الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الرَّابِع
قَالَ الرَّافِعِيّ بعد أَن قرر أَن سهم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم هُوَ الخُمْس من الْفَيْء، وَأَن هَذَا السهْم كَانَ لَهُ يعْزل مِنْهُ نَفَقَة أَهله، وَمَا فضل جعله فِي الكراع كَمَا سلف: لم يكن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يملكهُ، وَلَا ينْتَقل مِنْهُ إِلَى غَيره إِرْثا، بل مَا يملكهُ الْأَنْبِيَاء عليهم السلام لَا يورَّث عَنْهُم، كَمَا اشْتهر فِي الْخَبَر.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طرق:
أَحدهَا: عَن أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نُورَّث، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة» .
وَلابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : «إِنَّا لَا نُورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة» . وللترمذي فِي (غير)«جَامعه» بإسنادٍ عَلَى شَرط مُسلم، عَن عُمر عَن أبي بكر، رَفعه:«إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورَّث، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة» . وَلأَحْمَد عَن أبي بكر، رَفعه:«أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يورَّث، وَإِنَّمَا مِيرَاثه فِي فُقَرَاء الْمُسلمين وَالْمَسَاكِين» .
ثَانِيهَا: عَن عُمر: «أَنه قَالَ لعُثْمَان وعَبْدِ الرَّحْمَن بن عَوْف والزبير
وَسعد وَعلي وَالْعَبَّاس: أُنْشِدُكُمْ بِاللَّه الَّذِي تقوم السَّمَوَات وَالْأَرْض بأَمْره؛ أتعلمون أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا نورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة؟ قَالُوا: نعم» .
وللنسائي فِي «سنَنه الْكُبْرَى» من حَدِيث سُفْيَان، عَن عَمرو بن دِينَار، عَن الزُّهْرِيّ، عَن مَالك بن أَوْس (بن الْحدثَان) قَالَ:«قَالَ عمر لعبد الرَّحْمَن وَسعد وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزبير: أنشِدُكم بِاللَّه الَّذِي قَامَت (لَهُ) السَّمَوَات وَالْأَرْض، سَمِعْتُمْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول: إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء لَا نورَّث، مَا تركنَا (فَهُوَ) صَدَقَة؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نعَمْ» .
ثَالِثهَا: عَن عَائِشَة رضي الله عنها: «أَن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين تُوفِّي أردن أَن يَبْعَثْنَ عثمانَ إِلَى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فَقَالَت عَائِشَة: أَلَيْسَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لَا نورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة» .
رَابِعهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يقتسم ورثتي دِينَارا، مَا تركتُ بَعْدَ نَفَقَة نسَائِي وَمؤنَة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة» .
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: «وَلَا درهما» . وَلأَحْمَد، وَالتِّرْمِذِيّ،
وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» : أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث فَاطِمَة رضي الله عنها عَن أبي بكر، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم:«أَن الْأَنْبِيَاء لَا يُورَّثون، مَا تَرَكُوهُ فَهُوَ صَدَقَة» قَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ الْكَلْبِيّ، فَاخْتلف عَنهُ؛ فَقَالَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح، عَن أُمِّ هَانِئ، عَن فَاطِمَة «أَنَّهَا دخلت عَلَى أبي بكر فَقَالَت: أرأيتَ لَو مت مَنْ كَانَ يَرِثُك؟» وَخَالفهُ سُفْيَان الثَّوْريّ والمغيرة فروياه: عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن أُمِّ هَانِئ «أَن أَبَا بكر قَالَ لفاطمة» .
فَائِدَة: قَوْله: «مَا تركنَا صَدَقَة» هُوَ فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ، و «صَدَقَة» مرفوعٌ خبرٌ، خلافًا للإمامية فِي قَوْلهم: إِنَّمَا هُوَ «يَرث» بِالْمُثَنَّاةِ تَحت.
و «صَدَقَة» بِالْفَتْح، أَي: مَا تركنَا صَدَقَة؛ فَلَا نورَّث، و «مَا» فِي مَوضِع الْمَفْعُول، و «صَدَقَة» مَنْصُوب عَلَى الْحَال وَعَلَى التَّفْسِير، وَهَذَا مُخَالف لما فهم مِنْهُ أهل اللِّسَان، وَلما حمله عَلَيْهِ أئمةُ الصَّحَابَة من رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، وَمَا وَقع فِي سَائِر الرِّوَايَات (فِي) قَوْله عليه الصلاة والسلام:«لَا نورّث، (مَا تركنَا) فَهُوَ صَدَقَة» .