الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقد ذكرتُ عَدَدَهُن مَعَ الْخلاف فِيهِ مُسْتَوفى فِي كتابي: «غَايَة السُّول فِي خَصَائِص الرَّسُول» فليراجعْ مِنْهُ.
الحَدِيث الثَّلَاثُونَ
هَذِه الْقِصَّة صَحِيحَة مَشْهُورَة، وَمِمَّنْ رَوَاهَا: البخاريُّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أنس رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ زيد بن حَارِثَة يشكو، فَجعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول: اتّقِ الله وأمسكْ عَلَيْك زَوْجَكَ. قَالَ أنس: لَو كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَاتِما شَيْئا لكَتم هَذِه الْآيَة. قَالَ: وَكَانَت تفتخر عَلَى نسَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَقول: زوّجكنَّ أهالِيكُن، وزوَّجني اللَّه مِنْ فَوق سبع سموات!» .
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ثَابت: (وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه) : نزلتْ فِي شَأْن زَيْنَب بنت جحش وَزيد بن حَارِثَة» .
وَرَوَى مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «لَو كَانَ مُحَمَّد كَاتِما شَيْئا مِمَّا أُنزل عَلَيْهِ لكَتم هَذِه الْآيَة: (وَإِذ تَقول (الآيةَ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث أنس أَيْضا قَالَ: (لمَّا نزلت هَذِه الْآيَة: (وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه (فِي شَأْن زَيْنَب بنت جحش، جَاءَ زيدٌ يشكو، فهمَّ بِطَلَاقِهَا، فاستأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أمسكْ عَلَيْك زَوجك واتَّقِ الله» .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا.
وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» فِي ترجمتها، من حَدِيث الْوَاقِدِيّ عَن عُمر بن عُثْمَان، عَن أَبِيه قَالَ:«قَدِمَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة، وَكَانَت زَيْنَب بنت جحش ممَّن هَاجَرت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَت امْرَأَة جميلَة، فَخَطَبَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى زيْدِ بْنِ حَارِثَة، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، لَا أرضاه لنَفْسي وَأَنا أيم قُرَيْش! قَالَ: فَإِنِّي قد رضيتُ لكِ. فتزوَّجها زيد بن حَارِثَة» .
قَالَ [ابْن] عمر - وَهُوَ الواقديُّ -: فحدَّثني عبد الله بن عَامر الْأَسْلَمِيّ، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان قَالَ: «جَاءَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَيْتَ زيدِ بْنِ حَارِثَة فَطَلَبه، وَكَانَ زيد إِنَّمَا يُقَال لَهُ: زيد بن مُحَمَّد، فَرُبمَا فَقَدَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الساعةَ فَيَقُول: أَيْن زيد؟ ! فجاءَ منزله يَطْلُبهُ فَلم يجده، فتقوم إِلَيْهِ زَيْنَب فَتَقول: هَاهُنَا يَا رَسُول الله. فَوَلى يهمهم؛ لَا تَكَادُ تفْهم عَنهُ إِلَّا سُبْحَانَ الله الْعَظِيم، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيم مصرِّف الْقُلُوب! فجَاء زيدٌ
إِلَى منزله؛ فأخبرتْه امرأتُه أَن ر سَوَّلَ الله (أَتَى منزله، فَقَالَ زيدٌ: أَلا قُلْتِ لَهُ: يدخلُ؟ ! قَالَت: قد عَرَضْتُ ذَلِك عَلَيْهِ (فَأَبَى) قَالَ سَمِعْتِيْه يَقُول شَيْئا؟ قَالَت: سمعتُه يَقُول حِين وَلى يتَكَلَّم بِكَلَام لَا أفهمهُ، وسمعتُه يَقُول: سُبْحَانَ الله الْعَظِيم، سُبْحَانَ الله الْعَظِيم، سُبْحَانَ مصرِّف الْقُلُوب قَالَ: فَخرج زيد حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، بَلغنِي أَنَّك جِئْتَ منزلي؛ فهلَاّ دخلتَ؟ بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله؛ لَعَلَّ زَيْنَب أعجبتك! أُفارقُها؟ فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أمسكْ عَلَيْك زَوجك. فَيَقُول: يَا رَسُول الله، أفارقُها؟ فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(أمسك عَلَيْك زَوجك. فَمَا اسْتَطَاعَ زيد إِلَيْهَا سَبِيلا بعد ذَلِك، وَيَأْتِي رَسُول (فيخبره، فَيَقُول: أمسك عَلَيْك زَوجك. فَيَقُول: يَا رَسُول الله، أفارقها؟ فَيَقُول:) احْبِسْ عَلَيْك. ففارقها زيد واعتزلها وحلت، قَالَ: فَبَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَالس يتحدث مَعَ عَائِشَة إِذْ أخذت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم غمية ثمَّ سري عَنهُ وَهُوَ يبتسم وَيَقُول: مَنْ يذهب إِلَى زَيْنَب يبشرها أَن الله عز وجل زَوَّجْنيِهَا من السَّمَاء؛ وتلا: (وإذْ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ (الْقِصَّة كلهَا، قَالَت عَائِشَة: فأخذني مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، لِمَا كَانَ بَلغنِي مِنْ جمَالهَا، وَأُخْرَى هِيَ أعظم الْأُمُور وَأَشْرَفهَا: مَا صنع اللَّهُ لَهَا، زوَّجها الله من السَّمَاء، وَقَالَت عَائِشَة: هِيَ تفتخر علينا بِهَذَا، قَالَت عَائِشَة: فَخرجت سلْمَى خَادِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تشتد فحدثتها بذلك، فأعْطَتْهَا أَوْضَاحًا لَهَا» .
وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أنس رضي الله عنه قَالَ: «لمَّا انْقَضتْ عدَّة زَيْنَب قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لزيدٍ: اذْهبْ إِلَيْهَا فاذكرها (عَلّي. قَالَ زيد:
فَانْطَلَقت فَلَمَّا رَأَيْتهَا تخمر عَجِينهَا فَلم استطع أَن أنظر إِلَيْهَا من عظمها فِي صَدْرِي حِين عرفت أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يذكرهَا، فَقلت: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك. قَالَت: مَا أَنا بِصَانِعَةٍ) شَيْئا حَتَّى أؤامر رَبِّي! فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنزل الْقُرْآن، وَجَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى دخل عَلَيْهَا بِغَيْر إِذن
…
. .» الحديثَ، وَذكر فِيهِ قصَّة الْحجاب.
وَرَوَى (قَتَادَة) وغيرُه فِي قَوْله تَعَالَى: (أمسك عَلَيْك زَوجك) الْآيَة، قَالَ: كَانَ يُخْفي فِي نَفسه ودَّ أَنه طَلقهَا» .
وَعَن ابْن زيد: «كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد زوَّج زَيْدَ بْنَ حَارِثَة زَيْنَبَ بِنْتَ جحش ابْنَة عَمَّتِهِ، فَخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يُريدهُ، وَعَلَى الْبَاب ستْر من شعر، فرفعتِ الستْرَ الريحُ؛ فانكشف وَهِي فِي حُجْرَتهَا حَاسِرَة، فَوَقع إعجابُها فِي قلب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فلمَّا وَقع ذَلِك كرهت
…
.» إِلَى آخِره، قَالَ «فجَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله: إِنِّي أُرِيد أَن أُفَارِق (صَاحِبَتي) قَالَ: مَا لكَ؟ ! أرابكَ مِنْهَا شيءٌ، فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُول الله مَا رَابَنِي مِنْهَا شَيْء وَمَا رأيتُ إِلَّا خيرا. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أمسكْ عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله [فَذَلِك قَول الله - تَعَالَى -: (وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ أمسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله] وتُخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه وتخشى الناسَ وَالله أَحَق أَن تخشاه (إِن (فارقَها تزوجْتها) .
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: الله - تَعَالَى - يَقُول: (وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُم) وَأعظم مَا يُمتع بِهِ النِّسَاء، وَهُوَ يخبر عَن نَفسه وجنسه الْكِرَام «مَا كَانَ لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين» وَهِي الْإِظْهَار خلاف الْإِضْمَار، هَذَا فِي الْأَمر المكشوف، فَكيف تكون لَهُ خَائِنَة فِي قلب فِي تعلق أصل تزَوجه أحد؟ !
والحسد المذموم، هُوَ تمني زَوَال النِّعْمَة من العَبْد إِلَيْك، وَهِي مَعْصِيّة عَظِيمَة، فَكيف يستجيز مُسلم ظَنَّ ذَلِك بكبار الصَّحَابَة؟ ! فَكيف بسيِّد الْمُرْسلين؟ ! وَإِنَّمَا الْجَائِز فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ عليّ بن الْحُسَيْن:«كَانَ الله قد أعلمَ نَبِيَّه أَن زَيْنَب سَتَكُون من أَزوَاجه، فَلَمَّا أَتَاهُ زيدٌ يشكوها قَالَ: اتَّقِ الله وأمسكْ عَلَيْك زَوجك» . قَالَ الله (وَتُخفي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبدِيه (وَهُوَ الَّذِي أبدى الله زواجها خَاصَّة، فَهُوَ الَّذِي أخفاه رَسُوله» وَعَامة مَا فِي قَوْله: (أمسك عَلَيْك زَوجك (أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ بالتمسك بزوجه، مَعَ مَعْرفَته بِأَنَّهُ لابد لَهُ من فراقها، وَلَا مندوحة لَهُ عَن طَلاقهَا بِمَا أخبرهُ الله من ذَلِك، وصدور الْأَمر من الْآمِر مَعَ علمه من الْمَأْمُور بنقيضه، ومعرفته بِأَنَّهُ لَا يكون لَا يقْدَح فِي تَوْجِيه الْأَمر، فَإِن الله أَمر الْكفَّار بِالْإِيمَان مَعَ علمه بِأَنَّهُم لَا يُؤمنُونَ، فَإِن قيل: فَمَا حكمته؟ قُلْنَا: أعْلَمَ اللَّهُ رسولهُ بِأَنَّهَا زوجه، وَأَن زيدا يفارقها، وَلم يُعْلمه بِحَال زيد
بعد فِرَاقه، هَل يكون مطمئن الْقلب بذلك أم قلق النَّفس؟ فَقَالَ:«أمسك عَلَيْك زَوجك» متثبتًا مِنْهُ، حَال ضَمِيره فِيهَا ومستكشفًا تعلق قلبه بهَا. ثمَّ قَالَ: فَأَما حَدِيث (ابْن) زيد وَقَتَادَة (فطريق) مشحونة وأوضح ذَلِك أَيْضا ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «نِهَايَة السول فِي خَصَائِص الرَّسُول» فَقَالَ: علق الحوفي فِي «تَفْسِيره» عَن ابْن زيد وَقَتَادَة: وَهَذَا سَنَد لَا يُسَاوِي نواة لَيْسَ لَهُ خطام وَلَا أزمة، وَقَالا:«خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يُريدهُ - يَعْنِي: زيدا - وَعَلَى الْبَاب ستر من شعر. .» فَذكره كَمَا تقدم أَولا، ثمَّ قَالَ ابْن دحْيَة: حَكَى ذَلِك الحوفي وَجَمَاعَة من الْمُفَسّرين - كمقاتل بن سُلَيْمَان الوضَّاع، والنقاش الْكذَّاب - وَأما الحوفي فحاطب ليل، كَلَامه كالحبة فِي حميل السَّيْل، وَإِنَّمَا عُمْدته النَّحْو واللغة وَكِلَاهُمَا حَلقَة مفرغة، وَهِي غير صَحِيحَة عِنْد الْعلمَاء الراسخين، وإسنادها عَن قَتَادَة مُنْقَطع، وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم لَا يُرْوَى عَنهُ لضَعْفه ونكارة حَدِيثه، ضعفه الْأَئِمَّة، وَهَذَا مُخَالف لِلْقُرْآنِ مُفسد للْإيمَان، فقد نهَى اللَّهُ سَيِّدَ الْمُرْسلين، فَقَالَ فِي كِتَابه الْمُبين:(وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك) الْآيَة. وَهَذَا إقدام عَظِيم وَقلة معرفَة بِحَق هَذَا النَّبِي الْكَرِيم، وَكَيف يُقَال: رَآهَا فَأَعْجَبتهُ؟ وَهَذَا نَفْس الْحَسَد المذموم وَمَا (أقرب) قَائِله من نَار جَهَنَّم، ألم تكن بنت عمته، وَلم يزل يَرَاهَا مُنْذُ وُلدِتْ إِلَى أَن كَبرُت،
فزوَّجها من زيد مَوْلَاهُ، فَمَا أَجْسَر رَاوِي هَذَا الْخَبَر عَلَى اللَّهِ، وَمَا أجْرَأَه! وجميعُ النسوان لم (يكن يحتجبن) من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ أَزوَاجه، إِلَى أَن نزل آيَة الْحجاب فحجبن وجوههن عَن عُيُون النَّاس أَجْمَعِينَ.
وَالَّذِي رُوي عَن عَلّي زين العابدين، وَالزهْرِيّ - سيدِّ المحدِّثين -:«أَن الله كَانَ أعلمَ نبيَّه أَن زَيْنَب سَتَكُون من أَزوَاجه، فلمَّا شكاها إِلَيْهِ زيدٌ قَالَ لَهُ: أمسكْ عَلَيْك زَوجك، وَاتَّقِ الله (وأخفى مِنْهُ) فِي نَفسه مَا أَعْلَمَهُ الله (بِهِ) (عَن) (جِبْرِيل من أَنه سيزوجها مِمَّا الله مبديه ومظهره» هَذَا رَوَاهُ زين العابدين، وَرِوَايَة الزُّهْرِيّ قَالَ:«نزل) جِبْرِيل عَلَى رَسُوله يُعلمهُ أَن الله يُزوجه زَيْنَب بنت جحش، فَذَلِك الَّذِي أَخْفَى فِي نَفسه» وَكَانَ فِي زواج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زَيْنَب بعد مَوْلَاهُ زيد ثَلَاث فَوَائِد:
أَحدهَا: لتستن أمته بذلك، كَمَا قَالَ تَعَالَى:(لكيلا يكون عَلَى الْمُؤمنِينَ حرج) الْآيَة، وأصل الْحَرج: الضِّيْق.
ثَانِيهَا: أَن الله قد أحلَّ ذَلِك لمن كَانَ قبله من الرُّسُل، ومثْلُ ذَلِك قَوْله تَعَالَى:(سُنَّة الله فِي الَّذين خلوا من قبل) الْآيَة، والسُّنَّة هِيَ