من المشبه وحده أكثر مما لإبراهيم وغيره، وإن كان جملة المطلوب مثل المشبه، وانضاف إلى ذلك ما له من المشبه به، فظهر بهذا من فضله على كل النبيين ما هو اللائق به صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا، وجزاه عنا أفضل ما جزى رسولًا عن أمته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آله محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح عبيدة أجوبة (11/ 161، 162).

(1)

في ن ب (أفضل).

(2)

سورة البقرة: آية 183.

ص: 473

عينه ووقته [ولقوله](1) -تعالى-: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} (2) الآية، ومن المعلوم أن التشبيه إنما [وقع](3) في أصل الإِيحاء لا في الشيء الموحى، لأنه غيره قطعًا، وكقوله -تعالى-:{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ} (4) الآية. إنما أراد النبوة ولم يرد تعيين النعمة التي أنعم بها عليهم، وهذا الوجه لعله أقوى من كل ما سيأتي. وإن كان الشيخ تقي الدين قال: إنه ليس بالقوي.

ثانيها: أن التشبيه إنما وقع في الصلاة على الآل فيكون الكلام تم عند قولهم: اللهم صل على محمد، ويكون منقطعًا عن التشبيه

ويكون قوله: "وعلى آل محمد" متصل بما بعده فيكون المسؤول لهم مثل ما لإِبراهيم وآله، حكاه بعض أصحاب الشافعي عنه، وفيه من الإِشكال أن غير الأنبياء لا يمكن أن يساويهم، فكيف يطلب ما لا يمكن وقوعه.

ثالثها: أن التشبيه إنما وقع في الصلاة مقابلة للمجموع من النبي وآله بالمجموع من إبراهيم وآله، ومعظم الأنبياء هم آل إبراهيم، فكأنه سأل مقابلة الجملة بالجملة، لا المقدار بالمقدار، لأنه إذا تعذر أن يكون لآل الرسول مثل ما لآل إبراهيم الذي هم

(1) في ن ب د (وكقوله).

(2)

سورة النساء: آية 163.

(3)

في ن ب د (هو).

(4)

سورة يوسف: آية 6.

ص: 474

[الأتباع](1) من الأنبياء وغيرهم كان ما يوفر من ذلك [حاصلًا](2) للنبي صلى الله عليه وسلم، فيكون زائدًا على الحاصل لإِبراهيم، والذي يحصل من ذلك هو آثار الرحمة والرضوان، ومن كانت في حقه أكثر فهو أفضل، ذكره الشيخ عز الدين.

وقال المحب الطبري في "أحكامه" قوله: إنه يتعذر أن يكون لآل الرسول مثل ما لآل إبراهيم ممنوع، وما المانع بأن يحصل لهم من الرحمة مثل ما حصل لهم ببركة الدعاء.

رابعها: أن الأمر بالصلاة علّة للتكرار بالنسبة إلى كل صلاة في حق كل مصلٍّ، فإذا اقتضت في حق كل مصل حصول صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم كان الحاصل لنبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام - بالنسبة إلى مجموع الصلوات أضعافًا مضاعفة لا ينتهي إليها العد والإِحصاء.

وإن قيل: التشبيه حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة والفرد منها، فالإِشكال حاصل.

والجواب ما قاله الشيخ تقي الدين: إن الأمر هنا للتكرار بالاتفاق، وحينئذ فالمطلوب من المجموع حصول مقدار لا يحصى من الصلوات بالنسبة إلى المقدار الحاصل لإِبراهيم عليه الصلاة والسلام.

خامسها: ذكره ابن الصلاح، وقرره الشيخ تقي الدين: أنه

(1) في ن ب (أتباع).

(2)

في ن ب (خالصًا).

ص: 475

لا يلزم من مجرد السؤال لصلاة مساوية لإِبراهيم المساواة أو عدم الرجحان عند السؤال، وإنما يلزم ذلك إذا لم يكن ثابتًا لنبينا

[محمد](1) صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم أو زائدة عليها، فأما إذا كان ذلك له، فالمسؤول إنما هو صلاة زائدة على ما أعطيه مضافًا إليه، ويكون ذلك الزائد مشتبه بالصلاة على إبراهيم، وليس [بمستنكر](2) أن يسأل الفاضل أن يمنح فضيلة أعطيها المفضول ليساويه في تلك الفضيلة، منضمًا إلى ما له من الفضائل التي ليست لذاك.

مثال هذا: [ما إذا](3) أعطى الملك رجلًا أربعة آلاف، وأعطى آخر [ألفين](4)، فسئل أن يعطي صاحب الأربعة أيضًا ألفين كما

أعطى الآخر فإذا حصلت له انضمت إلى الأربعة المتقدمة، فيصير المجموع: ستة آلاف، فيحصل الرجحان (5).

الثالث والعشرون: احتج بهذا الحديث من أجاز الصلاة على غير الأنبياء، فإن أراد بالجواز على سبيل التبعية لهم فمسلم، وإن أراد على سبيل الاستقلال فممنوع، مع أن الصلاة والتسليم

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب د (بمستدل).

(3)

في ن ب تقديم وتأخير.

(4)

في ن ب (ألفي).

(5)

للاستزادة والاطلاع على ما قيل في هذا المبحث وتوجيه بعض الأقوال.

انظر: الفتح (11/ 161، 162)، والقول البديع (127، 135)، وتنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة (2/ 112).

ص: 476

[لم يؤمر](1) بهما على سبيل الجمع في القرآن، إلَّا عليه صلى الله عليه وسلم ولم يخبر الله -تعالى-[عن](2) نفسه الكريمة وعن ملائكته بالصلاة فقط [إلَّا على نبيه - عليه أفضل الصلاة والتسليم - وأما السلام فقط](3)، فقد سلم الله -تعالى- في سورة والصافات: على المرسلين، دون الصلاة. وقد أمر الله -تعالى- نبيه محمدًا بالسلام على المؤمنين بالآيات إذا جاءه فقال:{وَإِذَا جَاءَكَ} (4) الآية. وقد أجمع العلماء على الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أجمع من

يعتد به على جوازها واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالًا. وما حكي [عن](5) مالك من أنه لا يصلي على أحد من

الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم فشاذ، كما قاله القرطبي (6)، وهي مأولة عليه بأنّا لم نتعبد بالصلاة على غيره.

وأما غير الأنبياء من مؤمني الآدميين من هذه الأمة [](7).

فذهب مالك والشافعي والأكثرون: إلى أنه لا يصلى عليهم استقلالًا، فلا يقال: اللهم صل على أبي بكر مثلًا، ولكن يصلى

(1) في ن ب (لو مر).

(2)

في ن ب (على).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

سورة الأنعام: آية 54.

(5)

في ن ب (من).

(6)

في المفهم (2/ 794).

(7)

في ن ب زيادة (فقد).

ص: 477

عليه تبعًا، والحديث يدل على ذلك خصوصًا على مذهب المحققين في أن الآل كل المؤمنين.

واختلف أصحابنا في هذا المنع على أوجه:

أصحها: أنه للتنزيه لا للتحريم، لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، ولأن الصلاة في لسان السلف صارت مخصوصة بالأنبياء استقلالًا، كما أن قولنا: عز وجل مخصوص بالله -تعالى- فكما لا يقال: محمد عز وجل وإن كان عزيزًا جليلًا لا يقال أبو بكر أو علي صلَّى الله عليه وإن كان معناه صحيحًا.

وذهب الإِمام أحمد وجماعة: إلى جواز الصلاة على كل واحد من المؤمنين استقلالًا.

واحتجوا: بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (1)، وبقوله عليه السلام:"اللهم صل على آل أبي أوفى" فإنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم" (2).

(1) سورة الأحزاب: آية 43.

(2)

البخاري في الزكاة (1497)، وفي المغازي (4166)، وفي الدعوات (6332)(6359)، باب: هل يصلي على غير النبي، ومسلم (1078) في الزكاة، وأبو داود (1590) في الزكاة، والنسائي (5/ 31)، والبيهقي في السنن (2/ 152، 4/ 157)، وابن حبان (917)، والطيالسي (819)، وأحمد (4/ 353، 355، 381، 388).

قال ابن حجر في الفتح (8/ 534): واستدل بهذا الحديث على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم من أجل قوله: "وعلى آل محمدًا" وأجاب من =

ص: 478

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= منع: بأن الجواز مقيد بما إذا وقع تبعًا، والمنع إذا وقع مستقلًا، والحجة فيه أنه صار شعار للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يشاركه فيه غيره، فلا يقال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صحيحًا ويقال: صلَّى الله على النبي وعلى صدِّيقه

أو خليفته ونحو ذلك، وقريب من هذا أنه لا يقال محمد عز وجل وإن كان معناه صحيحًا، لأن هذا الثناء صار شعارًا لله -سبحانه- فلا يشاركه غيره فيه، ولا حجة لمن أجاز ذلك منفردًا، فيما وقع من قوله -تعالى-:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} ولا في قوله: "اللهم صل على آل أبي أوفى"، ولا في قول امرأة جابر:"صل عليَّ وعلى زوجي". فقال: "اللهم صل عليهما"، فإن ذلك كله وقع من النبي صلى الله عليه وسلم ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما شاء، وليس لغيره أن يتصرف إلَّا بإذنه، ولم يثبت عنه إذن في ذلك، ويقوي المنع بأن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم صار شعارًا لأهل الأهواء، يصلون على من يعظمونه من أهل البيت وغيرهم.

وهل المنع في ذلك حرام أو مكروه أو خلاف الأولى؟

حكى الأوجه الثلاثة النووي في الأذكار، وصحح الثاني، وقد روى إسماعيل بن إسحاق في كتاب "أحكام القرآن" له بإسناد حسن عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب:"أما بعد فإن ناسًا من الناس التمسوا عمل الدنيا بعمل الآخرة، وإن ناسًا من القصاص أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتم على النبيين، ودعاؤهم للمسلمين، ويدَعوا ما سوى ذلك"، ثم أخرج عن ابن عباس بإسناد صحيح قال:"لا تصلح الصلاة على أحد إلَّا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار" وهو إختار ابن القيم -رحمنا الله وإياه-: ولكن قال: وإن كان شخصًا معينًا أو طائفة معينة كره، ولو قيل: بتحريمه لكان له وجه، ولا سيما إذا جعله =

ص: 479

وأجاب الأكثرون: بأن هذا النوع من الصلاة مأخوذ من التوقيف وعمل السلف، ولم ينقل استعمالهم ذلك، بل خصوا به الأنبياء كما ذكرنا.

وأجابوا عن الآية الكريمة والحديث المذكورين وغيره من الأحاديث أنه من الله ورسوله دعاء وترحم، وليس فيه معنى التعظيم والتوقير الذي يكون من غيرهما.

واتفق العلماء على جواز جعل غير الأنبياء من الأتباع والذرية والأزواج تبعًا لهم في الصلاة للأحاديث الصحيحة في ذلك وفي الأمر به في أحاديث التشهد والصلاة عليه. وفي السلام عليه صلى الله عليه وسلم، ولم يزل السلف على العمل به خارج الصلاة أيضًا.

وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجويني: إنه في معنى الصلاة، فإن الله -تعالى- قرن بينهما فلا يفرد به غائب غير الأنبياء، ولا بأس به، أي بل هو سنة للأحياء والأموات من المؤمنين: فيقال: سلام عليكم (1).

= شعارًا له، ومنع منه نظيره أو من هو خير منه، كما تفعل الرافضة. لعلي رضي الله عنه.

وانظر أيضًا: الفتح (11/ 170)، والقول البديع (86). وانظر: فتاوى شيخ الإِسلام (22/ 473، 474)، حيث قال: إظهار الصلاة على علي دون غيره مكروه.

(1)

قال السخاوي -رحمنا الله وإياه- في القول البديع (87): وقد اختلفوا في السَّلام: هل هو في معنى الصلاة؟ فيكره أن يقال علي عليه السلام وما أشبه ذلك، فكرهه طائفة منهم أبو محمد الجويني، ومنع أن =

ص: 480

[الرابع والعشرون](1): إذا قلنا بجواز الصلاة على غير الأنبياء تبعًا لهم، فهل تكون التبعية للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تكون متابعة للصلاة على كل نبي، الأمر في ذلك محتمل.

[الخامس والعشرون](2): في الحديث تنزيل مراتب الأنبياء وغيرهم ويقيس الإِنسان مراتبهم، فلا يقدم أخيرًا على أول.

السادس والعشرون: إن تقديم [ذكر](3) الشيء في كتاب الله لا يوجب العمل تقديمه، فإن الله -تعالى؛؛ قدم الأمر بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على السلام، والسلام مقدم في الحديث (4)، وهذا يدلك أن الواو تقتضي مطلق الجمع لا الترتيب.

= يقال علي عليه السلام، وفرق آخرون بينه وبين الصلاة بأن السلام يشرع في حق كل مؤمن حي أو ميت وغائب وحاضر، وهو تحية أهل الإِسلام بخلاف الصلاة، فإنها من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم وآله. ولهذا يقول المصلي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ولا يقول الصلاة علينا، فعلم الفرق ولله الحمد.

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (11/ 170): تنبيه: اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل: يشرع مطلقًا، وقيل: بل تبعًا، ولا يفرد لواحد لكونه صار شعارًا للرافضة، ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني.

(1)

في الأصل (الرابع)، وفي ن ب د (تنبيه).

(2)

في ن ب د (الرابع)

إلخ الأوجه.

(3)

زيادة من ن ب.

(4)

آية الأحزاب، ويقصد بالحديث السلام عليك أيها النبي.

ص: 481

السابع والعشرون: فيه فضل النبي صلى الله عليه وسلم وفضل الصلاة عليه والتسليم، وقد روينا في فضلهما والترغيب فيهما وما يترتب عليهما من: رفع الدرجات، وتكفير السيئات، وتكثير الحسنات، وقضاء الحاجات، ورفع الحجب، واستجابة الدعوات: أحاديث كثيرات.

واعلم أن ابن العطار رحمه الله قال: يؤخذ من هذا الحديث أيضًا أنه يستحب للإِنسان أن يبدأ بنفسه في الدعاء حيث قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. هذا لفظه، وهذا عجيب، فإن هذا لم يذكر في هذا الحديث، نعم يؤخذ هذا من الحديث الذي قبله فاعلمه (1).

(1) انظر التعليق ت (1)، ص (445) في الحديث الذي قبل هذا فاستفده، وفقنا الله وإياك لكل خير.

"فوائد": الأولى: سئل (أي: الحافظ ابن حجر) أمتع الله بحياته عن صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة أو خارج الصلاة، سواء قيل بوجوبها أو ندبيتها، هل يشترط فيها أن يصفه صلى الله عليه وسلم بالسيادة، كأن مثلًا: اللهم صل على سيدنا محمد، أو على سيد الخلق، أو على سيد ولد آدم؟ أو يقتصر على قوله: اللهم صل على محمد؟ وأيهما أفضل: الإِتيان بلفظ السيادة لكونها صفة ثابتة له صلى الله عليه وسلم أو عدم الإِتيان به لعدم ورود ذلك في الآثار؟

فأجاب رضي الله عنه: نعم، اتباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يقال: لعله ترك ذلك تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم كما لم يكن يقول عند ذكره صلى الله عليه وسلم: وأمته مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحًا، لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم قال ذلك. مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك، إلى =

ص: 482

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أن قال: وقد عقد القاضي عياض بابًا في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب "الشفاء" ونقل فيه آثارًا مرفوعة عن جماعة من الصحابة والتابعين، ليس في شيء منها عن أحد من الصحابة وغيرهم لفظ "سيدنا"

إلخ كلامه.

ولذلك قال النووي في "الروضة"(1/ 265): وأكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على محمد

" إلخ وفق النوع الثالث المتقدم فلم يذكر فيه السيادة. اهـ. من صفة الصلاة للألباني (175).

فائدة: قال في حاشية الروض لابن قاسم (3/ 140): في مسألة إهداء الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره شيخ الإِسلام وغيره من أهل التحقيق، فإن له صلوات الله وسلامه عليه كأجر العامل، فلم يحتج إلى أن يهدي إليه ثواب صلاة، أو صوم، أو صدقة، أو قراءة من أحد، ورآه هو وبعض الفقهاء بدعة، ولم يكن الصحابة يفعلونه، وفي الاختيارات: لا يستحب إهداء القرب للنبي صلى الله عليه وسلم، بل هو بدعة، هذا هو الصواب المقطوع به. اهـ. وذلك بخلاف الوالد، فإن له أجرًا كأجر الولد.

فائدة: قال شيخ الإِسلام في الفتاوى (22/ 463): فإن قيل: فلم قيل: "صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد" فذكر هنا محمدًا وآل محمد. وذكر هناك لفظ "آل إبراهيم، أو إبراهيم".

(قيل): لأن الصلاة على محمد وعلى آله ذكرت في مقام الطلب والدعاء، وأما الصلاة على إبراهيم ففي مقام الخبر والقصة، إذ قوله:(على محمد وعلى آل محمد) جملة طلبية، وقوله: "صليت على آل إبراهيم، جملة خبرية، والجملة الطلبية إذا بسطت كان مناسبًا، لأن المطلوب يزيد بزيادة الطلب، وينقص بنقصانه. وأما الخبر، فهو الخبر عن أمر قد وقع وانقضى، لا يحتمل الزيادة والنقصان، فلم يمكن في زيادة اللفظ زيادة المعنى، فكان الإِيجاز فيه والاختصار أكمل وأتم وأحسن، ولهذا جاء =

ص: 483

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بلفظ آل إبراهيم تارة، وبلفظ إبراهيم أخرى، لأن كلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر، وهو الصلاة التي وقعت ومضت. إذ قد علم أن الصلاة على إبراهيم التي وقعت هي الصلاة على آل إبراهيم، والصلاة على آل إبراهيم صلاة على إبراهيم، فكان المراد باللفظين واحدًا مع الإيجاز والاختصار

إلخ.

فائدة: في إفراد الصلاة عن السلام، قرر جماعة من العلماء كراهية إفراد الصلاة عن السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فائدة: في لفظة "كرم الله وجهه" قد ساق السفاريني في غذاء الألباب ثم قال: (قلت: قد ذاع ذلك وشاع وملأ الطروس والأسماع. قال الأشياخ: وإنما خص علي "رضي الله عنه" بقول: كرم الله وجهه، لأنه ما سجد إلى صنم قط، وهذا إن شاء الله لا بأس به، والله الموفق). اهـ.

أقول وبالله التوفيق ومنه أستمد العون والتسديد: يقوى المنع تخصيص على "يكرم الله وجه" دون "رضي الله عنه"، لأنه صار شعارًا للشيعة وأهل الأهواء. فالأولى الاقتصار على "رضي الله عنه" دخولًا تحت الدعاء العام للصحابة رضي الله عنهم.

تنبيه: في مسند أحمد عن أبي سعيد الخدري "رضي الله عنه" يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها، ثم قال:"من يأخذها بحقها"، فجاء فلان، فقال: أنا، قال:"أمط"، ثم جاء رجل فقال: أمط، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي كرم وجه محمد لأعطينها رجلًا لا يفر، هاك يا علي

" الحديث. وفي مسند سلمة بن الأكوع أنه قالها للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل. اهـ.

ص: 484