الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون لكل منهما أربعون شاة، فإذا ضم مالهما صار ثمانين، فالواجب فيهما شاة واحدة عليهما -بخلاف ما إذا لم يكونا شريكين، فيكون على كل منهما شاة.
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتال الرجلان فيشتركا تهربًا من الصدقة وتخفيفًا لها.
2 -
وقد يكون في الشركة تثقيلاً على الشريكين، كأن يكونا شريكين (40) شاة، فتجب عليهما شاة، بخلاف، ما إذا كانا متفرقين فليس على أحدهما شيء فنُهى الشركاء عن تفريق مالهما تهربًا من الزكاة.
هل للخلطة تأثير في الأموال غير المواشي؟
مذهب الحنابلة (1) أن الخلطة لا تؤثر في غير بهيمة الأنعام، قالوا: لأن الخلطة في الماشية يكون فيها منفعة أحيانًا وضرر أحيانًا، أما غير الماشية فلا يتصور فيها غير الضرر برب المال، لأنه تجب فيها الزكاة فيما زاد على النصاب بحسابه، فلا أثر لجمعها، وعليه فإذا كان لكل من الشريكين مال غير الماشية يبلغ نصف النصاب فليس عليهما شيء. ومذهب الشافعي (2): أن الخلطة تؤثر في غير المواشي كذلك كالزروع والثمار والدراهم والدنانير ونحوها.
زكاة الزروع والثمار
الزكاة في الزروع والثمار -في الجملة- واجبة، وقد ثبت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع، وإن اختلفوا في التفاصيل (3).
وستأتي أدلة الكتاب والسنة أثناء بحثنا فيما بعد.
الزروع والثمار التي تجب فيها الزكاة
اتفق أهل العلم على وجوب إخراج الزكاة في الأصناف التي أخذ منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي (القمح والشعير، والتمر والزبيب)، ثم حصل بينهم خلاف فيما عدا المنصوص عليه، فنجمل أقوالهم فيما يأتي:
[1]
أنه لا زكاة إلا في الأصناف الأربعة، ولا شيء فيما عداها (4):
(1)«الإنصاف» (3/ 83).
(2)
«مغنى المحتاج» (2/ 76).
(3)
«بدائع الصنائع» (2/ 54).
(4)
«المحلى» (5/ 209) وما بعدها، و «نيل الأوطار» (4/ 170)، و «الأموال» لأبي عبيد (469/ 1378)، و «تمام المنة» (ص 372 - 373)، و «فقه الزكاة» (1/ 377).
وهذا مذهب ابن عمر (1)، والحسن البصري (2)، والثوري، والشعبي، وابن سيرين، وابن المبارك، وأبي عبيد وغيرهم من السلف، وهو رواية عن أحمد، وهو مذهب ابن حزم غير أنه لم يصح عنده في الزبيب حديث فلم يقل به، وهو مذهب الشوكاني ثم الألباني.
واحتج أصحاب هذا القول:
بما روى عن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن -يعلمان الناس أمر دينهم- فأمرهما ألا يأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب» (3).
وبأن غير هذه الأربعة، لا نص فيه ولا إجماع ولا هو في معناها في غلبة الافتيات بها، وكثرة نفعها ووجودها، فلم يصح قياسه عليها، ولا إلحاقه بها، فيبقى على الأصل.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين خصَّ هذه الأصناف الأربعة للصدقة، وأعرض عما سواها، قد كان يعلم أن للناس أقواتًا وأموالاً، مما تخرج الأرض سواها، فكان تركه ذلك وإعراضه عنه عفوًا منه كعفوه عن صدقة الخيل والرقيق.
[2]
أن الزكاة في كل ما يقتات ويُدَّخر (4): (وهو مذهب مالك والشافعي).
والمقتات هو: ما يتخذه الناس قوتًا يعيشون به في حال الاختيار، لا في الضرورة، كالقمح والشعير والذرة والأرز ونحوها، ولا تجب في الجوز واللوز والفستق ونحوها، فهي وإن كانت مما يدخر، فليست مما يقتات الناس به.
واحتج أصحاب هذا القول: بحديث معاذ بن جبل وفيه: «فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضر فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم» (5).
(1) روى أبو عبيد (469/ 1378) بسند صحيح عن ابن عمر قال في صدقة الزروع والثمار: «ما كان من نخل او عنب أو حنطة أو شعير» ونحوه في «مسند الشافعي» (656) بسند صحيح.
(2)
رواه عنه أبو عبيد (469/ 1379 - 1380)، وابن زنجويه (1030/ 1899) بأسانيد صحيحة عنه.
(3)
الحاكم (1/ 401)، والبيهقي (4/ 125)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (879).
(4)
«الموطأ» (1/ 276 - ط. الحلبي)، و «المهذب» (5/ 493 - مع المجموع)، و «فقه الزكاة» (1/ 378).
(5)
ضعيف: أخرجه البيهقي (4/ 129)، والحاكم (1/ 558)، والدارقطني (2/ 97)، وانظر «التلخيص» (837).
وبأن الأقوات تعظم منفعتها فهي كالأنعام في الماشية.
[3]
أن الزكاة في كل ما ييبس ويبقى ويُكال (1): (وهو أشهر الروايات عن أحمد) وهذا يدخل فيه الحبوب والثمار المكيلة المدخرة والقطاني (الفول والحمص والعدس
…
) والتمر والزبيب واللوز والفستق وغيرها لاجتماع هذه الأوصاف فيها.
ولا زكاة في سائر الفواكه كالجوز والتفاح ونحوهما ولا في الخضروات واحتج القائلون بهذا القول:
1 -
بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (2) قالوا: فيه اعتبار التوسيق، فدل على أن الزكاة إنما تكون فيما يُوسق ويكال.
2 -
وبقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس في حب ولا تمر صدقة، حتى يبلغ خمسة أوسق
…
» (3).
قالوا: وهذا يدل على وجوب الزكاة في الحب والتمر وانتفائها عن غيرهما.
واختار ابن تيمية أن المعتبر هو الادخار لا غير، لوجود المعنى المناسب لإيجاب الزكاة فيه بخلاف الكيل فإنه تقدير محض والوزن في معناه.
[4]
أن الزكاة في كل ما أخرجت الأرض مما يزرعه الآدمي (4):
وهو قول عمر بن عبد العزيز وهو مذهب أبي حنيفة وداود الظاهري، ورجحه ابن العربي وأطال في تأييده، واختاره القرضاوي.
واحتجوا لمذهبهم بما يأتي:
1 -
عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ
…
} (5).
قالوا: فلم يفرق بين مخرج ومخرج.
2 -
قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (6). بعد ذكر أنواع المأكولات من الجنات والنخل والزرع والزيتون والرمان.
(1)«المغنى» (2/ 690)، و «شرح منتهى الإرادات» (1/ 388)، و «فقه الزكاة» (1/ 381).
(2)
البخاري (1447)، ومسلم (979).
(3)
مسلم (979)، والنسائي (2485).
(4)
«المحلى» (5/ 212)، و «الهداية» (2/ 502)، و «عارضة الأحوذي» (3/ 135).
(5)
سورة البقرة: 267.
(6)
سورة الأنعام: 141.
3 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء العشر، وفيما سُقى بالنضح نصف العشر» .
قالوا: فلم يفرق بين مقتات وغير مقتات، ومأكول وغير مأكول، وما يبقى وما لا يبقى، قال ابن العربي:«وأقوى المذاهب في المسألة مذهب أبي حنيفة دليلاً، وأحوطها للمساكين، وأولاها قيامًا بشكر النعمة، وعليه يدل عموم الآية والحديث» . اهـ.
وطعن هؤلاء في الأحاديث التي حصرت الزكاة في الأصناف الأربعة، قالوا: وعلى فرض صحتها فهي مؤولة بأنه لم يكن ثمت غير هذه الأربعة؟!
القول الراجح مما سبق؟
لا يشترط الحول في زكاة الزروع والثمار:
لا يشترط الحول في زكاة الزروع والثمار، باتفاق العلماء، لقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (1).
ولأن الخارج نماء في ذاته فوجبت فيه الزكاة، بخلاف سائر الأموال الزكوية، فإنما اشترط فيها الحول ليمكن فيه الاستثمار (2).
متى تجب الزكاة في الزروع والثمار؟ ومتى تُخرج؟
تجب الزكاة عند بدو صلاح الزروع، باشتداد الحب، لأنه حينئذ طعام، وهو قبل ذلك بقل، كما تجب عند حلول الحلو أو التلون في التمر والعنب، وهو قبل ذلك بلح وحصرم.
وأما وقت إخراجها، فيجب إخراج الزكاة من الحبوب بعد التصفية، ومن الثمار بعد الجفاف، لأنه وقت الكمال وحالة الادخار.
ويتفرع على هذا أن الزرع لو تلف قبل وجوبه -قبل بدو الصلاح- فلا شيء عليه، ولو تلف بعد بدو صلاحه لكن قبل حفظه وتخزينه فلا ضمان عليه (3).
هل يشترط نصاب للزرع والثمار؟ وما مقداره؟
يشترط في وجوب الزكاة بلوغ النصاب عند الجمهور ومقداره: خمسة أوسق من الحب المصفَّى من التين.
لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (1).
وهذا المقدار يساوي (2): (50) كلية مصرية.
وتساوي (4 وسدس) أردب
وهو يساوي أيضًا ملء الإناء الذي يتسع لحوالي (647 كيلو جرام) من القمح.
فإذا نقص المحصول عن هذا النصاب لم يجب فيه الزكاة عند الجمهور ومنهم صاحبا أبي حنيفة، أما أبو حنيفة فأوجب الزكاة في القليل والكثير مستدلاً بعموم الحديث:«فيما سقت السماء العشر ....» (3) ولأنه لا يعتبر الحول له، فلم يعتبر له النصاب.
لكن الحديث: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (4) لا يجوز معارضته بالحديث السابق، فإن هذا خاص محكم مبين، وذاك عام متشابه مجمل، وهذا مبين للنصاب، وذاك إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وما يجب فيه نصفه، فلا معارضة بينهما والله أعلم (5).
كيف يقدر النصاب في غير المكيلات عند من يوجب الزكاة فيها؟
أما ما لا يقدر بالكيل كالقطن مثلًا -عند من يوجب الزكاة فيه- فاختلف في تقدير نصابه على أقوال (6):
1 -
يعتبر فيه القيمة، فإذا بلغت قيمته أدنى نصاب مما يوسق ففيه الزكاة وإلا فلا.
2 -
يعتبر خمسة أمثال أعلى ما يقدر به ذلك الشيء.
3 -
يعتبر فيه نصاب النقود.
4 -
لا يعتبر فيه النصاب ويزكى قليله وكثيره.
يقدر بالوزن على ما تقدم بأنه (647) كيلو جرام.
ورجح الأخير ابن قدامة في المغنى (2/ 697) وقال معقبًا على الأقوال الأخرى:
(1) متفق عليه وقد تقدم.
(2)
«فقه الزكاة» (1/ 400).
(3)
يأتي تخريجه قريبًا.
(4)
متفق عليه، وقد تقدم.
(5)
انظر «المغنى» (2/ 695)، و «إعلام الموقعين» (3/ 229).
(6)
انظر: «فقه الزكاة» (1/ 401).
واختار القرضاوي اعتبار القيمة.
أما مقيده -عفا الله عنه- فلست أرى فيها الزكاة أصلاً.
هل يُضم المحاصيل بعضها إلى بعض لتكميل النصاب؟
أظهر أقوال العلماء «أنه يُضم الأنواع من الجنس الواحد بعضها إلى بعض ولا تضم الأجناس، فلا تضم حنطة إلى شعير، ونحو ذلك، ولا يضم أجناس القطنية بعضها إلى بعض، فلا يضم الحمص إلى الباقلاء والعدس ونحو ذلك ....» (1) وهذا مذهب جمهور السلف.
«أما أصناف القمح فيضم بعضها إلى بعض، وكذلك تضم أصناف الشعير بعضها إلى بعض، وكذلك أصناف التمر بعضها إلى بعض» (2) وإن اختلف أسماؤها، ولو تباعدت البساتين التي يملكها الرجل.
ومن العلماء من أجاز ضم القمح والشعير، وضم القطاني: «الفول والحمص والعدس والبازلاء ونحوها، لتكميل النصاب من مجموعها، وهو مذهب مالك ورواية عن أحمد، واختيار شيخ الإسلام (3).
قلت: لكن هذا القول لا أعلم عليه دليلاً، فالظاهر الأول، والله أعلم.
هل تضم محاصيل العام الواحد بعضها إلى بعض لتكميل النصاب؟
إذا كان عند إنسان بستان بعضه يُجنى مبكرًا، وبعضه يتأخر، فإنه يُضم بعضه إلى بعض لتكميل النصاب ما دام في عام واحد، وهو اختيار شيخ الإسلام (4).
لكنا نقيد هذا بما تقدم من اشتراط أن يكون المحصول من نفس الصنف أما ثمرة عامين فلا تضم بعضها إلى بعض.
خرص النخيل والأعناب
ينبغي للسلطان (الحاكم) إذا بدا صلاح الثمار أن يرسل ساعيًا يخرصها -أي يقدر كم سيكون مقدارها بعد الجفاف- ليعرف قدر الزكاة الواجبة على أصحابها، ويعرفهم بها، ويخيرهم بين حفظها إلى الجفاف، وبين الأكل منها -رطبًا- وضمان
(1)«المجموع» للنووي (5/ 511 - 513).
(2)
«المحلى» لابن حزم (5/ 253).
(3)
«المغنى» (2/ 560)، و «المدونة» (1/ 288)، و «مجموع الفتاوى» (25/ 23 - 24).
(4)
«مجموع الفتاوى» (25/ 23)، وانظر «المغنى» (2/ 733).
حق الفقراء، فإن اختار حفظها حتى جفاف الثمر، فعليه حينئذ زكاة ما حفظه بعد جفافه قلَّ أو كثر، وإن اختار -أصحاب الثمر- الأكل منها فإنه يخرج حصة الفقراء بحساب الخرص.
فعن أبي حميد السادي رضي الله عنه قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى، إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «اخرصوا» ، وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق، فقال لها: أحصى ما يخرج منها
…
فلما أتى وادي القرى قال للمرأة: كم جاء حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق، خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه، ثم يخيِّر يهود: يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص، لكي يحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق» (2).
هل يجوز الأكل من الزرع قبل حصاده؟ وهل يحسب عليه؟
يجوز لصاحب الزرع أن يأكل منه ما يحتاج إليه قبل الحصاد، وله أن يتصدق منه حين الحصاد، ولا يحسب هذا عليه، وإنما يزكي ما صفى بعد هذا، لأن الزكاة لا تجب إلا حين إمكان الكيل، فما خرج عن يده قبل ذلك، فقد خرج قبل وجوب الصدقة فيه.
وبهذا قال الشافعي والليث وابن حزم (3).
ما مقدار الزكاة الواجبة في الزروع والثمار إذا بلغت النصاب؟
يختلف القدر الواجب في زكاة الزروع والثمار باختلاف طرق السقى (الري): فما سُقى بدون استعمال الآلات -من السواقي أو الماكينات- فيُخرج فيه العُشر (1/ 10).
وما سُقى باستعمال الآلة أو بماء مُشترى، ففيه نصف العشر (1/ 20) والدليل على هذا:
(1) البخاري (1482)، ومسلم (1392).
(2)
أبو داود (1606)، وأبو عبيد في «الأموال» (483/ 1438)، والبيهقي (4/ 123)، وأحمد (6/ 163) وهو حسن لشواهده كما في «الإرواء» (805).
(3)
«المحلى» (5/ 259).
1 -
حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا (1) العُشر، وفيما سُقى بالنضح نصف العُشر» (2).
2 -
وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت الأنهار والغيم: العُشور، وفيما سقى بالسانية: نصف العشور» (3).
«فإن سقيت الأرض نصف الوقت بكلفة ونصفها بغير كلفة: فالزكاة ثلاثة أرباع العشر اتفاقًا.
وإن سقيت بأحدهما أكثر من الآخر فالجمهور على اعتبار الأكثر، ويسقط حكم الأقل، وقيل: يعتبر كل منهما بقسطه.
وإن جهل المقدار الغالب يخرج العشر احتياطًا، لأن الأصل وجوب العشر، وإنما يسقط بوجود الكلفة» (4).
هل تُطرح تكاليفُ ونفقاتُ الزراعة والديُّونُ من الخارج ثم يزكى الباقي؟
1 -
أما الديون التي تكون على صاحب الزرع أو الثمر:
فلا تخلو من أحد أمرين:
الأول: أن يكون استدانها للنفقة على الزرع كثمن البذر والسماد وأجرة العمال ونحوها فهذه تطرح من الخارج من الأرض ثم يزكى الباقي، وهذا مذهب ابن عمر وجماعة من السلف منهم سفيان الثوري ويحيى بن آدم والإمام أحمد.
والثاني: أن يكون استدانها للنفقة على نفسه وأهله: فذهب ابن عمر إلى أنها تطرح [تقضى] ثم يزكى ما بقي.
وذهب ابن عباس إلى أنه لا يطرح دينه عن الخارج إلا أن يكون أنفقه على ثمره كما تقدم:
فعن ابن عمر قال: يبدأ بما استقرض فيقضيه، ويزكى ما بقي.
(1) العثرى: ما يصيبه ماء المطر أو ماء النهر بغير سقى.
(2)
البخاري (1483)، وأبو داود (1581)، والترمذي (635)، والنسائي (5/ 41)، وابن ماجه (1817).
(3)
مسلم (981)، وأبو داود (1582)، والنسائي (5/ 42).
(4)
انظر «المغنى» (2/ 699).
وقال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة ثم يزكى ما بقي (1).
وعن الإمام أحمد روايتان كقول كل منهما.
ورجَّح أبو عبيد مذهب ابن عمر ومن وافقه في رفع كل الديون من الخارج، إذ الذي عليه دين يحيط بماله ولا مال له، هو من أهل الصدقة، فكيف تؤخذ منه الصدقة وهو من أهلها؟ وكيف يكون غنيًّا فقيرًا في حالة واحدة؟ (2).
قلت: وهذا هو الراجح، وعليه فمن أخرجت أرضه - (20) وسقًا مثلًا من القمح- وكان مدينًا بما يعادل (17) وسقًا فإنه يقضيها ويبقى له (3) أوسق فليس فيها زكاة لأنها دون النصاب، والله أعلم.
2 -
وأما النفقات على الزرع إذا لم تكن دَيْنًا:
كتكاليف البذر والسماد والحرث والحصاد ونحوها، فللعلماء فيها قولان:
الأول: أنها لا تُطرح من الخارج قبل أخذ العشر أو نصفه:
وهو مذهب الحنفية وابن حزم (3).
قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة، ولو رفعت المؤنة لكان الواجب بنفس المقدار، لأنه لم ينزل العشر إلى نصفه إلا المؤنة، والفرض أن الباقي بعد رفع قدر المؤنة لا مؤنة فيه.
والثاني: أنها تطرح من الخارج ويزكى ما بقي: وهو مذهب الحنابلة ورجحه ابن العربي (4) وهذا هو الأرجح والأشبه بروح الشريعة ويؤيده أمران (5):
1 -
أن للكلفة والمؤنة تأثيرًا في نظر الشارع، فقد تقلل مقدار الواجب، كما في السقى بآلة، وقد تمنع الزكاة أصلاة كما في الأنعام المعلوفة أكثر العام، فلا عجب في إسقاط ما يقابلها من الخارج من الأرض.
2 -
أن حقيقة النماء هو الزيادة، ولا يعد المال زيادة وكسبًا إذا أنفق مثله في الحصول عليه.
(1) أخرجه عنهما أبو عبيد في «الأموال» (ص 509)، ويحيى بن آدم في «الخراج» (ص 162) بسند صحيح.
(2)
«الأموال» لأبي عبيد (ص 510).
(3)
«حاشية ابن عابدين» (2/ 49)، و «فتح القدر» (2/ 8 - 9)، و «المحلى» (5/ 258).
(4)
«المغنى» (2/ 698)، و «عارضة الأحوذي» (3/ 143).
(5)
«فقه الزكاة» (1/ 424).
الأراضي نوعان: عُشرية وخَراجِيَّة
الأرض العُشرية: هي الأرض التي أسلم أهلها طوعًا، أو فتحت عُنْوة وقسمت بين الفاتحين، أو أحياها المسلمون.
والأرض الخراجيَّة: هي التي فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين، وتركت في أيدي أهلها، أو صولح أهلها نظير خراج معلوم.
وهذا الخراج نوعان:
1 -
خراج وظيفة: وهو ضريبة مفروضة على الأرض سواء استغلها صاحبها أم تركها، وقد وظفه عمر رضي الله عنه.
2 -
خراج مقاسمة: وهو ضريبة مقطوعة من الناتج الزراعي، كأن يؤخذ نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر.
زكاة الخارج من الأرض الخراجية
إذا أخرجت الأرض الخراجية ما تجب فيه الزكاة من الزروع:
فذهب الجمهور أن يؤدَّى الخراج أولاً، ثم يزكى ما بقي، واستدلوا:
1 -
بعموم الآيات والأحاديث المتقدمة التي تدل على الوجوب من غير تفريق بين العشرية والخراجية.
2 -
وبكتاب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن عوف -عامله على فلسطين- فيمن كانت في يده أرض بجزيتها من المسلمين: أن يقبض جزيتها، ثم يأخذ منها زكاة ما بقي بعد الجزية (يعني الخراج)(1).
3 -
وعن سفيان الثوري قال فيما أخرجت الخراجية: «أرفع دَيْنك وخراجك، فإن بلغ خمسة أوسق بعد ذلك فزكِّها» (2).
4 -
بأن الخراج والعشر حقان مختلفان ذاتًا ومحلاًّ وسببًا ومصرفًا ودليلاً وقد خالف الحنفية في هذا فمنعوا اجتماع الخراج والعشر في الأرض واحتجوا بحديث باطل وهو «لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم» (3) وقول الجمهور أقوى والله أعلم.
(1)«الأموال» لأبي عبيد (ص 88).
(2)
«الخراج» ليحيى بن آدم (ص 163).
(3)
«الكامل» لابن عدي (7/ 2155) قال ابن حبان: ليس هذا الحديث من كلام النبوة، وقال شيخ الإسلام (25/ 55):«كذب باتفاق أهل الحديث» اهـ.
كيف تخرج الزكاة في الخارج من الأرض المستأجرة، وهل تكون على المالك أو المستأجر؟
ذهب جمهور العلماء (المالكية والشافعية والحنابلة وصاحبا أبي حنيفة) إلى أن من استأجر أرضًا فزرعها، فالزكاة على المستأجر.
وذهب أبو حنيفة إلى أن العُشر على المؤجر (المالك).
وسبب اختلافهم (1): هل العشر حق الأرض أو حق الزرع؟
قلت: والأظهر أنه حق الزرع، فيجب على المستأجر لا على المالك -كقول الجمهور- لكن بعد أن يطرح الإيجار من الخارج، لأنه أشبه بالخراج.
فمثلاً (2):
إذا كان إيجار الأرض (20) جنيهًا، وأخرجت من القمح (10) أرادب، وكان الإردب يساوي خمسة جنيهات، فيكون مقدار الخارج (10 × 5= 50 جنيهًا) فإنه يخرج عن (6) أرادب فقط، والأربعة تطرح مقابل الإيجار ولو كان المتبقي دون النصاب فليس فيه زكاة.
أما مالك الأرض فإنه يزكي أجرة أرضه على حسب ما تقدم في زكاة المرتبات الشهرية والمكاسب المهنية.
وقد اختار القرضاوي -حفظه الله- أن يزكي ما دفع إليه بدلاً من الزرع وهو الأجرة التي يقبضها بشرط أن تبلغ قيمة نصاب من الزرع القائم بالأرض لأنها بدل عنه (3).
هل تجب الزكاة في العسل؟
العلماء في مسألة زكاة العسل: طرفان ووسط:
1 -
فذهب الجمهور (منهم مالك والشافعي وابن أبي ليلى وابن المنذر) إلى أنه لا زكاة فيه لأمرين:
(أ) أنه ليس في وجوب الزكاة فيه خير يثبت ولا إجماع، والسنن ثابتة فيما يؤخذ منه، فكان العسل عفوًا.
(1)«بداية المجتهد» (1/ 239)، و «مجموع الفتاوى» (25/ 55).
(2)
«فقه الزكاة» (1/ 430).
(3)
«المجموع» (5/ 478)، و «المغنى» (2/ 713)، و «ابن عابدين» (2/ 334)، و «مواهب الجليل» (2/ 278).
(ب) أنه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن، واللبن لا زكاة فيه بالإجماع.
2 -
وذهب الحنفية وأحمد إلى أن العسل تؤخذ منه الزكاة واحتجوا بأمرين:
(أ) بعض الآثار الواردة في هذا:
كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه أخذ من العسل العشر» (1).
قلت: والذي يظهر لي أن الرواية الثانية هي الصواب وأنها تُعِلُّ الأولى، فإن الرواية الأولى من طريق ابن لهيعة والأخرى من طريق عمرو بن الحارث (ثقة ففيه حافظ) والمخرج متحد، والعجب من ابن القيم رحمه الله حيث قال:«هذه الآثار يقوي بعضها بعضًا، وقد تعددت مخارجها! واختلفت طرقها، ومرسلها يعضد بمسندها» ؟! (3).
هذا على أن الرواية الأخرى اختلف في وصلها وإرسالها.
وعلى فرض ثبوتها وأنها موصولة فلا حجة فيها، لأن الظاهر أن أخذ العشر من العسل لم يكن زكاة، وإنما كان في مقابلة الحمى (4)، ولو كان زكاة واجبة لم يكن لعمر الفقه المحدَّث أن يخيِّر فيها. والله أعلم.
(1) ضعيف: أخرجه ابن ماجه (1824)، وأبو عبيد في «الأموال» (497/ 1489) وسنده ضعيف.
(2)
أبو داود (1600)، والنسائي (1/ 346) وغيرهما بسند صحيح واختلف في وصله وانظر «الإرواء» (810).
(3)
«زاد المعاد» (1/ 312).
(4)
وأشار إلى هذا الحافظ في «الفتح» (3/ 348) وقبله ابن زنجويه في «الأموال» (1095)، ثم الخطابي في «معالم السنن» (1/ 208)، ثم رأيت الألباني في «تمام المنة» (ص 374) مال إلى هذا.