الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى وضع الحَدِيث، وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا الحديثَ لتعرف رواتُه. وَكَذَا قَالَ فِي «خلافياته» وَقَالَ أَبُو أَحْمد: هَذَا حَدِيث مُنكر؛ لَا يرويهِ عَن عاصمٍ غير حجاج، وَلَا (عَن) حجاج غير مُبشر.
قلت: وَكَأن هَذِه طَرِيق أُخْرَى، وَضَعفه أَيْضا عبد الْحق؛ قَالَ: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده ضَعِيف. وضَعَّفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» أَيْضا لَكِن بالحجاج وَحده، وَلَيْسَ بِجَيِّد، فتضعيفهُ بمبشر - هَذَا الوضَّاع - أَوْلى، وَقَالَ ابْن الصّباغ - من أَصْحَابنَا -: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه عَن أهل الحَدِيث. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي «نهايته» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ عَلَى الرُّتْبَة الْعَالِيَة فِي الصِّحَّة، فَالصَّحِيح:«لَا وَصِيَّة لوارثٍ» .
قلت: وَلَا عَلَى الرُّتْبَة المتوسطة، بل وَلَا فِي أصل الصَّحِيحَة، بل هُوَ واهٍ جدًّا، بل الظَّاهِر أَنه مَوْضُوع.
الحَدِيث التَّاسِع
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا وَصِيَّة لوَارث» . وَذكره الرَّافِعِيّ بعد بِلَفْظ آخر، وَهُوَ:«إِن الله قد أعْطى كل ذِي حقٍ حَقَّهُ، أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث» .
هَذَا الحَدِيث يُرْوَى من طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول فِي خطبَته عَام حجَّة الْوَدَاع: «إِن الله قد أعْطى كلَّ ذِي حقٍّ حقٍّه،
فَلَا وَصِيَّة لوَارث»
رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن شُرَحْبِيل بن مُسلم، وَهُوَ حِمْصيّ من أهل الشَّام، وَقد أسلفنا ذَلِك فِي بَاب الضَّمَان وَغَيره.
ثَانِيهَا: من حَدِيث عَمرو بن خَارِجَة قَالَ: «خطب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَته وَأَنا تَحت جِرَانهَا وَهِي تَقْصَعُ بجرتها وَإِن لُعَابهَا يسيل بَين كَتِفي، فَسَمعته يَقُول: إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حقَّه، فَلَا وَصِيَّة لوَارث» .
رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح.
قلت: و «شهر بن حَوْشَب» هَذَا تَرَكُوهُ - أَي: طعنوا فِيهِ - وَمن جملَة مَا أُنكر عَلَيْهِ مَا قَالَه فِي هَذَا الحَدِيث عَن عَمرو بن خَارِجَة: «أَنه كَانَ تَحت جران نَاقَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» .
والجران: بطن الْعُنُق مِمَّا يَلِي الأَرْض، وَأَيْنَ يصل عَمرو إِلَى ذَلِك؟ وَهَذَا مُجَرّد استبعاد، وَهُوَ مُمكن.
وَرَوَاهُ لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، عَن عَمرو بن خَارِجَة هَذَا:«فَلَا تجوز وَصِيَّة لوَارث» .
قلت: وَرَوَاهُ همام وَالْحجاج بن أَرْطَاة وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله المَسْعُودِيّ وَالْحسن بن دِينَار وغيرُهم عَن قَتَادَة، فَلم يذكرُوا ابْنَ غُنْم.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن الْمُبَارك، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قَتَادَة، عَن عَمرو، فأسقط شهْرًا وابْنَ غنم، لَكِن الظَّاهِر إرْسَاله؛ فَإِن أَحْمد بن جنبل قَالَ: مَا أعلم قتادةَ سمع مِنْ أحدٍ من الصَّحَابَة إِلَّا من أنس.
ثَالِثهَا: من حَدِيث أنس رضي الله عنه قَالَ: «إِنِّي لتحْت نَاقَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسيل عليَّ لُعَابهَا؛ فَسَمعته يَقُول: إِن الله أعْطى كلَّ ذِي حق حَقه، أَلا لَا وصيةَ لوَارث» .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار، عَن مُحَمَّد بن شُعَيْب، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أنس بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، وَالظَّاهِر أَن سعيد بن أبي سعيد هُوَ «المَقْبُري» المُجْمع عَلَى ثقته، وَبِه صرَّح ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» وَكَذَا الْمزي.
وَالْبَيْهَقِيّ رَوَاهُ من طَرِيق عمر [عَن] عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْوَلِيد بن مزِيد، عَن ابْن جَابر، عَن سعيد بن أبي سعيد - شيخ بالسَّاحل - قَالَ: حدَّثني رجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ: «إِنِّي لتَحْت نَاقَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
…
» فَذكره.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوي من أوجه ضَعِيفَة، فَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى ضعف الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَلَعَلَّه يرَى أَن سعيد بن أبي سعيد الشاميَّ لَا المَقْبُري. وَقد ذكر ابْن عَسَاكِر فِي «تَارِيخه» فِي تَرْجَمَة المَقْبُري: أَنه قَدِمَ الشامَ مرابطًا، وحدَّث ببيروت، وَسمع [مِنْهُ] بهَا عَبْدَ الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر.
وفرَّق الخطيبُ فِي كِتَابه «الْمُتَّفق والمفترق» بَين المقبريِّ المدنيِّ وَبَين الَّذِي حدَّث ببيروت وَلَيْسَ بجَيِّد، فعلَى مَا قَالَه ابْن عَسَاكِر عِلّة الحَدِيث جَهَالَة الرجل من أهل الْمَدِينَة، وَبِه صرَّح الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» وَالظَّاهِر أَنه من تَقْصِير بعض الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ أنس.
وَذكر الْخَطِيب فِي هَذَا الْكتاب أَن الشاميَّ يروي عَن أنس، وَخَالف ابْن الْجَوْزِيّ فَذكر فِي «تَحْقِيقه» مَا أسلفناه عَن البيهقيِّ، ثمَّ قَالَ: الساحليُّ مَجْهُول. وَقد علمتَ مَا فِيهِ.
ولمَّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيق الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة،
عَن سُلَيْمَان الْأَحول، عَن مُجَاهِد أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا وَصِيَّة لوَارث» قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: وَرَوَى بعض الشاميين حَدِيثا لَيْسَ مِمَّا يُثْبته أهلُ الحَدِيث، فَإِن بعض رِجَاله مَجْهُولُونَ، فَروينَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُنْقَطِعًا، واعتمدنا عَلَى حَدِيث الْمَغَازِي (عَامَّة) أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ عَام الْفَتْح:«لَا وَصِيَّة لوَارث» . وَإِجْمَاع (الْعلمَاء) عَلَى القَوْل بِهِ. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي دَاوُد حديثَ أبي أُمَامَة السالف، ثمَّ ذكر عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: مَا رَوَى إِسْمَاعِيل عَن الشاميين صحيحٌ. قَالَ: وَكَذَا قَالَ البُخَارِيّ وَجَمَاعَة من الحُفَّاظ، وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل عَن شاميّ.
قلت: ظهر بِهَذَا أَن هَذَا (هُوَ) الحَدِيث الَّذِي عناه الشافعيُّ بقوله: «وَرَوَى بعض الشاميين حَدِيثا
…
» إِلَى آخِره، وَقد صرَّح الْبَيْهَقِيّ بذلك فِي كتاب «الْمعرفَة» وَلَيْسَ فِي رِجَاله مَجْهُول، وَابْن عَيَّاش مَعْرُوف، وَرَوَاهُ عَن شاميّ، رِوَايَته صَحِيحَة عَنْهُم كَمَا سلف؛ وَلِهَذَا حسَّنه التِّرْمِذِيّ كَمَا قدّمناه عَنهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُويَّ من وَجه آخر من حَدِيث الشاميين. ثمَّ رَوَى حديثَ عَمرو بن خَارِجَة من وَجْهَيْن (صَحِيح) - كَمَا تقدم عَن التِّرْمِذِيّ وَمن وَافقه - وضعيفٌ، ثمَّ قَالَ: والاعتماد عَلَى مَا ذكره الشَّافِعِي عَن أهل الْمَغَازِي مَعَ إِجْمَاع الْعَامَّة عَلَى القَوْل بِهِ.
قلت: قد تقرر لَك من ثَلَاثَة أوجه قوته، وَعبارَة الشَّافِعِي فِي
«الْأُم» : ورأيتُ متظاهرًا عِنْد عَامَّة مَنْ لقيتُ مِنْ أهل الْعلم بالمغازي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خطبَته عَام الْفَتْح: «أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث» وَلم أر بَين النَّاس فِي ذَلِك اخْتِلَافا. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: فَوَجَدنَا أهل الْفتيا وَمن حفظنا عَنهُ من أهل الْعلم بالمغازي من قُرَيْش وَغَيرهم، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ يَوْم الْفَتْح:«لَا وَصِيَّة لوَارث وَلَا يُقْتل مُسلم بِكَافِر» ويأمرون بِهِ عَمَّن حفظوه عَنهُ مِمَّن لقوه من أهل الْعلم بالمغازي. فَكَأَن هَذَا قَول عَامَّة [عَن] عَامَّة، وَكَانَ أَقْوَى فِي بعض الْأَمريْنِ نقل وَاحِد، وَكَذَلِكَ وجدنَا عَلَيْهِ أهل الْعلم مُجْمِعِينَ.
قلت: وَله طرق أُخْرَى:
أَحدهَا: من رِوَايَة جَابر رَفعه: «وَلَا وَصِيَّة لوَارث» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْهَرَوِيّ، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن جَابر بِهِ، ثمَّ قَالَ: الصَّوَاب مُرْسل (وَقَالَ عبد الله بن عَلّي الْمَدِينِيّ: سَمِعت أبي يَقُول: أَبُو مُوسَى الْهَرَوِيّ أَي وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم) وَرَوَى عَن سُفْيَان عَن عَمرو عَن جَابر: «لَا وَصِيَّة لوَارث» (و) ثَنَا بِهِ سفيانْ، عَن عَمرو مُرْسلا.
ثَانِيهَا: من رِوَايَة عليّ بن أبي طَالب رَفعه: «الدَّين قَبْلَ الْوَصِيَّة، وَلَيْسَ لوَارث وَصِيَّة» .