الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الثَّانِي
عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: «النِّكَاح سُنَّتي؛ فَمَنْ رغب عَن سنتي فَلَيْسَ منيِّ» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث عِيسَى بن مَيْمُون، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «النِّكَاح من سُنَّتي؛ فَمَنْ لم يعْمل بسُنَّتي فَلَيْسَ منيِّ، وَتَزَوَّجُوا؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأُمَم، ومَنْ (كَانَ) ذَا طول فَلْيَنْكِح، ومَنْ لم يجد فَعَلَيهِ بالصيام؛ فَإِن الصَّوْم وجاءٌ لَهُ» .
وَعِيسَى هَذَا ضَعِيف.
ويغني عَنهُ حديثِ أنسٍ الثابتُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» : «أَن نَفرا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعضهم: لَا أتزوجُ، وَقَالَ بَعضهم: أصلِّي وَلَا أَنَام، وَقَالَ بَعضهم: أصومُ وَلَا أفطر، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا بَال أَقوام قَالُوا كَذَا وَكَذَا! لكني أَصوم وَأفْطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النِّسَاء؛ فَمَنْ رغب عَن سُنَّتي فَلَيْسَ منيِّ» .
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَورد فِيهِ غير ذَلِك من الْأَخْبَار، وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فلنذكَر عشرَة مِنْهَا:
أَحدهَا: حَدِيث عبد الله بن عَمرو بن العَاصِي رَفعه -: «الدُّنْيَا مَتَاع، وَخير متاعها الْمَرْأَة الصَّالِحَة» .
رَوَاهُ مُسلم.
وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» :
«الدُّنْيَا مَتَاع، وَخير متاعها الزَّوْج الصَّالح» .
ثَانِيهَا: حَدِيث سعيد بن جُبَير قَالَ: «قَالَ لي ابْن عَبَّاس: تزوَّجت؟ قلت: لَا، قَالَ: تزوَّجْ؛ فَإِن خير هَذِه الأُمة كَانَ أَكْثَرهم نسَاء - يَعْنِي: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» .
رَوَاهُ البُخَارِيّ.
ثَالِثهَا: حَدِيث الْحسن، عَن سَمُرَة رضي الله عنه: «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهَى عَن التبتل، وَقَرَأَ قَتَادَة (وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك وَجَعَلنَا لَهُم أزاوجًا وذرية) رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَائِشَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَيُقَال أَنه حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : إِنَّه أشبه بِالصَّوَابِ من حَدِيث سَمُرَة.
رَابِعهَا: حَدِيث أبي أَيُّوب رضي الله عنه رَفعه -: «أَربع من سنَن الْمُرْسلين: الْحيَاء، والتعطر، والسواك، وَالنِّكَاح» .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَقد أسلفنا الكلامَ عَلَيْهِ وَاضحا فِي الْكَلَام عَلَى السِّوَاك فِي أول الْكتاب.
خَامِسهَا: حَدِيث ابْن جريج، عَن [عمر بن] عَطاء، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا صرورة فِي الْإِسْلَام» . رَوَاهُ أَحْمد (وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: رِجَاله كلهم ثِقَات. وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ) . وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ (وَلم يخرجَاهُ وَقَالَ النَّوَوِيّ: بعضه عَلَى شَرط مُسلم، وَبَاقِيه عَلَى شَرط البُخَارِيّ) قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين فِي (الإِمَام) : وَهَذَا بِنَاء عَلَى أَن عُمرَ بن عَطاء هُوَ ابْن أبي الخوار، وَلَو كَانَ (الْأَمر) كَذَلِك لَكَانَ الْأَمر عَلَى مَا قَالَه الْحَاكِم وَالْمُنْذِرِي -
أَي: وَالنَّوَوِيّ - وَلَكِن ابْن عدي ذكر لعمر بن عَطاء بن وراز تَرْجَمَة أورد لَهُ فِيهَا (هَذَا الحَدِيث من جِهَة عِيسَى بن يُونُس، عَن ابْن جريج، وَمن جِهَة أبي خَالِد الْأَحْمَر) عَن ابْن جريج وَقَالَ فِي آخر التَّرْجَمَة: ولعُمر بن عَطاء غير مَا ذكرتُ من الحَدِيث، وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث، وَلَا أعلم رَوَى عَنهُ غير ابْن جريج، وَذكر عَن عَبَّاس الدوري، عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: عمر بن عَطاء الَّذِي يروي عَنهُ ابْن جريج، يحدِّث عَن عِكْرِمَة؛ لَيْسَ (هُوَ) بِشَيْء، وَهُوَ ابْن وراز، وهُمْ يضعّفونه [فِي] كلَّ شَيْء عَن عِكْرِمَة، هُوَ (عمر) بن عَطاء بن وراز، وَعمر بن عَطاء بن أبي الخوار ثِقَة (و) هُوَ الَّذِي يحدِّث عَنهُ أَيْضا ابْن جريج. وَقَالَ النَّسَائِيّ: عمر بن عَطاء بن وراز ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بالقويّ فِي الحَدِيث.
قلت: وَكَذَا فهم مَا فهمه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين، الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي، وَذكر فِي «أَطْرَافه» عقب هَذَا الحَدِيث قولة يَحْيَى بن معِين السالفة، و (غلَّط) ابْن طَاهِر، الْحَاكِم فِي دَعْوَاهُ السالفة فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الشهَاب» ثمَّ تبيَّن - بِفضل الله ومَنِّه - أَن مَا (قَالَه) الْحَاكِم هُوَ الصَّوَاب.
قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» : ثَنَا أَبُو يزِيد (القراطيسي) ، ثَنَا حجاج بن إِبْرَاهِيم الْأَزْرَق - وَهُوَ من الثِّقَات - ثَنَا عِيسَى بن يُونُس، عَن ابْن جريج، عَن عمر بن عَطاء بن (أبي) الخوار، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا صرورة فِي الْإِسْلَام» .
فَثَبت بِهَذَا أَن عمر بن عَطاء بن أبي الخوار يرويهِ أَيْضا - وَللَّه الْحَمد - وَهُوَ لم يَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالْحَاكِم مَنْسُوبا.
(فَائِدَة) : الصرورة - بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة -: الَّذِي لم يتَزَوَّج، وَالَّذِي لم يحجّ أَيْضا، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الصرورة فِي الْجَاهِلِيَّة: مَنْ لم يتزوَّج، وَفِي الْإِسْلَام: مَنْ لم يحجّ، حَكَاهُ الْمُطَرز.
سادسها: حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لم يُر (للمتحابين) مِثْلَ (التَّزَوُّج) » .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ؛ لِأَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمعمر بن رَاشد (أوقفاه) عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيّ مُرْسلا، وَقَالَ الْعقيلِيّ: وقْفه أوْلى.
قلت: وَفِي إِسْنَاده: مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، وَفِيه مقَال، وَمُسلم أخرج لَهُ؛ فَصَحَّ قَول الْحَاكِم أَنه عَلَى شَرطه.
سابعها: حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها:
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تزوَّجوا النِّسَاء؛ فَإِنَّهُنَّ يأتيَنكم بِالْمَالِ» .
(رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كِتَابه» وتلميذه الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، وَلم يخرجَاهُ؛ لِتَفَرُّد [سلم] بن جُنَادَة بِسَنَدِهِ، و [سلم] ثِقَة مَأْمُون.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن [الرّبيع بن نَافِع] عَن حَمَّاد،
عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه عُرْوَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«انْكَحُوا النِّسَاء؛ فَإِنَّهُنَّ يَأْتينكُمْ بِالْمَالِ) » .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَهُوَ أصح من الْمسند.
ثامنها: من حَدِيث ابْن جريج، عَن مَيْمُون [أبي] الْمُغلس، عَن أبي نجيح و (هُوَ) أَبُو عبد الله بن أبي نجيح قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ مُوسِرًا لِأَن ينْكح فَلم ينْكح؛ فَلَيْسَ منا» .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: هُوَ مُرْسل. وَكَذَا قَالَ الدولابي فِي «كُنَاه» أَنه مُرْسل. وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجَمه» : يُشك فِي صحبته.
ثمَّ رَوَى لَهُ مَعَ هَذَا الحَدِيث حَدِيثا آخر، وَذكره ابْن عبد الْبر فِي
«استيعابه» فِي جملَة الصَّحَابَة وَقَالَ: (لَهُ) حَدِيث وَاحِد فِي النِّكَاح، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» وَهُوَ يُقَوي مَا تقدم عَن الْبَيْهَقِيّ ومَنْ وَافقه.
تاسعها: حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَة حق عَلَى الله [أَن] يعينهم: الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله، والناكح يُرِيد أَن يستعفف، وَالْمكَاتب يُرِيد الْأَدَاء» .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن. وَالْحَاكِم فِي موضِعين من «مُسْتَدْركه» فِي هَذَا الْبَاب، وَبَاب الْكِتَابَة، وَقَالَ فيهمَا: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ (ابْن) حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : اخْتلف فِي رفْعِهِ وَوَقفه، ورفْعُهُ صَحِيح.
عَاشرهَا: حَدِيث أنس بن مَالك رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رزقه الله امْرَأَة صَالِحَة فقد أَعَانَهُ عَلَى شطر دينه، فليَتَّق الله فِي الشّطْر الثَّانِي» .
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَن الْأَصَم، ثَنَا أَحْمد بن عِيسَى اللَّخْمِيّ، ثَنَا عمر بن أبي سَلمَة التنيسِي، ثَنَا زُهَيْر (بن) مُحَمَّد،
أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن زيد، عَن أنس بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن عقبَة الْأَزْدِيّ مدنِي ثِقَة مَأْمُون.
وَفِي «تَلْخِيص (الْمُتَشَابه) » من حَدِيث أنس أَيْضا مَرْفُوعا: «مَنْ تزوج امْرَأَة فقد أُعْطِي نصف الْعِبَادَة» وَفِي إِسْنَاده: زيد العمِّي، وَهُوَ ضَعِيف.
وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لمَّا نزلت هَذِه الْآيَة: (وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة) كَبُر ذَلِك عَلَى الْمُسلمين، قَالَ عمر رضي الله عنه: أَنا أُفَرِّج عَنْكُم؛ فَانْطَلقُوا، فَقَالَ: يَا نَبِي الله؛ إِنَّه كبُر عَلَى أَصْحَابك هَذِه الْآيَة! فَقَالَ: إِنَّه مَا فرض الزَّكَاة إِلَّا ليطيب مَا بَقِي من أَمْوَالكُم، وَإِنَّمَا فُرِضَتْ الْمَوَارِيث لتَكون لمن بعدكم. قَالَ: فَكبر عُمرُ رضي الله عنه وَقَالَ: أَلا أخْبركُم بِخَير مَا يكنز: الْمَرْأَة الصَّالِحَة؛ إِذا نظر إِلَيْهَا سرَّته، وَإِذا أمرهَا أَطَاعَته، وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته» .
قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط (الشَّيْخَيْنِ) وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ
الشَّيْخ تَقِيّ الدِّيْن فِي (الإِمَام) فِي كتاب الزَّكَاة: اخْتلف فِي إِسْنَاده. ثمَّ ذكره مُبينًا (وَالْحَمْد لله حق حَمده) .