الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد احْتج بِهِ مُسلم، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ.
تَنْبِيهَانِ:
الأول: زَاد رُزين فِي «كِتَابه» فِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة غَرِيبَة، وَهِي:«فَأَتَى أَبُو بكر بكلِّ مَاله وَقد تخَلّل العباءة» . وَلم يعزها ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» .
الثَّانِي: وَقع فِي «وسيط الْغَزالِيّ» زِيَادَة غَرِيبَة أَيْضا، وَهِي: أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي آخِرِه: « (بَيْنكُمَا كَمَا بَين كلمتيكما) » .
قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَهِي غَرِيبَة لَا تعرف.
الحَدِيث التَّاسِع
هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فى «سنَنه» من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، عَن مَحْمُود بن لبيد، عَن جَابر
بن عبد الله الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رجل بِمثل بَيْضَة من ذهب، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أصبتُ هَذِه من مَعْدن، فَخذهَا فَهِيَ صَدَقَة، مَا أملك غَيرهَا. فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَتَاهُ من قِبَل رُكْنه الْأَيْمن؛ فَقَالَ مثل ذَلِك؛ فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله. (ثمَّ أَتَاهُ) من قِبَل رُكْنه الْأَيْسَر، فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلفه؛ أَخذهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَحَذَفه بهَا، فَلَو أَصَابَته لَأَوْجَعَتْهُ أَو لَعَقَرته، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَأْتِي أحدكُم بِمَا يملك، فَيَقُول: هَذِه صدقتي، ثمَّ يقْعد (يَسْتَكِف) النَّاس، خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهرْ غِنىً» .
وَإِسْنَاده جيد، لَوْلَا عنعنة ابْن إِسْحَاق.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيقه، لِأَنَّهُ ذكر ابْن إِسْحَاق فِي «ثقاته» وانتصر لنَفسِهِ، كَمَا أسلفناه عَنهُ فِي الصَّلَاة، وَلَفظه فِي إِيرَاده عَن جَابر قَالَ: « (إِنِّي لعِنْد) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، إذْ جَاءَهُ رجل بِمثل الْبَيْضَة من (ذِهب) قد أَصَابَهَا من بعض الْمَغَازِي، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، خُذ هَذِه منِّي صَدَقَة، فواللَّهِ مَا أصبح لي مَال غَيرهَا. قَالَ: فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ مِنْ شِقِّه الآخر [فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك] فَأَعْرض عَنهُ، ثمَّ جَاءَهُ من قِبَل وَجهه، فَأَخذهَا مِنْهُ فَحَذفهُ بهَا حَذْفَةً (لَو أَصَابَهُ
عقره) أَو أوجعهُ) ثمَّ قَالَ: يَأْتِي أحدكُم إِلَى جَمِيع مَا يملك فَيتَصَدَّق بِهِ، ثمَّ يقْعد يَتَكَفَّف الناسَ، إِنَّمَا الصَّدَقَة عَن ظهر غِنَىً، خُذْ عَنَّا مَالك؛ لَا حَاجَة لنا بِهِ» .
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» أَيْضا من جِهَته ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَمرَاده فِي المتابعات لَا فِي الْأُصُول، لَا جرم قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديث المهذَّب» : إِنَّه حَدِيث حسنٌ وَحَدِيث جَابر الْآتِي فِي كتاب الْعتْق «ابدأ بِنَفْسِك فتصدَّق عَلَيْهَا» . فِي قصةٍ مَعَ الْمُدبر شاهدٌ لَهُ.
فَائِدَة: قَوْله: «حذفه» : اخْتُلِفَ فِي ضَبطه؛ هَل هُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة أَو بِالْمُعْجَمَةِ، فقيده النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» فِي هَذَا الْبَاب بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَكَذَا ابْن [معن] فِي «تنقيبه» قَالَ: وَهُوَ الْإِلْقَاء بباطن الْكَفّ، قَالَ: ويُرْوى بِالْخَاءِ - يَعْنِي بِالْمُعْجَمَةِ - قَالَ: (وَهُوَ الْإِلْقَاء بأطرف الْأَصَابِع. وَقَالَ صَاحب (المستعذب عَلَى الْمُهَذّب) : حذفه: رَمَاه بهَا) وأصل الْحَذف الرَّمْي بالعصا والخذف: الرَّمْي بالحصا. وَكَذَا قَالَ القلعي: «حذفه» بِالْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ: وَلَو رُوي: «فقذفه بهَا قذفة» لَكَانَ أصوب؛ لِأَن الْقَذْف بِالْحجرِ، والحذف بالعصا، وَأما الْخذف - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة -: فَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون بالحصاة وَنَحْوهَا، وتُجعل بَين السبَّابتين ويرمى بهَا. وَقَالَ الْحَافِظ محب الدَّين فِي «أَحْكَامه» : إِنَّه لَا
يبعد أَن تكون الرِّوَايَة بِالْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الظَّاهِر. وَفِي «حَوَاشِي السّنَن» لِلْمُنْذِرِيِّ فِي بَاب عَطِيَّة من سَأَلَ بِاللَّه عز وجل من كتاب الزَّكَاة الْخذف - بِالْخَاءِ والذال المعجمتين - الرَّمْي بالحصا، والحذف - بِالْحَاء الْمُهْملَة - الرمى بالعصا، و «الْعقر» : الْجرْح هَاهُنَا، وَيسْتَعْمل أَيْضا فِي الْقَتْل والهلاك، و «رُكْنه» جَانِبه وَفِي «يَتَكَفَّف» تأويلات: أَحدهَا: (يمد) كَفه للسؤال، (أَي: يتَعَرَّض لَهَا وَيَأْخُذ الصَّدَقَة بكفه) ، ثَانِيهَا: يَأْتِيهم من (كففهم أَي) من جوانبهم ونواحيهم. ثَالِثهَا: أَن يسألهم كفًّا من طَعَام. رَابِعهَا: يطْلب مَا يكف بِهِ الجوعة. حكاهن صَاحب «المستعذب عَلَى المهذَّب» وَمن الْأَخير: «يَتَكَفَّفُونَ النَّاس» ووقعَ فِي بعض كتب الْفُقَهَاء: «يَتَكَفَّف» بدل «يَسْتَكِف» ، وَهُوَ مَا فِي «صَحِيح ابْن حبَان» كَمَا أسلفته، (وهما صَحِيحَانِ، قَالَ أهل اللُّغَة: يُقَال فِيهِ: تكفف واستكف) وَقَوله: «عَن ظهر غِنىً» : قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ: عَن غِنىً [يعتمده] ويستظهر بِهِ عَلَى النوائب. وَذكر الْمَاوَرْدِيّ - من أَصْحَابنَا - لَهُ مَعْنيين، أَحدهمَا: هَذَا، وَثَانِيهمَا: أَن مَعْنَاهُ: الِاسْتِغْنَاء عَن أَدَاء الْوَاجِبَات. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» : وَالأَصَح مَا قَالَه غَيرهمَا: أَن المُرَاد غِنى النَّفس، أَي: إِنَّمَا تَصلح الصَّدَقَة لمن قويت نَفسه واستغنت بِاللَّه، وثبَّت نَفسه وصبر عَلَى الْفقر.
وَالْقَاضِي حُسَيْن قَالَ: مَعْنَى قَوْله: «عَن ظهْر غِنىً» أَي: (وَرَاء) الغِنى، قَالَ (ابْن) دَاوُد - من أَصْحَابنَا -: قيل: لم يسْبق الرَّسُول صلى الله عليه وسلم إِلَى هَذِه اللَّفْظَة.
وَذكر الرافعيُّ فِي الْبَاب أثرا وَاحِدًا، وَهُوَ: عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه: «أَنه كَانَ يشرب من سقايات بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، فَقيل (لَهُ) : أتشرب من الصَّدَقَة؟ فَقَالَ: إِنَّمَا حرم (الله) علينا الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة» .
وَهَذَا الْأَثر بَيَّض لَهُ المنذريُّ ثمَّ النوويُّ، وَهُوَ فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» و «الْمعرفَة» ، قبل اللّقطَة: قَالَ الشافعيُّ: أَنا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه:«أَنه كَانَ يشرب من سقايات كَانَ يَضَعهَا النَّاس بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، فَقلت لَهُ - أَو: قيل لَهُ -: (أتشرب من الصَّدَقَة؟) فَقَالَ: إِنَّمَا حرمت علينا الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة» .
وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» قبيل النِّكَاح: رُوي عَن أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عليّ، وَهُوَ فِي «الْأُم» أَيْضا، قَالَ ابْن دَاوُد: وَقَول جَعْفَر بن مُحَمَّد ذَلِك (لين) لِأَن المَاء الْمَوْضُوع عَلَى الطَّرِيق صَدَقَة تطوع، بل طَرِيقه طَرِيق الْإِبَاحَة، إِذْ الصَّدَقَة يملكهَا المتصدَّق عَلَيْهِ ملكا مُفِيدا
للتَّصَرُّف، وَلَكِن اسْتعْمل جَعْفَر فِي الْجَواب مَا هُوَ أظهر وَأبين، هَذَا كَلَامه، لَكِن سُؤال السَّائِل لَهُ عَن ذَلِك لأجل الْخَبَر يدل عَلَى أَنه من الصَّدَقَة، وَإِلَّا لما كَانَ للسؤال عَن ذَلِك مَعْنَى.
أخِرُ رُبْع الْمُعَامَلَات.