الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رُدَّ أَن الْخطْبَة تجوز، ثمَّ قَالَ: وَوجه الِاسْتِدْلَال أَنه خطبهَا لأسامة بعد خطْبَة غَيره لما لم يعلم أَنَّهَا أجابت أم ردَّتْ.
وَلَك أَن تَقول: فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال نظر من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن قَوْله: «انكحي أُسَامَة» أَمر لَهَا بذلك لَا خطْبَة.
ثَانِيهَا: أَنه عليه السلام علم أَنه لَا مصلحَة لَهَا فِي إِجَابَة من سمت أَنه خطبهَا، فأرشدها إِلَى الْمصلحَة لَهَا؛ لما جبل عليه السلام من النصح لأمته، وَلَا يلْزم من (ذَلِك) الْمُدَّعِي، وَهُوَ جَوَاز الْخطْبَة فِي الْحَال الْمَذْكُور مُطلقًا؛ بل يلْزم جَوَاز النصح فِي مثل هَذِه الْحَالة.
تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: حَكَى الرَّافِعِيّ خلافًا فِي أَن مُعَاوِيَة هَذَا الْخَاطِب، هَل هُوَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَو غَيره، ثمَّ قَالَ: وَالْمَشْهُور الأول.
قلت: لَا شكّ فِيهِ عندى؛ فَإِن فِي «صَحِيح مُسلم» التَّصْرِيح بِهِ؛ وَلَعَلَّ من قَالَ إِنَّه غَيره اسْتدلَّ بقوله: «أما مُعَاوِيَة فصعلوك» وَهَذِه حَالَته إِذْ ذَاك ثمَّ صَار بعد ملكا.
الثَّانِي: ذكر أَيْضا - أَعنِي: الرَّافِعِيّ - خلافًا فِي مَعْنَى قَوْله - عَن أبي جهم -: «لَا يضع عَصَاهُ عَن عَاتِقه» وَيرْفَع الْخلاف رِوَايَة مُسلم: «وَأَبُو جهم فضراب للنِّسَاء» .
الحَدِيث الرَّابِع
رُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: « (إِذا) استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصحه» .
هَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي الْبيُوع تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم، فَقَالَ: وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «إِذا استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصح لَهُ» وأَسنده الأَئِمَة من طرق:
أَحدهَا: من طَرِيق جَابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض؛ فَإِذا استنصح أحدكُم فلينصح» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْبيُوع من حَدِيث أبي حَمْزَة السكرِي، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ.
ثَانِيهَا: من طَرِيق حَكِيم (بن أبي) يزِيد، عَن أَبِيه، عَمَّن سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول:«دعوا النَّاس فليصب بَعضهم من بعض، وَإِذا استنصح رجل أَخَاهُ فلينصح لَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كِتَابه» من حَدِيث جرير، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن حَكِيم بِهِ، وَهُوَ حَدِيث فَرد غَرِيب، مَدَاره عَلَى عَطاء، وَلَيْسَ لأبي يزِيد سواهُ، وَجَرِير رَوَى عَن عَطاء بعد الِاخْتِلَاط كَمَا تقدم فِي الْأَحْدَاث، وَرَوَاهُ عبد بن حميد فِي «مُسْنده» وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كناه» من حَدِيث جرير، عَن عَطاء أَيْضا، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوا النَّاس يُصِيب بَعضهم من بعض؛ فَإِذا استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصح لَهُ» وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ ثمَّ اعْلَم أَن جمَاعَة رَوَوْهُ عَن عَطاء (أحدهم: أَبُو عوَانَة، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَفَّان عَنهُ، عَن عَطاء) عَن حَكِيم بن أبي يزِيد عَن أَبِيه عَمَّن سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول
…
فَذكره بِلَفْظ الْحَاكِم الأول. قَالَ يَحْيَى بن معِين: سمع أَبُو عوَانَة من عَطاء فِي الْحَالين، وَلَا يحْتَج بِهِ.
ثانيهم: حَمَّاد بن زيد، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث خَالِد بن خِدَاش عَنهُ، عَن عَطاء، عَن حَكِيم (بن) أبي يزِيد (عَن أَبِيه) رَفعه:«دعوا النَّاس يُصيب بَعضهم من بعض، وَإِذا استنصحوا فانصحوهم» وخَالِد هَذَا: قَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: صَدُوق. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ والسَّاجي: ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: تفرد عَن حَمَّاد بِأَحَادِيث. وَقد تقدم فِي الْأَحْدَاث الِاخْتِلَاف فِي سَماع حَمَّاد (من) عَطاء؛ هَل هُوَ قبل الِاخْتِلَاط أم بعده؟
ثالثهم: حَمَّاد بن سَلمَة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «أكبر معاجمه»
من حَدِيث عَلّي بن الْجَعْد عَنهُ بِمثلِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ:«يرْزق» بدل «يُصِيب» وَقَالَ: «وَإِذا استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصحه» وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي «غنية الملتمس فِي إِيضَاح الملتبس» من طرق عَن حَمَّاد، وَلم يتَبَيَّن أهوَ ابْن زيد أَو ابْن سلمةَ.
وَأخرجه من حَدِيث جُنَادَة عَن حَمَّاد عَن عَطاء بِهِ بِلَفْظ «دعوا النَّاس يعِيش بَعضهم من بعض؛ فَإِذا استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصح لَهُ» وَمن حَدِيث يَحْيَى الْحمانِي عَن حَمَّاد بِهِ، وَلَفظه كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَمن حَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن حَمَّاد بِهِ، وَقَالَ:«فلينصح لَهُ» بدل «فلينصحه» .
رابعهم: إِسْمَاعِيل ابْن علية، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عَنهُ بِهِ، وَلَفظه:«دعوا النَّاس فليرزق (الله) بَعضهم من بعض، وَإِذا استنصح الرجل الرجل فلينصح لَهُ» .
خامسهم: همام بن يَحْيَى، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِيهِ بِهِ، وَلَفظه:«دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض، وَإِذا اسْتَشَارَ أحدكُم أَخَاهُ فلينصحه» وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي «غنية الملتمس» من هَذِه الطَّرِيق بِلَفْظ: «دعوا النَّاس يُصِيب (بَعضهم) من بعض» وَالْبَاقِي بِمثلِهِ.
سادسهم: مَنْصُور بن أبي الْأسود، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيثه عَنهُ (بِهِ) وَلَفظه: «دعوا النَّاس فليصب بَعضهم من بعض، وَإِذا
استنصح الرجل أَخَاهُ فلينصح لَهُ» .
سابعهم: روح بن الْقَاسِم، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيثه عَنهُ بِنَحْوِهِ.
ثامنهم: عَلّي بن عَاصِم رَوَاهُ الْخَطِيب فِي الْكتاب السالف ذكره، من حَدِيثه عَنهُ بِهِ بِلَفْظ طَرِيق (همام) سَوَاء.
تاسعهم: وَالِد عبد الصَّمد، قَالَ الإِمَام أَحْمد: ثَنَا عبد الصَّمد، ثَنَا أبي، ثَنَا عَطاء بن السَّائِب، قَالَ: حَدثنِي حَكِيم بن أبي يزِيد، عَن أَبِيه قَالَ: حَدثنِي أبي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دعوا النَّاس يُصِيب بَعضهم من بعض
…
» الحَدِيث، فَهَؤُلَاءِ عشرَة أنفس رَوَوْهُ عَنهُ، وَرَوَاهُ - أَعنِي: عَطاء - (مرّة) عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: « (دعوا النَّاس) يُصِيب بَعضهم من بعض، وَإِذا استنصحك أَخُوك فانصح لَهُ» .
ذكره أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة مَالك، وَقَالَ: هُوَ أَبُو السَّائِب الثَّقَفِيّ جد عَطاء.
قلت: وَهَذَا طَرِيق غَرِيب.
الطَّرِيق الثَّالِث: من أصل طرق الحَدِيث من حَدِيث ميسرَة، وَهُوَ أَبُو
طيبَة الْحجام «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دخل السُّوق فَجَلَسَ فِي البزازين فَجعل يعرض رجلا مَتَاعا لَهُ، فَقَالَ رجل للْمُشْتَرِي: هَذَا لَا يساوى بِمَا يسام. قَالَ: فَأخذ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بتلابيبه فَقَالَ: دع النَّاس فليصب بَعضهم من بعض، وَإِذا اسْتَشَارَ أَخَاهُ فلينصح أَخَاهُ!» ذكره أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ أَيْضا فِي تَرْجَمَة ميسرَة هَذَا.
الطَّرِيق الرَّابِع: وَهُوَ أَحَق بالتقديم مَا أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حق الْمُؤمن عَلى (الْمُؤمن) سِتَّة
…
» فَذكرهَا، وفيهَا:«وَإِذا استنصحك فانصح لَهُ» .
وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي أثْنَاء كتاب السّير، حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ - إِن شَاءَ الله.
ويعضد مَا سلف من الطّرق أَيْضا حَدِيث جرير بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ: «بَايَعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى السّمع وَالطَّاعَة - فلقنني: فِيمَا استطعتَ - والنصح لكل مُسلم» أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَحَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ - رَفعه -: «الدَّين النَّصِيحَة» رَوَاهُ مُسلم وَهُوَ من أَفْرَاده؛ بل لَيْسَ لَهُ فِي «صَحِيحه» عَنهُ سواهُ.