الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الْحَادِي عشر
«أنَّه صلى الله عليه وسلم أعْطى عدي بن حَاتِم» .
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده صَاحب «الْمُهَذّب» وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» وَلَا الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديثه» نعم جزم بِهِ النَّوَوِيّ [فِي]«الأغاليط» المنسوبة إِلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيب لم أَجِدهُ فِي كتاب حَدِيث، وَالْمَعْرُوف أَن الصّديق هُوَ الَّذِي أعطَاهُ كَمَا ستعلمه فِي الْكَلَام عَلَى الْآثَار، وَكَانَت وفادة عدي بن حَاتِم عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع فِي شعْبَان وَقيل: سنة عشر، فَأسلم وَكَانَ نَصْرَانِيّا، وقصة إِسْلَامه مَذْكُورَة فِي كُتب الصَّحَابَة، وَأَنه لمَّا بُعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كرهه أَشد الْكَرَاهَة، وَلما مَاتَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَدِم عَلَى الصّديق فِي وَقت الرِّدَّة، فصدَّقه قومه، وَثَبت عَلَى الْإِسْلَام وَلم يرْتَد، وَثَبت قومه مَعَه
…
. ذكره أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي «المعمرين» قَالُوا: عَاشَ مائَة سنة وَثَمَانِينَ سنة. وَكَانَ أحد الخطاطة؛ إِذا ركب الْفرس كَادَت رِجْليه تخط الأَرْض، وَكَانَ يفت الْخبز للنمل وَيَقُول هِيَ جارات، ولهن حق.
الحَدِيث الثَّانِي عشر
«أَنه أعْطى الزبْرِقَان بْنَ بدر» .
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده صَاحب «المهذَّب» أَيْضا، وَلم يَعْزه
النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» وَلَا الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديثه» نَعَمْ جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي «الأغاليط عَلَى الْوَسِيط» (المنسوبة) إِلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيب أَيْضا، وَالْمَعْرُوف مِنْ حَاله: كَانَ سيِّدًا فِي الْجَاهِلِيَّة عَظِيم القدْر فِي الْإِسْلَام، وَكَانَ من (السُّعَدَاء) الْمُحْسِنِينَ، ووفد عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي وَفد بني سهم، مِنْهُم: قيس بن عَاصِم الْمنْقري، فأسلموا، وأجارهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأحْسَنَ جوارهم، وَذَلِكَ سنة سَبْعٍ، وولَاّه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صدقَات قومه فِي عَوْف؛ فأدّاها فِي الرِّدَّة إِلَى أبي بكر، فأقره أَبُو بكر عَلَى الصَّدَقَة، وَكَذَلِكَ (عمر) .
فَائِدَة: الزبْرِقَان اسْمه: [الْحصين] وَقيل: الْقَمَر، وَفِي كنيته قَولَانِ: أَحدهمَا: أَبُو عَبَّاس، وَثَانِيهمَا: للبسه عِمَامَة مزوَّقة بالزعفران. . حَكَاهُ ابْن السّكيت والجوهريُّ وغيرَهما والزبرقان: بِكَسْر الزَّاي وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ ابْن البرزي فِي «غَرِيب المهذَّب» :(يفتحان) أَيْضا.
تَنْبِيه: أغرب ابْن [معن] فَقَالَ فِي «تنقيبه» فِي هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله: أخرجهُمَا البُخَارِيّ، وَمُسلم. وَهَذَا من الْعجب العجاب؛ فَالَّذِي فِي «الصَّحِيحَيْنِ» حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي فضل بني [تَمِيم]، فِيهِ:
«وَجَاءَت صَدَقَاتهمْ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: هَذِه صدقَات قَومنَا» .
هَذَا مَا (فِيهِ) وَلَيْسَ فِيهِ أَن (أَعْطَاهُم) مِنْهَا.
وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث عديّ بن حَاتِم قَالَ: «أتيتُ عُمرَ فِي أناسٍ من قومِي، فَجعل يفْرض [للرجل] مِنْ طَيء فِي أَلفَيْنِ، ويُعرض عني، [قَالَ: فاستقبلته فَأَعْرض عني، ثمَّ أَتَيْته من حِيَال وَجهه فَأَعْرض عني، قَالَ:] فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: أتعرفني؟ قَالَ: فَضَحِك حَتَّى اسْتَلْقَى لقفاه، قَالَ: نَعَمْ واللهِ إِنِّي لأعرفك، آمنتَ إِذْ كفرُوا، وأقبلتَ إِذْ أدبروا، ووافيتَ إِذْ غدروا - زَاد خَ: «وعرفتَ إِذا أَنْكَرُوا» [وَإِن] أول صَدَقَة بيضت وَجه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم[ووجوه] أَصْحَابه صَدَقَة طَيء، جئتَ بهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. ثمَّ أَخذ يعْتَذر، قَالَ: إِنَّمَا فرضتُ لقوم أجحفت بهم الْفَاقَة وَهُمْ [سادة] عَشَائِرهمْ لما [ينوبهم] من الْحُقُوق» .
فصل: اعلمْ: أَن الرَّافِعِيّ رحمه الله لمّا ذكر أَن مؤلفة الْمُسلمين عَلَى أصنافٍ، مِنْهُم: مَنْ نِيَّته ضَعِيفَة فِي الْإِسْلَام، ويُرْجى بإعطائه ثباته.
وَمِنْهُم: مَنْ يُرْجى بإعطائه رَغْبَة نظرائه فِي الْإِسْلَام.
قَالَ: وَفِي هذَيْن الصِّنْفَيْنِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يعطيان تأسيَّاً برَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ أعْطى بِالْمَعْنَى الأوَّل: عيينةَ بْنَ حصن، والأقرع بن حَابِس، وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب، وَصَفوَان بن أُميَّة، وبالمعنى الثَّانِي: عديَّ بن حَاتِم، والزبرقان بن بدر.
هَذَا كَلَامه، وَكَذَا ذكره فِي «الشَّرْح الصَّغِير» أَيْضا، وقلَّد فِي الأول القَاضِي حُسَيْن وَصَاحب «المهذَّب» وَفِي الثَّانِي: صَاحب «التَّتِمَّة» و (أعتدوهم) كَانَ من الْغَنِيمَة؛ لِأَن ذَلِك كَانَ فِي وقْعَة حُنين من أَمْوَال هوَازن، لَا من الزَّكَاة. فأمَّا عُيَيْنَة بن حصن فَلَا إِشْكَال فِي عدّه من الْمُؤَلّفَة، وَقد نَصَّ عَلَى ذَلِك غيرُ وَاحِد، وَكَانَ أَيْضا من الْأَعْرَاب الجفاة، قيل: إِنَّه دخل عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من غير إِذن؛ فَقَالَ لَهُ: أَيْن الْإِذْن؟ فَقَالَ: مَا استأذنتُ عَلَى أحدٍ من مُضر. أسلم بعد الْفَتْح، وَقيل: قبله، وَكَانَ مِمَّن أرتد، وَتبع طَلْحَة وَقَاتل مَعَه، وَأخذ أَسِيرًا، وحُمل إِلَى أبي بكر، فَكَانَ صبيان الْمَدِينَة يَقُولُونَ:[يَا عَدو الله أكفرت] بعد إيمانك؟ فَيَقُول: مَا آمَنت بِاللَّه طرفَة. فَأسلم، فَأَطْلقهُ أَبُو بكر. وَأما الْأَقْرَع بن حَابِس فَلَا شكّ فِي عدّه من الْمُؤَلّفَة أَيْضا، وَقد تقدم إِعْطَاؤُهُ يَوْم حنين عَن «صَحِيح مُسلم» وَكَانَ حضر مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فتح مَكَّة وحُنينًا، وَحضر الطَّائِف، فلمَّا قَدِم وفْدُ بني [تَمِيم] كَانَ مَعَهم، فلمَّا قدم
الْمَدِينَة ذكر قصَّة طَوِيلَة فِي آخرهَا: أَنه أسلم، فَقَالَ لَهُ عليه السلام:«لَا يَضرك مَا كَانَ قبلهَا» .
وَأما أَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب فَلَا إِشْكَال فِي عدّه مِنْهُم، وَقد أسلم عامَ الْفَتْح وحَسُنَ إِسْلَامه، وَأَعْطَاهُ من غَنَائِم حنين - وَقد شَهِدَهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مائةَ بعير، كَمَا سلف، وَأَرْبَعين أُوقية، وَأعْطَى ابنيه يزِيد وَمُعَاوِيَة كلَّ واحدٍ مثله، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي «الأغاليط» الَّذِي لَهُ عَلَى «الْوَسِيط» : إِن إِعْطَاؤُهُ أَبَا سُفْيَان كَانَ لضعف نِيَّته فِي الْإِسْلَام كالأقرع وعيينة، وَاعْترض ابْن [معن] فى «تنقيبه عَلَى المهذَّب» فَقَالَ: جَعْله أَبَا سُفْيَان قسم من أسلم وَنِيَّته ضَعِيفَة، لَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَنَّهُ أعطَاهُ قبل أَن يسلم، ثمَّ أسلم بَعْد. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَأما صَفْوَان بن أُميَّة فَفِي عدِّه من مؤلفة الْمُسلمين (وَفِيه أَيْضا) فقد ثَبت فِي أَفْرَاد «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث ابْن شهَاب قَالَ: «غزا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم غَزْوَة الفتحِ فَتْحَ مَكَّة، ثمَّ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بمَنْ مَعَه من الْمُسلمين، فَاقْتَتلُوا بحُنَين، فنصر الله دِيْنَه وَالْمُسْلِمين، وَأعْطَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمئِذٍ صَفْوَان بن أُميَّة مائَة مَِنَ النعم، ثمَّ مائَة، ثمَّ مائَة» . قَالَ ابْن شهَاب: حَدثنِي سعيد بن الْمسيب: أَن صَفْوَان قَالَ: واللهِ لقد أَعْطَانِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإنَّهُ لأبغض النَّاس إليَّ، فَمَا برح يعطيني حَتَّى إِنَّه لأحب النَّاس إليَّ.
وَالظَّاهِر أَنه كَانَ كَافِرًا وَالْحَالة هَذِه، بل صرَّح بذلك الرَّافِعِيّ نَفسه
فِي كتاب «السّير» حَيْثُ قَالَ: شهد صَفْوَان حَرْبَ حنين مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُشْرك وَسَبقه بذلك الشَّافِعِي فَقَالَ فِي «الْمُخْتَصر» : وَأعْطَى صَفْوَان بن أُميَّة، وَلم يعلم، وَلكنه أَعَارَهُ أداته، فَقَالَ فِيهِ [عِنْد] الْهَزِيمَة أحسن [مِمَّا] قَالَ بعض من أسلم من أهل مَكَّة عَام الْفَتْح؛ وَذَلِكَ أَن الْهَزِيمَة كَانَت فِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم حنين أول النَّهَار، فَقَالَ لَهُ رجل: غلبت هوَازن، أَو قتل مُحَمَّد. فَقَالَ صَفْوَان: بفيك الْحجر، فواللهِ لرب من قُرَيْش أحب إليَّ من رب هوَازن. وَأسلم قومُه من قُرَيْش، وَكَأَنَّهُ لَا يشك فِي إِسْلَامه.
هَذَا لَفظه بِرُمَّتِهِ، وَهَذَا الرجل الْقَائِل عِنْد الْهَزِيمَة مَا تقدم هُوَ: أَبُو سُفْيَان كَمَا نبَّه الْمَاوَرْدِيّ وَابْن الصّباغ وَغَيرهمَا قَالُوا: وَكَانَ صَفْوَان داهية فِي الْإِسْلَام، واستعار مِنْهُ عليه السلام فأعاره مائَة درع، وَحضر مَعَه حُنينًا، فلمّا انجلت الْوَقْعَة أعطَاهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مائَة بعير، فألفَّه بهَا، فلمَّا رَآهَا وَقد امْتَلَأَ بهَا الْوَادي قَالَ: واللهِ هَذَا عَطاء مَنْ لَا يخَاف الْفقر. قَالَ: ثمَّ أسلم بعد ذَلِك. وَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِي فِي «الأمُ» عَلَى أَنه أعطَاهُ قَبْل أَن يسلم.
وَكَذَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» أَيْضا، فَقَالَ: أعْطى صفوانَ قبل أَن يسلم) وَكَانَ (كَأَنَّهُ) لَا يشك فِي إِسْلَامه.
قلت: لأجْل نِيَّته فِي الْإِسْلَام، وَلِهَذَا «لمَّا ضَاعَ بعض أدراعه عرض عَلَيْهِ رَسُول (أَن يضمنهَا لَهُ، فَقَالَ: أَنا الْيَوْم فِي الْإِسْلَام أرغبُ يَا رَسُول الله» .
رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ.
وَفِي (أبي) دَاوُد: «لَا يَا رَسُول الله؛ لِأَن فِي قلبِي الْيَوْم مَا لم يكن يَوْمئِذٍ» .
وَقد ذكر هَذَا الموضعَ الغزاليُّ فِي «وسيطه» عَلَى الصَّوَاب، فَقَالَ: وَقد أعْطى صَفْوَان بن (أُميَّة) فِي حَال كفره ارتقابًا لإسلامه.
وَخط النَّوَوِيّ عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي «الأغاليط المنسوبة إِلَيْهِ» : هَذَا غلط صَرِيح بالِاتِّفَاقِ من أَئِمَّة النَّقْل وَالْفِقْه، بل إِنَّمَا أعطَاهُ بعد إِسْلَامه؛ لِأَن نيَّته كَانَت ضَعِيفَة فى الْإِسْلَام
…
انْتَهَى.
وَهَذَا عجبٌ من النَّوَوِيّ؛ كَيفَ جعل الصَّوَاب غَلطا صَرِيحًا؟ ! ثمَّ ادَّعى الِاتِّفَاق عَلَيْهِ؟ ! وَقد سبق بالاستدراك عَلَيْهِ صَاحب «الْمطلب» فَقَالَ: عجيبٌ من النَّوَوِيّ، كَيفَ قَالَ ذَلِك؟ ! نَعَمْ الرافعيُّ وطائفةٌ - مِنْهُم: ابْن أبي الدَّم - قَالُوا: مَا ذكره، ثمَّ قَالَ: وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. وَذكر فِي حَدِيث سعيد بن الْمسيب السالف عَن مُسلم، وَلكنه عزاهُ إِلَى التِّرْمِذِيّ وَحده، فِي قَول صَفْوَان بن أُميَّة السالف «أَعْطَانِي
…
» إِلَى آخِره