الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى الأشرق، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل، وَمَا كَانَ من نِكَاح عَلَى غير ذَلِك فَهُوَ بَاطِل؛ فَإِن تشاجروا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ» ثمَّ قَالَ: لم يقل أحد فِي خبر ابْن جريج هَذَا، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن الزُّهْرِيّ «وشاهدي عدل» إِلَّا ثَلَاثَة أنفس: سعيد بن يَحْيَى الْأمَوِي، عَن حَفْص بن غياث، وَعبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي، عَن خَالِد بن الْحَارِث وَعبد الرَّحْمَن بن يُونُس الرقي عَن عِيسَى بن يُونُس (قَالَ) : وَلَا يَصح فِي ذكر الشَّاهِدين غير هَذَا الحَدِيث) .
الحَدِيث (الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ)
«أنَّه صلى الله عليه وسلم تزوَّج مَيْمُونَة وَهُوَ مُحْرِم» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما زَاد البُخَارِيّ فِي روايةٍ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، لم يصل بهَا سَنَده:«أَنه تزَوجهَا فِي عُمْرة الْقَضَاء» .
وَهَذِه أسندها ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من جِهَته، وصرَّح فِيهَا
بِالتَّحْدِيثِ، ثمَّ اعلمْ أَن رِوَايَة تَزْوِيجه عليه السلام مَيْمُونَة فِي حَال إِحْرَامه هُوَ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، كَمَا ذكرتُه لكَ، وَهُوَ (مِمَّن) انْفَرد بذلك، وَرِوَايَة الجَمِّ الْغَفِير:«أَنه تزوَّجها حَلَالا» .
كَذَا رَوَاهُ أَكثر الصَّحَابَة، ونبَّه عَلَى ذَلِك الرافعيُّ أَيْضا، حَيْثُ قَالَ: أَكثر الرِّوَايَات عَلَى أَنه جَرَى وَهُوَ حَلَال.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وغيرُه: لم يَرْوِ أَنه تزوَّجها محرما إِلَّا ابْن عَبَّاس (وَحده، وروت مَيْمُونَة وَأَبُو رَافع وَغَيرهمَا:«أَنه تزَوجهَا حَلَالا» .
وهُم أعرف بالقصة من ابْن عَبَّاس؛ لتعلقهم بهَا، وَلِأَنَّهُم (أضبط) من ابْن عَبَّاس) وَأكْثر.
قلت: وَحَاصِل التَّرْجِيح تِسْعَة أوجه:
أَحدهَا: بُلُوغ أبي رَافع إِذْ ذَاك، وصِغَر ابْنِ عَبَّاس؛ فَإِنَّهُ لم يبلغ الحُلُم إِذْ ذَاك.
ثَانِيهَا: أَنه كَانَ الرَّسُول بَينهمَا، كَمَا صرَّح بِهِ فِي الحَدِيث.
ثَالِثهَا: أَن ابْن عَبَّاس لم يكن مَعَه فِي تِلْكَ الْعمرَة؛ بل كَانَ فِي الولْدَان بِالْمَدِينَةِ.
رَابِعهَا: أَن الصَّحَابَة (غلطوا ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك وصوبوا رِوَايَة غَيره. قَالَ ابْن الْمسيب: وهم ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك) رَوَاهُ عَنهُ
أَبُو دَاوُد وَابْن عدي.
خَامِسهَا: أَن قَول أبي رَافع مُوَافق لنَهْيه عليه السلام عَن نِكَاح المُحْرِم، وَقَول ابْن عَبَّاس مُخَالف (مُسْتَلْزم) لأحد أَمريْن إِمَّا نسخ النَّهْي، أَو تَخْصِيصه عَلَيْهِ بِجَوَازِهِ، وَكِلَاهُمَا مُخَالف للْأَصْل، وَأَيْضًا: فَالصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ تَرْجِيح (القَوْل) عِنْد تعارضه مَعَ الْفِعْل؛ لِأَنَّهُ يتَعَدَّى إِلَى الْغَيْر، وَالْفِعْل قد يكون مَقْصُورا عَلَيْهِ.
سادسها: أَن ابْن أُخْتهَا يزِيد بن الْأَصَم شهد: «أَنه عليه السلام تزوَّجَها حَلَالا، وَكَانَت خَالَتِي وَخَالَة ابْن عَبَّاس» .
رَوَاهُ مُسلم.
سابعها: أَن مَيْمُونَة نَفسهَا رَوَت «أَنه تزَوجهَا حَلَالا» وَهِي أعلم بمسألتها.
ثامنها: أَن ابْن عَبَّاس اخْتلف عَلَيْهِ، خلاف غَيره، فَفِي «الدَّارَقُطْنِيّ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس:«أَنه عليه السلام تزوَّجَهَا حَلَالا» لكنه استغربه بعد أَن رَوَاهُ.
تاسعها: قَول ابْن عَبَّاس: «تزَوجهَا وَهُوَ مُحْرِم» .
يحْتَمل التَّأْوِيل، وَيكون مَعْنَى قَوْله:«محرم» أَي: بِالْحرم وَهُوَ حَلَال، وَهِي لُغَة سَائِغَة مَعْرُوفَة، كَمَا تَجِد إِذْ أشام: إِذا دخل الشَّام، وأَتْهَمَ: إِذا دخل تهَامَة، وأمصر: إِذا دخل مِصْر، قَالَ الشَّاعِر:(قتلوا)