الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْقَرَاض
كتاب الْقَرَاض
ذكر فِيهِ حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي وَقد سلف فِي أَوَائِل البيع، وَذكر فِيهِ أَيْضا آثارًا.
أَحدهَا: مَا ذكره الشَّافِعِي فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» أَن أَبَا حنيفَة رَوَى عَن حميد بن عبد الله بن عبيد الْأنْصَارِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أعطي مَال يَتِيم مُضَارَبَة، فَكَانَ (يعْمل) بِهِ فِي الْعرَاق» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع عَنهُ أَنه حَكَاهُ فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» عَن بعض أهل الْعرَاق عَن حميد
…
فَذكره، وَزَاد بعد قَوْله «وَكَانَ يعْمل بِهِ فِي الْعرَاق» : لَا نَدْرِي كَيفَ قاطعه عَلَى الرِّبْح. و «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» بِفَتْح الْيَاء الأولَى وَكسر النُّون عَلَى لفظ التَّثْنِيَة، وَالْمرَاد بهما: ابْن أبي لَيْلَى وَأبي حنيفَة، وَكَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي «تَهْذِيب اللُّغَات» وَهُوَ كتاب صنفه الشَّافِعِي من جملَة كتاب «الْأُم» وَيذكر فِيهِ الْمسَائِل الَّتِي اخْتلف فِيهَا أَبُو حنيفَة وَابْن أبي لَيْلَى، فَتَارَة يخْتَار أَحدهمَا و (يزيف) الآخر، وَتارَة (يزيفهما) مَعًا
ويختار غَيرهمَا.
فَائِدَة: قَالَ ابْن دَاوُد: الَّذِي أعطَاهُ عمر هَذَا المَال هُوَ عبيد الْأنْصَارِيّ، بَعثه ليتجر فِيهِ بِالْبَحْرَيْنِ يكون الرِّبْح بَينهمَا نِصْفَيْنِ. هَذَا كَلَامه وَالَّذِي أسلفناه عَن رِوَايَة الشَّافِعِي أَنه رَاوِي الْقِصَّة فَلْينْظر ذَلِكَ.
فَائِدَة أُخْرَى: رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يفعل كَفعل وَالِده. أخرجه من حَدِيث هِشَام عَن أَيُّوب عَنهُ «أَنه كَانَ يكون عِنْده مَال الْيَتِيم فيزكيه وَيُعْطِيه مُضَارَبَة ويستقرض مِنْهُ» .
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ فِي «الْأُم» عَنهُ، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه أَنه قَالَ: «خرج عبد الله وَعبيد الله ابْنا عمر بن الْخطاب (فِي) جَيش إِلَى الْعرَاق، فَلَمَّا قفلا مرَّا عَلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، فَرَحَّبَ بهما وَسَهل، وَهُوَ أَمِير الْبَصْرَة، فَقَالَ: لَو أقدر لَكمَا عَلَى أَمر (أنفعكما بِهِ) لفَعَلت. ثمَّ قَالَ: بلَى؛ هَا هُنَا مَال من مَال الله،
أُرِيد أَن أبْعث بِهِ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فأسلفكماه، فتبتاعان بِهِ مَتَاعا من مَتَاع الْعرَاق، فتبيعانه بِالْمَدِينَةِ فتؤديان رَأس المَال إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَيكون لَكمَا الرِّبْح. فَقَالَا: وَدِدْنَا (ذَلِكَ فَفعل) فَكتب إِلَى عمر أَن يَأْخُذ مِنْهُمَا المَال، فَلَمَّا قدما الْمَدِينَة باعا وربحا، فَلَمَّا دفعا ذَلِكَ إِلَى عمر قَالَ: أكل الْجَيْش أسلفه كَمَا أسلفكما؟ قَالَا: لَا. قَالَ (عمر بن الْخطاب: ابْنا) أَمِير الْمُؤمنِينَ فأسلفكما، أديا المَال وَربحه. فَأَما عبد الله (فَسكت) وَأما عبيد الله فَقَالَ:(مَا) يَنْبَغِي لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا، لَو نقص (هَذَا) المَال أَو هلك لضمناه. فَقَالَ عمر: أدياه. فَسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فَقَالَ رجل من جلساء عمر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو جعلته قراضا. فَقَالَ عمر: قد جعلته قراضا. فَأخذ عمر رَأس المَال وَنصف ربحه، وَأخذ عبد الله وَعبيد الله ابْنا عمر بن الْخطاب نصف المَال» . وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِي عَن مَالك:«فَلَمَّا قفلا مرَّا عَلَى عَامل لعمر» وَذكره فِي «الْمُخْتَصر» مُخْتَصرا فَقَالَ: رُوِيَ عَن عمر «أَنه صيَّر ربح ابنيه فِي المَال الَّذِي تسلفاه بالعراق وربحا فِيهِ بِالْمَدِينَةِ فَجعله قراضا، عِنْدَمَا قَالَ لَهُ رجل من أَصْحَابه: لَو جعلته قراضا. فَفعل» .
فَوَائِد:
الأولَى: قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا الرجل قيل: إِنَّه عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
قلت: تبع فِيهِ الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» فَإِنَّهُ صرح بِهِ فِي رِوَايَته، وَتبع فِيهِ الإِمَام؛ فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك فِي «نهايته» وَتبع فِيهِ القَاضِي حُسَيْن فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك، وَكَذَا ذكره ابْن دَاوُد فِي «شرح الْمُخْتَصر» وَحَكَاهُ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» عَن بَعضهم.
الثَّانِيَة: مَعْنَى «رحب بهما وَسَهل» قَالَ: مرْحَبًا وسهلاً (وَمَعْنى «لقيتما رحبًا من الأرَض» أَي: سَعَة وسهلاً) أَي: غير حزن. وَقَوله «من مَال الله» يُرِيد الْفَيْء، وَكَانَ هَذَا المَال مائَة ألف دِرْهَم، كَمَا قَالَه ابْن دَاوُد فِي «شرح الْمُخْتَصر» وَابْن [معن] فِي «تنقيبه» . وَقَوله:«ابْنا أَمِير الْمُؤمنِينَ فأسلفكما» يَعْنِي فعل ذَلِكَ تقربًا إليَّ. وَقَوله: «لَو جعلته قراضا» وَقع فِي رِوَايَة القَاضِي حُسَيْن وَالْغَزالِيّ فِي «وسيطه» : «لَو جعلته قراضا عَلَى النّصْف» وَذكر القَاضِي بعض قَوْله «لضمناه» : قَالَ لَهُ عمر: بلَى.
الثَّالِثَة: «نهاوند» الْمَذْكُورَة فِي رِوَايَة الرَّافِعِيّ، وَكَذَا إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ فِي «وسيطه» بِضَم النُّون كَمَا قَالَه السَّمْعَانِيّ قَالَ: وَهِي مَدِينَة من بِلَاد الْجَبَل، قيل: إِن نوحًا (بناها، وَكَانَ اسْمهَا: نوح أوند، فأبدلوا الْحَاء هَاء.
الرَّابِعَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: أظهر مَا ذكره الْأَصْحَاب فِي مَحل هَذِه الْقِصَّة، وَبِه قَالَ ابْن سُريج: إِن مَا جَرَى كَانَ قرضا صَحِيحا وَكَانَ الرِّبْح
وَرَأس المَال لَهما، لَكِن عمر رضي الله عنه (استنزلهما) عَن بعض الرِّبْح خيفة أَن يكون قصد أبي مُوسَى (إرفاقهما لَا رِعَايَة مصلحَة بَيت المَال، وَلذَلِك قَالَ فِي بعض الرِّوَايَات: «أَو أسلف كل الْجَيْش) كَمَا أسلفكما» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : تَأَول الْمُزنِيّ هَذِه الْقِصَّة بِأَنَّهُ سَأَلَهُمَا لبره الْوَاجِب عَلَيْهِمَا أَن يجعلا كُله للْمُسلمين فَلم يجيباه، فَلَمَّا طلب النّصْف أجاباه عَن طيب أَنفسهمَا. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَيحْتَمل أَن عمر عاملهما بذلك كَمَا شاطر عماله أَمْوَالهم. وَحَكَى ابْن دَاوُد عَن بعض أَصْحَابنَا أَن مَعْنَى قَول عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: «لَو جعلته قراضا» أَي: لَو جعلت حكمه حكم الْقَرَاض.
الْأَثر الثَّالِث: عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب عَن أَبِيه «أَن عُثْمَان بن عَفَّان أعطَاهُ مَالا مقارضة» .
هَذَا الْأَثر حَكَاهُ الشَّافِعِي فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» عَن عبد الله بن عَلّي، عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب، عَن أَبِيه «أَن عُثْمَان أعْطى مَالا مقارضة - يَعْنِي مُضَارَبَة» . وَذكره عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» وَذكره الشَّافِعِي فِي «الْأُم» فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» فَقَالَ: وَرَوَى أَبُو حنيفَة رضي الله عنه عَن عبد الله
…
فَذكره بِهِ سَوَاء.
وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه عمل فِي مَال لعُثْمَان بن عَفَّان
عَلَى أَن الرِّبْح (عَلَيْهِمَا) » وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق [ابْن بكير] عَن مَالك (كَذَلِك، وَمن طَرِيق ابْن وهب، عَن) مَالك، أَخْبرنِي الْعَلَاء (بن) عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب، عَن أَبِيه أَنه قَالَ:«جِئْت عُثْمَان بن عَفَّان فَقلت لَهُ (قد قدمت سلْعَة فَهَل لَك أَن تُعْطِينِي مَالا فأشتري بذلك فَقَالَ: أتراك فَاعِلا؟ قلت: نعم، وَلَكِنِّي رجل مكَاتب فأشتريها عَلَى أَن الرِّبْح بيني وَبَيْنك. قَالَ: نعم) فَأَعْطَانِي مَالا عَلَى ذَلِكَ» .
الْأَثر الرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس وَالسَّابِع وَالثَّامِن: عَن عَلّي وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَحَكِيم بن حزَام رضي الله عنهم «تَجْوِيز الْمُضَاربَة» .
أما أثر عَلّي فَغَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، وَأما أثر ابْن مَسْعُود فَذكره «الشَّافِعِي» فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» فَقَالَ: وَرَوَى أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم «أَن عبد الله بن مَسْعُود أعْطى زيد بن خليدة مَالا مقارضة» وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الشَّافِعِي فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» بلاغًا، وَأما أثر ابْن عَبَّاس فَغَرِيب عَنهُ، نعم رَوَى عَن أَبِيه «أَنه كَانَ إِذا دفع مَالا مُضَارَبَة اشْترط عَلَى صَاحبه أَن لَا يسْلك بِهِ بحرًا وَلَا
ينزل بِهِ وَاديا، وَلَا يَشْتَرِي بِهِ ذَات كبد رطبَة؛ فَإِن فعل ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِن، فَرفع شَرطه إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَجَازَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَالَ: تفرد بِهِ أَبُو الْجَارُود زِيَاد بن الْمُنْذر، وَهُوَ كُوفِي ضَعِيف، كذبه يَحْيَى بن معِين - أَي: وَقَالَ: إِنَّه عَدو الله لَا يُسَاوِي فلسًا - وَضَعفه الْبَاقُونَ.
(وَأما أثر جَابر، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر بن عبد الله «أَنه سَأَلَهُ عَن الرجل يُعْطي الرجل المَال قراضا فَيشْتَرط لَهُ كَمَا أعطَاهُ نَحْو يَوْم يَأْخُذهُ قَالَ: لَا بَأْس بذلك)(وَأما أثر حَكِيم) بن حزَام فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة وحيوة بن شُرَيْح، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأَسدي، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَنهُ «أَنه كَانَ يدْفع المَال (مُضَارَبَة) مقارضة إِلَى أجل وَيشْتَرط عَلَيْهِ أَن لَا يمر بِهِ بطن وادٍ وَلَا يبْتَاع بِهِ حَيَوَانا وَلَا يحملهُ فِي بَحر فَإِن فعل شَيْئا من ذَلِكَ فقد ضمن ذَلِكَ المَال. قَالَ: فَإِذا تعدى أمره ضمنه من فعل ذَلِكَ. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أَن السّنة الظَّاهِرَة وَردت فِي الْمُسَاقَاة وَهُوَ كَمَا قَالَ، كَمَا ستعلمه فِي الْبَاب الْآتِي عَلَى الإثر.